جيل بيرو Gilles Perrault: رجل من طراز فريد، غادرنا إلى مثواه الأخير

بلا حدود16 أغسطس، 2023

جيرار ديلتاي Gérard Delteil

توفي جيل بيرو يوم 3 آب/أغسطس عن عمر يناهز 92 عاما. سخَّر هذا المؤلف موهبته لخدمة قضايا مثل مناهضة عقوبة الإعدام والنضال ضد الاستعمار والفاشية والحرب. اشتغل بداية صحفيا، بعد فترة وجيزة جدا محامياً، وعاش تجربة الحرب ضد الجزائر في كتيبة المظليين. آخذه البعض على هكذا قضاء مدة في هيئة معروفة بشراستها، لكن إذا كانت أخوة السلاح والنخبة العسكرية قد أغرته في سن 22، سرعان ما تحرر من هذه الرومانسية غير السليمة.

منذ عام 1961، بينما كانت نيران الحرب لا تزال مستعرة، استخلص منها تحرير مجموعة قصص قصيرة، بعنوان «المظليون»، ندد فيها بالتدريب العسكري الذي يحول الشباب إلى قتلة وجلادين. كان يقارن هكذا تهيئة الجنود بما كان النازيون يقومون به من ترويض.

مؤلف كتب عديدة مثيرة للسجال إلى حد كبير

لكن أصبح في عام 1978 معروفا لدى الجمهور الواسع عندما نشر Le Pull-over rouge، [البلوفر الأحمر ]وهو كتاب حول كريستيان رانوتشي، شاب متهم بقتل طفلة ونُفذ فيه حكم إعدام عام 1976، بعد رفض جيسكار ديستان منحه العفو الرئاسي، لأسباب ديماغوجية. كان جيل بيرو يندد بتحقيق واجراء قانونين فاشلين، مما أدى إلى رفع دعوى ضده، بمبادرة من دائرة المباحث الجنائية في مرسيليا، وإدانته قضائياً.

خلف كتاب آخر له صدى كبيراً: Notre ami le roi (1990) صديقنا الملك، كتاب يفصل الروابط القائمة بين دولة فرنسا وقسم من برجوازية الطاغية الحسن الثاني، الديكتاتور والجلاد. كان تأثير هذا الاصدار هائلاً لدرجة اندلاع أزمة دبلوماسية بين فرنسا والمغرب، بعد سعي الملك إلى حظر الكتاب دون جدوى.

من بين أبرز كتب جيل بيرو، الذي نشر أكثر من خمسين منها، بما في ذلك روايات مغامرة وتجسس وبوليسية، يجب تسليط الضوء على تلك التي تشيد بمناضلين شيوعيين ومناهضين للاستعمار. يقوم كتاب بعنوان “رجل من طراز فريد Un homme à part برسم صورة حول هنري كورييل، المناضل المناهض للاستعمار المغتال. يروي كتاب Taupes rouges contre SS [خِلدان حُمر ضد قوات الأمن الخاصة النازية] وكتاب L’Orchestre rouge [الأوكسترا الحمراء] القصة الملحمية لشبكة التجسس بقيادة المناضل الشيوعي ليوبولد تريبر، في خدمة الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية. يؤكد بيرو على بطولة هؤلاء النساء والرجال المخلصين بالكامل لحزبهم، دون أي تواطؤ مع جهاز ستالين.

ما من علاقة كانت لالتزام جيل بيرو بمشاركة هؤلاء الكتاب المشاهير المكتفين بالتوقيع على عرائض. بعد فترة قصيرة في الحزب الشيوعي، اقترب من أقصى اليسار وكان من مؤسسي حركة Ras le Front المناهضة للفاشية عام 1990، إلى جانب كتاب مناضلين آخرين مثل موريس راجسفوس. كانت هذه التعبئة ردا على القلق الذي أثاره صعود الجبهة الوطنية ومشاركة لوبين في الانتخابات الرئاسية عام 1988. كان جيل بيرو منخرطاً في الحركة من خلال الاسهام في تجمعات عديدة بموهبته العظيمة خطيباً.

من حملة هذا يكفي De Ça suffat comme si إلى حركة Ras le Front

في عام 1989، بادر بيرو مع العصبة الشيوعية الثورية LCR في اطلاق تعبئة هذا يكفي “Ça suffat comme si”، ضد ديون العالم الثالث والاستعمار ونظام الميز العنصري. كان المتحدث الوحيد في ساحة الباستيل أمام عشرات آلاف الناس، عقب حفل موسيقي لرونو سيشان، هاجم فيه بعنف نفاق الاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية: “نحن، على حد تعبيره، نستحضر، هنا في هذه الليلة روح أربعين ألف طفل يتضورون جوعا حتى الموت يومياً في بلدان العالم الثالث”.

في عام 1991، خلال برنامج تلفزيوني، عبر بسخط لا ينسى ضد حرب الخليج، ولم يتردد في الدعوة إلى «تخريب آلات الحرب» من خلال استحضار عمال الرصيف الذين كانوا ألقوا في ميناء مرسيليا شاحنات أسلحة متجهة نحو الحرب في الهند الصينية. جر على نفسه، بسبب هذا الخروج الاعلامي الحاد، هجمات عنيفة من الطبقة السياسية ووسائل الإعلام، وحتى الحزب الشيوعي نأى بنفسه عنه. لدرجة أن وسائل الإعلام الرئيسية قاطعته.

كان هذا الهجوم الآخر، من معسكره الخاص، منتظراً أن يؤدي بجيل بيرو إلى مغادرة حركة Ras le Front وتوجيه ضربة قاصمة لهذه الحركة بعد بضع سنوات. كان كاتب آخر، ديدييه داينينكس، يشن حملة افتراء جنونية ضده، بتهمة إنكار محرقة اليهود، وتواطئ مع الإسلاميين وميل جنسي مكبوت الى الأطفال. لم يغفر ديدييه داينينكس لبيرو الدفاع عن سيرج كوادروباني، هذا كان صديقا لبيرو ، و أحد ألد أعداء ديدييه. قرر جيل عدم الرد، حتى لا ينحط إلى مستوى داينينكس. من المؤسف أنه لم يحظ بما كان يتوقعه من دعم جميع المناضلين المناهضين للفاشية. آلمه ذلك بنحو بالغ، لكن قرر الابتعاد، حفاظاً على كرامته، وأعلن أنه أصبح «سياسي بلا مسكن قار».

مع ذلك، ظل جيل بيرو ملتزما، خاصة في قضايا محلية، في منطقته كوتنتين. وتجدر الإشارة إلى أنه كان رجلا متواضعا بوجه خاص، ولم يكن يختار قضايا شائعة للبروز، ولم يكن يتردد بأي وجه في السير ضد التيار، كما هو الحال أثناء المطالبة بالإفراج، ليس عن سيزار باتيستي وحسب، ولكن أيضاً عن مناضلي منظمة العمل المباشر Action Directe. سنفتقده كثيراً.

مصدر:
https://lanticapitaliste.org/actualite/politique/gilles-perrault-un-homme-part-nous-quittes

ترجمة : المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا