من “يعارض” أخنوش معادلٌ تماما لمن يسانده

سياسة30 أكتوبر، 2021

بقلم شيماء النجار

صرح عزيز أخنوش ليلة تعيينه رئيسا لحكومة الواجهة، بأن برنامج حكومته هو عينُ برنامج الملك الاستراتيجي. ورغم ذلك ينأى منتقدون كُثر عن معارضة برنامج الملك الاستراتيجي، كما يتحاشون معارضة برنامج حكومة أخنوش، مركزين على شخص هذا الأخير ومكانته الاقتصادية، لتحميله وزر كل ما يقع في البلد (ارتفاع الأسعار، القمع، التلقيح الإجباري…إلخ).

تلك آلية تقليدية من آليات تحكم الملكية السياسي وضبطها الاجتماعي. فمجمل الحياة السياسية مرتكزة على عملية مرئية غايتها إقامة مؤسسات واجهة (برلمان وحكومة) يتوجه إليها الاستياء الشعبي كي لا يستهدف الحاكم الفعلي: المَلكية.

معظم الجسم السياسي/ الحزبي وملحقاته الجماهيرية (توابع نقابية وجمعوية وشبيبية) ملتزمة بهذه الآلية، مساعِدة بذلك على إنجاحها. فجميع أحزاب المؤسسات، سواء التي يأتي دورها لتولي الواجهة الحكومية أو تلك التي تُحال إلى مقاعد “المعارضة” مُجمعة على ما يسمى “الثوابت”: “الملكية والخيار الحاسم للرأسمالية [“المغرب الممكن” إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك، تقرير الخمسينيةّ”، 2005].

تعني العبارة الأخيرة أن الجميع لا يعارض برنامج الملك الاستراتيجي، مع تمايزات بين أحزاب مؤيدة له بشكل مطلق، وأخرى تُلوح بين فينة وأخرى باعتراض على عدم تفعيل “المقاربة التشاركية” وضرورة “الإصلاح الدستوري” لأجل التوافق حول ذلك البرنامج.

كل تلك الأحزاب متفقة على أن طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يمرُّ لا محالة عبر بوابة القطاع الخاص، مع تباين أيضا بين أحزاب تدافع عن إزالة أي عائق في وجه هذا القطاع، وأخرى تصر على كبح “جناحه الاحتكاري” و”المتغول”، والدفاع عن اقتصاد يحترم مبدأ “المنافسة الحرة”، وأحزاب تؤيد “الخوصصة الكاملة”، وأخرى تريد استثناء “المؤسسات الاستراتيجية والحيوية” منها، وأحزاب متفقة على الحفاظ على “السلم الاجتماعي” وتختلف حول وسيلة الحفاظ عليه: جهة تريد القمع الصارم وأخرى تقترح تنفيس الوضع الحقوقي.

هذه هي خلفية تركيز لاعبي “المعارضة” نيرانَهم على من يتولى دور رئيس حكومة الواجهة في انتظار محطة الانتخابات لتبادل الأدوار. وهو ما جنب الملكية لعقود عديدة تحمل جريرة السياسات الاقتصادية والاجتماعية المدمرة للمكاسب الشعبية. وفي نفس الآن تُرغم الأحزاب التي تتناوب على مقعد حكومة الواجهة على التخلي عن تلك السياسات الإحسانية (يُطلَق عليها: اجتماعية) التي تحتكر الملكية شرف تطبيقها وبالتالي الحفاظ على ولاء من تُحسِن إليهم.

تناوبَ على تلك الواجهة الحكومية منذ خروج الاستعمار المباشر 17 رئيس وزراء، واستُعرِضت على تلك الواجهة أحزابُ يمين ويسار شعبوي وليبرالي وإسلاميون وتكنوقراط. كل يطلي وجه الآخر بوحل الفشل والاعتداء على المكاسب الشعبية والقمع، ويبقى وجه الملكية ذو الجلال والإكرام. فقد سمعنا تصريح محتجَّة ضد قمع وقفة مناهضة للتلقيح الإجباري مُنتقِدة بشدة سياسة وزير الصحة آيت الطالب ومهاجمة من صوتوا على أخنوش مع التأكيد على قول: “نحن لا نريد أي حكومة كيفما كانت لتحكمنا، نحن نريد من “سيدنا” أن يأتي ليرى ما يُفعَل في شعبه”.

يُسهِم قسمٌ مهم من المثقفين- ات في عملية التضليل هذه، إذ تنحو كتاباتهم- هن الأكاديمية نفس مسار اتقاء استهداف الحاكم الفعلي (أي الملكية)، ومعاملة من يوجد في الواجهة المؤسساتية كأنه مالكُ قرارٍ فعلي. تؤدي هذه الطينة من المثقفين- ات دور إدامة هيمنة الحكام مشكلين دراعه الأيديولوجي الذي يستكمل مهام الدراع القمعي، مقابل أعطيات وامتيازات.

توجد الطبقة العاملة في موقع مكشوف أمام هذا القصف الأيديولوجي، بحكم أن كل أدوات نضالها (النقابات) توجد تحت السيطرة الفعلية لنقابات تشكل أذرعا نقابية إما للملكية أو للأحزاب التي تتناوب على واجهتها المؤسساتية (حكومة وبرلمان). وقد رأينا سابقا كيف تسوق البيروقراطية النقابية جيوش الطبقة العاملة إلى مكاتب التصويت للاختيار بين أحزاب ذات برامج كلها معادية للطبقة العاملة على طول الخط.

ذات الشيء يصدق على باقي شرائح الشعب الكادح المسلَّطة عليه أبواق التخبيل والتضليل الجماهيريين. حين تندفع تلك الشرائح للنضال فإنها توجه نيرانها- أول ما توجهه- إلى الواجهة الحكومية. وليس هذا بأمر سلبي في حد ذاته، فذلك عيبُ نموٍّ كما يقال، وقد تستطيع تلك الشرائح تجاوز ذلك العيب ومواجهة الحاكم الفعلي، إن تأمنت شروط ذلك التطور. لكن هذا المستوى من الوعي السياسي لدى الشعب يسهل مأمورية تلك الأحزاب التي تتقن عملية رشق من يوجد على رأس حكومة الواجهة بالطين، أكثر ما تُسهل مأمورية من يسعى إلى تطوير الوعي الشعبي ليتجاوز القناع ويناضل ضد أصل البلاء.

إنها مأمورية عظيمة وجسيمة تقع على من يحسب نفسه على الصف الطبقي العمالي والشعبي، معركة طلائع قليلة تفزرها الكفاحات الجماهيرية بشكل دوري. التحام هذه الطلائع من أجل اكتساب المنظور العمالي الاشتراكي الثوري هي بداية الطريق للوفاء بوصية أنطونيو غرامشي للمثقفين- ات الثوريين قبل وفاته: “إيجاد ثغرات الكتلة [الحاكمة] من أجل تكوين كتلة جديدة، بينما يعمل الفيلسوف الليبرالي على صيانة الكتلة بإعطائها الاتساق”.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا