تحديات الدينامية الجارية بقطاع التعليم

بقلم: وائل المراكشي

أوشك الموسم الدراسي على الانتهاء، والدولة سائرة على قدم وساق في تنفيذ هجومها (تطبيق مشاريع القانون الإطار)، بنفس الخطة المعهودة أثناء مواجهة مقاومة الشغيلة: المزاوجة بين القمع والحرص على تقديم أدنى قسط ممكن من الفتات الذي لا يوقف مسار الهجوم.

تستفيد الدولة من مناخ الجائحة وتستغل قانون الطوارئ الصحية لحصر نضال الشغيلة في حد لا يهدد تنفيذ الهجوم. وقد أتاح لها منظورُ قيادات تنظيمات شغيلة التعليم (وباقي القطاعات) طيلة الجائحة التقدم في ذلك. يقوم هذا المنظور على توفير سلم اجتماعي للمرور بسلام بالجائحة وتداعياتها، بدل التقدم بمنظور عمالي/ طبقي لتدبير الجائحة بما يطابق مصلحة من هم أسفل (الشغيلة، الأسر، التلاميذ- ات والطلاب- ات). طبعا ليست الجائحة إلا متكأً لتمرير هجمات قُررت منذ وقت بعيد (منذ المصادقة على الميثاق سنة 1999).

تمكنت الدولة من تدبير موسمين دراسيين والتقدم أشواطا في تنفيذ هجومها الذي صودق على إطاره القانوني في غشت 2019، بعد تراجع المعركة البطولية لتنسيقية شغيلة التعاقد المفروض (إضراب مارس وأبريل 2019).

تمثلت الهجمات بالدرجة الأولى في: تثبيت التقشف الميزانياتي (حتى 2023) الذي نال من ترقيات الموظفين- ات، تجريب صيغ تعليم جديدة من تعليم عن بعد وبالتناوب وتعلم ذاتي (قبل مأسستها في هذا الموسم)، استقلالية المؤسسة المدرسية والتمويل عبر البحث عن شراكات… إلخ، فضلا عن الاستمرار في مخطط التعاقد، تحت صيغة التوظيف الجهوي الذي نشهد حاليا فوجه الخامس الذي شمل هيئات أخرى (أطر الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي).

في منتصف الموسم الدراسي الحالي (2020- 2021)، انطلقت دينامية نضالية مست كل هيئات شغيلة التعليم، لكن بحفز كبير من معركة الإدارة التربوية، التي دخلت مرحلة “اللاعودة” منتصف شهر مارس. وكان الملف المطلبي هو الاستجابة لوعود الوزارة التي تعود إلى حوار 8 فبراير 2019 وتعهدات “الحوار القطاعي” بتاريخ 2 فبراير من نفس السنة: مرسومي الإدارة التربوية، الترقية بالشهادة وتغيير الإطار بالنسبة للأساتذة المكلفين بالتدريس خارج إطارهم الأصلي… هذا فضلا عن مطلب شغيلة التعاقد المفروض بإدماجهم في الوظيفة العمومية.

واجهت الدولة هذه النضالات بعصا القمع (الإنزالات بالرباط، واعتقال ومحاكمة 33 من مناضلي تنسيقية التعاقد المفروض…) وجزرة الوعود (إخراج مرسومي الإدارة التربوية والتوجيه والتخطيط…). لكن هذا لا يفسر وحده سر نجاح الدولة في تدبير المواسم الدراسية والاستمرار في تنفيذ هجماتها.

الفئوية: سم زعاف يشتت جسم الشغيلة

تشتغل الدولة بمنطق شمولي، بدءً برئيس الدولة حتى المديرية الإقليمية. ندد الملك في خطاب العرش لسنة 2017 بـ”ضعف حكامة وقلة مردودية القطاع العام والإدارة العمومية”، وأمر الموظفين بـ”العمل، كأطر القطاع الخاص أو أكثر”.

بعدها مباشرة حزمت الدولة أمرها، وبدأت في التطبيق النهائي لـ”ورش ضخم” بُدءَ فيه منذ سنة 2013 تحت مسمى “إصلاح الوظيفة العمومية”. وفي قطاع التعليم جرى إحياء ما نصت عليه التدابير ذات الأولوية من إخراج “النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” إلى حيز الوجود. هذا النظام الأساسي الذي سينقل أساليب “التدبير الحديثة” القائمة في القطاع الخاص إلى قطاع الوظيف العمومية. وفي نفس الوقت استمرت الوزارة في تطبيق ما نص عليه الميثاق منذ سنة 1999 من “تنويع صيغ توظيف” شغيلة التعليم العمومي: تعاقد وتوظيف جهوي مع الأكاديميات الجهوية، في أفق المديريات الإقليمية والمؤسسات المدرسية.

في وجه وحدة جبهة الدولة، ظلت شغيلة التعليم تناكف بشكل مشتت. كل فئة تعتبر ملفها ذو أولوية، وملفات باقي الفئات ثقلا يجب استبعاده في النضال والتفاوض كي لا يعيق الاستجابة لملفها. دولة موحَّدة وشغيلة مقسَّمة بين نقابات تتنافس حول لقب الأكثر تمثيلية، وتنسيقيات ترفع شعار “فخر الانتماء”، وفئات تعتبر نفسها- واهمة- ذات مكانة اعتبارية وتجعل من الاستجابة لمطالبها شرطا لمساهمتها في “تنزيل القانون الإطار”.

ساعدت النزعة الفئوية والعقلية القطاعية كثيرا الدولة في مواجهة نضالات شغيلة التعليم وإبقائها في حدود لا تهدد بوقفها تطبيق مخططاتها. بل إن الدولة تستغل تلك النضالات وما تسببه من ارتباك متوقَّع في المنظومة لابتزاز الشغيلة بمصلحة التلميذ في اللحظات المفصلية من الموسم الدراسي: حدث هذا إبان معركة المفروض عليهم- هن التعاقد مارس- أبريل 2019، ويحدث حاليا مع معركة اللاعودة بالنسبة للإدارة التربوية.

طمأنت هذه الفئوية الدولة إلى سير الموسم الدراسي وإنهائه بشكل طبيعي (حتى مع تهديد المدراء بعدم المشاركة في الإعداد للامتحانات الإشهادية). ففي وجه لغة التحذير التي تطلقها القيادات النقابية (بما فيها قيادات التنسيقيات) بوجود احتقان ينذر بأزمة في قطاع التعليم أجاب أمزازي في مجلس النواب بتاريخ 19 أبريل 2021: “أنا لا اتفق مع التوصيف الذي يوحي بوجود أزمة ووضعية مقلقة داخل القطاع، فهو أمر غير صحيح وبعيد كل البعد عن الموضوعية”، وهو ما أكده بحسرة بيان الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي 15 أبريل 2021 الذي أشار إلى: “لا مبالاة الدولة وحكومتها وإمعانها في تنزيل تشريعاتها وقراراتها الرجعية والتراجعية وتعاطيها الأمني والقمعي مع مجمل قضايا ومطالب نساء ورجال التعليم”.

القيادات النقابية: بين سندان ضغط الشغيلة ومطرقة التزامها بالسلم الاجتماعي

يساعد قسم من القيادة النقابية الوزارة بشكل صريح على هزيمة الدينامية الجارية بقطاع التعليم. أما القسم الآخر والذي يتكون أساسا من النقابة الوطنية للتعليم- كدش وجامعة التوجه الديمقراطي، فهو يريد الحفاظ على شرف النضال وفي نفس الوقت المشاركة في “الحوار الاجتماعي” بل والمطالبة بمأسسته.

تضطر قيادتا النقابتين إلى الرضوخ لضغوط القواعد النقابية وأقسام الشغيلة الموجودة في الميدان، عكس النقابات (الأربع) الأخرى التي حسمت أمر دعمها دون قيد أو شرط للدولة، باستثناء لحظات تضطر فيها لنفاق النضالات الجارية.

خاضت النقابة الوطنية للتعليم وجامعة التوجه إضرابات وإنزالات بالرباط موازية لنضالات التنسيقيات، ودعمت معارك هذه الأخيرة بالتأشير على بيانات داعية لإضراباتها واستمرت في المطالبة بإدماج المفروض عليهم- هن التعاقد في الوظيفة العمومية.

لا تخفي قيادة النقابتين أن الإضراب والنضال ما هو إلا وسيلة تضطران للجوء إليها بسبب انسداد باب الحوار القطاعي. وقد سبق للكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم أن صرح بأن “الإضراب أبغض الحلال، ولا نلجأ إليه إلا مضطرين”، وأكد بيان جامعة التوجه الديمقراطي 15 أبريل 2021 “أن وضع حد للغليان الذي يعيشه قطاع التعليم لن يتحقق إلا بالحوار الجدي مع النقابات التعليمية، الجدي والمنتج والمسؤول…”.

بالنسبة للقيادتين النضال عبارة عن احتقان يتوجب إيقافه بـ”الحوار”، وليس أمرا يجب حفزه وتطويره وتسليحه برنامجيا وتقويته تنظيميا وتوسيع نطاقه. وهذا ما يجعل الدولة مطمئنة إلى نوايا هاتين القيادتين، بل وابتزازهما.

لم تعد الدولة (وهي في الأشواط النهائية لتنفيذ هجومها) قادرة على تحمل الازدواجية البيروقراطية: القبول المبدئي بالهجوم مع مرافقة النضال ضد نتائجه. وقد ذكَّر الوزيرُ قيادةَ ن. و. ت التي تصر على تحميله مسؤولية التوظيف الجهوي والذي تعتبره “فشلا استراتيجيا” بأن المركزية كانت مساهما في وضع الإطار المرجعي لهذا النوع من التوظيف: “لا بد من الإشارة إلى أن مقترح اعتماد نمط التوظيف الجهوي في قطاع التعليم يعود لأكثر من عقدين من الزمن حينما أوصى الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999 الذي شكل موضوع توافق وطني موسع، بتنويع أوضاع المدرسين الجدد على صعيد الأقاليم والجهات، وهي نفس التوصية التي تكررت مرة أخرى في الرؤية الاستراتيجية 2015- 2030، والتي أكدت على اعتماد التدبير الجهوي للكفاءات البشرية في انسجام مع توجهات الجهوية المتقدمة، عبر تنويع أشكال توظيف المدرسين”. [جواب أمزازي على أسئلة الجلسة الشفهية بمجلس النواب الاثنين 19 أبريل 2021].

لذلك قررت الوزارة معاقبة النقابتين “العاقتين”. ففي نهاية شهر أبريل اِدَّعت الوزارة استجابتها لدعوة حوار قدمتها النقابات التعليمية الأربع المنضوية في (UMT- UGTM- FDT- UNTM)، ونعتها بالنقابات “الجادة” في حين استبعد النقابة الوطنية للتعليم وجامعة التوجه الديمقراطي.

وقد ردت قيادتا هاتين الأخيرتين باستنكار إغلاق باب الحوار في وجههما، وأكدتا على استعدادها الدائم للحوار، مدركتين أن إقصائهما سيحرمهما من وزيعة أصوات الانتخابات المهنية القادمة.

سياسة إلهاء: الانتخابات المهنية

ولأن الدولة/ مدركة أهمية هذه الانتخابات بالنسبة لقيادات نقابية تدعو إلى “مأسسة الحوار الاجتماعي” وحريصة على تمثيلية في مؤسسات الدولة (خاصة مجلس المستشارين)، أقدمت الوزارة على تقطيع انتخابي ينال من حظ هاتين النقابتين، بينما يتيح للنقابات الأخرى إمكان الإفادة منها.

التقطت قيادة ن. و. ت وجامعة التوجه الديمقراطي الطعم بسرعة، وتتالت بيانات التنديد وتنبيه الوزارة إلى عدم اقتراف خطيئة “عدم الالتزام الحياد (!!)” في هذه الانتخابات (للنقابة الوطنية للتعليم- كدش 8 ماي 2021، الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي 8 ماي 2021).

من شأن هذه الألعوبة المُتْقَنَة أن تحرف الاستعدادات النضالية الكامنة في قواعد هاتين النقابتين، نحو تحدٍّ انتخابي يجعل من نتائج الصندوق معيارَ نضاليةِ وكفاحيةِ الإطار. بل إن النقابة الوطنية للتعليم اختارت في بيان 8 ماي اللجوء إلى الآليات القانونية للطعن في مقرر الوزير حول التقطيع الانتخابي.

من شأن كل هذا (الإلحاح على الحوار، ألاعيب الانتخابات المهنية) أن يُسَرِّعَ في إطفاء الدينامية الجارية السائرة حتما نحو الخفوت. فبدل فتح “حوار جاد ومسؤول” بين كل تنظيمات شغيلة التعليم المناضلة (من نقابات وتنسيقيات) وجمعيات الآباء، والوقوف عند نقط قصور المعركة الجارية ومرتكزات قوتها استعدادا للقادم من النضالات، ستتبدد الطاقة النضالية في مناوشات انتخابية وألاعيب قانونية وانتظار الحوار.

إن التحكم في التقطيع الانتخابي لغايات الاستبداد أمر مرفوض، ولكن علينا الوعي بأن المشكل ليس قائما في التقطيع بحد ذاته، بل في أساسه الدستوري الذي يحصر أدوار النقابات في الضبط الاجتماعي ومرافقة تنفيذ سياسة ترتكز على الحفاظ التوازنات المالية (أي التقشف).

وبدل الركون إلى حرب بين فصائل أجراء التعليم وتنابز انتخابي بين نقابات من المفترض أن تكون أدوات لتوحيد نضال الشغيلة، علينا استغلال فترة الانتخابات للقيام بتحريض واسع ضد سياسة الدولة المفككة للتعليم العمومي والمدمرة للشغل القار.

مآل نضال تنسيقية التعاقد المفروض

منذ تعليق إضراب مارس- أبريل 2019، ظلت التنسيقية المفروض عليهم- هن التعاقد تراوح المكان: هَبَّات نضالية سرعان ما يعقبها فتور ملحوظ. توارى مطلب إسقاط مخطط التعاقد إلى الوراء وحل محله مطالب تدبيرية إجرائية: رقم تأجير وطني، الحركة الوطنية، المشاركة في المباريات… إلخ، وجرى تبديد الكثير من الجهد التعبوي في البرهنة على أن التعاقد والتوظيف الجهوي يناقض الدستور. ونال الاقتطاع كثيرا من الاستعداد النضالي لقسم مهم من القواعد.

تململت الأوضاع ابتداءً من يناير 2021، بحفز مؤكد من معركة الإدارة التربوية، التي شجعت الكثيرين للالتحاق بالإضرابات، وكان إضراب 23- 24 مارس ذروتها.

جرى، مرة أخرى، تفويت فرصة توحيد نضالات أقسام شغيلة التعليم، ويبدو أن الموسم الدراسي سينتهي كسابقيه بفتور خصوصا وأن الوزارة مصرة على رفض ما يفوق “تجويد التوظيف الجهوي”. بل إن الوزير تحدث بثقة بالغة في النفس مواجها نضالات التنسيقية: “ليس لدينا داخل المنظومة ما يتم تسميته بالمتعاقدين، هذه التسمية لم يعد لها وجود إطلاقا، بل يتم ترويجها من باب الإثارة وتغليط الرأي العام الوطني… هذه التسمية انتهت ولم يعد لها وجود واقعي إلا في أذهان من يستعملها”، مشيرا إلى أن الباب مفتوح للمغادرة أمام من يدعي أنه فُرض عليه التوظيف الجهوي، ومؤكدا على أن التجويد قائم على قدم وساق: “هو ما سيتيح للأطر المرسمة إمكانية الترشح لاجتياز المباريات داخل القطاع والتباري في كل الاستحقاقات التربوية الإدارية القادمة كما نأمل أن يتقلد هؤلاء الأطر في السنوات المقبلة القليلة مختلف مناصب المسؤولية داخل المنظمة من مدراء المؤسسات من مفتشين من رؤساء مصالح من رؤساء أقسام ومن مديرين إقليميين”. [مداخلة الوزير أمام مجلس المستشارين 27 أبريل 2021].

ستقنع أقسام (كثيرة أو قليلة، فذلك لا يهم كثيرا الوزارة) بهذا الفتات. ففي وجه المحتوم تبحث أقل أقسام الشغيلة استعدادا وأدناها وعيا عما يجعل هذا المحتوم أفضل وأقل وقعا. ورفض ذلك سيجعل تلك الأقسام تنفصل عن التنسيقية. إن الوهم القائل أن تَوسُّع التوظيف بموجب عقود سيجعل التنسيقية أقوى، يتغافل عن درس إضعاف الحركة النقابية داخل القطاع الخاص، بسبب تعميم العمل بعقود العمل محددة المدة ومختلف أشكال العمل الهش (شركات الوساطة، والمقاولة من باطن…).

في وجه جدار الرفض الصريح للدولة واستعمال المعتقلين (33) كرهائن للمساومة، يبدو أن قيادة التنسيقية فقدت مُوَجِّه المعركة، ودخلت لجنة حوارها في لقاءات مع قيادات حزبية ونقابية بمبرر البحث “عن مداخل لحلحلة الملف”. في حين أن القاعدة دب إليها الفتور، خصوصا أمام قصف خطاب الوزارة الذي يؤكد أنها ستلجأ إلى جميع “التدابير التربوية والإدارية لتأمين الزمن المدرسي والحق الدستوري للتلاميذ في التعليم” [جواب أمزازي على أسئلة الجلسة الشفهية بمجلس النواب الاثنين 19 أبريل 2021].

مأزق معركة الإدارة التربوية

يبدو أن معركة الإدارة التربوية تدخل بدورها منعطفا خطيرا. فبعد الوعد بإصدار المرسومين، ومع اقتراب الامتحانات الإشهادية، ستدخل الإدارة التربوية في معركة تكسير عظام مع الوزارة، ولن تستطيع الإدارة التربوية ربحها دون دعم باقي جسم شغيلة التعليم. ويبدو أن قسما من هذا الشغيلة، أي هيئة المفتشين قد اختارت صفها، حيث أصدر المكتب الوطني لنقابة مفتشي التعليم يوم 6 ماي 2021 بلاغا أشاد فيه بـ”النفس الإيجابي الذي ميز تعاطي الوزارة مع مختلف الملفات المطروحة، بما يحفز هيئة التفتيش على مزيد من الانخراط الفعال…”.

تتخوف الإدارة التربوية من تنصل الوزارة من وعدها، وهذا أكيد خارج ضغط نضالي حقيقي. لكن يبدو أن مقومات استمرار معركتها بدأت بالتلاشي، وتشهد حاليا تفككا والتحاق المدراء بشكل إفرادي بالمهام التي قرروا مقاطعتها إضافة إلى وساطة الجامعة الوطنية لموظفي للتعليم لعقد حوار مع التنسيق الثلاثي للجمعيات الثلاث للإدارة التربوية، وبالتالي العودة عن قرار اللاعودة.

إن بحث تنظيمات الشغيلة (الإدارة التربوية، المفروض عليهن- هن التعاقد) عن وساطة مع الوزارة دليل على ضعف المعركة الظرفي، فلو كانت المعركة في موقع قوة لكانت الوزارة هي من يبحث عن وساطة لإطفائها.

لنحسن تدبير نهاية الموسم ولنستعد للقادم من نضالات

تأتي بعض اللحظات تجد تنظيمات الشغيلة نفسها إزاء مأزق لا تستطيع معه الاستمرار في نفس الخطوات التي جرى تقريرها. وهذه إحداها.

قد ترتد، أحيانا، نقاطُ قوة شغيلة التعليم (كونها في صلب المنظومة التربوية) إلى نقطة ضعفها. تبتز الدولة الشغيلة وتنظيماتها بمستقبل التلاميذ وحقهم في استكمال الموسم الدراسي. لكن ما يجعل هذا نقطة ضعف، هو ما أشرنا إليه من توزع شغيلة التعليم فئات مشتتة دون ملف مطلبي موحَّد وموحِّد، ودون تنسيق النضالات.

سيؤدي كل هذا إلى ارتباك مختلف الفئات المناضلة في قطاع التعليم، ومع ضغط فترة الامتحانات، قد يتشتت الشمل وتتبدد نضالات السنة كلها.

يمكن الاستمرار في المعركة عبر خطوات احتجاج ميدانية موحَّدة بين مختلف النقابات والتنسيقيات. دعت الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي إلى احتجاجات في العاصمة احتجاجا على محاكمة معتقلي تنسيقية التعاقد المفروض يوم 20 و27 ماي. لنجعل من هذه المحطتين فرصةَ لَمِّ الشمل وتمتين التواصل النضالي بين مختلف أقسام الشغيلة. لنخض معارك أثبتت تنسيقية المفروض عليهم التعاقد نجاعتها: معارك المؤسسات، حيث يمكن لكل الفئات (هيئة تدريس مرسمة ومفروض عليها التعاقد، هيئة إدارة، عمال وعاملات النظافة والإطعام والحراسة، مربيات التعليم الأولي والتربية غير النظامية…) الالتقاء في أماكن العمل والنقاش للبحث عن أفضل السبل لتقوية المعركة مستقبلا وتوحيد مطالبها وسبلها.

يبدو أن من الأفضل تدبير نهاية الموسم الدراسي في ظروف عادية للالتقاط الأنفاس، والإعداد لاستئناف النضال في ظروف أفضل. ولنجعل الفترة الفاصلة فرصة لاستخلاص دروس جولات هذا العام، وبالدرجة الأولى الوقوف على نقاط قصور تنظيماتنا ونضالاتنا وبالدرجة الأولى سم الفئوية الزعاف.

لا يعني هذا وقفا نهائيا للنضال، بل تنظيما له لكي يجري في أحسن الظروف بدل تركه يتم من تلقاء نفسه مع ما سينجم من إحباطات وتدمير المعنويات، وهو ما ينذر به الوضع الحالي لمعركة الإدارة التربوية وشغيلة التعاقد المفروض.

لنعقد مجالس وطنية وجهوية وإقليمية يكون موضوعها: تقييم جولات النضال السابقة والإعداد لتلك المقبلة. لنسطر ملفات مطلبية موحدة ونقترح أشكال نضالية مجمعة.

إن الخلاصة الرئيسية لنضالات 2019 و2021 تثبت مأزق نضالات قسم من الشغيلة لمواجهة إحدى الاجراءات النيوليبرالية بشكل انفرادي وفي غياب بناء ميزان قوى قادر على الضرب بقوة. ومن رافعات التقدم في هذا الاتجاه في اللحظة الآنية توحيدُ صف شغيلة التعليم، مرسمين ومفروض عليهم التعاقد، ثم عامة الموظفين، بناء على مطلب إلغاء التعاقد والمطالب المشترك (رفع عام للأجور على غرار سنة 2011 اعتماد سلم الأجور المتحرك، الضريبة على الدخل، وقف الإجهاز على التقاعد، سحب قانون منع الإضراب، الدفاع عن الحريات الديمقراطية، إلغاء قوانين تكثيف الاستغلال، تحسين التأمين عن المرض…). فمن شأن هكذا توحيد أن يحسن عافية الحركة النقابية بقطاعات الدولة، ويحفز مكونها الأخر في القطاع الخاص.

لنحفز معركة لا تقتصر على المطالب المهنية بل تعمل على خرط الأسر والتلاميذ- ات والطلاب- ات، فصيغ التوظيف الجديدة ليست إلا انعكاسا لنمط تقديم الخدمة الجديد. خوصصة التعليم ومختلف أشكال الأداء وربط المدرسة بمحيطها الاقتصادي هو الذي فرض مخطط التعاقد والتوظيف الجهوي. ولن يستقيم النضال من أجل شغل قار دون النضال من أجل تعليم عمومي ومجاني وجيد.

بقلم: وائل المراكشي

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا