نداء “تيموزغا” من أجل الديمقراطية: استمرار في نهج الاستجداء وسباحة ضد تيار التغيير بالمنطقة

الامازيغية11 يناير، 2015

أزنزار

صباح الخير يا مثقفي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

بعد أكثر من 10 سنوات من السبات داخل أروقة المعهد وكراسيه المريحة… وبسبب الهبات الثورية الإقليمية وما حفزته من حراك سياسي شبيبي بالمغرب مجسدا في حركة 20 فبراير، اختارت مجموعة من مثقفي جمعيات “الحركة الثقافية الأمازيغية” المندمجين سابقا في معهد الملك الالتحاق بالركب، لكن يا له من التحاق. فعلى غرار عادتهم وتقاليدهم النضالية المستوردة مباشرة من “نضال الكتلة الديمقراطية”، قامت هذه المجموعة بتوجيه رسالة مفتوحة تحت عنوان “نداء “تيموزغا من أجل الديمقراطية”.

فقد طال ليل العمل داخل “المؤسسات” مع محاولة هؤلاء تجميل أحلام الليل وإضفاء لون الواقعية والعقلانية على اختيارهم “النضال” داخل دياجير مؤسسة الاستبداد، بدل النضال مع الكادحين. وبدل أن يدفع انخراط هؤلاء داخل المعهد إلى التقدم في رفع الحيف على اللغة والثقافة الأمازيغيتين قدموا خدمة عظيمة للملكية في لحظة كانت أحوج فيه إلى هذا الدعم. فهذا أحمد عصيد (صاحب المقالات المثيرة للجدل حول جمود العقل العربي في أشكاله العشائرية القديمة) وأحد الموقعين على الوثيقة يدافع على حق الملكية في الاستفراد بكل الصلاحيات بعد أن انتقد عمل الحكومة واربتاطها بتوجهات الأحزاب المعروفة بعدائها للأمازيغية: ” الأمازيغية لا يمكن أن تجد حلا إلا باللجوء إلى تحكيم المؤسسة الملكية والصلاحيات التي يمنحها الدستور. ونحن مع تسخير هذه الصلاحيات لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدنا” حوار مع موقع مغاربية 25 أبريل 2006.

بعد 10 سنوات من العمل داخل المعهد الأمازيغي، يعترف أنصاره الأوفياء في ندائهم أنه وبعد 10 سنوات “من هذا الاعتراف النسبي بأمازيغية المغرب، ما زلنا نجد أنفسنا في وضعية الشعور بالهوان و”الحكرة” كلما قرأنا نص الدستور المغربي الذي يتجاهل تجاهلا تاما وجود “تيموزغا” هويتنا العريقة…”. في اتجاه يتناقض مع تفاؤل احمد عصيد أحد موقعي النداء في حواره مع موقع مغاربية الالكتروني عام 2006: ” أنا متفائل بان يتم إدخال الأمازيغية في الدستور المغربي، بصيغة من الصيغ تراعي موازين القوى الحالية”. أحمد عصيد الذي استرسل في هذا الحوار في حشد إنجازات المعهد الملكي للدفاع عن منظور القبول به كفتات، يستيقظ بعد 10 سنوات ليخبرنا انه يشعر “بالهوان والحكرة”.

نداء “تيموزغا”: سباحة ضد التيار الثوري الجديد

“ها نحن مرة أخرى… نختار الانخراط الاقتراحي الصادق في النقاش العمومي الذي فتحت بابه حركة الشارع المغربي، بعد أن هبت عليه رياح التحرر من كل جانب..”.

مهما كان المرء مجادلا، فلا يمكن أن يجعل المعزة تطير. وهذا ما ينطبق على ليبراليي المعهد الملكي، الذين رغم ثورية المشهد المغاربي والعربي وإسقاط أنظمة عاتية بقبضات الشباب الثوري وانهيار أساطير التغيير السلمي والعمل من داخل المؤسسات القائمة لإصلاحها.. لازال هؤلاء يؤمنون بأساليب بهتت تحت لفحات شمس الثورة التونسية والمصرية وأيضا نضال حركة 20 فبراير رغم محدوديته لحدود الآن.

لقد اختارت هذه المجموعة بدل الانخراط في حركة الشارع المغربي الاستمرار في أساليب أعفت فيها الحركة الأمازيغية أكثر من عقدين من الزمن؛ المراسلات والالتماسات والاستجداءات، وهذا ما تدل عليه عبارة “ها نحن مرة أخرى” مسبوقة بتذلل ليبرالي مثير للتقزز “رغم كل أشكال الظلم التي كنا هدفا لها، وكل أنواع التهميش والاحتقار التي استهدفت كرامتنا وكياننا”. إن من ألف الذل والمهانة يستطبنه ويجعله وسيلة لجعل ظالمه ينظر إليه بعين الشفقة، وهو أسلوب مرفوض خصوصا في سياق مناخ ثوري كسرت فيه الجماهير جدار الصمت والخوف الذي بنته هذه الأنظمة. طبع هؤلاء العاجزين نداءهم ببكائية مفرطة طبعته بعاطفية مبالغ فيها هدفها الأساسي كسب تعاطف شبيبة الحركة الأمازيغية التي انخرطت في حراك 20 فبراير وخلق هيمنة أيديولوجية على الرأي العام “الأمازيغي” من خلال هذه المبادرة المشهدية، التي تشبه اعترافا أمام طبيب نفسي أكثر من رسالة موجهة لحث الهمم وحفز المبادرات؛ “”نشعر بالامتعاض… نشعر بالغضب… نشعر بالميز الصارح… نشعر بالظلم… نشعر بالإهانة… نشعر بالإحباط… نشعر بإرهاب السلطة… نشعر بالإقصاء… نشعر بالألم … نشعر بالعبث.. نشعر بهدر كرامتنا…”.

إن في حياتنا الكثير مما يثير الامتعاض والقرف والغثيان، لكن دور المناضل ليس استعراضها وشد شعره بكاءا. فليس شد الشعر شكلا نضاليا، بل بالانخراط في النضال الجماهيري مهما كان مستواه ومهما كانت درجة وعي الجماهير مع العمل على فتح السبل أمام هذا النضال (بتدقيق المطالب واقتراح الخطوات النضالية) كي يتطور والوعي السياسي للجماهير كي يترقى.

نداء “تيموزغا”: غيرة وتخوف على الاستبداد

“نداؤنا هذا نداء الأحرار الأمازيغ موجها إلى كل المؤمنين بالديمقراطية، إيمان صدق لا من قبيل التظاهر والرياء، وهدفنا الإسهام في إنجاح الانتقال السلمي نحو دولة القانون، التي تكفل الحريات وتضمن المساواة والعدل بين جميع أفراد الشعب المغربي، الذي يستحق الحرية بعد كل التضحيات الغالية التي بذلها”.

بعد سنوات من مخاطبة المؤسسة الملكية وإيمان صوفي بأن الملك هو الذي سينصف الأمازيغية، أقر موقعو النداء بمرارة مختلطة بالدموع أن الملكية التي اعتبروها “… منذ عقود من تاريخ المغرب الحديث بمثابة الحكم بين الفقراء…” أصبحت الآن تنحاز “إلى طرف دون آخر، بل لعائلات بعينها قد أصبح في تزايد في الآونة الأخيرة، مما يجعلنا نتمسك بمطالبنا الديمقراطية وبضرورة الإصلاح الشامل الذي يؤسس لدولة القانون..”. جدار الرفض هذا جعل موقعي النداء يوجهون النداء إلى “كل المؤمنين بالديمقراطية” وطبعا ليست المؤسسة الملكية بالنسبة لهؤلاء خارج دائرة المؤمنين بل هي “أميرة المؤمنين بالديمقراطية”.

والهدف الأساسي لهذا النداء هو “الإسهام في إنجاح الانتقال السلمي نحو دولة القانون”. إن عبارات وجمل الليبراليين رنانة في مظهرها ولكنها تزخر بكل ألوان الجبن والخيانة السياسيين، فما المقصود هنا بالانتقال السلمي نحو دولة القانون. وهل ما وقع من مد ثوري مطالب بالتغيير في المنطقة الذي “لا عجب أن يبادر الأمازيغ بلا تردد إلى دعمه..”، كان هو الانتقال السلمي نحو دولة القانون.

لقد صارع شباب وجماهير تونس بكل ما أوتوا من قوة وقدموا ثمنا لذلك دماء شهدائهم كي يمنعوا “الانتقال السلمي نحو دولة القانون”. إن هذه الجملة عنت في مصر مبادرات مبارك تكليف نائبه عمر سليمان الابن المدلل للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية بمهام الرئاسة وبقاء مبارك في سدة الرئاسة حتى انتهاء ولايته، وهو ما رفضه الشباب الثوري بمصر وفرضوا على مبارك التنحي وعلى مقولة “الانتقال السلمي” التواري عن الأنظار. نفس الظاهرة نشهد فصولها الدرامية حاليا حيث يجهد علي صالح باليمن ودول الخليج بمبادراتهم لضمان “انتقال سلمي نحو دولة القانون”، انتقال يضمن عدم محاكمته وأبنائه، وهو ما يرفضه الشارع اليمني الثائر.

نفس الشيء نراه بالمغرب مع حركة 20 فبراير التي ترفع مطلب دستور جديد، مطلب واجهته الملكية بلجنة معينة ومتحكم بها تعمل بمعاونة الأحزاب الليبرالية والرجعية على تمرير ترقيع دستور الاستبداد ليكتسب مظهرا أكثر قبولا. هذا هو المضمون السياسي لعبارة “الانتقال السلمي نحو دولة القانون” ولن تستطيع الجمل المنمقة إقناع الكادحين بعكس ذلك.

إن الإمبريالية (أمريكا والاتحاد الأوروبي) بعد أن دعمت لعقود الأنظمة الاستبدادية المطاح بها، تعمل أيضا على ضمان انتقال سلمي ودستوري للسلطة في تونس ومصر. ومضمونه السياسي والاجتماعي واضح: العمل بحذر على ترميم نظام الاستبداد المنهار مع تقديم تنازلات غير ذات أهمية للجماهير الثائرة الغاضبة والحفاظ على نظام النهب والإمبريالي لهذه البلدان.

إن نداء “تيموزغا” ينضح بخوف موقعيه وغيرتهم على بقاء نظام الاستبداد ويعملون على غرار أشقائهم في الدم “الأحزاب الليبرالية” على ركوب هذه الموجة النضالية الجديدة وحصرها في حدود لا تعصف بالنظام السياسي القائم وهذا ما أعلنوه في نهاية النداء: “وإذ نعلن انضمامنا لحركة الشارع المغربي ودينامية الشباب المدفوع بالأمل… وإلى كل القوى الديمقراطية في بقية المطالب السياسية.. فإن انخراطنا في النقاش الذي أثاره مسلسل مراجعة الدستور بحسن نية وبإرادة صادقة في خدمة وطننا، لا يعفينا من التحلي باليقظة والحذر في هذه المرحلة التي نريدها أن تكون حاسمة في المرور نحو توطيد دعائم البناء الديمقراطي..”. التحلي باليقظة والحذر إنها تشبه كثيرا العبارة التي قدم بها محمد شفيق وثيقة “البيان” الأمازيغي التي- ويا للصدفة- وقعها نفس الأشخاص: “لم يرد له أن يكون في جو من التهريج ولا في جو من البلبلة، أريد له أن يقدم بلباقة، وأن ننتظر بأناة ولباقة. بدون تهريج، ولكن مع توضيح الأمور”. (محمد شفيق، معارك حول الأمازيغية، مركز طارق بن زياد..).

نداء “تيموزغا”: تجميل رومانطيقي للماضي

إلى جانب البكائية المنافقة، حاول الموقعون إظهار “انخراطهم الاقتراحي في النقاش العمومي الذي فتح بابه حركة الشارع المغربي” على انه امتداد ليس لنضال الحركة الأمازيغية فقط بل لجوهر أمازيغي لا يتغير مع تبدل المكان وامتداد الزمان. وهي رنة ألفناها تجعل كل ما هو قادم من الشرق متخلفا ومتحجرا وغير قادر على استيعاب منجزات الحضارة لعيب جوهري في طبع الشرق، عكس الروح الأمازيغية التي تتقبل هذه المنجزات لأن كل ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية كان كامنا في الروح الامازيغية، وما غيبه هو انخراط المغرب القسري في النماذج الشرقية المستوردة.

أبشع ما في هذه الصورة هو تكرار الأسطوانة المملة للاستشراق الغربي الذي يؤمن “بوجود فارق أساسي وجذري بين الجوهر المزعوم لكل من الطبيعة الشرقية من ناحية، والطبيعة الغربية من ناحية ثانية لصالح التفوق الكامل للطبيعة الغربية المزعومة. أي… التبني الكامل لأسطورة الطبائع الثابتة والمتمايزة حكما عن بعضها بدرجات تفوقها وكمالها ورقيها…” هذه القناعة التي تفسر “الفوارق بين ثقافة وأخرى وبين شعب وآخر الخ، بردها إلى طبائع ثابتة وليس إلى صيرورات تاريخية متبدلة”. وبالتالي “الخصائص التي تميز المجتمعات الغربية ولغاتها وثقافاتها، هي على ما هي عليه، في التحليل الأخير.. لأنها تنساب من طبيعة “غربية” معينة متفوقة على باقي الطبائع وبخاصة الطبيعة “الشرقية”. (صادق جلال العظم، ذهنية التحريم).

أكد موقعو النداء أن القيم التي يناضل عليها الحراك الشبابي الجديد (الكرامة الإنسانية، وبناء دولة القانون التي عمادها التداول على الحكم وفصل السلطات واستقلال القضاء وسمو القانون والتدبير المعقلن لشؤون المجتمع) “وهي القيم التي وإن ظن الكثيرون أنها ثقافة حديثة مستحدثة، وردت علينا من خارج مجالنا الثقافي الخصوصي، إلا أنها بالنسبة لنا معشر الأمازيغ، وهي قيم ثقافتنا الأصلية وجوهر هويتنا وكياننا الحضاري الذي انحدر إلينا عبر الحقب التاريخية مع ما ترسخ من تقاليد الديمقراطية المحلية الفريدة..”.

“فلا عجب ان يبادر الأمازيغ بلا تردد بدعم هذا المد الثوري المطالب بالتغيير، وأن يكونوا في طليعة القوى الداعية إلى وضع أسس الانتقال السلمي نحو الديمقراطية، متحدين في الأهداف مع غيرهم، معتبرين قضيتهم جزء لا يتجزأ من المشروع الديمقراطي..”.

إن ما يثير الانتباه في لغة النداء هو استماتة أصحابه في الكلام باسم الأمازيغ (مع إضافة مصطلح الأحرار، وهو لا ينطبق على هؤلاء الذي قيدوا أيديهم بأغلال المعهد الملكي)، وبالتالي الكلام ليس باسم أناس من لحم ودم بل باسم طبيعة “إنسانية/ مثالية” ينفرد بها الأمازيغ دون غيرهم من الشعوب. هذه الطبيعة هي التي دفعت هؤلاء إلى الانخراط “في النقاش العمومي حول الدستور”. ليس غريبا أن تندفع قوميات مضطهدة يدفعها تراكم المظالم وامتهان كرامتها إلى الانخراط في مد ثوري أو نضال جماهيري وهي سيرورة شهدناها عبر التاريخ وفي كل مناطق العالم، ولكن ليس إدعاء أن القيم الحديثة (حقوق الإنسان، العدالة الاجتماعية…) مرسخة في “تقاليدها المحلية الفريدة” هو ما يدفعها إلى ذلك. إن تقاليد “التسيير الذاتي المحلي” أو “الديمقراطية المحلية” للمجتمع القبلي ليست حكرا على المجتمع الأمازيغي، بل كانت مرحلة أساسية مرت فيها كل المجتمعات البشرية وخلفتها وراءها بعيدا، فحتى الشرق المتهم من طرف أصحاب النداء بتصدير أنماط الاستبداد عرف هذه المرحلة حتى الأمس القريب، ويمكن- بدل إثقال هذا النص بالاستشهادات- الرجوع إلى الكتابات الاجتماعية حول المجتمع القبلي للجزيرة العربية (الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية، فريد هاليداي): “كانت القبيلة هي الشكل السائد للتنظيم الاجتماعي. والقبيلة وحدة قرابية، تقوم رسميا على الانتماء حقيقة أو تخيلا إلى سلالة واحدة من جد واحد ومن خلال خط الذكور.. وقد ظلت القبيلة هي الشكل الدستوري أو الشرعي للتنظيم الاجتماعي في مختلف مجتمعات الفلاحين المستقرة في اليمن وعمان، وفي المدن التجارية مثل عدن والبحرين والكويت”.. “”وزعيم القبيلة هو “الشيخ”. وعليه واجبان أساسيان: التحكيم ما بين الأطراف المتنازعة من القبيلة وتمثيل القبيلة وقيادتها في التعامل مع القوى الخارجية سواء في السلم أو الحرب. وكان الشيخ يختار رسميا من قبل كبار رجال القبيلة، وكان مركزه قابلا للاهتزاز إذا لم يمارس واجباته على النحو الذي يحبذه أقوى رجال القبيلة..”. وللتاريخ أن ما يسمى “الديمقراطية” في تسيير المجتمع كانت محصورة على كل قبيلة بعينها ولا يمكن نقلها إلى خارج القبيلة، أما العلاقات بين القبائل فقد كانت عرضية ومحكومة بالأعراف والثأر وتتمحور في غالبها (باستثناء الأحلاف) على الصراع حول الأراضي والماء والمراعي وحوادث الثأر، وتاريخ المغرب مليء بهذه الوقائع ولا يمكن لأصحاب “الروح الأمازيغية الفريدة” أن ينكروها وهو نفس ما سجله فريد هاليداي حول المجتمعات القبلية بالجزيرة العربية: ” فالنزاعات القبلية كانت تدور حول مسائل الندرة الاقتصادية، كحقوق المياه، وحقوق المرعى والضرائب على القوافل. وكانت الخلافات بين القبائل تدوم وقتا طويلا وتقوم على أساس ثأري. والقانون السائد كان العرف، وهو القانون القبلي التقليدي”. (الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية ص 305).

وفي تناقض مع ذلك يصر النداء على أن البشرية قطعت “في عصرنا شأوا بعيدا في تقدير قيمة الإنسان واحترام كرامته… وهي أسمى ما حققته البشرية حتى الآن مقارنة بما كانت عليه في سابق عهودها من امتهان لكرامة الإنسان، واضطهاد له واستعباد، إما باستغلال الديان أو باعتماد النعرات القبلية في أنماط الحكم الاستبدادية التي ميزتها التسلط والطغيان”. إذا كان هذا حقيقة مبنية على وقائع تاريخية، فلماذا يستثني هؤلاء الأمازيغ من هذه المسيرة التاريخية، كيف نحصر “اضطهاد الإنسان واستعباده” ثم تجاوز ذلك والوصول إلى “أسمى ما حققته البشرية حتى الآن مقارنة بما كانت عليه في سابق عهودها”، في مجتمعات بعينها وندعي أن المجتمع الأمازيغي لم يشهد قط ذلك وتشفع له تقاليده الديمقراطية المحلية و”قيم ثقافتنا الأصيلة وجوهر هويتنا وكياننا الحضاري..”.

كل ذلك لا يجد له أصحاب النداء تبريرا في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الأمازيغي، بل في “قيم ثقافتنا الأصيلة الخ..” مما يمكن تسميته “الروح الأمازيغية” التي تنفرد بذلك على عكس المشرق الذي صدر إلينا “قميص التعصب الديني الغريب عن الثقافة المغربية الأصيلة، التي تطبعها منذ قرون طويلة قيم التسامح والحرية واحترام التنوع والاختلاف”. ينسى أصحاب النداء أن التعصب الديني ليس غريبا عن أي مجتمع وتعيشه حتى المجتمعات الغربية التي يوصي أصحاب النداء بتمتين العلاقات معها، وليس له علاقة بجوهر مرتبط بالروح الشرقية فقط، بل بتبدلات في ذهنية شرائح شعبية واسعة كانت تجد في الخطاب العلماني بل والشيوعي الملحد طيلة الستينات والسبعينات قنوات لتصريف استيائها الاجتماعي. هذا التصور ليس حصرا على النخبة المتغربة في البلدان المتخلفة بل تشتركها مع العديد من الكتاب الأوروبيون الذين يميلون “إلى اعتبار الحركات الدينية المتطرفة (الناشطة عسكريا) في العالم الثالث “تقليدية”. ولكن هذه الحركات في الواقع عبارة عن ردود فعل حديثة على الظهور المفاجئ لحضارة غريبة ونظام اقتصادي جديد. وبرغم أن هذه الحركات لا تقدم أية حلول ممكنة لأتباعها فإنها تعتبر مع ذلك شكلا مشوها من أشكال معاداة الاستعمار.(فريد هاليداي، التاريخ السياسي والاجتماعي لشبه الجزيرة العربية ص 330). “شكل مشوه من أشكال معاداة الاستعمار” بعد أن قضت الإمبريالية بمساعدة الرجعية العربية المحلية على الأشكال التقدمية والعلمانية لمعاداة الاستعمار (اليسار الشيوعي العربي، والقومية العربية البورجوازية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين).

كما ينسى موقعو النداء أن الشرق لم يصدر أفكار التعصب الديني فقط، بل قدم منه أرقى أشكال الفكر التقدمي والعلماني، فكيف ننسى إسهامات صادق جلال العظم وفرج فودة وحسين مروة ومهدي عامل الذين تثقفت على كتاباتهم المنورة أجيال من الشباب المغربي. ولا يمكن أن نغفل إسهامات الأدب الشرقي وكيف واجه العقليات المحافظة هناك ودفع ثمنا غاليا مقابل ذلك: طه حسين، عبد الرحمن منيف، حيدر حيدر، حنا مينة، أبو نصر حامد الغزالي… يتناسى هؤلاء أنه كان هناك بالعراق والسودان أكبر الأحزاب الشيوعية بالمنطقة وهي أحزب تستلهم أرقى ما وصل إليه الفكر البشري. وكيف ننسى أن اليمن الجنوبي كان تحت حكم “اشتراكي علماني” وأنه كانت بسلطنة عمان جبهة تحرير تستلهم الفكر الاشتراكي العلماني وحاربت تلك البنى العتيقة والاستبدادية، هذه الأخيرة التي تم ترميمها بتدخل عسكري بريطاني وأمريكي “حاملو الحضارة والتقدم إلى العالم المتوحش والعشائري”. وماذا نقول عن الموجة الثورية التي تهز أعتى الأنظمة تقليدية في المنطقة (اليمن والبحرين..)، هذه الموجة التي قضت على أسطورة أن أي تحرك سياسي بالمنطقة سيكون المستفيد الأول منه هو جماعات الإسلام السياسي، وهي أسطورة فندتها ثورتي تونس ومصر وأظهرت أنها مجرد فزاعة ترميها الولايات المتحدة في وجه من ينتقد دعما للاستبداد بالمنطقة.

يؤكد موقعو البيان أن “الرهان المشرقي الذي خنق بلادنا.. حرمه من الاستفادة من النماذج البديلة والأكثر حيوية وحداثة”… هذه النماذج البديلة ليس سوى النموذج الغربي. لكن يتغافل أصحاب النداء أن ما يمنع البلدان المتخلفة من التوغل في مسار الحضارة ليس بلدان متخلفة أخرى بنماذجها الحضارية والثقافية، بل هذه البلدان المتقدمة ذاتها؛ “يقوم المتحضرون بسد الطريق أم الذين يريدون أن يتحضروا (تروتسكي، الثورة المغدورة)، فأي تغير في البنى الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي السياسية والثقافية للمجتمعات المتخلفة يهدد نظام النهب والاستغلال الإمبريالي للبلدان المتخلفة.

نداء “تيموزغا”: من أجل ديمقراطية زائفة وناقصة

أنهى الموقعون ندائهم بجملة مطالب، تعتبر تدقيقا للمطالب التاريخية للحركة الثقافية الأمازيغية (الدسترة والتعليم والإعلام) وهو دليل على أن ما اعتبره هؤلاء مكاسب تاريخية على إثر “أول التفاتة جدية من الملك محمد السادس إلى مطالبنا المشروعة، والتي أعطتها نفسا جديدا انبعثت معه آما متجددة في انفسنا”، كانت مجرد زوبعة في فنجان.

لكن ما يهم حاليا وفي سياق المستجدات السياسية الجديدة التي “فتح بابها الشارع المغربي” مع حركة 20 فبراير، ليس تكرار المطالب بل منهجية تحقيقها. فرغم طول الرسالة وتركيزها على شرح المعاناة وتبسيط المطلب إلا أنها أغفلت-عمدا طبعا- الأمر المهم؛ من الذي سيفرز وثيقة الدستور المقرر أن ترسم فيها الأمازيغية (هوية ولغة). هل مجلس تأسيسي يفرز دستورا ديمقراطيا شكلا ومضمونا وهو ما تدعو إليه حركة 20 فبراير ومجموعة من إطارات الحركة الأمازيغية، أم سنشهد استمرارية في نهج الدساتير الممنوحة وهو ما سطره خطاب 09 مارس وتكليف لجنة المنوني للاستماع إلى مقترحات الأحزاب وهيئات المجتمع المدني. ويظهر أن “الانخراط الاقتراحي الصادق في النقاش العمومي” الذي اختاره موقعو النداء لا يخرج عن المسطر من طرف الملك في خطاب 09 مارس ولجنة المنوني. وبالتالي فإن إعلان أصحاب النداء أنه من أجل الديمقراطية إعلان منافق ومزخرف بعبارة “دعم المد الثوري المطالب بالتغيير..”، وان يكونوا في “طليعة القوى الداعية إلى وضع أسس الانتقال السلمي نحو الديمقراطية” رغم تضمنه تناقضا في الأقوال (بين المد الثوري والانتقال السلمي نحو الديمقراطي).

وفي الأخير دعا موقعو النداء “الأحزاب السياسية المغربية إلى القيام بثورة داخلية… وتوسيع النقاش مع قواعدها في كل مناطق المغرب، والإصغاء إلى أصوات المجتمع.. والكف عن الاستغلال الموسمي للأمازيغية في فترات الانتخابات والتنكر لها بعد ذلك في العمل السياسي اليومي”. كما لو أن هؤلاء قد قاموا بثورة داخلية في جمعياتهم ووسعوا النقاش مع قواعدها (رغم أن سنوات العمل بالمعهد قد جفف قواعدها).. وكما لو أنهم لم يستغلوا الأمازيغية في فترات المد لكسب رصيد معنوي ورأسمال رمزي يناوشون به الملكية لتوسيع هامش دخول كوادر الحركة الليبراليين إلى مؤسسات الاستبداد وهذا هو ما يظهر جليا في مطلب رقم 12 في النداء: “الحرص على تمثيلية الفاعلين الأمازيغيين في المجالس واللجان الوطنية التي يتم إنشاؤها.. وإنهاء احتكار عائلات معينة للمناصب الدبلوماسية بغير وجه حق..”.

ويعلن موقعو النداء في الأخير أن “المطالب المشروعة المعلنة في هذه الوثيقة في حالة ما إذا لم يستجب الدستور المقبل لها، فإننا سنساهم في الدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء المرتقب والاستمرار في النضال من أجل انتزاع حقوقنا التي لا تنفصل عن المشروع الديمقراطي الشامل”. إنه تهديد أجوف لا يأخذه الاستبداد محمل الجد.. فقد سبق أن أعلن مناضلو الحركة أنهم سيقاطعون الاستفتاء على دستور 1996 وسبق لهؤلاء أن هددوا بإعلان مسيرة تاوادا منذ نهاية التسعينات، لكن النظام يعرف أنهم لا يستطيعون اللعب بالنار. فقد سبق لأحمد عصيد أحد موقعي البيان إن لم يكن صاحب الأفكار الرئيسية فيه أن أعلن أن ” أي تغيير أو تطور إيجابي نحو المستقبل، في مجتمع تقليدي كالمجتمع المغربي، لا بد ان يمر عبر ثورة ثقافية هادئة وتدريجية، فإذا كان التصنيع عاملا حاسما في تحديث مجتمعات غربية فإن الرأسمال الرمزي ما زال هو الأقوى تأثيرا في المجتمعات التقليدية التي تعرف ما يمكن نعته بأزمة الهوية” (أسئلة الثقافة والهوية في المغرب المعاصر 2002 ـ عن دار IDGL). ثورة ثقافية ونضال رمزي هذا هو جوهر عمل هذه الثلة التي وقعت البيان، وهو أسلوب لا يخفي للأمازيغية في المستقبل سوى الاندثار. ويجب على مناضلي الحركة الأمازيغية أن يحاربوا هذه الأوهام بنفس الحماس والحزم الذي يحاربون به من اجل رفع الحيف على لغتنا وثقافتنا الأمازيغيتين.

أزنزار

شارك المقالة

اقرأ أيضا