البوليساريو في مؤتمرها السادس عشر: نهاية مرحلة ومُستقبل مجهول

بقلم: حسن أبناي

أنهت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) مؤتمرها العام السادس عشر المنعقد بمخيم السمارة للنازحين الصحراويين بتندوف أيام 15-16-17 يناير 2023. شارك في المؤتمر 2000 شخص وبحضور عدد من ممثلي المنظمات والأحزاب والحكومات المساندة للبوليساريو. علما أن آخر مؤتمر أملته وفاة الأمين العام السابق «محمد عبد العزيز» الثلاثاء 31 مايو/أيار 2016.(1)

الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب نهاية مرحلة
جرت مياه غزيرة تحت جسر جبهة البوليساريو منذ آخر مؤتمر لها، وحصلت تغيرات سيكون لها ما بعدها على قضية الصحراء الغربية عموما. من باب الإجحاف ربط التغيرات الحاصلة في قضية الصحراء الغربية بالسنين الأخيرة، فالحقيقة أنها نتيجة انزياح عالمي بدأ بانهيار الاتحاد السوفياتي وما تلاه من تحولات دراماتيكية أنهت قضايا دولية عديدة بسبب إغلاق منافذ الدعم والاحتضان السياسي الذي كانت تستفيد منه حركات التحرر الوطني في سياق تنافس قطبي عالمي، لكن دعونا نرصد أهم التطورات الحاصلة بين المؤتمرين على أساس أن مقالات أخرى تقدم صورة أكثر تفصيلا يمكن العودة إليها. (2)

الأمم المتحدة، الاتحاد الافريقي: تغيرات جارية
منذ تقديم النظام المغربي مقترحه للتفاوض في ماي 2007 على أساس تخويل الصحراء الغربية حكما ذاتيا، حصل انعطاف واضح في القاموس المستعمل في الوثائق الرسمية للأمم المتحدة، أدى مع توالي السنين إلى تطويق ملف القضية بخيوط عنكبوتية نسجتها سياسة النظام بدعم من حلفائه، وركام من قرارات تشيد بمبادرته وجديتها، وتنويه بلجان حقوق رصد حقوق الانسان بالإقليم، وجرد للمنجزات الاقتصادية على الأرض مع بهارات لا تفسد للطبخة طعمها، من غمز ضد طرد وفود أجنبية زائرة للمدن، والتضيق على سيارات البعثة الأممية بإلزامها حمل ألواح ترقيم مغربية، أو ختم جوازات المراقبين الأمميين عند كل عبور إلى شرق الجدار العسكري. لكن مسلسل الاستفتاء عُوِّض بحل سياسي متفاوض عليه يقبله الطرفين.(3)
بعودة المغرب وانضمامه رسميًّا إلى الاتحاد الأفريقي في 30 يناير/ كانون الثاني 2017، بعد 32 سنة من انسحاب الرباط من منظمة الوحدة الإفريقية التي كانت قد غيرت اسمها وميثاقها سنة 2002 لتصبح منظمة الاتحاد الإفريقي (AfricanUnion)، بعودته، حرم البوليساريو من استعمال منصة المنظمة الدولية الوحيدة الحائز بعضويتها. تعكس هذه العودة تغيرات في القارة الافريقية لصالح النظام المغربي، علما أن دولا أفريقية كبرى داعمة للبولييساريو مثل الجزائر وجنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا وأنغولا سعت لعرقلة تلك العودة، وطلبت رأيا رسميا من الهيئة القانونية للاتحاد الأفريقي لمعرفة ما إذا كانت هذه المنظمة يمكن أن تقبل بلدا «يحتل جزءا من أرض دولة عضو» في إشارة إلى سيطرة المغرب على الصحراء الغربية التي تطالب بها جبهة البوليساريو العضو بالاتحاد.

إغلاق معبر الكركرات: تحرك صغير بتداعيات استراتيجية
أقدمت مجموعة من الصحراويين في 21 أكتوبر 2020 بنصب خيام على معبر الكركرات وعرقلة مرور الشاحنات والسيارات بين الضفتين. وتدخل الجيش المغربي يوم 13 نونبر 2020 «بغرض إنهاء إقفال المعبر الحدودي»، ردت البوليساريو بإعلان الحرب وتعليق اتفاقية وقف إطلاق النار.
لقد قامت البوليساريو بمناورة كارثية وتدبير مأساوي لأحداث الكركرات، مكنت النظام المغربي من فرصة سانحة في طبق من ذهب. إنها خسارة سياسية وعسكرية ثقيلة مكَّنت النظام المغربي من معبر حيوي وأضفت عليه شرعية واقع حال كان يفتقدها، ومدد مجال سيطرته على 20% من الأراضي المتبقية خارج سيطرته، والتي كانت متنفسا وآخر أوراق الضغط بيد البوليساريو. وظهر النظام المغربي كمحافظ على» الوضع المستقر» وحضي بدعم دولي صريح ولم يخسر شيئا ولم يدنه أحد باستثناء الجزائر. (4)
أثبت انصرام أزيد من سنة ونصف على إعلان الحرب أن السير الطبيعي على الأرض لم يتأثر، وانحصر إعلان الحرب على قصف لن يغير شيئا من واقع الحال.

اعتراف دولاند ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية
أصدر الرئيس الأمريكي دولاند ترامب يوم 10 دجنبر 2020 مرسوما رئاسيا، وكتب مغردا “وقعت اليوم إعلانا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. إن اقتراح المغرب الجاد والواقعي للحكم الذاتي هو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار». كان مقابل هذا الاعتراف إعادةُ تطبيع العلاقات الكاملة بين النظام المغربي والكيان الصهيوني. ليس قرار ترامب ثمنا يدفعه بدلا عن إسرائيل وليس تصرفا نزقا من شخص متهور في آخر ولايته الرئاسية. (5)

إسبانيا المستعمر السابق للصحراء الغربية يسلم الأمر للنظام المغربي في قضية الصحراء الغربية وعلى الدرب سار الباقي،
استقبلت إسبانيا بطريقة سرية وبهوية مزورة الأمين العام للبوليساريو بغرض العلاج العاجل يوم في 21 أبريل2021 بمستشفى في لوغرونيو. كانت جميع تفاصيل الاستقبال بعلم أجهزة المخابرات المغربية التي سربته للصحافة العالمية ما أجبر الحكومة الإسبانية على الإقرار أنها استقبلت غالي البالغ 71 عاما “لأسباب إنسانية بحتة من أجل تلقي العلاج الطبي».
انقض النظام المغربي على رقبة الحكومة الإسبانية مستغلا الفرصة الذهبية السانحة، فاستدعى السفير الإسباني بالرباط للتعبير عن سخطه. وأصدرت الخارجية المغربية بيانا من فقراته “قرار السلطات الإسبانية بعدم إبلاغ نظيرتها المغربية بقدوم زعيم ميليشيات “البوليساريو ليس مجرد إغفال بسيط. وإنما هو عمل يقوم على سبق الإصرار، وهو خيار إرادي وقرار سيادي لإسبانيا، أخذ المغرب علما كاملا به. وسيستخلص منه كل التبعات” وأضاف “كشفت هذه القضية عن المواقف المناوئة والاستراتيجيات العدائية لإسبانيا تجاه مسألة الصحراء المغربية، وكشفت تواطؤ جارنا الشمالي مع خصوم المملكة للنيل من وحدة أراضيها”.
جاء في بلاغ لديوان الملك يوم 18 مارس 2022 أن رئيس الحكومة الإسبانية بعث برسالة رسمية يعلن فيها أن اسبانيا التزمت باحترام الوحدة الترابية وعلى نهج “الشفافية والاحترام المتبادل والالتزام بالاتفاقيات” وأكد رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز أنه “يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب”. و“تعتبر إسبانيا مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف».

إنه تحول نوعي في موقف إسبانيا ومراجعة جذرية لسياسة الحكومات السابقة منذ 1975 وتبني صريح لأطروحة النظام المغربي بشكل مفاجئ للإسبان أنفسهم. وبدأ التساؤل عن أسباب الانقلاب الحاد للحكومة الاسبانية. والحقيقة أن سببين حاسمين يفسران ما وقع، الأول تعاظم المصالح التجارية مع المغرب واحتمال مزيد من المكاسب مع تبني إسبانيا للموقف الجديد. ثانيا معرفة إسبانيا أن الموقف الأمريكي حول الصحراء الغربية يندرج في استراتيجية الإمبريالية الأمريكية في أفريقيا وليس نزوة عابرة لرئيس انتهت ولايته. للأسباب نفسها سارت دول أوروبية خصوصا ألمانيا الاتحادية التي طلبت بعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن لنقاش قرار دولاند ترامب بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء تعبيرا عن رفضها للقرار، وكذا إقصائها المغرب من حضور مؤتمر برلين حول ليبيا، وكان رده تعليق العلاقات القنصلية واستدعاء السفير للتشاور، لينتهي الأمر بعد شهور إلى تطبيع قائم على إشادة ألمانيا بمقترح الحكم الذاتي الجاد كأرضية للتفاوض لحل النزاع حول الصحراء الغربية. بعده جاءت سلسلة دول أوروبية عديدة.
يبقى الموقف الفرنسي الداعم التاريخي لسياسة النظام في الأمم المتحدة أكثر تحفظا في ضغوط النظام عليها لتغير موقفها والاعتراف بسيادته على الإقليم كما الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا الإمبريالية تمانع ليس وفاء لمبدأ بل تأخذ وقتها لافتكاك أكبر المغانم من النظام الجزائري ولن تقبل أن تكون حصتها من كعكعة الصحراء أقل مما قُدم للولايات المتحدة الامريكية.
ديبلوماسية القنصليات في مدن الصحراء
منذ عام 2019، بدأ النظام المغربي تحركاً دبلوماسياً في القارة الأفريقية لدفع الدول المتحالفة معه إلى فتح تمثيليات دبلوماسية في مدن الصحراء الغربية. بلغ عدد القنصليات الأجنبية في المنطقة إلى 29 قنصلية، منها 17 في مدينة الداخلة و12 بمدينة العيون، ما يقارب نصفها للدول الأعضاء بمنظمة الاتحاد الافريقي وخصوصا من منطقة غرب افريقيا. ويعتبر فتح قنصلية اقتصادية للولاية المتحدة الأمريكية بالداخلة دروة هذا المنحى رغم أنها حتى الآن قنصلية الكترونية في العالم الافتراضي.
إن فتح القنصليات اعتراف بالسيادة على الأرض وتطويق ديبلوماسي لإرث الحقبة السابقة التي وفرت حضنا دوليا مريحا للبوليساريو. سيستمر النظام المغربي لا محالة في دفع حلفائه لتقديم عربون وفائهم بفتح تمثيلياتهم الديبلوماسية بالمدن الصحراوية.

المعركة في ردهات الاتحاد الأفريقي
منذ عودته عام 2017، لشغل مقعد في الاتحاد الإفريقي، بعد مغادرته في 1984 منظمة الوحدة الأفريقية، راكم المغرب مكاسب سياسية وديبلوماسية. فعودته في حد ذاتها تدل على انقلاب ميزان القوى لصالحه داخل القارة عما كان عليه الحال قبل نهاية التسعينات القرن الماضي. يتبع النظام المغربي سياسة هادئة قائمة على تفكيك الإرث المساند لجبهة البوليساريو داخل الاتحاد الافريقي عبر جعل قضية الصحراء الغربية حصرا من اختصاص الأمم المتحدة وأي تداول حولها في المنظمة الأفريقية رهين بموافقة ترويكا خاصة وأغلق منصة مجلس الأمن والسلم للاتحاد الافريقي الذي كان يستعمل في تجديد التذكير بمواقفه التاريخية في تطبيق مسلسل حق تقرير المصير. لكن الهدف الجوهري للنظام المغربي هو طرد عضوية الجمهورية الصحراوية في الاتحاد الافريقي تحت يافطة تجميد.

مرة أخرى الى أين تسير البوليساريو؟ (6)
خرج المؤتمر دون أن يمكّن البوليساريو من استراتيجية شاملة في ظل تغيرات جذرية ديبلوماسية وسياسية وعسكرية. انتهى المؤتمر بإعادة تدوير نفس القيادة التنظيمية وظلت أسئلة جوهرية بلا جواب.
بات أكيدا أن البوليساريو تجاوزها واقع تطورات قضية الصحراء الغربية، فليس بيدها قرار استئناف فعلي للحرب ولا التوصل لحل بالتفاوض مع النظام المغربي، كل خياراتها الممكنة رهينة بموافقة النظام الجزائري الذي يحضن على أرضه مخيمات النازحين ومسلحي البوليساريو، ويمثل مصدر التمويل الرئيسي لها، والذي جعل من دعمها في طليعة أولوياته الديبلوماسية كما ظهر جليا من صدامه مع إسبانيا بعد تغيير موقفها من قضية الصحراء.

ارتهان البوليساريو بالنظام الجزائري أكبر من ارتهان حزب الله بإيران بل يماثل ارتهان مجاهدي خلق الايراني بنظام صدام حسين مع فارق أنه تنظيم يمثل جزء من معارضة الشعب الايراني ضد نظام ديني ديكتاتوري وليس حركة استقلال قومي. إن البوليساريو في مازق سياسي خطير وخياراتها محدودة جدا، فإما الصمود في ظل الوضع الحالي والمجازفة بموت سريري وخطر ذهاب مطامحها أدراج الريح، وبالتالي انتصار تام للنظام المغربي وتتعزز شكيمته واستبداده بشكل يفوق عهد الإجماع الوطني بعد المسيرة الخضراء، وأما الخيار الثاني فحرب إقليمية حقيقية ينخرط فيها النظام الجزائري بجانب البوليساريو لفرض تغيير على الأرض يجبر النظام المغربي على التراجع، إن حصل هذا فدمار أكيد لمنطقتنا وجريمة في حق شعوبنا قد لا تهتم بها الأنظمة المستبدة، لكن المصالح الامبريالية كانت صريحة وشديدة الصرامة في التحذير من أي انزلاق للوضع العسكري بين النظامين، أما آخر الخيارات فهو مسار تفاوض شامل بين بلدان المغرب الكبير يدمج الحل الديمقراطي لقضية الصحراء الغربية في إطار بناء مغرب كبير ديمقراطي وحدوي مستقل يلبي حاجيات شعوبه قائم على المواطنة المغاربية المستندة على ضمان التمتع بالحقوق الديمقراطية وتلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسيادة الوطنية على الثروات، هذا الخيار غير ممكن دون ثورات ديمقراطية جذرية تنهي قرون الاستعمار والاستبداد المسيطر على شعوبنا.

الحقيقة مرة كالعلقم، لكن واجب أي قيادة نضال مسؤولة أن تقر بها وتعيد بناء تكتيكاتها عبر نقاش ديمقراطي بمشاركة المعنيين، وامتلاك الشجاعة السياسية والنضالية لممارسته صونا للمبادئ ولتضحيات وطموحات الذين اعتنقوا يوما النضال لأجل تحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني وما تبعه من تطورات منذ أواسط السبعينات.

—–
(1)–جبهة البوليساريو بين لحظة وفاة قائدها ومستقبل قضيتها. موقع المناضل ة http://www.almounadila.info/archives/3844
(2)–مؤتمر البوليساريو الخامس عشر، تحديات الراهن ومأزق الافاق .موقع المناضل ة http://www.almounadila.info/archives/9097
(3)- خلافات الدولة المغربية والأمين العام للأمم المتحدة: ما الخلفيات وما التداعيات المحتملة؟ المناضل ة عدد64
(4)- أحداث الكركرات: الحاجة الملحة لوحدة ديمقراطية للشعوب المغاربية . موقع المناضل ة https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=699168
(5)- لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، نعم لحقوق الشعب الفلسطيني، إسرائيل ركيزة رئيسية للاستعمار الجديد في المنطقة
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=741758
(6)–الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب (البوليساريو).. إلى أين؟ المناضل ة عدد 33

شارك المقالة

اقرأ أيضا