مستخدمو الأتوروت : جبل “الحوار” مع الادارة  يلد  فأرا، لا سبيل لتحقيق المطالب غير الكفاح

 

 

 

 

بعد مدة انتظار طويلة، ظل المستخدمون في اثنائها يترقبون حلا ينهي أخيرا معاناتهم الناتجة عن وضع اللاستقرار في الشغل، أبانت ادارة شركة أتوروت المغرب انها كانت تناور لربح الوقت، لا غير.

إذ يستفاد من توضيح أنور بن عزوز، المدير العام للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب (موقع هسبريس يوم 29 غشت 2016) أن رب العمل يرفض الاعتراف بعماله، مصرا على لعبة شركات التشغيل المؤقت.

تأكد للمرة الألف أن شركة الطرق السيارة تتهرب بالتحايل من علاقة عمل قارة ودائمة مع عمالها. وهذا مصدر كل الشقلبات البهلوانية التي تلجأ اليها، وكل تسويفاتها، و”حواراتها” المارطونية الخاوية.

أصل المشكل

بعد أن كانت الشركة أتوروت منذ بدايتها ترسم المستخدمين، قررت ذات يوم التشغيل غير الرسمي عبر شركات السمسرة في اليد العاملة، شركات لا دور فعلي لها غير التكفل قانونيا بالعمال بالتعاقد معهم بدل اندماجهم في شركة اتوروت المغرب، والاضطلاع بأداء اجورهم نيابة عن المشغل الفعلي. المفترض قانونيا ان الشركات التي تزود باليد العاملة هي مقاولات تشغيل مؤقت. هذا النوع تعرفه مدونة الشغل بالإحالة الى فقرة [ج] من المدة 477 التي تعرف وكالة التشغيل الخصوصية. ما يجعل كل وكالة تشغيل خصوصية تقوم بما جاء في تلك الفقرة مقاولة تشغيل مؤقت.

باختصار الحالة الذي وضعت فيها شركة الاتوروت قسما من عمالها هي وضع عمال مؤقتين، ولذلك ترفض ترسيمهم، وتفرض عليهم هشاشة التشغيل.

الغاية من هشاشة التشغيل هذه هي التحرر من أي التزام مباشر إزاء العمال، وضمان حرية التخلص منهم في أي وقت، اذ يكفي فسخ التعاقد مع شركات التشغيل المؤقت. علاوة على هدف تقسيم الصف العمالي (مرسمين من جهة، وغير مرسمين من جهة اخرى) مما يضعف قوتهم النقابية.  والغاية النهائية من هذا كله هو التحكم في اليد العاملة وقهرها بما يضمن السير الجيد للشركة، أي تعظيم ارباحها.

 والنتيجة المترتبة عن هذا هي عدم استقرار مهني، ومن ثمة اجتماعي للعمال. فكيف لمن لا يضمن عملا مستقرا أن يضمن معيشته ويبني حياة اسرية؟

وضع لا يمكن أن يقبله اجراء الاتوروت، فخاضوا ضده جولات نضال عديدة كان أعظمها اضراب العام 2012 الدي انتهى بنصف انتصار. نصف انتصار لأنه لم يحقق هدف الترسيم في شركة اتوروت المغرب، لكنه حقق مكسبا مؤقتا متمثلا في عقود عمل غير محددة المدة مع شركات التشغيل المؤقت. وهذه الصيغة متناقضة، انما فرضها اضراب العمال. كيف لشركة تشغيل مؤقت هي نفسها لا تضمن تجديد الصفقة معها ان تضمن للمستخدمين العمل لمدة غير محددة؟

هذا ما فرضه تشبت العمال باستقرار الشغل، وقد فرضوه بنضالهم، وشركة اتوروت متمسكة بموقفها، قائلة ومؤكدة: هؤلاء العمال لا يشتغلون عندي بل عند شركات أخرى. وهذا يعني انها تنوي التخلص منهم ذات يوم.

ربما عندما يتعمم الأداء بالبطاقات، فيصبح اوتوروت مثل تعبئة الهاتف تباع بطاقاته بكل مكان، او ربما عندما تتم خوصصة شركة اتوروت، ولو بالصيغة المقنعة التي تسمى شراكة القطاع الخاص والقطاع العام، وهي صيغة جاهزة قانونها صدر في يناير 2015، او ربما أي مناسبة اخرى تراها ادارة الشركة.

من المسؤول عن هذه الجريمة الاجتماعية؟

تشغيل مئات العمال بصيغة عمال مؤقتين في مرفق عمومي ليس له أي طابع مؤقت، وفرض عدم الاستقرار المهني عليهم، وعدم الاستقرار الاجتماعي عليهم وعلى اسرهم، بمبرر الحرص على ارباح الشركة، جريمة اجتماعية كبيرة. المسؤول عنها هو الدولة المغربية، التي تطبق سياسة الاتحاد الاوربي والمؤسسات الامبريالية (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ….) التي تعمم هشاشة التشغيل وتدمر مكاسب الطبقة العاملة وعامة المقهورين.

الدولة المغربية تعمل بهذه الصيغة (اسناد مهام لشركات خاصة تسمسر في البشر) في الوظيفة العمومية (الحراسة، البستنة، المطعمة، التنظيف، …)، وفي العديد من المقاولات العمومية مثل المكتب الشريف للفوسفاط، …

 غايتها في ذلك ان توفر للرأسماليين مجالا سهلا للربح، وكي تشتت صفوف الشغيلة وتضعف قوتهم النقابية، وتفرض عليهم شدة الاستغلال واجور البؤس، أي باختصار اضعاف الطبقة العاملة.

لما كان عمال اتو روت مضربين، كانوا يناضلون من اجل مطلب لا يهمهم وحدهم، مطلب الغاء تلك الشركات التي تسمسر في البشر، وتوظيف هؤلاء مباشرة في المرافق التي يعملون بها. وقد واجهت الدولة اضرابهم برفض صارم لانها تعي ان قبول ترسيمهم سيفتح الباب لباقي ضحايا هشاشة التشغيل. وقد عبر عن ذلك صراحة عضو بديوان الوزير الرباح بالقول:”

«المستخدمون منتمون لشركات اخرى في اطار مناولة و تخريج و قد يؤدي ترسيمهم الى ردود فعل مشابهة لالاف الاشخاص في الادارات العمومية برفع نفس المطلب. ” و اضاف: “ما عدا الادماج كل المطالب الاخرى ُقبلت”.. [حسب جريدة أوجوردوي لومارك 25 ابريل 2012]

المعركة ضد التشغيل المؤقت بشركات السمسرة معركة تهم قطاعات عديدة، من مرافق الدولة إلى مقاولاتها، الى القطاع الخاص (هذه الشركات منتشرة بكثرة حتى في المناجم)، ويجب توحيد الضحايا في معركة واحدة، تلك مهمة النقابة العمالية القائمة فعلا بدورها. يجب البدء بمطلب طرد تلك الشركات من الوظيفة العمومية ومجمل القطاع العام، كما تحقق في تونس. لو انضم باقي ضحايا شركات السمسرة في البشر الى معركة عمال اتوروت في العام 2012 لكانت النتيجة مغايرة تماما.

ويجب هذا الصدد الا يتوهم العمال ان وضع عدم الاستقرار في العمل سيتغير باستجداء الدولة وطلب رحمتها. فقد تجندت الدولة بكل ما استطاعت من قوة ومناورة لهزم اضراب شغيلة أتوروت في 2012، بالقمع والاعتقالات والمحاكمات، ورفضت اجبار شركة اتوروت على تسوية وضعية العمال بترسيمهم. ولا يفيد في هذا الصدد ابداء حسن النية، والانسياق وراء الكلام الخاوي حول “السلم الاجتماعي”، فهذا خدعة لا تعني سوى استسلام العمال لمشيئة ارباب العمل ودولتهم. فهؤلاء يشنون حربا حقيقية على الشعب بالبطالة المستشرية وهشاشة التشغيل وغلاء المعيشة وخوصصة الخدمات العمومية وهلم جرا، ثم يطلبون من ضحاياهم “السلم الاجتماعي”. ثم ان التنظيم النقابي معناه توحيد قوة العمال من اجل النضال أي العراك، وليس السلم، هذا الذي يعني في هذه الحالة الاستسلام.

أكذوبة الاتفاقية الجماعية

 في إطار مماطلاتها لربح الوقت، والالتفاف على مطلب ترسيم العمال في شركة أوتوروت، طرحت فكرة الاتفاقية الجماعية، وهي خدعة لا غير. لماذا؟ لان الاتفاقية الجماعية، كما تعرفها مدونة الشغل عقد جماعي ينظم علاقات الشغل بين طرفين اثنين: المشغل والعمال عبر نقابتهم. وهما في هذه الحالة شركات التشغيل المؤقت والنقابة الوطنية لمستخدمي مراكز الاستغلال للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، ولا دخل في الامر لطرف ثالث.  لن تقبل شركة اتوروت ان توقع اتفاقا جماعيا مع العمال المعنيين لأن في ذلك اعترافا بعلاقة شغل بينها وبينهم. وقانونيا تعتبر شركة اتوروت ان لا علاقة لها باولئك العمال.

اما مراقبة تنفيذ الاتفاقية فقد اسندته المادة 128 من مدونة الشغل لمفتش الشغل، لا غير.

ماذا ستوقع شركات العمل المؤقت في الاتفاقية الجماعية المزعومة؟ استقرار الشغل؟ لقد اقرته بالعقود غير محددة المدة التي تربطها بالعمال. إذن لا طائل مما يسمى الاتفاقية الجماعية.

يقال ان الاتفاقية الجماعية حل مرحلي لإتاحة الفرصة للشركة الوطنية للبحث عن حل نهائي لوضعية المستخدمين. لقد اتيح للشركة أربع سنوات وأكثر ولم تجد بعد الحل النهائي. وهل هناك 36 حلا ممكنا لتبحث بينها عن حل؟ الحل بديهي والشركة ترفضه: انه الترسيم.

سجل بيان المجلس الوطني لنقابة العمال بتاريخ 26 غشت ” التراجعات الخطيرة التي طبعت موقف الإدارة العامة للشركة الوطنية للطرق السيارة في الاجتماعات الأخيرة”، وجاء بمكان آخر من البيان ان التراجعات تمس استقرار الشغل. لكنه لا يبين اين يكمن التراجع؟ هل التزمت الادارة في احدى “حواراتها” بحل مشكل عدم استقرار العمل؟ كيف؟ على كل حال موقف الادارة واضح، جدده المدير لموقع هسبريس: مستخدمو مراكز الاستغلال للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب هم تابعون لشركات خاصة وليس لشركة. “ADM

وقد سبق تأكيد هذا عمليا بتملص الادارة من التزامها بتنظيم انتخابات مندوبي العمال بشكل مشترك مع الشركات المتعاقدة.

ما مضمون الاتفاقية الجماعية؟ اين الشفافية والديمقراطية؟

ذكر بيان المجلس الوطني لنقابة المستخدمين انه تمت ” مناقشة مقتضيات الاتفاقية الجماعية التي رفعت إلى المدير العام للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب قصد المصادقة عليها وتوقيعها”. لكن لا خبر عن مضمون هذه الاتفاقية الجماعية، وهل وقعتها النقابة ولا تنتظر سوى توقيع مدير شركة اتوروت المغرب؟ (الذي لن يوقعها لانه ينكر أي علاقة بالمستخدمين المعنيين).

القاعدة العمالية لا علم لها بمضمون الاتفاقية الجماعية، أي بالحل التي سيقرر مصيرها المهني والاجتماعي. من مبادئ النقابة العمالية الديمقراطية، ومن أسس الديمقراطية الشفافية ونشر المعلومة بين المعنيين. لماذا لم تعرض الاتفاقية الجماعية على المستخدمين لإبداء آرائهم واقتراحاتهم، لا سيما ان تكنولوجيا التواصل تتيح ذلك، وتتيح حتى تنظيم استفتاء حولها؟ الاتفاقية عقد جماعي، إذن يجب ان يطلع عليه الجميع ويقبله، وآنذاك يتم توقيعه. ربما المشكل هنا مزدوج، من جهة قيادة تنفرد بالقرار ومن جهة اخرى قاعدة غير نشيطة تعودت اعتبار النقابة نوعا من المحامي يوكل اليه العمال امرهم ويقعدون في منازلهم. هذه ليست تربية نقابية. النقابة هي المشاركة الجماعية في اتخاذ القرار وفي تنفيذه. الديمقراطية هي ان تعطي القيادة كشف حساب عما تقوم به، وتضع رهن اشارة القاعدة كل المعلومات.

لا سبيل نحو الحل الحقيقي غير النضال

 اولا، كل من يعتقد ان حسن النية ازاء الادارة، والجنوح الى الاستجداء وانتظار رحمة طرف ما، واهم. لو كانت المشاكل تحل بهذه الطريقة لتخلصت الطبقة العاملة المغربية من كل مشاكلها منذ زمان.

الحقوق تؤخذ بالنضال، لان الخصم لا يتنازل عن طيب خاطر، ولا بالكلام المنمق عن “حسن النية” وخرافة «السلم الاجتماعي”. المصلحة الطبقية للخصم هي التي تجعله يرفض تلبية المطالب ويناور لربح الوقت.

لقد خاض مستخدمو اتوروت المغرب إحدى أكبر المعارك في التاريخ النضالي للطبقة العاملة، وابانوا عن قدرات كفاحية عظيمة بوجه القمع ومناورات الخصم. وصمدوا شهورا، مع اسرهم، مع ان التضامن من القطاعات الأخرى كان ناقصا. وفرضوا بكفاحهم العقود غير محددة المدة.

إن تجربة ذلك الاضراب مدرسة يجب ان نتعلم منها كيف نناضل مستقبلا، فلا سبيل غير الكفاح.

 ما هي اشكال النضال التي يجب البدء بها قبل الاضراب: حمل الشارة؟ وقفات احتجاج خارج اوقات العمل؟

ما مضمون الحملة الاعلامية والتعبوية الواجبة قبل خوض النضال؟

ما هو الوقت المناسب للإضراب؟

ما هي المدة التي يجب ان يدومها الاضراب كي لا يرهق المضربين واسرهم؟

ما فعالية الاضراب بضع ساعات كل يومين في الاسبوع؟ او صيغة اخرى من هذا القبيل؟

ما هي الوسائل التي ستستعملها الادارة لإفشال الاضراب؟ وكيف يمكن ابطال مفعول تلك الوسائل؟

ما دور المركزية النقابية في دعم نضال مستخدمي اتوروت؟

هذه الاسئلة وما شابهها هي ما يجب ان يكون موضوع نقاش جماعي بين كافة المستخدمين من اجل الوصول الى شكل نضالي فعال يحقق الهدف: هدف الترسيم

خلاصة: ان تدبير العلاقة مع ادارة الشركة طيلة السنوات الاربع الفاصلة عن الاضراب التاريخي لعام 2012 تدبير لم يعط النتيجة المرجوة. مصلحة العمال تقتضي تغيير المنهجية، والاعتماد على التعبئة العمالية والنقاش الجماعي، في ظل الشفافية والديمقراطية.

 ليس القصد الطعن في القيادة، فقد فعلت ما بدا لها في مصلحة العمال، وقد حل أوان تصحيح الاتجاه، بالثقة ليس في ادارة الشركة بل بالثقة في القاعدة العمالية، وفي قدراتها الكفاحية، واستعدادها للتضحية.

 إن الاستعداد للنضال الذي دعا اليه بيان المجلس الوطني لنقابة العمال لا معنى له دون نقاش جماعي ديمقراطي يتحمل فيه كل مستخدم مسؤولية المشاركة في تقرير المصير الجماعي.

إن الاستمرار في منهجية السنوات الاربع الاخيرة سيعطي نتائج كارثية: سيسخط العمال على النقابة، وقد تظهر دعوات خاطئة الى تغيير الإطار النقابي، وهذا عادة ما يجري عندما يسود الاحباط وسط العمال فيتوهمون ان الذهاب الى نقابة اخرى سيحل المشكل.

لا، الواجب هو التمسك بوحدة المستخدمين في إطار النقابة الوطنية لمستخدمي مراكز الاستغلال للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، المنضوية في الاتحاد المغربي للشغل، وتفعيل المشاركة العمالية الديمقراطية. واجبار قيادة الاتحاد المغربي للشغل على تنظيم التضامن مع عمال أتوروت. ما فائدة الانتظام في مركزية نقابية إن لم يكن تنظيم التضامن بين القطاعات المختلفة. لو كان كل قطاع قادرا على حل مشاكله وحده، فلماذا الاتحاد في الاتحاد المغربي للشغل؟

النقاش الجماعي، المشاركة الجماعية، بكل ديمقراطية وبضمان حرية التعبير للآراء النقدية، واتخاذ القرار بشكل جماعي، وتنظيم التعبئة بعد وضع خطة نضالية تأخذ بالاعتبار الوضعية من جميع جوانبها، والتخلي عن اوهام “حسن النية ” ازاء الادارة: هذا هو الطريق نحو نضال جماعي كفيل بتحقيق المطلب والحل الوحيد: الترسيم.

هذا الرأي مبني على متابعة دقيقة لدروس نضالات العمال بالمغرب، وخارج المغرب، عقودا من الزمن. ومن واجب صحافة منتسبة للحركة العمالية ان توصل تلك الدروس الى العمال.

م-ج: صحافي بجريدة المناضل-ة  

شارك المقالة

اقرأ أيضا