موجاتُ كفاحٍ شعبي قادمة: العبرةُ في سَابقاتها

الافتتاحية3 أكتوبر، 2022

بات مُؤكدا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ستسوء أكثر، فالتقارير الرسمية الصادرة تباعا تفيض بالمعطيات الرقمية المنذرة بأن القادم أسوء.

يُخيم على العالم هلعٌ يتجلى في تصريحات كبار الرأسماليين، وفي تقارير منظمات الرأسمال العالمي، سببه تراجع معدلات النمو العالمية والمخاوف من ركود مديد، وعدم اليقين إزاء آفاق الحرب الروسية على أوكرانيا وعواقبها على الاقتصاد العالمي، وضمنه على مواد أساسية كالوقود والغذاء.

دفع بلوغُ معدلات التضخم مستوياتٍ قياسيةً البنكَ المركزي الأمريكي إلى رفع معدل الفائدة، وسارت على منواله سائر البنوك المركزية. ما ستكون له مضاعفات أكيدة على الاقتصاد العالمي بفعل مكانة الدولار، على الأقل على صُعُد الاقتراض الدولي والاستثمارات الأجنبية واحتياطات العملة الأجنبية. إننا على أبواب صدمات مالية واقتصادية قادمة من مركز الرأسمالية ستعم ارتداداتها العالم برمته.

قرَّر بنك المغرب يوم 22 شتنبر2022 رفع سعر الفائدة الرئيس. وتوقع تباطؤَ النمو الاقتصادي الوطني هذه السنة إلى 0.8 بالمئة. فيما كانت الحكومة تتوقع بلوغه 3.2 بالمئة.

ستكون لهذا القرار، ولمجمل سياسة الدولة، آثارٌ وخيمة على وضع الشغيلة وعامة المقهورين الاقتصادي والاجتماعي. ستشهد أسعار المواد الأساسية الملتهبة أصلا مزيدا من الارتفاع، ما سيُعجز الأسر الكادحة عن تلبية حاجاتها الأساسية، وسترتفع نسبة البطالة الجماهيرية البالغة حاليا 12.1 بالمئة حسب مندوبية التخطيط، ما سيرفع نسبَ فقرٍ وهشاشةٍ ومظاهرَ حرمان بوأت المغرب عالميا سنة 2021 المرتبة 123 بمقياس التنمية البشرية، خلف بلدان في حالة حرب أو تحت الاستعمار.

تحسبا لهذا التردي الاجتماعي، تُجِدُّ الدولة لمنع تطور السخط الشعبي العارم إلى نضالات تهدد أسس نظام الاستغلال والاستبداد، بإجراءات احتواء سياسية وبتعزيز ترسانة القمع. فكان الحوار الاجتماعي لتحييد الحركة النقابية عن أي موجة نضال جديدة بتقديم تنازلات هزيلة تبرر بها القيادات النقابية مرة أخرى مساندتها للرأسمال ودولته لتثبيت استقرار نظام الاستبداد والفساد كما فعلت في 2011.

لكن حفاز النضالات هو نار الأزمة التي تجعل حياة الجماهير الشعبية عصية عن التحمل. ويظهر تحت سطح الوضع السياسي الراكد غليان سيجد قنوات تعبير مهما اجتهد الطغاة في كبته. وقد بدت تلوح شرارات نضالات شعبية، مثل مسيرة كادحي مدينة أزمور ضد التهميش والبطالة، واحتجاجات ضد نهب الأراضي من طرف الدولة كما في طانطان واسا ومحميد الغزلان واولاد اسبيطة…الخ، ونضالات الشباب المعطل بمدن عدة لأجل الحق في التشغيل.

التعبئة الشعبية القاعدية وخلق بنيات تقرير ورقابة ديمقراطية

منذ النصف الثاني من التسعينات، توالت حراكات شعبية بمناطق مهملة عديدة، خلفت دروسا في التعبئة والتنظيم لا غنى لنا عنها ونحن على مشارف موجات كفاح يدفعها بقوة اشتداد الضغط الطبقي، مع أنه ليس ثمة ارتباط ميكانيكي بين هذا الضغط والرد النضالي.

ففي طاطا، المنتفضة في 2005 بصدد الحق في الصحة، كانت الجموعات العامة في مخيم الاعتصام بؤرة النقاش المفتوحة لاتخاد القرارات، وأغنتها تجربة مدينة إيفني بلجان الأحياء حيث المصادقة على المقترحات والقرار الجماعي قبل الحسم في جمع عام. وكانت حملات النقاش المباشر بيتا بيتا وسيلة بالغة الفعالية في التعبئة.  وقد ساهم تطور تكنولوجيا التواصل في جعل إنترنيت أداة تعبئة لا غنى عنها كما ظهر بقوة في الريف. وهي تجربة دلت أيضا على وجوب تفادي أوهام الاستغناء عن التنظيم الميداني بتعبئة العالم الافتراضي، وعلى خطر احتكار فرد او قلة للقرار والتوجيه  كما حصل في الحسيمة خصوصا بعد ضرب طوق الحصار على المدينة.

وعلى صعيد المطالب، كانت تنبع من الحاجات الأساسية للجماهير، وخضعت في تجارب عدة لنقاش ديمقراطي، تصنفُ وتدققُ لتعرض على المصادقة.  وأكدت تجربة حراكات عدة أن المطالب محلية لها ارتباط بالبعد الوطني وبالسياسة العامة وبالحكومة لكنها لا تتجه بالكامل في هذا الأفق.

وإن كانت الدولة تتذرع بنقص الإمكانات المالية، فهذا دافع للمطالبة بتغيير الاختيارات الكبرى، الاقتصادية والاجتماعية، مع ما يقتضيه الأمر سياسيا.

ولابد من التنبيه إلى نواقص الحراكات الشعبية فيما يخص مكانة النساء. إذ ثمة عدم تناسب حجم مشاركتهن مع أدوارهن القيادية، وعدم تعبير المطالب بما يكفي عن حاجاتهن، وضعف تمثيلهن في هيئات التفاوض مع الجهات المسؤولة. وجلي ان تجاوز مكامن الضعف هذه سيمد الحراكات بقوة مضاعفة.

من أجل تجاوز عزلة النضال الشعبي

أبانت النضالات الشعبية الكبيرة التي شهدها المغرب عن طول نفس، لكن هزمتها في آخر المطاف عزلتُها بمجرد بلوغها مستوى لا يمكن تخطيه إلا بميزان قوى على الصعيد الوطني. فليس القمع ما هزم حراك الريف، بل عدم امتداد شرارة النضال وطنيا على أرضية مطالب مركزية تلبي حاجيات مقهوري المغرب. لو حصل ذلك ما انفرد النظام بالحراك تحت أنظار القيادة النقابية وبدعم من أحزاب النظام وتلكؤ مفضوح للمعارضة الليبرالية والإسلامية واليسارية غير الممثلة بالبرلمان.

تطفو في كل نضال جماهيري صنوف مرتزقة ووصوليين، سماسرة النضالات المتزلفين لأجهزة النظام بطعن النضالات وتفكيك التعبئات. يولد هذا حذرا سليم المبتدأ، خاطئ المنتهى. إن يُستنتج منه عداء لجميع التنظيمات الحزبية والمنظمات الجماهيرية، محمول على وهم رفض السياسة وغيرها من الشعارات التي تفتح الباب امام أعداء النضال الشعبي وأنصار النظام المتسترين وراء حياد كاذب لتنفيذ سياسة النظام وتكتيكه في خنق النضال الشعبي.

عكس ذلك يجب الضغط على الأحزاب والمنظمات الجماهيرية والإعلام والمثقفين النزهاء من أجل مساندة النضال الشعبي مع احترام استقلاليته. يجب ألا تُهديَ الكفاحات الشعبية الحجة للمتهربين من النضال من القادة الماسكين بمقود منظمات النضال العمالي والشعبي، بل عليها أن تخاطب قاعدة تلك المنظمات لكسر قيود مفروضة من فوق والانخراط في مساندة نشطة للنضال الشعبي ضدا على توجيهات قادتها.

دينامية النضال العمالي والشعبي قادمة لنتسلح بخبرة الماضي للظفر في معارك المستقبل

 المناضل-ة

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا