وظيفةُ البرلمان ومُهمة الشّغيلة الوَاعين

الافتتاحية17 أكتوبر، 2022

بدأت دورةُ أكتوبر 2022 البرلمانية يوم 14 بخطاب الملك كما جرت العادة. ليس افتتاحُ دورةِ البرلمان غيرَ جانبٍ من تدبير واجهةٍ الوضع السياسي بهذه المؤسسة، فيما يجري تدبيرُ جوهره بآليات حكمٍ تزودت بها الملكيةُ، وكرستها قانونا أسمى في دستورها.
نظامُ الحكم في المغرب ملكيةُ حقٍّ إلهي مطلقةٌ، أضفى ميزانُ القوى السياسي عليها خصائصَ مغربيةً. فقيادةُ حزبُ الاستقلال البرجوازيُّ للنضال ضد الاستعمار عزز تطلعَ نخبةٍ برجوازية إلى تقاسمِ السلطة مع الملكية. بيد أن التدافع مع الملكية لأجل ذلك التقاسمِ كان محدودا بخوفِ حزب البرجوازية من تحركِ القوةِ الجماهيرية الشعبيةِ، فسعى إلى تفاهم مع الملكية. ولم يفلحْ يسارُ هذا الحزب، المنشق لاحقا، من فرض مساومة مُرضية له مع الملكية. فأثمر هذا كلُّه مؤسساتٍ “ديمقراطيةً” لتمويه الاستبداد من جهة، ولمنح فتات سلطةٍ للبرجوازية من جهة أخرى.
وقد نهض البرلمانُ بهذا الدور كما يبغي الحاكمون الفعليون، لاسيما منذ استقرارٍ ما يسمى “المسلسل الديمقراطي”، منتصف سبعينيات القرن الماضي، على سكته بانضمام نهائي ليسار “الحركة الوطنية الديمقراطية” متمثلا في الاتحاد الاشتراكي.
فالبرلمان، وحكومةُ الواجهة المنبثقةُ عنه، تحميان الملكية من غضب ضحايا سياسات الافقارِ والقمعِ الساريةِ منذ عقود. ولا أدلَّ على ذلك من تصويت واهمٍ من قِبل قسمٍ مُسيسٍ من الجماهير الشعبية على قوىً بَدتْ بديلا [الاتحاد الاشتراكي في حقبة، ثم حزب بنكيران في أخرى لاحقة]، من جانب، وشيوعِ تحميلِ مسؤوليةِ الكارثة الاجتماعية لرؤساء حكومةِ الواجهة المتعاقبين (… بنكيران، العثماني، أخنوش،…) من جانب آخر.
كما مثَّلَ هذا البرلمانُ تجسيدا لتحالف الملكية، الحاكمِ الفعلي، مع البرجوازية المحلية العاجزة عن أدنى تطلعٍ إلى ممارسةِ كامل السلطة بمؤسسات ذاتِ صلاحياتٍ فعليةٍ، وهو ما سيتيح إنماءَ مصالحها بأفضل نحو. وجليٌّ أنه لا يُعجزُها عن هذا سوى افتقادُها المقدرةَ اللازمةَ لنزع سلطةِ الملكية، وخوفُها من الجماهير العماليةِ والشعبيةِ المالكةِ تلكَ المقدرةَ.
طيلة عقودٍ تصدرتِ المعارضةَ قوىً برجوازيةُ المشروع لا تروم أكثرَ من توسيع “الهامش الديمقراطي”، مستعملةً لغاياتها قوى عماليةً وشعبيةً أداةَ ضغط ومناورةٍ، وانتهى ذلك بالإفلاس الناجزِ المسمى “حكومة تناوب”. بينما دلَّ حراك 20 فبراير السياسي، بالرغم من نواقصه الهيكلية، أن النضال الجماهيري وسيلةُ مواجهة الاستبداد الفعالةُ، إذ جاء في ورق دستور 2011 ما لم تحلمْ به المعارضةُ البرجوازية طيلة عقودِ “نضالها الديمقراطي”، علما أن ذلك الحراكَ لم يتجاوزْ مطلبَ إصلاح الملكية مضموناً، ومسيراتٍ أسبوعيةًطيلة بضعة أشهر شكلاً نضالياً.
باختصار، ليس البرلمانُ الحالي سوى إحدى تجلياتِ ميزان القوى السياسيِّ في البلد. وغنيٌّ عن البيان أن افتقادَ شغيلة المغرب لحزب سياسي يخوض غمار المعمعة السياسية، داخل المؤسسات الزائفة وبشكل رئيسي خارجها، سببٌ من أسباب هكذا وضعٍ. لو وُجد ذلك الحزبُ العمالي المستقلُ لكان لشغيلة المغرب دورٌ رئيسٌ في مواجهة الاستبداد، وفي فرض تمثيلٍ شعبي حقيقيٍّ قوامُه مجلسٌ تأسيسي يضع دستورا لإعادة بناء البلد على أسسٍ ديمقراطية وملبيةٍ لحاجات الجماهير الشعبية ومحررةٍ لها من كل صُنوف الاستغلال والقهر.
في غياب حزبِ يقود الشغيلة، ويلف حوله سائرَ ضحايا النظام، سيظل هذا البرلمانُ يقوم بدوره في تأبيد وضعِ لا يستفيد منه غير الأقلية الرأسمالية، كغرفة تسجيل لما يقررُ في دوائر السلطة الفعلية. وحتى في ظل تفاقمِ ترديِ وضع الأغلبية الشعبية الاجتماعي، وتنامي النقمة على مظاهر الاستبداد، وتدفقِ قوى النضال إلى الشارع، سيُتيح غياب حزب شغيلةٍ (مسلح برؤية للتغيير وأهدافه) لقوى برجوازية فرصةَ امتطاء المد الشعبيِّ لإعادة انتاج سلطةٍ رأسمالية مستبدةٍ، بغطاء ليبرالي أو ديني، أو حتى مجرد ترميمِ واجهة الاستبداد القائم بما يضمن استمرار النظام الاقتصادي الاجتماعي القائم. هذا ما برهنتْ عليه تجارب كفاح الشعوب ضد الديكتاتوريات في ربوع المعمور.
إن تفويتَ تلك الفرصة على القوى البرجوازية المُتحيِّنة لها يتطلَّبُ، ضمن ما يتطلب، التشهيرَ بالبرلمان بما هو أداةُ تمويه للاستبداد، باستعمال ما يجري فيه، وما يُعد له من خارجه، مادةً للتوعية السياسية للشغيلة ولكافة المقهورين. تلكَ مهمة المناضلين والمناضلات من الشغيلة المدركين مهمةَ الطبقة العاملة في النضال من أجل الديمقراطية، وضرورةَ قيادتها لنضال كافة ضحايا الاستبداد، وملحاحيةَ بناء حزب الشغيلة الثوري.
المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا