انتصار تلاميذي واعد يفتح الآفاق لانتصارات أعظم

من الثغرة التي فتحتها الدينامية النضالية التي فجرها بلاغ وزارة التربية الوطنية القاضي بإقصاء آلاف المعطلين- ات حاملي الشهادات الأساسية بمعايير الانتقاء وتسقيف السن، انسلَّت نضالات تلاميذية ضد مذكرتين وزاريتين بشأن تأطير إجراء المراقبة المستمرة للموسم الدراسي والجداول التفصيلية لفروض المراقبة المستمرة الموحدة.

مسيرات تلاميذية بدأت في فضاء المؤسسات المدرسية لتقتحم الشارع رافضة للامتحان الموحد للدورة الأولى. لكن سرعان ما تطور الأمر لرفع شعارات تضامنية مع نضالات المعطلين- ات والطلاب- ات ضد مذكرة وزارة التربية الوطنية الخاصة بشروط اجتياز مباريات التوظيف في قطاع التعليم.

تدرك الدولة ما تحتويه الدينامية التلاميذية من قوة تفجرية، كونها تشكل حلقة وصل رئيسية بين الفئات المحتجة الأخرى من جهة والأسر المنشغلة بهاجس مستقبل أبنائها وبناتها التعليمي. كما تدرك الدولة قوة العنفوان الشبيبي لدى التلاميذ- ات، الذي بإمكانه أن يفجر برميل البارود الاجتماعي؛ فسابقة 23 مارس 1965 لا زالت ماثلة في الأذهان، رغم محاولة إقبارها تحت ركام أضاليل “هيئة الإنصاف والمصالحة” و”طي صفحة الماضي”.

وليس ببعيد زمنيا، تحقيق التلاميذ- ات لنصر آخر سنة 2018، حين أرغمت نضالاتهم الدولة على تكييف التوقيت المدرسي مع ما أُطلِق عليه ساعة إدارية.

ولدرء اكتمال الالتقاء الشبيبي بالتحاق ملايين التلاميذ بمئات آلاف الطلاب والمعطلين، سارعت الدولة إلى إطفاء الغضب التلاميذي بإصدار بلاغ وزارة التربية الوطنية القاضي بتوقيف العمل بمقتضيات المذكرتين الوزاريتين المعتقلين بتأطير إجراء المراقبة المستمرة للموسم الدراسي 2021- 2022.

إنها فرصة سانحة لتبيان جدوى النضال وتحطيم أسطورة الدولة التي لا تتراجع عن قراراتها حفاظا على هيبتها. فقبل هذا التنازل الذي انتزعه التلاميذ- ات اضطرت الدولة للانحناء أمام الاحتجاجات ضد إجبارية جواز التلقيح، بعد أن تبين لها أن الأمر تعدى الاحتجاجات ضد الجواز وإجبارية التلقيح ليشمل رداءة الخدمات الصحية وغلاء الأسعار.

تنازُل الدولة للتلاميذ- ات موجَّه بالدرجة لغاية عزل نضالات الطلاب- والمعطلين- ات عن قاعدة شبيبية أوسع. لكن من شأن هذا التنازل أن يقوي ثقة الشبيبة المدرسية في قوتها النضالية الجبارة الكامنة، قوة تخافها دولة مسلحة من رأسها حتى أخمص قدميها.

سفهت تحركات تلاميذية محدودة زمنيا ومحصورة مكانيا أساطير البيروقراطيات المسيطرة على أجهزة نضال الشغيلة، والتي أضحت تشكل كابحا لانطلاق العنفوان النضالي للشغيلة والشبيبة العاملة. سفهت تحركات التلاميذ أوهام “توسم الخير” من الدولة عبر “طاولات الحوار الاجتماعي”، وألقت في سلة المهملات تخوفات العاجزين الليبراليين المرتعدين من النضال الجماهيري بمبرر الحرص على الاستقرار الاجتماعي، وانتظار صدقات الاستبداد عبر تحذيره من مغبات الاحتقان الاجتماعي داعين إياها إلى فشه عبر إشراك النقابات والأحزاب في تدبير الأزمة.

نصر التلاميذ- ات ليس نهائيا، فيمكن للدولة دائما استعادة ما تنازلت عنه تحت ضغط الغضب الشعبي، بعد فتور هذا الأخير، وما صيغة “توقيف العمل بالمذكرتين” عِوَضَ إلغائهما نهائيا إلا دليل على ذلك.

تطرح الهبة الشبيبية الأخيرة مهاما جساما على تنظيمات النضال والطلائع المسيَّسة. وأم هذه المهام هي حفز التنظيم الذاتي لفئات الشبيبة تلك: لجان تلاميذية داخل المؤسسات لنقاش مآل تعليم عمومي تدفع به الدولة ليصبح سلعة، جموع عامة طلابية تضع حق القرار في يد ألوف الطلاب- ات خارج الهيمنة القسرية لفصائل سياسية تكبح النضال الطلابي أكثر مما تحفزه، تنسيقيات معطلين- ات تجمع عشرات ألوف الطلاب حول مطلب التشغيل والتعويض عن البطالة، حفز النقاش الديمقراطي وتقوية الهياكل السفلى للمفروض عليهم- هن التعاقد.

علينا العمل بجهد قياسي يواكب حدة الهجوم من أجل ضمان التقاء ميداني بين فئات الشبيبة المحتجة، فدون هذه الوحدة الميدانية المعززة بتنظيمات ذاتية ديمقراطية وجماهيرية، ستنتهي هذه الهبة الشبيبية بانطفاء محفزاتها. ولضمان استمرار الشعلة في الاتقاد علينا تنظيم الصفوف وتخصيب النضالات بفهم صحيح لغايات هجمات الدولة وأرباب العمل الذين لا يرون في الشبيبة إلا “مواردَ بشرية” و”رأسمالا بشرية” يجب وضعه في خدمة المقاولات التي ترميها أجسادا مهلوكة بعد انقضاء مدة صلاحيتها وانتفاء إمكان استغلالها.

نصر التلاميذ- ات نبراس ينير طريق الشبيبة العاملة والمعطلة

بقلم: وائل المراكشي

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا