أستاذات المستقبل: في معركة طويلة النفس  ضد سياسة الدولة الرأسمالية التابعة بالمغرب

النساء8 مارس، 2016

بقلم: طه محمد فاضل

خاضت أستاذات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين معركة قوية مر عليها نحو أربعة أشهر، بجانب زملائهن الأساتذة الذكور في نضال مقدام وشجاع، عبرن من خلاله عن مستوى نضالي كفاحي ضد السياسات المطبقة على الأغلبية  المفقرة من الشعب المغربي من قبل حفنة الأقلية الرأسمالية المتواطئة مع مؤسسات الاستعمار الجديد كالبنك الدولي والحكومات الغربية والاتحاد الأوروبي، التي أصبحت الحاكم الحقيقي للبلد، تطبيقا لسياسات العولمة ومصالح الشركات متعددة الجنسيات…

 لقد كانت النساء ونضالاتهن النوعية حاضرة ومتميزة دائما في صراع  الظالمين والمظلومين بالمغرب. فالمرأة المغربية تعيش تحت سيطرة نظام رأسمالي ذكوري رجعي، يستغل عمل ونشاط النساء أشرس استغلال، ويطمح لاستدامته إلى الأبد، وتوارثه عبر الأجيال. إن كل حرمان واستغلال للكادحين وأبنائهم وبناتهن يكون للنساء الحظ الأكبر منه.

 نضال نسائي جديد وجها لوجه امام رأسمال هاجم وقوى دينية بالغة الرجعية

اليوم، وطيلة الأشهر الأخيرة من 2015 وبداية سنة 2016، خرجت بنات المغرب الأستاذات إلى الميادين والفضاءات العامة والشوارع  رفقة زملائهن الذكور في صف واحد وخطوات ثابتة بميدان النضال لأجل صد هجوم بورجوازي زاحف على المكتسبات، يتمثل في مراسيم حكومية ظالمة غايتها الإجهاز على 1)- حق أبناء الفقراء في التوظيف بالقطاع العمومي/التعليم، مباشرة بعد إنهاء فترة التكوين بالمراكز، 2)- الحق في منحة مالية محترمة كافية لتغطية تكاليف تكوين جيد. أستاذات المستقبل في المغرب، اليوم،  يواجهن حربا طبقية وذكورية ظالمة مفروضة عليهن بالقوة.

إن الشابات المغربيات اللواتي اخترن مهنة التعليم كبوابة للمعرفة والعلم والتنوير والتقدم، وفضلن ممارستها في المستقبل، قد وجدن أنفسهن وجها لوجه أمام سلطة نظام سياسي رأسمالي تابع، ذكوري واستبدادي قاهر للبشر ومتحكم في كل شيء، وأمام حكومة واجهة، يمينية رجعية تستند في سياستها على الخطاب الديني لخدمة مصالح طبقة رأسمالية تابعة، متواطئة مع أسيادها الامبرياليين على نهب ثروات البلد وترحيلها إلى الخارج.

وحتى لا ننسى

 لقد سبق لحزب العدالة والتنمية أن نظم وقاد مسيرة عارمة جيش لها الآلاف من الأميين والمتزمتين والرجعيين، مستغلا في حملته الدينية تلك منابر الصلاة وتجمعات الزوايا والطرق الصوفية وكل ما له صلة بالدين، بتعاون مع كل القوى السياسية والمالية الرجعية بالمغرب. إنها المسيرة المنظمة بالدار البيضاء  بتاريخ 12 مارس 2000 الضخمة التي جمعت كل تيارات الإسلام السياسي المغربية، وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان الأكثر تزمتا ورجعية وخطورة، قصد التصدي للمشروع  المسمى آنذاك «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية» وهو مشروع بورجوازي كان يدعي زورا قدرته على إدماج المرأة في عجلة الاقتصاد بمختلف قطاعاته. كانت تلك المسيرة الحاشدة إعلان حرب حقيقي ضد المرأة، قبل أن تكون ضد المشروع المذكور، مما يؤكد شراسة هذه القوى كلما طرحت مسألة تحرير نسائنا من قيود وبراثن الظلم والاستعباد للنقاش.

أستاذات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين يواجهن في معركتهن اليوم تحالفا متكاملا لنظام استبدادي وقوى رجعية دينية وبيروقراطيات نقابية خائنة ومتفرجة على معركة حامية الوطيس وفي أمس الحاجة إلى الدعم والتضامن وفك العزلة عنها لصد هجوم برجوازي على مكتسبات تاريخية.  كما أن ما عمق صعوبات كفاح النوع في هذه التجربة النضالية المتميزة، إضافة إلى الوضع المتصلب لمنظمات النضال الجماهيري، حالة أغلبية الشعب الغارقة في الفقر والأمية. إنه وضع تسببت لهم/هن  فيه الطبقة الحاكمة من جهة، وجيوش من المهمشين والمقصيين الذين اكتسحتهم/هن قوى السلفية الدينية ورمتهم/هن في جهل وظلمات العصور الغابرة وجعلتهم/هن من أشرس أعداء تقدم النساء ومساواتهن مع الذكور في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، من جهة أخرى.

إنها معركة طويلة النفس تلك التي يجب خوضها ضد أحزاب وتيارات الإسلام السياسي الرجعية التي  وقفت يوم 12 مارس 2000 بالدار البيضاء ضد مشروع الحكومة البورجوازية السالف الذكر حول «إدماج المرأة في التنمية» بمبرر الدفاع عن الأسرة المغربية!! وأحد تلك الأحزاب،  التي قادت مسيرة الدار البيضاء المذكورة، هو من يسهر اليوم بتفان على تنفيذ السياسة العدوانية للدولة البورجوازية ضد الأسرة المغربية!! الفقيرة والمعدمة، حزب العدالة والتنمية الانتهازي، قائد الحكومة الحالية.

نور في نهاية النفق

إننا في البلدان المغاربية والعربية ودول الشرق، خاصة إيران وتركيا، حيث الحكم والسيطرة للفكر الديني الشديد الانغلاق والتزمت، تتعرض النساء لأبشع اضطهاد وتمييز قائم على أساس الجنس، مثلما تتعرض الأقليات غير العربية المهضومة الحقوق لاضطهاد قومي مقيت. وسط هذه العتمة الشرق أوسطية والشمال افريقية الشديدة السواد، تبرز تجربة الشابات المغربيات/الأستاذات المتدربات، وقبلها بأيام قليلة تجربة نضال طالبات وطلبة الطب بالمغرب البطولية، وقبلهما معا تجربة شابات الانتفاضة الثورية المجيدة المنطلقة بالمنطقة ذاتها سنة2011، وعلى رأسهن البطلة الشهيدة شيماء الصباغ بمصر، كضوء منير في نهاية النفق، وكصخرة تتكسر عليها همجية الخطاب الإيديولوجي المتزمت، الذي أظهرت التجارب المذكورة أن مشروعه الاجتماعي القائم على إخضاع النساء لمشيئة ورغبات الذكور والأنظمة السياسية البطريركية المبنية على الاستغلال، لن يستمر إلى الأبد، وأن التنكيل بالنساء وكسر عظامهن مثلما حصل مع الأستاذة المتدربة لمياء الزكيتي بمدينة انزكان يوم 07 يناير2016 في ظل حكومة واجهة رجعية، بهدف زرع الرعب والخوف في نفوسهن، لن يستطيع تكميم أفواههن أو منعهن من مواجهة الظلم بعد اليوم.

لقد بدا من مجريات المعركة، أن الطبقة الحاكمة وحكومة حزب العدالة والتنمية الرجعي، لم يكونا يتوقعان صلابة إرادة نساء المغرب وقوة عزيمتهن على الكفاح لانتزاع حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من الأقلية الحاكمة والنهابة، وهن اللواتي حصلن على مكانة متقدمة في قطاع التعليم بعد مشوار طويل وبدعم من أسرهن الفقيرة، وفي ظروف صعبة جدا حيث البطالة الجماهيرية، وحيث الدخل الفردي لا يتجاوز دولارا واحدا في اليوم وسط الأغلبية الساحقة من الشعب، وفي وسط اجتماعي ذكوري، وحيث أغلبية السكان من النازحين من الأرياف والقرى إلى المدن بسبب سياسة الطبقة البورجوازية السائدة التي تحكم بقوة الحديد والنار، دافعة الأغلبية الساحقة من الشعب إلى براثن الفقر والحرمان والبطالة.

لقد أبدعت الشابات المغربيات خلال المعركة الجارية، الأغاني، والمسرحيات والشعارات، والقصائد الشعرية والرسوم… وكن دائما ملتزمات تنظيميا ومتحمسات لتنفيذ قرارات التنسيقية الوطنية للأساتذة والأستاذات المتدربين/آت، المبلورة ديمقراطيا.

كل هذه النضالات تخاض في ظروف تتميز أساسا بقطع دولة الرأسماليين لأرزاقهن نظرا لعدم تسديد المنح الدراسية، علاوة على أن مبلغها كما يحدده المرسوم المشؤوم، لا يتجاوز 1200 درهم، وهو مبلغ لا ينفع في شيء أمام التهاب الأسعار والارتفاع المهول لتكاليف العيش، بما في ذلك تكلفة كراء»غرفة»، إضافة إلى التكلفة المرتفعة للتنقل إلى الرباط وغيرها، وكم هو مخجل تقليص مبلغ المنحة إلى هذا الحد في بلد يزخر بالثروات؟؟

 أفق جديد للنضالات النسائية

لقد اندمجت جل أطياف الحركة النسائية البورجوازية المغربية في سياسة النظام الحاكم وفي مقدمتها نساء اليسار الليبرالي الذي قاد سياسة الخصخصة خلال توليه المسؤولية فيما سمي ب»حكومة التناوب» بقيادة «الاتحاد الاشتراكي». هذه الأخيرة التي دمرت حقوقا ومكتسبات، وضمنها حقوق النساء. فقد اعتبرت الحركة النسائية الليبرالية تحكيم الملك فيما يخص مطالب النساء نصرا لها، بعد أن خرجت القوى الرجعية للتظاهر ضده في مسيرة 12 مارس 2000 بالدار البيضاء، أي ضد مشروع «الخطة» السالف الذكر، بالموازاة مع مسيرة الرباط المدافعة عنه.

لقد غادرت الحركة النسائية البورجوازية ميادين النضال من يومها، أي منذ ما اعتبرته «انتصارا»، ولم يعد لها اهتمام يذكر بمسألة النوع وبحلم «المسيرة العالمية للنساء» التي سبق أن ربطت مسيرتها بها بالرباط يوم 12 مارس 2000.

إن الأستاذات المتدربات يفتحن اليوم أفقا آخر لهذا النضال، وبأساليب كفاحية بديلة عن النموذج النسائي الليبرالي الذي انتهى إلى المستنقع وبئس المصير..

بالكفاح اليومي في الميادين والشوارع، دون سواه، تنتزع الحقوق والمساواة وتصان المكتسبات، وهو ما جسدته نضالات الأستاذات المتدربات أروع تجسيد، مثلما جسدته طالبات الطب طيلة اكتوبر2015.

النصر لكفاح الأستاذات المتدربات والأساتذة المتدربين.. النصر لبنات الشعب.

7 فبراير 2016

شارك المقالة

اقرأ أيضا