مُؤتمر الجَامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي الثّاني عشر: خطُّ الاستقلال النّقابي شرطٌ لمُواجهة عاصفة تدمير المدرسة والوظيفة العمومية

  • السياق الذي يُنظم فيه المؤتمر وخصائصه

يُنظم مؤتمر الجامعة الوطنية للتعليم في سياق أزمة رأسمالية شاملة، بيئية وغذائية ومالية واقتصادية واجتماعية، تُحاول الطبقات السائدة حلها من خلال سعي محموم لإعادة النظر في مكاسب الطبقة العاملة.  ويستعير التنافس الإمبريالي لنهب خيرات الشعوب مُرفقا بنزعة عسكرية ودق لطبول الحرب، للإشارة فالوزارة في جلسات الحوار تقدم هذا مبررا لرفض الاستجابة للمطالب ذات الأثر المالي.   ومن بين محاور سعي أقسام من الرأسمال للخروج من الأزمة هناك توسيع سيطرته على ما تبقى من خدمات عمومية، وتحويلها إلى سلعة، والهجوم على مكاسب الشغيلة سواء المشتغلة في القطاع الخاص أو الوظيفة العمومية.

المغرب بلدٌ رأسمالي تابعٌ للقوى الإمبريالية (الأوربية والأمريكية)، يخضع اقتصاده لمتطلبات هذه القوى، التي تجبره عبر توصيات منظمة التجارة العالمية على تحرير قطاع الخدمات العمومية كافة ومنها التعليم، وفتحها أمام الاستثمار الخاص، وتتبع تنفيد الالتزامات عبر المؤسسات المانحة للقروض وفق رزنامة دقيقة  أدت الى نتائج وخيمة وافاق مظلمة، حيث يحرم الملايين من التعليم الجيد ومن استكمال الدراسة، بينما تخضع شغيلة القطاع التعليمي الخصوصي لاستغلال بلا حدود تسعى الدولة لتعميم ذلك على أجرائها في القطاع العمومي.

  • تحولاتٌ عميقة بقطاع التعليم، وهجومٌ شديد للدولة

عرفت الثلاث عقود الأخيرة اشتداد هجمات الطبقة الرأسمالية المحلية، تحت رعاية إمبريالية لصيقة، على مُجمل مكاسب الشغيلة وصغار المنتجين، عبر عدة محاور. هكذا تعرضت المكاسب في الأجور الفعلية المباشرة وغير المباشرة لهجوم عنيف، تجلى في خفض القُّدرة الشرائية الفعلية والهجوم على مكاسب الشغيلة العمومية في التقاعد وفرض الهشاشة في عقود العمل. لقد تم تفويت عدة أنشطة كانت تنجَز من طرف أجراء تابعين للدولة (الأعوان) لشركات القطاع الخاص التي تعيث استغلالا في أقسام واسعة من الشغيلة في غياب شبه تام لتطبيق قانون الشغل، بينما تمكنت الدولة من تفويت قسم من خدمات التدريس إلى جمعيات وسيطة بين الشغيلة وبين المؤسسات المدرسية (التعليم الأولي، الدعم المدرسي عبر برنامج أوراش).

تمكنت المقاولات الرأسمالية من غزو قطاعات عمومية حيوية عدة وحولتها لسلعة خاضعة لقوانين السوق الرأسمالية، وذلك بفضل التسهيلات التي قدمتها أجهزة الدولة البورجوازية. وجار توسيع تواجد المستثمرين في القطاعات الحيوية من قبيل الصحة والتعليم. سَيَظلُّ عُموميا ما لا يرى فيه الرأسماليون مصدرا للربح. يستحوذ القطاع الخاص التعليمي والصحي على القدرة الشرائية الأهم في المجتمع، ويستفيد من الاعفاءات والمزايا الضريبية على غرار باقي الرأسماليين، مما يعني تفاقم مشاكل ما تبقى عموميا من خدمات، جراء تراجع الاعتمادات الفعلية وبؤس الأجور.

شكّل التبني الكامل لاقتصاد السّوق والخطاب الليبرالي الخلفية الأساسية لهذا التّحول (تحوّل جرى ابتلاعه تدريجيا من طرف قيادات نقابات الشغيلة، مثلا المفهوم الجديد للنقابة: النّقابة الاقتراحية، المُقاربة التشاركية… إلخ)، هكذا تم سن تشريعات تناسب وتستجيب للمرحلة الحالية لتطور الرأسمال بالبلد. في هذا السياق جاء هجوم الدولة على شغيلة التعليم باعتبارها العمود الفقري لشغيلة الدولة، وكذا على قطاع التعليم على اعتبار أنه يستحوذ على جزء مهم من الميزانية العامة. وقد شكل الميثاق الوطني للتربية والتكوين فتحاً لمرحلة جديدة قوامُها تنويع صيغ التوظيف وعلى رأسها التّشغيل بالعُقدة والتّقليص التّدريجي لتمويل التعليم العمومي وفتح المجال أمام القطاع الخاص. تواصَل هذا الهجوم من خلال المُخطط الاستعجالي وتُوج في المرحلة الحالية بتمرير الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم من خلال القانون الإطار.

  • ضُعف وتشتت الفعل النقابي بالقطاع، بين النقابات وداخل كل نقابة وظهور تنسيقية المفروض عليهمن التّعاقد

عرف قطاع التعليم تحولات جوهرية من حيث تركيبة الشغيلة، حيث يُناهز عدد النّساء عدد الرجال بالقطاع، ويوازي عدد المفروض عليهم-ن التّعاقد قُرابة الثّلث من جسم الشغيلة وسيصبح أكثر من %80 في أفق 2030، بينما تتقاسم ستةُ نقابات تتواجد بالقطاع تمثيلية ثلثا الشغيلة الخاضعة للنظام الأساسي المركزي لسنة 2003، وتُمثل تنسيقية المفروض عليهم-ن التعاقد عمليا ثلث الشغيلة  وهي خاضعة لنظام التعاقد مع الأكاديميات الجهوية. لا تَحوزُ أيّ نقابة تمثيليةً حاسمة (انتخابات اللجان الثنائية لا تعبر عن واقع التمثيل النقابي)، هذا ما تؤكده المؤشرات المرتبطة بالانخراط ونسب المُشاركة في الإضرابات وأعداد المُشاركين والمُشاركات في تَظاهرات فاتح مايو.

انغمست جل القيادات النقابية التعليمية في المؤسسات الاستشارية (المجالس الصورية) وجُلها يُوظف مكسب المتفرغين بطريقة زبونية. وتَحولت القّيادات النقابية إلى مُقدم خدمات لكل فئة تريد تأشيرا على البيان الذي يخص “مطالبها”. ولم تعد القيادة تلك الهيئة الساعية لتوحيد القوة النقابية لمجموع الشغيلة في إضراب عام بملف مطلبي واضح ومعبر عن مجمل مصالح الشغيلة، بل تحولت إلى غطاء للملفات المطلبية الفئوية.

لا يُثير وضعُ التّشتت النّقابي والتّغيرات الهيكلية بالقطاع نقاشات حول سُبل توحيد النقابات المُنتمية لنفس الأفق التقدمي المُعلن، والتي تتواجد بها مكونات سياسية طالما طالبت قولا بوحدة الشغيلة، دون أي محاولة جدية لإقران القول بالفعل. فلا ورقة واحدة أو نص حول مقترح للتوحيد النقابي البرنامجي والتنظيمي. وهذا يعبر عن عدم إدراك القيادات لهول المخاطر المُحدقة. بالعكس لا تتوحد هذه القيادات (بغض النظر عن لونها السياسي) إلا حين يتعلق الأمر بـ”المقاربة التشاركية” مع الوزارة وإصدار بلاغات حول “الحوارات”.

  • الآثار المُدمرة لسياسة التّعاون الطّبقي على وعي ونضالية الشّغيلة

النقابات التعليمية مُنعزلة عن باقي نقابات القطاع العام، علما أن الهجوم يشمل كل موظفي الدولة. زد على ذلك تشتت موظفي الدولة على العديد من النقابات والتنسيقيات، وعدد لا يُحصى من التنظيمات داخل كل نقابة.  مُسايرة القيادات النقابية منذ سنوات لهجوم الدولة على الشغيلة، أسهمَ في المزيد من إفساد الوعي الطبقي للشغيلة. هكذا نجد خطاب الشراكة مع الدولة لتمرير سياسة ضارة بالشغيلة التعليمية، مُنتشرٌ في مستويات القيادة النقابية المُختلفة، فلا نضال ضد الاكتظاظ مثلا، ولا من أجل خفض عدد ساعات العمل الأسبوعية، ولا من أجل خفض سن التقاعد في ظل البطالة المستشرية، ولا ضد الاقتطاع من أجور المضربين- ات.

نشاط الأغلبية الساحقة للفروع النقابية هو مواكبة عملية الدخول المدرسي وتدبير الفائض والخصاص.  تصريحات القيادات النقابية في أغلبها سواء منها الوطنية أو الجهوية أو الاقليمية يستبطن لغة الدولة المتعلقة “بالموارد البشرية” وكيفية إدارة القطاع العمومي بمنطق المقاولة الرأسمالية وأغلبية الشغيلة لا ترى بديلا لما هو قائم من سياسات في مجال التعليم، لذلك تغرق في البحث عن حلول فردية (ساعات الدعم، مشاريع مدرة للدخل، القروض) وإن ناضلت، فالفئوية هو أول ملجأ لها، ولا ترى في النقابة إلا مقدِّم خدمات لا أداة نضال يجب إعادة تَملُّكها ودمقرطتها. ذلك راجع بالأساس لغياب الخط السياسي المناهض للرأسمال ودولته، ولانعدام التكوين النقابي ذو البعد الطبقي. فشراكة النقابة مع الدولة والرأسماليين لن تكون إلا في صالح أرباب العمل.

  • وضع الجامعة الوطنية للتعليم بعد تحطيم تجربة التوجه الديمقراطي من داخل الاتحاد المغربي للشغل

جاء تشكل الجامعة الوطنية للتعليم –التوجه الديمقراطي في سياق نهوض نضالي عمالي وشعبي في إطار السيرورة الثورية التي هزت المنطقة العربية وحملت عنوان حركة   20 فبراير محليا، وهو نهوض اصطدم بمسايرة القيادات البيروقراطية للمركزيات النقابية لما تريده الدولة من إضعاف للحركة الشعبية والالتفاف على مطالبها. وهو ما تحقق من خلال اتفاق 26 أبريل 2011.

هكذا وجدت الجامعة الوطنية للتعليم نفسها منذ اليوم الأول بين خيارين بناء نقابة ديمقراطية أو استنساخ نقابات التعاون الطبقي السائدة في القطاع التعليمي. جاءت الشغيلة التعليمية (المتأثرة بموجة النضالات 2011 والمتضايقة من الزمت البيروقراطي) إلى الجامعة بحثا عن ممارسة نقابية ديمقراطية وخط نضالي كفاحي واستقلالية عن الدولة، وخاصة أنها بقيادة مُناضلين ينتسبون لليسار الجذري،  طردوا من أجهزة الاتحاد المغربي للشغل.

غير أن قوة الدفع الأولى المفعمة بالحماسة بدأت بالخفوت، بعد تفكيك تجربة التوجه الديمقراطي وعودة أغلب مكوناتها لحظيرة بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل،  ويبدو أن الجامعة سائرة تدريجيا على نفس الخط النقابي القائم على الشراكة مع الدولة لتمرير جوهر عدوانها، بغض النظر عن التصريحات العلنية والانتقادات الشكلية الموجهة لخداع الطلائع النقابية المناضلة. ويتجلى ذلك من خلال عدد من المؤشرات، فما عدا رفضها لعضوية المجلس الأعلى للتعليم، فموقفها من معركة الأساتذة-ات المفروض عليهم-ن التعاقد، ومن ذروة الدينامية النضالية لشغيلة التعليم سنة 2019، وتوقيع اتفاق 18 يناير 2022 الذي ينص على “التزام الطرفين بواجب التحفظ تجاه مداولات اللجان الموضوعاتية إلى  حين التوصل إلى اتفاق النهائي”، وكذا “التعبئة الايجابية والتواصل البناء مع الشغيلة التعليمية بخصوص مسار الحوار المفتوح مع الوزارة و إخبارها بمختلف تطوراته ومستجداته”، وهو ما يضطلع به الكاتب الوطني للنقابة بمهارة وحنكة.

إن الطبيعة القطاعية للجامعة الوطنية للتعليم تجعلها عرضة للضغوطات الفئوية والانعزالية، وتجعل مستقبلها محفوف بمخاطر القطع مع طموحات التأسيس، وهو أمر جدي، على كل أنصار بديل نقابي ديمقراطي وكل أنصار بناء حزب عمالي، أن يضعوه أمام أعينهم وأن يبلوروا استراتيجية نضال واعية لأجل تفاديه.

كما أن هذه القطاعية تُشكل مشكلا إضافيا لاستراتيجية الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي. فقيادتها تصر على أن “الحوار الجاد والمسؤول هو السبيل لتلبية المطالب”، لكن الحوار القطاعي في التعليم، مرتبط بـ”الحوار الاجتماعي المركزي” وما ينتج عنه. وهذا بدوره مرتبط بميزان القوى الطبقي/الاجتماعي. ” ولن يستطيع وزير التعليم أن يتعهد بشيء أعلى من السقف الذي تتوصل إليه “الحكومة”  مع قيادات المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية على “طاولة الحوار الاجتماعي”.

لقد كان لِمَآلِ تجربة التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل، آثارٌ مدمرة على مستقبل تطور الجامعة بقطاع التعليم، فرغم التمثيلية في اللجان الثنائية تظل الجامعة نقابة صغيرة وضعيفة الفعالية، هذا نتيجة لشروط موضوعية مرتبطة بالحالة النقابية ولخطها السياسي، الذي لم يقطع مع الخط النقابي الموروث عن تجربة التواجد داخل الاتحاد المغربي للشغل. هذا ما يفسر ظواهر تضخم الأجهزة والتنظيمات داخلها. وكذا غياب النقاش الفعلي حول أمهات القضايا التي تهم الشغيلة بشكل عام وشغيلة التعليم بشكل خاص. زد على ذلك افتقاد منظور طبقي لمجمل سياسة الدولة.

  • موقف الجامعة من السياسة التعليمية بالمغرب من الميثاق إلى القانون الاطار/ أي موقف كفاحي مفترض؟  لأية مدرسة؟

جاء في مشروع الورقة حول السياسة التعليمية المضمنة في مشاريع أوراق مؤتمر الجامعة  الثاني عشر: “الجامعة الوطنية التوجه الديمقراطي منظمة نقابية تعليمية ليس بمقدورها وحدها إنتاج بديل تعليمي بالنظر لكون المسألة التعليمية جزء من المشروع المجتمعي البديل يفترض أن تحدد ملامحه القوى السياسية اليسارية الديمقراطية والتقدمية وكل من له مصلحة في التغيير، بالإضافة لتحالف الطبقات الشعبية خصوصا الشباب والنساء…”. تكشف هذه الخلاصة غياب منظور سياسي كفاحي مؤطر لعمل الجامعة النقابي، علما أنها تنتمي “لتجربة التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل”.  فتأكيد أوراق المؤتمر لغياب منظور وعناصر بديل للسياسة البورجوازية في التعليم سيجعل أي فعل نقابي يجري على أرضية السياسة التي تقررها الدولة. ثم إن قسما مهما مما أطلقت عليه أوراق المؤتمر”قوى يسارية ديمقراطية وتقدمية” لا إشكال لديه مع المنظور الليبرالي للدولة في تدبير الخدمات العمومية، وكل ما تتقدم به  هذه القوى هو الحد من انعكاساته الاجتماعية السلبية، وحتى من يدعي النضال ضدها قولا، فهو لا يقوم بذلك في الواقع. هكذا تلقي أوراق المؤتمر بمهمة “إنتاج بديل تعليمي على “قوى” لا تسعى لإنتاج ذلك البديل.

المخططات التي تنفذها الحكومات محكومةٌ بمنظور إجمالي يجسده حاليا القانون/الإطار، فيه تحدد محاور تدخلها إزاء المتعلمين وإزاء الشغيلة، أهدافه واضحة. أي نقابة تعليمية لها منظور، إما أن تكون مسايرة للسائد من المخططات ويساهم في تطبيقها من موقع الشريك، وهي نقابات تحت سطوة أحزاب بورجوازية. أو أن يكون للنقابة منظور معادي للرأسمال و للبورجوازية أي منظورٌ طبقيٌ، وهذا رهين بالخط السياسي السائد داخلها.

الإعلان عن رفض الميثاق والقانون الإطار مسألة إيجابية، لكن الممارسة الفعلية هي في أحسن الأحوال مسايرة لهجوم الدولة على الشغيلة، بمبرر أن ميزان القوى الحالي لا يتيح تحويل ذلك الرفض إلى أفعال. تجلى ذلك في معركة فوج الكرامة ضد فصل التكوين على التوظيف لسنة 2016، حيث شاركت القيادة الوطنية في الوساطة بين تمثيلية أساتذة فوج الكرامة وبين الدولة وكأن الأمر لا يعني الجسم النقابي مباشرة.  جاء التعاقد ليعري الموقف النقابي بمجمله، ويكشف حصيلة سنوات من سياسة التعاون والشراكة، فبدل تحمل المسؤولية في مواجهة الهجوم على القطاع من خلال التعاقد اقتصر الاعتراض النقابي على “الرفض عبر البيانات” وتُرك الأمر لتنسيقية التعاقد كنوع من إبراء الذمة. زد على ذلك المفاوضة حول نظام أساسي، كل المؤشرات تدل على أنه سيكون أسوأ، بعيدا عن أنظار الشغيلة، واتباع تكتيك طمأنة الشغيلة برفض النظام الجديد في حالة تضمنه تراجعات، بدل حفز نضالها لوأد هذا الهجوم المؤكَّد في مهده.

إن الموقف الكفاحي يفترض القّطع مع سياسة الشّراكة، وخوض أشكال النّضال والتّشهير بسياسة الدولة مُتناسبة مع قوة النقابة واستعدادات أعضائها، بخط سياسي طبقي.

  • الملف المطلبي للجامعة على ضوء موقفها من السياسة التعليمية/ أية مطالب تستجيب للوضع الحالي؟

ليس الملف المطلبي حشوا وتجميعا ميكانيكيا لـ”المطالب”، بل الملف المطلبي لنقابة كفاحية يكون مندرجا في سياق بناء قوة طبقية عمالية هدفها تحقيق المطالب الآنية للشغيلة والمعنيين الآخرين بالقطاع (التلاميذ، الأسر)، لكنه متجه أيضا نحو القطع مع نمط الإنتاج الرأسمالي التابع ببلدنا المبني على الاستغلال والتفقير والتجهيل. الملفّ المَطلبي يجب أن يضم مطالب مُجمِّعة للشغيلة ذات قابلية للتحقيق، ونابعة من صميم واقعها. تعرف قيادةُ النقابة الكفاحية وقواعُدها أن كل المكاسب المنتزعَة غير دائمة والبورجوازية تستردها من خلال التضخم وتشديد الاستغلال. كما تعرف أنه لا ضامن لحق الإضراب سوى القدرة على ممارسته.

لا تمنح البورجوازية ودولتها لأغلبية الأجراء إلا أجوراً زهيدة، وحماية اجتماعية محدودة، وتجني هي أرباحاً هائلة  (تستحوذ البورجوازية على أكثر من 70 في المائة من الثروات المنتجة بالمغرب)، وبالتالي في المجتمع البورجوازي كلما كانت ساعات يوم العمل أقل كلما تحسنت ظروف عيش الشغيلة وقل شقاءها، وقلت أعداد العاطلين-ات عن العمل. وبالتالي تتحسن قدرة المفاوضة وشروط النضال لدى عموم الشغيلة.

جاء في مشروع ورقة المطالب العامة “إن الإصلاح الحقيقي للتعليم العمومي يتطلب الإرادة السياسية للدولة المغربية المؤسسة على قاعدة الحوار الوطني الشامل بين مختلف مكونات المجتمع قصد تحقيق الأهداف والغايات الكبرى المتوخاة من تعليمنا لمواجهة عصر العلم والمعرفة والتكنولوجيا المتطورة وتحقيق الإصلاح المنشود لقطاع حيوي واستراتيجي يعد مدخلا لبناء الإنسان وترسيخ القيم الوطنية والدينية والاجتماعية والإنسانية…”. وهذا تكيُّفٌ مع الخط السياسي السائد في باقي النقابات الأخرى: النقابة المواطنة التي تعمل إلى جانب الجميع (دولة ومقاولة) لمواجهة تحديات العصر: العولمة والمنافسة. إنه تعبير عن روح التعاون الطبقي والثقافة الليبرالية، التي تتناسى أن المجتمع منقسم إلى طبقات، فكيف ستخدم المدرسة أهداف العمال وأبنائهم وفي نفس الوقت أهداف طبقة البورجوازيين… كما تغفل أن القيم السائدة في المجتمع هي قيم الطبقة السائدة. إن استبطان المنظور البورجوازي يجعل المطالب تظل تحت سقف متطلبات المجتمع الرأسمالي، وليس لها أفق تحرري.

إن هدف الاتحاد النقابي هو الرفع من الأجور المباشرة وغير المباشرة (كل مكونات الحماية الاجتماعية) وكذا تحسين ظروف العمل (الحصول على أدوات حفظ الصحة والسلامة)، وتحقيق ذلك يقتضي انتزاع الشغيلة لحصة أكبر من القيمة المضافة المنتجة على صعيد كل مقاولة وعلى صعيد البلد برمته، في أفق القضاء على نظام العمل المأجور.

كما لا يجب نسيان التشهير بالفوارق بين الأحد الأدنى والأقصى للأجر والمطالبة بسياسة توزيعية عن طريق الخدمات العمومية الممولة بشكل تضامني تتناسب مع قدرة كل واحد، لكن تتم الاستفادة منها على قدم المساواة وحسب الحاجة.

هذا هو ما يجب على كل شغيل-ة فهمه والإصرار عليه خاصة أولئك الذين يجعلون من بناء الحزب العمالي وسيلة لبناء مجتمع خالٍ من الاستغلال.

من أجل نقابة متضامنة وديمقراطية

مهما يكُن وضع النقابة الذاتي، ومهما تكن مشاكلُها، تظلُّ أداةً للنضال، حاسمة ولا غنى عنها. لذلك تُشكل شوكة في حلق الرأسمال ودولته، يُحاربها دوما ويحاول تدجينها بدمجها في استراتيجيته لتأبيد الاستغلال.

إن أي نقاش لتطوير العمل النقابي الكفاحي والمستقل عن البورجوازية وأحزابها ودولتها، يظل واجباً على كل مناضل ومناضلة يتطلعان للتحرر من كل أشكال الاستبداد والاستغلال.

فلنجعل من النقابة مدرسةً للتّضامن والديمقراطية على طريق بناء القوة السياسية العمالية الضاربة التي توحد كل فصائل الشغيلة في مواجهة الرأسمال واستغلاله وقهره.

نقابيو/آت تيار المناضل-ة

28 شتنبر 2022

شارك المقالة

اقرأ أيضا