الصين وإسرائيل، تاريخ مديد من التعاون في مجال القمع

بلا حدود14 نوفمبر، 2023

بقلم

PROMISE LI

رغم أن العلاقات مع الولايات المتحدة هي الغالبة لدى إسرائيل، تربطها منذ أمد بعيد علاقات مربحة مع الصين، التي تمثل اليوم ثاني أكبر شريك تجاري لها، خاصة في مجال تبادل التكنولوجيا العسكرية التي ساعدت الدولة الصينية على قمع سكانها.

بينما تقترف إسرائيل مجزرة بحق فلسطيني غزة، يركز كثيرون، عن صواب، على دعم الولايات المتحدة لجرائم الحرب التي ترتكبها الدولة الإسرائيلية. ولكن كما يشير طارق كيني شوا Tariq Kenney-Shawa، “جلي أن إسرائيل لم تعد، ببساطة، محتاجة للمساعدات الأمريكية كي تحافظ على اقتصادها سليماً أو على تفوقها العسكري النوعي الهائل على جميع التهديدات الإقليمية”. رغم أن الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل لا يزال حاسما، يحظى البلد بدعم كبير من أطراف أخرى، بما في ذلك المنافس العالمي الرئيس للولايات المتحدة، الصين.

رغم أن الصين تُعْرَضُ في بعض الأحيان في صورة حصن “مناهض للإمبريالية”، فهي ليست حليفة للفلسطينيين. صحيح أن وسائل إعلام الدولة الصينية، على عكس نظيراتها الغربية، أكثر ميلاً لانتقاد طريقة معاملة إسرائيل للفلسطينيين. لكن الدولة الصينية لم تقدم دعماً ذا أهمية لقضية التحرر الفلسطينية: فالعلاقات الاقتصادية المهمة بين الصين وإسرائيل تعني أن الصين لديها مصلحة مباشرة في الدفاع عن إسرائيل. تَضَّمَنَ تموقع الصين التاريخي بين إسرائيل وفلسطين تبني استراتيجية “استتباب السلام” و”عدم الانحياز” التي تتيح لها الحفاظ على علاقات ودية مع الدول العربية وفي نفس الآن تعزيز علاقاتها مع إسرائيل. وبدورها استلهمت الصين التكنولوجيا الإسرائيلية وأساليب مكافحة التمرد لقمع سكانها.

بين إسرائيل وفلسطين

كانت إسرائيل الأولى والوحيدة من بين الأنظمة غير الشيوعية التي اعترفت رسميا بجمهورية الصين الشعبية، بعد عام واحد فقط من تأسيسها في العام 1950. ولكن مع صعود الحرب الباردة تلاشت الآفاق الدبلوماسية، ومع تعزيز الصين لعلاقاتها السياسية والعسكرية مع القادة السياسيين الفلسطينيين، تعهد رئيس مجلس الدولة الصيني تشوان لاي Zhou Enlai بدعم القضية الفلسطينية أمام المندوبين العرب في مؤتمر باندونج Bandung في العام 1955. وفي منتصف ستينيات القرن الماضي، قامت حركة فتح وقادة منظمة التحرير الفلسطينية الجديدة بزيارة الصين، التي عرضت أيضا التدريب العسكري على الفلسطينيين.

أدت نهاية الثورة الثقافية والانشقاق الصيني السوفييتي إلى استئناف العلاقات غير الرسمية بين الصين وإسرائيل. فقد بدأت إدارة دنج شياوبينج Deng Xiaoping  في توجيه الصين نحو التنمية القائمة على السوق في ثمانينيات القرن الماضي، في حين أصبحت إسرائيل راغبة في توسيع تجارتها إلى شرق آسيا. بدأت إسرائيل تصدير التكنولوجيا العسكرية إلى الصين طوال الثمانينيات، مُمهدةً الطريق لعلاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين في العام 1992، حتى مع اعتراف الصين بدولة فلسطين في العام 1988.

أصبحت هذه الواردات الإسرائيلية أساسية بالنسبة لتطور الصين العسكري في التسعينيات، بينما هددت العقوبات الغربية المفروضة على الصين، بعد حركة ومذبحة ساحة تيانانمن Tiananmen في العام 1989، بالحد من نمو القدرة العسكرية لجمهورية الصين الشعبية. لكن إسرائيل تحايلت على هذه العقوبات، لتصبح باباً خفياً أساسياً لوصول الصين إلى التكنولوجيات العسكرية الغربية. أدى صعود الصين كقوة عالمية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى توسيع التجارة بين البلدين إلى أبعد من الأسلحة وتعميق تكافلهما الاقتصادي. بدأت جمهورية الصين الشعبية الاستثمار بكثافة في إسرائيل في السنوات التي تلت انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، خاصة في الزراعة والتكنولوجيا والبناء ورأس المال الاستثماري

دفع تنامي العلاقات العسكرية والاقتصادية الصين إلى تبني موقف معتدل على نحو متزايد بشأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين: فقد انتقلت من دعم “حرب الفلسطينيين الشعبية” ضد إسرائيل إلى رعاية الدولة الإسرائيلية والدفاع عنها. وتؤكد “خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية المكونة من أربع نقاط” التي وضعها شي جينبينغ  Xi Jinping التزام الصين بحل الدولتين، ما يتيح “الأمن الدائم” لإسرائيل، في حين تدعو إلى السلام والتنمية بين إسرائيل وفلسطين.

إن دفاع جمهورية الصين الشعبية عن “دولة فلسطينية مستقلة” الأسبوع الماضي رداً على الهجمات الإسرائيلية على غزة، ودعوتها المبهمة “للأطراف المعنية” إلى “وقف الأعمال العدائية فوراً”، يجب أن يُنظر إليهما في ضوء التزامها بحل الدولتين. يرى المعلقون التقليديون أن هذا التناقض يمثل إحجاما من جانب الصين عن دعم إسرائيل بقوة. لكن حل الدولتين يَعِد بمواصلة القمع الإسرائيلي للفلسطينيين بشكل مختلف.  كتبت دافنا ثاير Daphna Thier وسمية عوض Sumaya Awad في جاكوبين  Jacobin في العام 2021  “أن مفاوضات حل الدولتين تحرم ملايين الفلسطينيين، التي هي من بين أكبر تجمعات السكان اللاجئين في العالم، من حق العودة المعترف به دوليًا إلى الأراضي والمنازل التي طُردوا منها قسراً”. إن أي حل يبقي على دولة إسرائيل كدولة يهودية ينتهك الحقوق الديمقراطية والمدنية والإنسانية، الفردية والجماعية للفلسطينيين. إن البديل العادل لحكومة الفصل العنصري الاسرائيلي سوف يشمل إقامة دولة ديمقراطية واحدة بحقوق متساوية لجميع الشعوب.

صهيونية متخفية

يخفي موقف الصين الملتبس تجاه إسرائيل وفلسطين، منذ تقاربها التدريجي مع إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي، خيانتها السرية للقضية الفلسطينية. إن دعمها لإنشاء دولة فلسطينية محدود ويقوم على الحفاظ على القوة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل.

منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ارتفعت استثماراتها في إسرائيل بشكل كبير. أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل، بمبادلات تجارية بلغت قيمتها أكثر من 24 مليار دولار العام الماضي. ورغم أن الولايات المتحدة تظل المُوَرِّد المباشر الرئيس للعمليات العسكرية الدموية لإسرائيل، تزايدت أهمية الاستثمارات الصينية بالنسبة للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية والبنية التحتية في إسرائيل. وفي الفترة 2021-2022، حلت الصين محل الولايات المتحدة كأكبر مُوَرِّد لإسرائيل.

وجدت إسرائيل والصين قضية مشتركة تتمثل في تطوير أجهزة المراقبة وحفظ النظام، بالاعتماد على التكنولوجيات والأساليب الغربية. لم تكن “الحرب الشعبية على الإرهاب” التي شنتها جمهورية الصين الشعبية ضد الإويغور والجماعات الإثنية الأخرى في شينجيانغ  Xinjiangمجرد استنساخ كلامي لـ”الحرب على الإرهاب” التي تستعملها الولايات المتحدة: بل إنها مستوحاة بنشاط من مساهمة طاقمها وتكتيكاتها.

جرى التعاقد مع عملاء سابقين في شركة بلاك ووتر Blackwater، سيئي السمعة لارتكاب جرائم حرب في العراق، من أجل تحسين المنشآت الأمنية في شينجيانغ Xinjiang. كما قام الباحثون في أكاديمية نخبة الشرطة في الصين بدراسة علنية لإجراءات مكافحة التمرد الإسرائيلية ضد فلسطين بهدف استلهام تطبيقها في حالة المراقبة في شينجيانغ. لقد قضى كلا النظامين بشكل استراتيجي على المعارضات العلمانية وغير العنيفة واستعملا صعود الجماعات الإسلامية المسلحة كذريعة للقمع الكبير للفلسطينيين والأويغور والمجموعات الإثنية الأخرى. في الواقع، أعلن بان يو Pan Yue، الرئيس الحالي للجنة الوطنية للشؤون الإثنية في الصين، بأن على جمهورية الصين الشعبية أن تسترشد بالأساليب الاستعمارية للولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل من أجل استدراج مستوطني الهان إلى حدودها الغربية.

إن دعم فلسطين كلامياً وفي الآن ذاته تعزيز قوة إسرائيل واستلهام أساليبها الحربية أصبح استراتيجية مثمرة لجمهورية الصين الشعبية. أتاح لها هذا التعامل جني فوائد التنمية الاقتصادية في إسرائيل، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع القادة الفلسطينيين والدول العربية الأخرى، لأن الشركات العمومية والشراكات بين القطاعين العام والخاص التي تشرف عليها الصين، عززت علاقاتها مع الحكومات الإسرائيلية والحكومات العربية الأخرى في مجمل الكتل الجيوسياسية.

إن رد فعل وزارة الخارجية الصينية الفاتر على الهجوم الإسرائيلي الجاري على غزة يُظهر أن جمهورية الصين الشعبية غير مهتمة بإعادة النظر في السياسة الإسرائيلية فعليا. عموماً، تُظهِر مقاربة الصين في التعامل مع إسرائيل وفلسطين أن منافسي الغرب الجيوسياسيين ليسوا بالضرورة حلفاء للتحرر الفلسطيني. ويمكن للقوى الإمبريالية المختلفة أن تلتقي، رغم صراعاتها، على دعم نظام الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيليين.

تمنح تجارة الصين مع إسرائيل فرصة للتضامن بين المدافعين عن التحرر الفلسطيني ومعارضي السياسات القمعية التي تنتهجها جمهورية الصين الشعبية. شكَّل استهداف الشركات والمؤسسات التي تدعم الدولة الصينية من الخارج استراتيجية أساسية للمعارضين في الخارج. يُتيح الاحتجاج ومقاطعة التجارة الصينية مع إسرائيل كجزء من حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات الأوسع (BDS)- مثل DJI، كانت سابقًا شركة  DaJiang Innovation Science and Technology، وهي شركة صينية خاصة تتلقى أموالًا من الدولة الصينية تقوم بإنتاج طائرات بدون طيار وغيرها من المعدات العسكرية لفائدة الجيش الإسرائيلي- المزيد من الإمكانيات لهذا السبيل عبر مد الجسور بين النضال من أجل مزيد من الحرية في الصين وبين القضية الفلسطينية.

بروميز لي Promise Li مناضل اشتراكي من هونغ كونغ ولوس أنجلوس، عضو في منظمة Solidarity and Tempest ( الولايات المتحدة ). وهو ناشط في التضامن الدولي مع حركات هونغ كونغ والصين، وفي تنظيم المستأجرين ومناهضة برجزة الحي الصيني (1)، وفي تنظيم العمال أصحاب الشهادات…..

هوامش:

  • برجزة : تحولات اجتماعية تشهدها الأحياء الشعبية بفعل وصول فئات اجتماعية اكثر امتيازا حيث تُحل بنايات عصرية وتستقدم أنماط حياة واستهلاك مغايرة

( المترجم)

ترجمة المناضل-ة

المصدر:

https://www.europe-solidaire.org/spip.php?article68398

شارك المقالة

اقرأ أيضا