دانيال غيران Daniel Guérin  الماركسي اللاسلطوي …صديق مقهوري المغرب

بلا حدود13 فبراير، 2023

بقلم رفيق الرامي

مناضل ماركسي أممي، مناهض للاستعمار والعنصرية، ومناضل في حركة تحرر المثليين، مؤرخ…. ملتزم من أجل الحقيقة في جريمة اختطاف بنبركة واغتياله.

ولد دانيال غيران يوم 14 مايو 1904 لعائلة برجوازية في باريس.

مناهض مبكرا للاستعمار، حيث أدرك في أثناء اقامته في لبنان وسوريا وجيبوتي وفيتنام، أعوام 1927إلى 1930، الواقع الاجتماعي للاستعمار، وكذا ونفاق “المهمة الحضارية” المزعومة للجمهورية الفرنسية. وفي متم سنوات 1920 تكرس صحافيا لقضية مناهضة الاستعمار والعنصرية.

مبكرا جدا في الحي اللاتيني بباريس، خالط دانيال المناضلين الشباب، الطلاب العمال القادمين من أقصى آسيا، ومن تونس والمغرب، والمهاجرين من قبايل الجزائر الملتفين حول منظمة نجم شمال أفريقيا.

ظهرت مقالاته في 1930 التي تهاجم فظائع الممارسات الاستعمارية في الهند الصينية وفي المغرب في مجلة موند Monde بإشراف هنري باربوس.

في سنة 1931، إبان حملة الاحتجاج على الظهير البربري في المغرب، شارك مع الطلاب المغاربة الشباب، الوزاني وبلافريج  وبن عبد الجليل، نواة كتلة العمل  الوطني Comité d’action marocain – في نشر  كتاب “زوبعة على المغرب” الذي كان شهادة ميلاد الحركة الوطنية بالمغرب.

وفي الآن ذاته، ارتبط بمجموعة الثورة البروليتارية المهتمة جدا باستيقاظ الشعوب المستعمرة في تونس والمغرب، والقريبة من منظمة نجم شمال أفريقيا التي أعاد مصالي الحاج تنظيمها. يعود ارتباط غيران بمصالي وحركته إلى المسافة المتخذة من الحزب الشيوعي، وأيضا إلى راديكاليته الرامية الى الاستقلال الوطني والتحرر الاجتماعي.  كان غيران يرى فرقا طبقيا بين حركة التحرر الشعبية هذه، التي يماثلها مع البروليتاريا الثورية، وبين والإصلاحيين المساومين وتيارات من شمال افريقيا ينشطها شباب قادمون من البرجوازية، وإن كانت صغيرة، مرشحون للمناصب والمواقع السائدة في الدولة.

قام غيران برحلتين الى ألمانيا في سبتمبر-أكتوبر 1932 وأبريل-مايو 1933، الأولى راجلا والثانية على دراجة هوائية، قاضيا لياليه في مآوي الشباب في بلد اجتاحته الفاشية. انجز تحقيقا صحفيا بعنوان الطاعون البني، كان منطلقا لكتاب نظري حول الفاشية في إيطاليا وألمانيا بعنوان الفاشية ورأس المال الكبير (1936).

ناضل فترة، بدءا من 1930، مع النقابيين الثوريين المتجمعين حول  بيار مونات  وموريس شامبلان ، وقاده التزاماته الأولى الى الحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية (الثانية) ، وسرعان ما غادره متبرما من عقلية العديد من مناضليه البرجوازية الصغيرة و نزعته الانتخابوية  ومناهضته للشيوعية .

عاد الى الحزب الاشتراكي عام 1935 لينضم إلى تيار اليسار الثوري بقيادة مارسو بيفير Marceau Pivert، ثم في الحزب الاشتراكي العمالي والفلاحي. بعد 1938.

أقام من ديسمبر 1946-إلى مطلع 1949 في الولايات المتحدة الأمريكية، وقام بتقصيات واسعة، اثمرت كتابا مناهضا للرأسمالية بعمق بعنوان إلى أين يسير الشعب الأمريكي.

ارتبط مع تروتسكيين أمريكيين،  و أيضا مع نخب  مدرسة فرانكفورت، لاسيما هربرت ماركوز، و أكثر مع كارل كورش، ومناهضي الاستعمار  مثل جوان لندن (نجلة الكاتب جاك لندن)، والتقى  انصار “الحركة السوداء”  ورثة  دو بوا W.E.B. Du Bois  ، وأصبح صديق سيريل ليونيل روبر جيمس  C.L.R. James .

وبسبب مواقفه النقدية طُرد من الولايات المتحدة الأمريكية من 1950 حتى  1957

بعد الحرب، انكب على تاريخ الثورة الفرنسية، منتقدا تحمس البير ماتييز Albert Mathiez لروبسبيير، وكذا الصيغة السائدة يسارا في كتابة تاريخ الثورة الفرنسية، الصيغة الشيوعية لكل من  جورج لوفيفر و البير سوبول،  متناولا  تلك الحقبة التاريخية برؤية بروليتارية  في كتاب من جزأين  بعنوان  صراع الطبقات في الجمهورية الأولى 1793-1797، صدر عام 1946 [نشر عام 1973  مُركَّزا له بعنوان Bourgeois et bras nus.] استوحى في هذا الكتاب منهج تروتسكي التاريخي، واستعمل مفهوم الثورة الدائمة، فكان نقدا للماركسية المفعمة باليعقوبية، تلك الايديولوجية البرجوازية السلطوية وذات نزعة المركزة. اعتبر غيران هذا الكتاب، في رسالة الي مارسو بيفير، مقدمة لتركيب سعى اليه بين الماركسية اللينينية واللاسلطوية.

أوجه عديدة من اليسار الجذري في النصف الثاني من القرن 20 اعتبرت دراسة غيران المرموقة هذه إنجازا تاريخيا كبيرا. كتب عنها سارتر في مؤلفه نقد العقل الجدلي: ” يظل كتاب غيران، رغم ما يشوبه من أخطاء، أحد إسهامات الماركسيين المعاصرين المُثرية للدراسات التاريخية”.

كان غيران عضوا بالأممية الرابعة في النرويج عام 1940، وعمل بشكل وثيق مع تروتسكيي فرنسا إبان مقاوم الاحتلال الألماني. وحسب ايفان كريبو و ميشال لوكين، كان غيران تروتسكيا بحزب العمال الأممي من 1942إلى 1944، كما تدل أوراقه على انخراطه في الحزب الشيوعي الأممي – فرع الأممية الرابعة-  بدءا من 1944، لاسيما بسبب الحملة من أجل تحرير فيتنام من الاستعمار.

علاقة غيران وثيقة بالتروتسكية لكنها نقدية دوما. ظل تروتسكي بالنسبة له مرجعا رئيسا، وحافظ على علاقات صداقة مع الحركة التروتسكية. مثلا في 1970 عند بداية حديثه عن الماركسية التحررية، نشر كتابات تروتسكي عن الحرب العالمية الثانية. وفي 1972 أشار تقرير لوزارة داخلية فرنسا عن تمويل المنظمات التروتسكية أن غيران كان من المساهمين الاسخياء. وقبل غيران في 1977 أن يكون عضوا في هيئة تحرير مجلة دفاتر ليون تروتسكي.

 

جاب غيران شمال أفريقيا سنة 1952 مدة 3 أشهر، واتصل بالوطنيين والنقابيين هناك. ونشر مقالات في 1952 معلنا وشوك انفجارات شعبية.

وشارك من 1953 إلى1955 في لجنة فرنسا –المغرب الكبير التي تناضل برئاسة الأديب  الفرنسي فرانسوا مورياك، ضد القمع في المغرب. لكنه غادرها بعد سنتين لاعتدالها المفرط وسلبيتها. نشر عام 1954 كتاب “في خدمة المستعمَرين” تلته إصدارات عديدة مناهضة للاستعمار طيلة سنوات 1950 إلى 1970.

 

كان له دور محرك في حركة مساندة الوطنيين الثوريين المغاربة والجزائريين، كان من أوائل موقعي بيان 121 المطالب بالحق في عدم المشاركة في حرب الجزائر في 1960 الذي يصرح أن “قضية شعب الجزائر، التي تسهم بنحو حاسم في هدم النظام الاستعماري، هي قضية جميع البشر الاحرار”. عام 1963 قدم لبن بلة تقريرا حول التسيير الذاتي. وبعد انقلاب 1965 ضد بن بلة شارك في تأسيس لجنة مساندة له وضد القمع في الجزائر

في 1968 كان من الأوائل المعترفين بأهمية ودلالة حركة مايو، ونشر في لوموند يوم 8 مايو، مع سارتر وسيمون دوبوفوار  ومبشال لييريس  Michel Leiris وكوليت أودري Colette Audry.  بيانا يدعو ” كل العمال والمثقفين الى مساندة معنوية ومادية لحركة النضال الذي شرع فيها الطلاب والأساتذة”

في سنوات 1960 كان رائد حركة تحرر المثليين واعتبر منذ 1968 “جد” الحركة.

وبادر، بعد اختطاف المهدي بنبركة يوم 29 أكتوبر 1965، مع بعض الاصدقاء من لجنة فرنسا المغرب الكبير، إلى تأسيس اللجنة من أجل الحقيقة في قضية بنبركة برئاسة فرانسوا مورياك وشارل أندريه جوليان.

حدا به انشغاله بالبحث عن الحقيقة في قضية بنبركة إلى التسكع في مونبارناس محاولا الاتصال بالمجرمين لوني Le Ny وباليسٍ  Palisse المتورطين في القضية. وكذا المطالبة بلقاء مع الجنرال أوفقير، والسفر سرا الى الرباط للقائه سرا. لم يكن غيران، كصحافي متقص، يستبعد أي احتمال بمسبقات أيديولوجية.

ظل يبحث في خفايا القضية طيلة أكثر من 20 سنة. ونشر فرضياته واستنتاجاته في كتاب بعنوان بنبركة وقتلته BenBarca , ses assassins الصادر أول مرة في 1975،. ونشر في 1982 صيغة مزيدة.

وفي يناير 1968 دُعي الى مؤتمر ثقافي  في هافانا في كوبا ، حيث قدم تقريرا  هاجم فيه  العدوان الإسرائيلي  في 5 يونيو 1967 واصفا إياه بـ” تقدم  لأكثر القوى رجعية في العالم”.

وأولى، في سنوات 1970 اهتماما بالغا بالثورية روزا لوكسمبورغ، التي تمثل بنظره ماركسية “حقيقية” قريبة في أوجه عدة من اللاسلطوية الشيوعية، وأصدر عنها كتابا بعنوان روزا لوكسمبورغ والعفوية الثورية، مسهما بذلك النحو في بعث الاهتمام بها.

ناضل فترة في الحزب الاشتراكي الموحد ثم شارك في تأسيس الحركة الشيوعية التحررية.

شارك في 1973 في الندوة الدولية بالحي الجامعي بباريس حول عبد الكريم وجمهورية الريف.

يقر دانيال غيران بقيمة بعض التحاليل والأفكار اللاسلطوية. وهذا يندرج في التقليد اللينيني السابق لصعود الستالينية. نعيد هنا إلى الأذهان أن ماركسيين كُثر أخذوا على كراسة لينين الدولة والثورة مؤاخذ أنها تنازلت كثيرا للاسلطوية. وفي سنواتها الأولى بذلت الأممية الشيوعية جهودا هامة لجذب نقابيين و لاسلطويين.[+]

كان دانيال غيران يعتبر أن الشيوعية اللاسلطوية، كتأليف لأفضل ما في الماركسية واللاسلطوية ستكون أفضل أهمية بكثير “للعمال المتقدمين” من الماركسية السلطوية المنحطة ومن اللاسلطوية المتجاوزة والمحنطة. قال ” الاقتناع الوحيد الذي يحركني هو أن الثورة الاجتماعية القادمة لن تكون استبدادا من قبيل موسكو ولا العفونة الاشتراكية-الديمقراطية، وأنها لن تكون سلطوية بل تحررية وقائمة على التسيير الذاتي، أو ان أردنا بعبارة أخرى مجالسية ”

توفي  دانيال غيران يوم 14 أبريل 1988.

نصوص معتمدة:

– La politique (et les mille vies) de Daniel Guérin

David BerryIan Birchall et Selim Nadi

Daniel Guérin, la contestation permanente- Daniel Guérin dans Dictionnaire Maitron

[+] كتاب Affinités révolutionnaires ; Nos etoiles rouges et noirs / O. Besancenot et M. Lowy  يوضح علاقات النأي والدنو والتلاقي بين  الماركسيين و اللاسلطويين

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا