ست سنوات بعد مسيرة 20 يوليو 2017 بالحسيمة: الوضع أسوء مما كان، لكن!

الافتتاحية25 يوليو، 2023

مضت ست سنوات على مسيرة 20 يوليو البطولية بمدينة الحسيمة، مسيرة تحدت المنع القمعي، وأبانت عن كفاحية وقتالية جبارتين لدى جماهير الريف وقوافل التضامن الملتحقة بها من كل ربوع البلد. واجه النظام تلك المسيرة بقمع أودى بحياة الشهيد عماد العتابي.

ست سنوات تميزت بتفاقم أوجه قصور النضال الشعبي والعمالي التي أودت بالحراك إلى مصيره: قمع شامل، وقرون من السجن وإفراغ المنطقة من شبابها المكافح بفتح أبواب الهجرة إلى أوروبا على مصراعيها.

تلقى النظام دفعة قوية من هزمه لحراك الريف البطولي، وازداد جرأة وجسارة في تنفيذ هجمات كان حذرا في تنفيذها سابقا. وأخرج إلى العلن ما أطلق عليه نموذجا تنمويا جديدا، وهو محضُ توضيب لنفس السياسة البرجوازية/ الإمبريالية المطبقة منذ عقود، قوامها خدمة الرأسمال الاستعماري الجديد، عبر آلية الديون، وتأمين شروط مثلى لاستثماراته، في تعاون وثيق مع الشرائح العليا من البرجوازية المحلية الملتفة حول الملكية، وتحميل الشغيلة والكادحين- ات كلفة أزمة ليسوا مسؤولين- ات عنها.

سرَّع النظام تخريب الوظيفة العمومية بتعميم أشكال المرونة الجديد، المسماة توظيفا جهويا، وأجهز على مكاسب شغيلة القطاع (من التكوين مرورا بالتوظيف انتهاء بالتقاعد). وفتح مجالات اغتناء جديدة أمام الرأسمال المحلي والأجنبي، عبر تحويل مؤسسات عمومية إلى شركات مساهمة (المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب)، ملقيا مستخدمي هذه المؤسسات إلى جحيم الهشاشة، التي عممها سابقا في القطاع الخاص.

شدد النظام الخناق على حرية التعبير، ساجنا كل من يعبر عن رأي مخالف أو مناضل (سعيدة العلمي، عمر الراضي، توفيق بوعشرين، سليمان الريسوني…)، وتعممت المتابعات القضائية للمدونين- ات على صفحات التواصل الاجتماعي، التي ينتهي بعضها إلى السجن. وفي نفس الوقت شدد الخناق على صبوات النضال العمالي، خصوصا شغيلة قطاع التعليم العمومي (قمع الاحتجاجات، الاقتطاعات من أجور الإضراب، اغتيال الشهيد عبد حجيلي، الحكم بالسجن على أساتذة- ات تنسيقية التعاقد المفروض). أما القطاع الخاص فالنضال النقابي وصل فيه إلى النقطة الميتة، إذ يتعرض للطرد كل من سولت له نفسه تأسيس مكتب نقابي (عمال شركة الجودة بالجديدة وتارودانت ومراكش…).

سياسيا تمكن النظام من ترتيب واجهته الحكومية، بالتخلص من حزب العدالة والتنمية، بعد أن استعمله في تجاوز عاصفة سنة 2011، وتمرير هجمات شرسة على المكاسب العمالية والشعبية. ونظم انتخابات انتهت بحكومة واجهة يرأسها رب عمل، أعلنت أن برنامجها هو “برنامج جلالة الملك”، وتضمن تصريحها الحكومي العزم على تنفيذ هجمات مقررة سلفا، وعلى رأسها مراجعة مدونة الشغل بما يضفي عليها مرونة قصوى، وإصدار قانون الإضراب والنقابات، بما يكبح أي مقاومة عمالية في وجه تلك الهجمات.

واكبت البيروقراطيات النقابية هذا الهجوم المعادي للطبقة العاملة، بل منها من جاهر بمساندة حزب ما يسمى بالأحرار انتخابيا، ثم التصفيق له بعد فوزه برئاسة حكومة الواجهة، وما هذا سوى أمارة انعدام معارضة نقابية يحسب لها حساب. لكن كل تلك البيروقراطيات وقعت على اتفاق 30 أبريل 2022 (سبعة أشهر بعد تنصيب حكومة الواجهة)، هذا الاتفاق الذي تضمن هجوما على قانون الشغل وحق الإضراب وتأسيس النقابات وأنظمة التقاعد، مقابل فتات مالي يرفض أرباب العمل تطبيقه (لانعدام ميزان قوى) ويَسهُل استرداده في حالة تطبيقه. حتى حالات تضامن نادرة مع نضالات عمالية، تعرضت للوأد، كما في حالة عمال- ات سيكوميك بمكناس، حيث طُرد المكتب النقابي من نقابة الك.د.ش.

هكذا تعزز الإجماع على نظام سياسي هو أداة جماعية للرأسمال المحلي والأجنبي. واستفحلت أزمة الحركة النقابية، بتعميق اندماج قياداتها في دور “الشريك الاجتماعي”، الذي يضفي الشرعية على سياسات الدولة لصالح الرأسمال، وينزع عنها أي قدرة للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها.

في الجانب الآخر، ضمُر اليسار الجذري إلى الحد الذي أصبح غير قادر على التأثير في وضع الحركة النقابية، ولا الإسهام في النضالات الاجتماعية. وقسم منه بلغ تماهيه مع سياسة البيروقراطيات النقابية مَداهُ، غاضا الطرف عن ذبح الديمقراطية الداخلية، بما فيها تلك التي تستهدفه.

أما النضال الشعبي، الذي بلغ ذروته مع حراكي الريف وجرادة، فقد توقف عمليا منذ قمع ذينك الحراكين. وأصبح المزاج الشعبي متسما بالنزوع نحو الخلاص الفردي، عبر الهرب نحو الخارج، وقبول كل أشكال التشغيل الهشة ما دامت تضمن أجرا يضمن القوت اليومي، واللجوء إلى أشكال دعم الدخل اليومي من قروض استهلاك والعمل الإضافي (خاصة في الوظيفة العمومية)، وانتظار ما تجود به الدولة من صدقات (الحماية الاجتماعية).

أما في الريف، فمنذ توقف الحراك، لم يتغير شيء، سوى مشهد الجرافات والأشغال العمومية التي تعبد الطريق لغزو الرأسمال للمنطقة. وتعمقت جراحه الاجتماعية بعد إغلاق أبواب التهريب المعيشي (بوابتي سبتة ومليلية) وتشديد الخناق على الهجرة إلى الضفة الأخرى. وأصبحت أراضي المنطقة تحت وقع هجمات المشاريع الكبرى الموجهة لاستقطاب الرأسمال الأجنبي. يتوازى هذا مع إبقاء المنطقة (خاصة الحسيمة) تحت رقابة قمعية كثيفة، التي تئد كل أشكال الاحتجاج بالمدينة. ويستمر احتجاز أسرى حراك الريف داخل السجون، خاصة قياداته الميدانية (محمد جلول، ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق).

ليست اللوحة بكل هذا السوء. إن تشاؤم التشخيص لا يعني بالضرورة انحباس الإرادة. فنجاحات النظام الاقتصادية التي يتباهى بها، ويجعلها أرضية شراء سلم اجتماعي ظرفي، كلها مبنية على استعمال كثيف للمالية العمومية، المستندة بدورها إلى اقتراض كثيف، وهي سياسة تلقت دفعة قوية، باستغلال أزمة جائحة كوفيد- 19، فَتَحْتَ عنوان الإنعاش الاقتصادي وُجهت ملايير الدراهم لأرباب العمل، وفتات بائس لشرائح الشعب. كما أن رضوخ الشعب، ليس رضوخا أبديا أو فطريا. إنما بسبب انعدام قوة اجتماعية أو سياسية توحي للجماهير بأن نضالها سيكون أقل كلفة مما سبق، هو ما يمنع تحولَ الكامنِ من طاقات الكفاح الشعبي، إلى فعل ميدان. ودورنا هو الإسهام في بناء تلك القوة.

تستمر الجذور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أطلقت دورة النضال الشعبي في القرى والمراكز الصغرى، تلك الدورة التي بدأت منذ منتصف التسعينيات، وانتهت مع قمع حراكي الريف وجرادة. نفس الجذور هي التي تجعل قاع المجتمع يغلي، وحين يصل درجة الغليان، سينفجر برميل البارود العمالي والشعبي في وجه صناع الأزمة: الرأسمال ودولته.

دورنا ليس التنبؤ بلحظة ذلك الانفجار العمالي والشعبي، وإنما مهمتين رئيستين: استخلاص دروس دورات النضال السابقة (ستكون موضوع افتتاحية مقبلة) والإعداد للقادم منها لا محالة. مهام تحريض ودعاوة وتنظيم، تقع على عاتق من ينسب نفسه إلى المشروع التاريخي للطبقة العمالية، مشروع اشتراكية بيئية نسوية، تقطع مع كل أشكال الاضطهاد الاقتصادي والاستغلال الاجتماعي والإقصاء الجندري والثقافي.

كما من واجبنا- نحن المنتسبون- ات إلى ذلك المشروع التاريخي، التواجد في أي نضال عمالي وشعبي، بمنظور تطويره نحو أفق سياسي يقطع مع منطق النموذج التنموي الرأسمالي القائم. وحفز كل تعاون مع الطلائع التي تفرزها تلك النضالات، لتخليص القائم من تنظيمات النضال (نقابات وتنسيقيات وحركات نضال ضد البطالة) من عيوبها نقاط قصورها، وبناء أدوات النضال الشعبي من لجان أحياء وقرى. ولمركزة كل أوجه النضال هذه تُطرح دائما المهمة التاريخية المتمثلة في بناء أداة الثورة المغربية: حزب العمال الاشتراكي الثوري. هذا ما نسعى إليه نحن أنصار- ات جريدة المناضل- ة.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا