«ما بَعْدَ غزو روسيا لأوكرانيا»

بلا حدود2 سبتمبر، 2022

    بقلم آشلي سميث  Ashley Smith

تُمثِّل حربُ العدوان الإمبريالي الروسي على أوكرانيا أهمَّ حدثٍ جيوسياسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. إنها تفتح حقبةً جديدة من الإمبريالية، متميزةً باشتداد حدةِ التنافس، وبِسماتِ إزالة طابع العولمة، وباحتدامِ النزاعات بين التكتلات التجارية وبين التحالفات الجيوسياسية، وتنامي حِدَّة العسكرة، والحروب بالوكالة بين القوى العظمى بهدف حيازة مناطق النفوذ مع تداعياتها على الأمم المُضطهَدة.

تؤدي الحرب إلى مفاقمة جميع أزمات الرأسمالية المُعَوْلَمَة: ركودٌ اقتصادي عالمي، وتضخمٌ، وتغيرُ المناخ، وأشكالُ هجرة. وأضافت أخرى جديدةً، أهمها الديونُ الجديدة لبلدان الجنوب، فضلا عن المجاعة في البلدان التي عليها مواجهة، ضمن ما تواجه، فقدانَ شحنات حبوب أوكرانيا وارتفاعاً فائقاً في أسعار المواد الغذائية التي باتت عرضةً للمضاربة. يعصفُ التقشف والبؤس والجوع بأفقر بلدان العالم.

ستؤدي كل هذه الأزماتُ المتتاليةُ إلى تعميق التصدعات بين الدول في جميع أنحاء العالم. كما أنها ستُفضي إلى تفاقم التقاطب السياسي العميق بالفعل داخل البلدان، فضلا عن اندلاع انتفاضات رجعية و/أو تقدمية من أسفل. وفي المقابل، ستتوجه المؤسسة الرأسمالية الحاكمة في كل دولة إلى ممارسة أساليب استبدادية لفرض النظام القائ

وجَّهت المقاومةُ الأوكرانية ضربةً قاصمةً لموسكو، بدعم عسكري ومالي من حلف شمال الأطلسي وبسبب فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا. اضطرت الصين، التي تحالفت مع روسيا، إلى اتخاذ موقف دفاعي، حيث وقعت في تناقض بين دعمها لنظام فلاديمير بوتين واعتمادها على الأسواق والتكنولوجيا الغربية.

إن المستفيد من الحرب التي تشنها روسيا سيكون، بالأقل في هذه اللحظة، الإمبريالية الأمريكية، التي حاولت إعادة إضفاء الشرعية على سمعتها المشوهة بفعل حروبها على العراق وأفغانستان، وإعادة تأكيد تفوقها في العالم، وتوسيع إطار حلف شمال الأطلسي عبر تحالفاتها.

لكن تعدد أزمات النظام المقترنة بانتفاضات من «أسفل» واحتدام النزاعات بين الدول، ستجعل إعادة فرض هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على نظام العالم أمراً في غاية الصعوبة. يجب على اليسار العالمي مواجهة تحديات هذه الحقبة الجديدة وإعادة بناء تقليد مناهضة الإمبريالية الأممي.

جذور الحرب التي تشنها روسيا وطبيعتها

تستمد هذه الحرب جذورها من نزاع إمبراطوري بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي من جهة، التي وسعت نطاق نفوذها في أوروبا الشرقية، ومن جهة أخرى روسيا، التي حاولت إعادة تأكيد مكانتها كقوة إمبريالية، خاصة في إمبراطورتيها السابقة بالمنطقة.

اختارت دول عديدة، كانت طوال تاريخها تحت سلطة روسيا، الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، لاستتباب أمنها وعلى أمل الاستفادة من الاندماج في رأسمالية أوروبا.

يفسر هذا النزاعُ الغزوَ الروسيَّ لأوكرانيا، لكن لا يبرره. إنها حرب عدوانية إمبريالية ضد أقدم مستعمرة موسكو. عرض بوتين حججه على نحو فظ في خطاب تلو الآخر. يروم إعادة بناء إمبراطورية روسيا السابقة من خلال الاستيلاء على أوكرانيا، ويرفض وجود هذا البلد حتى باعتباره من تأسيس لينين والبلاشفة.

يضيفُ إلى ذلك قائمةً غير مفاجئة من أكاذيب وتبريرات مغرضة: من قبيل أن البلد (أوكرانيا) يحكمه نظام نازيٌّ لا يحظى بشعبية، نصَّبته الولايات المتحدة الأمريكية. وأن حرب روسيا ستحرر الشعب، وخاصة الناطقين باللغة الروسية المضطهدين. وأن روسيا تتدخل دفاعا مشروعا عن النفس ضد عدوان حلف شمال الأطلسي.

اعتمد بوتين على تأكيد قوته العسكرية تعويضاً عن التدهور الاقتصادي النسبي في روسيا منذ الركود العظيم. واستعمل هذه الإمبريالية لإثارة النزعة القومية المحلية، وقمع الانتفاضات المعادية لحلفائه الإقليميين، وسحق معارضته الداخلية.  وبشراسة متزايدة، تدخلت روسيا في جورجيا (2008)، وأوكرانيا (2014)، وسوريا (من عام 2015 حتى اليوم)، وبيلاروسيا (2022)، وكازاخستان (2022)، لاسيما أوكرانيا لثاني مرة.

اعتقد بوتين أن اللحظة مناسبة للاستيلاء على أوكرانيا. وبدا بايدن زعيما ضعيفا لا يحظى بشعبية، وكان عاجزاً داخل البلد عن تمرير برنامج إصلاحاته الفاتر. وقاد في الخارج، عملية إجلاء غير منظمة في أفغانستان، وسعى جاهداً إلى ابعاد حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي اقتصاديا عن الصين في مجال التكنولوجيا الفائقة وعن روسيا في مجال الطاقة، وكان منشغلا بمواجهة بكين أكثر مما بموسكو.

أخطأ بوتين بشأن أوكرانيا بفداحة كارثية، في حين قلل من شأن الإمبريالية الأمريكية. كانت روسيا تتوقع الانتصار وتسريع تنصيب حكومة عميلة، لكنها واجهت مقاومة ضارية، ليس من دولة أوكرانيا وجيشها وحسب، بل حتى من شعب أوكرانيا- بما في ذلك الناطقين بالروسية- الذي انضم طواعية بعشرات الآلاف إلى قوات الدفاع الإقليمية في البلد.

أسفر النضال البطولي من أجل تقرير المصير على إجبار بوتين على التخلي عن هدفه المتمثل في تغيير النظام، ليكتفي بضم دونباس وإنشاء جسر بري إلى شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها روسيا عام 2014، وربما تمديده على طول الساحل الجنوبي إلى ترانسنيستريا، وهي منطقة مولدوفية تسيطر عليها موسكو منذ عام 1992.

في حين كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي قد منحا أوكرانيا أسلحة وتدريبا عسكريا منذ عام 2014، كانا يتوقعان مثل روسيا سقوط أوكرانيا بسرعة. مع ذلك، كان رد فعل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي متسماً بوحدة غير متوقعة، إذ فرضا نظام عقوبات غير مسبوق يضرب اقتصاد روسيا ونظام بوتين.

ومنحا أيضا، تحت ضغط أوكرانيا، كميات متزايدة من أسلحة دفاعية ومساعدة مالية لمد المقاومة بالغذاء.

وفيما كانت روسيا تعيد التموقع بقصد الاستيلاء على دونباس وتقسيم أوكرانيا، اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بوجه خاص مواقف عدوانية باطراد، مهددتان باستخدام أوكرانيا «لإضعاف روسيا» (على حد تصريح وزير الدفاع الأمريكي لويد جيمس أوستن) وحتى إطاحة بوتين (تعبير أشار إليه بايدن ضمنا، يوم 26 آذار/مارس في وارسو).

قد يكون هذا مجرد مزايدة سياسية ردا على تهديدات بوتين باستخدام ترسانته النووية، والواقع أن القوى الإمبريالية المتنافسة مستعدة لإبرام اتفاق من وراء ظهر أوكرانيا، ضدا على مصالح شعبها. مع ذلك، ينبغي عدم استبعاد إمكان تحول حرب تقرير المصير هذه ضد العدوان الروسي إلى حرب بين القوى العظمى.

لكن بالنظر إلى الرهانات النووية، فإن هذا السيناريو بعيد الاحتمال إلى حد كبير، وأكثر منه استبعاداً بكثير سيناريو اتفاق سلام فاسد مُواتٍ لكلا الجانبين الإمبرياليين.

نهاية النظام أحادي القطب

يشكل مسار كل هذه الأحداث قطيعة جذرية مع النظام العالمي أحادي القطب الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشرف عليه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991. في نهاية هذا النزاع ثنائي القطب، كانت واشنطن صاغت استراتيجية كبرى لدمج جميع الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم في إطار نظام تجارة حرة نيوليبرالي معولم، مُتصورةً إرساءه من خلال مؤسساتها المالية العالمية ومنظمة التجارة العالمية.

مددت الولايات المتحدة بصمتها الأمنية لفرض معايير هذا النظام، من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي وشبكة قواعدها العسكرية في العالم لمنع صعود أي منافس ذي شأن قد يتحدى هيمنتها. شنت حروبا ضد ما يسمى بـ«الدول المارقة»، لتغيير النظام، ونفذت ما يسمى بتدخلات إنسانية لفرض «نظام» على مجتمعات مثل هايتي التي مزقتها النيوليبرالية، وعزلت كل حكومة كانت ضد إجماع واشنطن وسحقتها.

هذا ما أرسته الإمبريالية الأمريكية على مدى العقود الأربعة الماضية من «نظام قائم على قوانين» وموقر. لكن عدة تطورات قوضته. وإذ عززت الطفرة النيوليبرالية وعولمة سلاسل التوريد تطوير مراكز جديدة لتراكم الرأسمال، فإنها أغرقت في الفقر قطاعات كاملة في جميع ربوع العالم.

أتاحت هذه السيرورة (ضمن سيرورات أخرى) بروز الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم. احتفظت الدولة فيها بملكية الصناعات الاستراتيجية، ودعمت صناعات القطاعات الخاصة باعتبارها رائدات وطنية قادرة على المنافسة في مجال اقتصاد العالم، وطالبت المقاولات متعددة القوميات في الصين بتبادل معلوماتها التكنولوجية. هكذا حققت قفزة إلى أمام في سلسلة القيمة، مما يمكنها باطراد من منافسة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان.

فرضت الصين نفسها بما هي أهم فاعل عالمي جديد، لكنها ليست وحدها. تحولت روسيا إلى قوة نفط وغاز مسلحة نوويا، في مركز نظام الطاقة في أوروبا. وبرزت دول عديدة مثل البرازيل والهند كقوى اقتصادية إقليمية.

سعت واشنطن إلى فرض هيمنتها عبر ما يسمى بـ«الحرب على الإرهاب»، إدراكا منها لهذه التغييرات. كان هدفُ التدخلات في أفغانستان وخاصة العراق، المُستتـِرُ بالكاد، تأمينَ التحكم بالاحتياطات الاستراتيجية للطاقة في العالم، ما قد يتيح للولايات المتحدة الأمريكية ابتزاز وترهيب الصين وغيرها من المنافسين المحتملين المعتمدين على منطقة «الشرق الأوسط» للتزود على النفط والغاز الطبيعي.

فشلت تلك الحروب فشلا ذريعا، ما أدى إلى ما أسماه الجنرال المتقاعد وليام أودوم [1932-2008] «أكبر كارثة استراتيجية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية». وبدلا من أن تؤدي حروب سنوات 2000 إلى تعزيز قوة الولايات المتحدة الأمريكية، سببت انحدارها نسبياً بوجه منافسيها البازغين.

ثم ضرب الركود العظيم الذي أعقب عام 2008 اقتصاداتِ الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا بوجه خاص، ما أضعف موقفها في العالم. أصبحت الصين، بالأقل خلال فترة معينة، مركز نمو الرأسمالية المعولمة الرئيس بفضل تدابيرها التحفيزية وانفاقاتها العامة الضخمة، ما استوجب الحصول على المواد الأولية من جميع بلدان العالم.

لكن الصين رزحت أيضا، بفعل اندماجها العميق في اقتصاد العالم، تحت وطأة الركود العالمي، مع تفاقم معدلات النمو المنخفضة بسبب الانحسار الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد 19. وبسبب الصعوبات الجديدة التي تواجهها الصين باتت في الواقع أكثر طموحاً في تأكيد مصالحها.

أدت كل هذه التطورات إلى بروز نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ذي طابع غير متساوق، متميز بحدة تنافس استراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا في منطقة أوراسيا، قلب الرأسمالية العالمية، وأيضا في البلدان الواقعة على أطرافها. تظل الولايات المتحدة الأمريكية طبعاً الدولةَ المهيمنة في العالم، لكنها تواجه الآن هؤلاء المنافسين الإمبرياليين فضلا عن مجموعة منافسين إقليميين.

ليست الطبقات الحاكمة، ودولها ونزاعتها في هذا النظام الجديد، هي الجهات الوحيدة الفاعلة. كما أدى الركود العظيم وما نجم عنه من انحسار عالمي إلى اندلاع واحدة من أكبر موجات الاحتجاج والانتفاضة في جميع أنحاء العالم تقريبا.

من الربيع العربي إلى حركة «حياة السود هامة»، انتفضت جماهير العمال والمضطهدين من أجل تحقيق الديمقراطية والمساواة والتحرر. وفي الآن نفسه، ظهر يمين متطرف جديد على مستوى العالم بقيادة بوتين ودونالد ترامب وناريندرا مودي وفيكتور أوربان ومارين لوبين على سبيل المثال لا الحصر، مما حفز البرجوازية الصغيرة وما لحق التدمير من قطاعات الطبقة العاملة على إتيان حلول رجعية لمشاكل النظام.

تنامي حدة المنافسات

ردا على ذلك، قامت القوى العظمى باستمالة القوى التقدمية وقمعها، والتكيف مع اليمين، وتوطيد النزعة القومية، ومضاعفة النزاعات فيما بينها، وغالبا بصدد البلدان التابعة في مناطق نفوذها. وزادت كل واحدة منهما تأكيد تطلعاتها. أصبحت الصين، التي استشعرت ما يتيح لها الانحدار النسبي للولايات المتحدة الأمريكية من فرص، أكثر عدوانية اقتصاديا وعسكريا وجيوسياسيا.

وأطلقت، تحت قيادة شي جين بينغ، «مبادرة الحزام والطريق» [«طرق الحرير الجديدة»] الضخمة لتطوير البنيات التحتية في أكثر من 70 بلدا. تروم الصين دمجها في شكل «فروع» متمفصلة حول مركز صيني. ربطت هذه المبادرة بسياسة صناعية، تسمى «الخطة الصينية التصنيعية 2025» [صنع في الصين 2025]، بهدف زيادة قدرة تنافسيتها في صناعة التكنولوجيا الفائقة بوجه الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأورو

برزت الصين بوضوح على المستوى الجيوسياسي، مع صعودها الاقتصادي، حيث أبرمت تحالفات جديدة مثل منظمة شانغهاي للتعاون، وعمقت شراكتها مع روسيا، وتحدت الهيمنة الأمريكية في الشؤون العالمية، خاصة منذ تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا [في عام 2011].

ولدعم هذه الجهود بقوة عسكرية ذات مصداقية، أحدثت تغييرا في جيشها، وأنشأت قواعد في بحر الصين الجنوبي، وأقدمت على تشييد قواعد عسكرية في أراض أجنبية، بدءا من واحدة في جيبوتي واثنتين أخريين، واحدة مرتقبة في غينيا الاستوائية وأخرى في جزر سليمان [اتفاقية موقعة في نيسان/أبريل 2022].

وعلى النحو ذاته، استفادت روسيا من انتعاشها الاقتصادي المبني على صادرات الطاقة والأسلحة للاعتراض على توسع حلف شمال الأطلسي شرقا. وبوجه التدهور الاقتصادي نسبياً، والمقاومة الديمقراطية على أراضيها، وتنامي موجات الانتفاضة في إمبراطوريتها سابقاً، تدخلت موسكو بطريقة أكثر عدوانية لاسيما في سوريا وأوكرانيا. ولجأت إلى الصين كقوة رئيسية موازنة للولايات المتحدة والأمريكية.

علاوة على هؤلاء المنافسين الرئيسيين الاستراتيجيين، اكتسب حلفاء واشنطن التقليديون وعدد قليل من القوى الإقليمية الثقة بالذات أيضا. سعت بلدان الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق توازن بين تحالفها التقليدي مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنامي علاقاتها الاقتصادية والطاقية مع الصين وروسيا، في حين وضعت اليابان نفسها تحت المظلة الأمنية الأمريكية على الرغم من علاقاتها الاقتصادية العميقة مع الصين. في أسفل ترتيب الدول الهرمي، دافعت قوى مختلفة مثل إيران والمملكة العربية السعودية وإسرائيل والبرازيل والهند وغيرها على مصالحها الخاصة.

سعت الولايات المتحدة الأمريكية، بوجه انحدارها نسبياً، إلى الدفاع عن سيطرتها في العالم ضد المنافسين الإمبرياليين والإقليميين الجدد. بدأ أوباما [2009-2017] بـالتخلي عن الحرب على الإرهاب للانشغال بالتنافس بين قوى عظمى من خلال ما سماه بخطة «محور الارتكاز الآسيوي»، التي كانت تهدف إلى حشد الحلفاء لاحتواء الصين واخضاعها، وفرض عقوبات على روسيا لاستيلائها على شبه جزيرة القرم في أوكرانيا [2014]، والضغط على الاتحاد الأوروبي لمنعه من إقامة علاقات أوثق مع الصين وروسيا.

جعل دونالد ترامب من تنافس القوى العظمى استراتيجية واشنطن الكبرى الصريحة، معتبراً بكين وموسكو خصميه. لكن المقاربة ذات الطابع المتقلب والتصالحي التي نهجها، تجاه منافسيه وحلفائه على حد سواء، أضعفت بالعكس الولايات المتحدة الأمريكية، التي عانت من سوء تدبير الجائحة وما نجم عنها من ركود عميق.

تولى بايدن منصبه معلنا أن «أمريكا عائدة». وعد بإعادة الولايات المتحدة إلى مركز النظام العالمي، وإعادة بناء تحالفاتها التي تضررت بشدة من تدبير ترامب، وإعادة تطوير البنيات التحتية المحلية، واعتماد سياسة صناعية لضمان تفوق الولايات المتحدة الأمريكية في التكنولوجيا الفائقة ضد الصين.

وأكد مجددا التزام ترامب الذي ينص على إنهاء ما يسمى الحروب الأبدية وتعزيز القدرة الهجومية كقوة عظمى ضد بكين وموسكو. لكنه حاول، على عكس ترامب، إعادة ترتيب نظام تحالف الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل «عصبة أنظمة ديمقراطية» [قمة افتراضية من 110 بلدا] دفاعا عن «النظام القائم على قواعد» ضد الأنظمة الاستبدادية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان.

في حين أن كل هذا كان يفوح نفاقا من «جزار» أفغانستان والعراق، كانت واشنطن جادة، وذهبت إلى حد الدعوة إلى مقاطعة دبلوماسية لأولمبياد بكين، حيث عزز شي جين بينغ وبوتين «صداقتهما التي لا حدود لها».

مرحلة جديدة من تنافس الإمبراطورية

هكذا، كانت المنافسات بين الإمبرياليات تحتدم حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا. ستؤدي الحرب إلى زيادة حدة هذه المنافسات، ومفاقمة أزمات الرأسمالية العالمية ومضاعفتها، وتعميق التقاطب السياسي، وتعزيز زخم الحركات التقدمية والرجعية على حد سواء.

وكما سبق الذكر، تمثل الولايات المتحدة الأمريكية المستفيد المباشر من تعثر محاولة روسيا حالياً للاستيلاء على مستعمرتها السابقة. تمكنت واشنطن من تحقيق انضمام حلفاءها في حلف شمال الأطلسي إلى نظام عقوباتها، وأجبرتها على رفع حجم ميزانياتها العسكرية، وأرغمت ألمانيا على تعليق تشغيل خط أنابيب للغاز نورد ستريم 2، وضغطت على أوربا لصياغة خطط إنهاء الاعتماد على نفط روسيا وغازها الطبيعي.

وبذلك، عززت الولايات المتحدة الأمريكية حلف شمال الأطلسي، وأعاد الحيوية إلى التحالف العسكري، ووسعت نطاقه بإضافة فنلندا والسويد بالأقل. وهكذا أصبحت بنحو ما ذريعة بوتين لغزو أوكرانيا طريقة غير مباشرة لضمان تحقيق توقعه. ستستخدم واشنطن حلف شمال الأطلسي لبلوغ هدفها الذي طال انتظاره، على حد تعبير أمينها العام الأول اللورد هاستينغز ليونيل إيسماي [1952-1957]، والمتمثل في «إبقاء الأمريكيين داخلا والروس خارجا، والألمان تحت الوصاية».

ستتكبد روسيا، من جميع النواحي، أسوأ  هزائمها الاستراتيجية منذ انهيار إمبراطورية الاتحاد السوفييتي. وستبقى في أحسن الأحوال متورطة في مأزق مديد في أوكرانيا بشأن الأراضي المحتلة، في حين أنها ستعاني من كساد اقتصادي ناجم عن العزلة وفقدان أسواق تصدير الطاقة والعزلة الجيوسياسية على حد سواء، مما سيؤدي إلى تزايد علاقة التبعية للصين.

ستكون بكين سعيدة بالاستفادة من الوضع لتأمين واردات الطاقة الرخيصة من روسيا الضعيفة. لكن حرب بوتين سلاح ذو حدين بالنسبة للصين، التي تريد صون تحالفها مع موسكو، ولكنها تحتاج من ناحية أخرى إلى أسواق تصدير في أميركا الشمالية وأوربا واليابان، والحفاظ على سلاسل التوريد مع المقاولات متعددة القوميات، ومواصلة استثماراتها المباشرة في الخارج.

إن الصين والحالة هذه عالقة في تناقضات تنافس الإمبرياليات داخل اقتصاد عالمي مندمج. وللتغلب على هذا الوضع الصعب، تقوم بتطوير استراتيجية اقتصادية مزدوجة، من شأنها صون نموذجها التصديري مع التركيز على توسيع سوقها الداخلية.

وعلى صعيد جيوسياسي، راقبت الصين عن كثب سبل دعم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لأوكرانيا. ولا شك أنها تعتبر ذلك سابقة مقلقة لكيفية ردها على تأكيد الصين قوتها في منطقة المحيط الهادئ- الهندي، وخاصة في حالة أي عدوان من بكين على تايوان. وبالفعل، تشجع واشنطن حلفاءها في رابطة دول جنوب شرق آسيا (المعروفة اختصارا باسم آسيان) على زيادة حجم ميزانياتها العسكرية، وخاصة اليابان، التي «أبطلت دستورها السلمي» [بإقرار ما يسمى بند الدفاع الجماعي عن النفس، الذي يوسع تأويل المادة 9 من الدستور الذي دخل حيز التنفيذ عام 1947] وذلك لكل غاية مفيدة.

وعليه، بينما شنت الصين حملة دعائية داخلية لصالح روسيا، تعاملت بحذر على صعيد العالم، بالتحالف مع موسكو في مجلس أمن الأمم المتحدة، لكنها احترمت حتى هذه اللحظة نظام العقوبات ولم ترسل معونة عسكرية إلى حليفها.

مع ذلك، لا تبدي بيكين ما قد يوحي برغبة في خفض طموحاتها الإقليمية والعالمية. بينما تدعي الولايات المتحدة الأمريكية مواصلة تثبيت هيمنة على روسيا والصين، باتت بعض الأمارات تبرز ما يواجهها من تحديات… ومع بداية تأثير عواقب الحرب اقتصاديا ليس فقط في روسيا ولكن في الاتحاد الأوروبي برمته، أقدمت دول رئيسية مثل فرنسا بالفعل على الضغط لإجراء مفاوضات إنهاء الأزم

كما واجهت الولايات المتحدة الأمريكية صعوبة في إجبار الدول الرأسمالية خارج تحالفها في حلف شمال الأطلسي على الانضمام إلى نظام عقوباتها ضد موسكو. واختارت دول جنوب عديدة موقف توازن بين قوى حلف شمال الأطلسي وتحالف الصين وروسيا، حيث امتنعت 35 دولة منها عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي كان يدين الغزو.

باختصار، لن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إعادة بناء النظام العالمي النيوليبرالي الذي أشرفت عليه على مدى العقود الأربعة الماضية. وفي الواقع باتت العولمة تشهد انحدارا نسبيا. ويدفع تنافس الإمبراطوريات المتزايد، مع الجائحة، الدول إلى الضغط على الرأسمال متعدد القوميات، المستثمر حالياً بكثافة في هيكل سلاسل التوريد في العالم، لتنفيذ تدابير إعادة هيكلة هذه الأخيرة، مع العمل جزئياً على إعادة وحدات الإنتاج إلى بلدانها الأصلية بعد نقلها خارجها، وهي سيرورة قد تؤدي إلى عودة بروز التكتلات التجارية.

أزمات وانتفاضات من أسفل

لن تكون أيٌّ من عمليات إعادة ترتيب نظام الرأسمالية المعولمة الإمبريالي سلمية، سواء بين الدول أو داخلها. فقد أدت الحرب بالفعل إلى اختلال النظام وزعزعة استقراره. وأدت إلى زيادة كبيرة في كلفة الطاقة، ما أفضى إلى ارتفاع نسبة التضخم وتباطؤ النمو، وإثارة الذعر بين البنوك المركزية التي تخشى عودة الكساد التضخمي الذي ضرب اقتصاد العالم في سنوات 1970.

وردا على ذلك، رفع البنك الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة حتى مع المخاطرة بالتسبب في ركود عالمي. ستؤدي هذه الزيادة إلى أزمة ديون أخرى في بلدان الجنوب حيث اضطرت إلى الاقتراض بمعدلات أعلى والالتزام بتنفيذ تدابير التقويم الهيكلي التي ستفضي أيضاً إلى تفاقم الانكماش فيما يسمى الدول الاجتماعية وخفض مستويات معيشة الأجراء/ات.

إن لاضطراب سوق الحبوب العالمي بسبب الحرب تأثير أكثر تدميرا في بلدان الجنوب، المعتمدة اعتمادا غير متناسب على الحبوب والزيوت المصدرة من أوكرانيا وروسيا. أدى تعليق هذه الصادرات إلى زيادات هائلة في الأسعار ونقص في المواد الغذائية الأساسية الضرورية للحياة مثل الخبز. سيصبح مئات ملايين الأشخاص الإضافيين عرضة لانعدام الأمن الغذائي، إن لم نقل المجاعة.

سيؤدي التفكك الجزئي لسوق الطاقة العالمي، الناتج عن الحرب، إلى تفاقم أزمة المناخ، حيث ستضاعف الدول عمليات التنقيب عن النفط والتكسير الهيدروليكي لإيجاد بديل عن النفط والغاز الروسيين مما سيفضي إلى تفاقم ظاهرة الاحترار العالمي.

وستُجبر الحرب والأزمة الاقتصادية وتغير المناخ مزيدا من الأشخاص إلى مغادرة بلدانهم الأصلية، ما سيفاقم مختلف أنواع تدفق المهاجرين/ات في جميع أنحاء العالم. وإن فتحت دول أبوابها للاجئي أوكرانيا، فقد ضاعفت جهودها عموماً في بناء أنظمة حدودية تجرم المهاجرين/ات، وتمنع مرور أعداد كبيرة منهم، ويصبح غير الموقوفين منهم يد عاملة رخيصة محرومة من الحقوق بوسع رأس المال افراط استغلالها.

ستؤدي هذه الأزمات إلى احتدام التقاطب السياسي داخل الدول، ما يفسح مجالا أمام اليمين المتطرف وأيضا أقصى اليسار. كما أنها ستفضي إلى تنامي الانتفاضات الرجعية وكذا التقدمية في جميع أنحاء العالم. إن الانتفاضة الجماهيرية في سريلانكا بمثابة مقدمة لما ينتظرنا، تماماً كما عدد أصوات مارين لوبين القياسي في الانتخابات الفرنسية. ستجر هذه الأحداث المؤسسةَ الرأسمالية الحاكمة إلى مزيد من التحول نحو اليمين وإلى استخدام القمع لاستتباب النظام الاجتماعي.

«معاداة للإمبريالية» زائفة

اليسار العالمي غير مهيأ جيدا لمواجهة تحديات هذه الحقبة الجديدة المتسمة بالأزمة والتنافس والتقاطب والانتفاضة. نخرج من عدة عقود كانت خلالها معارضة الإمبريالية الأمريكية تبدو مهمة جيوسياسية وحيدة لليسار ولحركة مناهضة الح

وبالتالي، خبرتنا محدودة جدا في معارضة إمبرياليات أخرى مثل إمبرياليتي الصين وروسيا، وفي الرد على نزاعاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية- وأيضاً في دعم جميع الأمم المضطهدة مثل أوكرانيا دون استثناء.

انحاز معظم الاشتراكيين الديمقراطيين، في هذا الوضع الجديد، إلى صف الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي. دعموا دون نقد استغلال بايدن لأزمة أوكرنيا من أجل تأسيس «عصبة الأنظمة الدمقراطية» ضد «الاستبداد» ودفاعا عما يسمى «النظام القائم على قواعد». وبعبارة أخرى، فهم موالون للإمبريالية الأمريكية، بغض النظر عن حصيلتها الهمجية من الحرب الإسبانية الأمريكية [1898] حتى فيتنام وأفغانستان والعراق، فضلا عن دعمها نظام الفصل العنصري الاستعماري الإسرائيلي وحرب المملكة العربية السعودية المروعة في اليمن.

بالإضافة إلى ذلك، أحيت قطاعات من أقصى اليسار، مثل حزب الاشتراكية والتحرر (حزب في الولايات المتحدة، تأسس عام 2004) والائتلاف الوطني الموحد المناهض للحرب (UNAC)، نسخة من التقليد الستاليني القديم حول النزعة المعسكراتية (الاصطفافية)- المتمثل في تأييد كل معارض للولايات المتحدة الأمريكية من دولة أو مجموعة دول، حتى عندما تسحق هذه الأخيرة التعبئات والحركات المطالبة بالديمقراطية، والثورات الشعبية ونضالات التحرر الوطني.

وهكذا، دعمت هذه الأخيرة نظام إيران ضد نضال الحركة الخضراء من أجل الديمقراطية [التي بدأت عام 2009 وكانت تدعم الإصلاحيين موسوي وكروبي في انتخابات رئاسة الجمهورية]، والثورة المضادة التي قادها الديكتاتور السوري بشار الأسد، وقمع دولة الصين للانتفاضة الديمقراطية في هونغ كونغ-كلها نضالات من أسفل رفضتها باعتبارها «ثورات ملونة» [في جورجيا عام 2003، وفي أوكرانيا عام 2004، الخ] من تدبير وكالة المخابرات المركزية سي آي أي.

في حالة أوكرانيا، أعادت تلك القطاعات من اليسار ترويج أكاذيب بوتين لتبرير غزوه، متهمة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي بالاعتداء، ورفضت نضال أوكرانيا دفاعا على كيانها الوطني باعتبارها مجرد بيدق للإمبريالية الغربية.

يتخذ أنصار المعسكراتية أحياناً مظهرا سلميا، مطالبين بـ«وقف إطلاق النار وعقد المفاوضات»، حتى لو أدى ذلك إلى إقرار تقسيم أوكرانيا من قبل روسيا. هذا الموقف ليس معاديا للإمبريالية ولا أمميا، لأنه يضفي الشرعية على الإمبريالية الروسية ويخون حق شعب أوكرانيا في تقرير المصير.

غالبا ما يتفاعل هذا الموقف الاصطفافي مع القطاعات السلمية في الحركة المناهضة للحرب مثل منظمة كودبينك [«الرمز الوردي، نساء من أجل السلام»]، التي تميل إلى اعتماد موقف مبدئي ضد جميع أشكال العنف. وبالتالي تعارض مطالب تسليح أوكرانيا ومقاومتها العسكرية ضد الغزو الذي دبره نظام بوتين. من شأن مثل هذا الموقف أن يحرم المقاومة الأوكرانية من الأسلحة ويمهد الطريق للغزو الروسي ضد شعب أعزل.

ومن المؤسف أن قطاعات من اليسار العالمي، مثل حزب العمال الاشتراكي البريطاني، التي ينبغي لها أن تكون على علم بصورة أفضل، تبنت موقفا من مواقف الاختزال الجيوسياسي الذي يحول الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حرب إمبريالية بين الولايات المتحدة وروسيا. في حين يدعم حزب العمال الاشتراكي البريطاني نضال أوكرانيا نظرياً، فإنه يعارض أيضا حق مد أوكرانيا بالأسلحة دفاعاً عن النفس، وهو موقف مماثل لموقف دعاة السلام الذي يفضلون مساندة الإمبريالية الروسية عمليا.

من أجل نضال أممي مناهض للإمبريالية

علينا بناء بديل عن هذه المواقف الكارثية. ينبغي لنا معارضة جميع الإمبرياليات في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب ذي طابع غير متساوق؛ ودعم جميع النضالات من أجل المساواة والديمقراطية والتحرر مهما كان الـ«معسكر» الذي تحدث فيه؛ وبناء تضامن من أسفل بين القوى التقدمية والاشتراكية في جميع أنحاء العالم.

إن تطبيق ذلك على حرب روسيا في أوكرانيا، يعني دعم كفاح أوكرانيا من أجل تقرير المصير ودفاعا عن حقها في الحصول على أسلحة دفاعية لمقاومة غزو روسيا. علينا معارضة حرب روسيا ودعم اليسار الروسي والحركات المناهضة للحرب ضد نظام بوتين.

في الآن ذاته مقاومة استخدام الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي للحرب استخداماً مغرضاً. هذا لا صلة له بالتحرر الوطني في أوكرانيا بقدر ما يروم صون سيطرة واشنطن على الرأسمالية العالمية. علينا تحدي تهديد واشنطن بتوسيع نطاق الحرب ليشمل روسيا أو أي خطة إبرام اتفاق من وراء ظهر أوكرانيا، ضد مصالح شعبها.

ينبغي لنا أيضا معارضة شدة ميل جميع القوى الإمبراطورية والإقليمية إلى رفع حجم ميزانيات أسلحتها استعدادا لنزاع جديد. إنها تحول إلى آلاتها الحربية موارد ممكن تخصيصها لإنجاز إصلاحات فعالة لمواجهة الأزمات المتعددة، من الجائحة إلى تغير المناخ، وبالتالي المخاطرة باندلاع حرب نووية مدمرة تنهي الوجود البشري.

على اليسار الأممي برمته بناء قطب مستقل لاستقطاب العمال/ات والمضطهدين/ات ضد جميع التشكيلات السياسية البرجوازية والدول الرأسمالية. لدى هذه الأخيرة برمتها مصلحة في النظام القائم مسبب الأزمات الحالية، وفي تنامي النزاعات الإمبراطورية والحروب. فقط موقف مبدئي من حركة أممية مناهضة للإمبريالية قد يعزز يسارا جديدا حتى يأتي ببديل، ولو كان قيد التبلور، من أجل اشتراكية من أسفل ضد فظائع الرأسمالية المعولمة.

(مقال نشر في موقع Against the Current,، بتاريخ تموز/يوليو-آب/أغسطس 2022، ترجمه إلى اللغة الفرنسية موقع ألانكونتر A l’Encontre )

المصدر: https://alencontre.org/ameriques/americnord/usa/debat-apres-linvasion-de-lukraine-par-la-russie.html

ترجمة: المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا