ألبير عياش: مؤرخ الحركة النقابية المغربية

أخبار عمالية23 يناير، 2024

ليست الحالة التي يوجد عليها الاهتمام بتاريخ الحركة العمالية بالمغرب غير أحد أوجه الحالة العامة المزرية لواقع هذه الحركة اليوم. فلا دراسات تاريخية جدية منذ عقود، ولا تدوين لتجارب النضال، ولا مذكرات شخصية. يقتصر المتاح على بعض الجهود التوثيقية التي لا تتعدى مصنفات بيانات أو كرونولوجيا عامة. ويتوارى العديد من كوادر الحركة النقابية دون أثر مكتوب، وترقد المعلومات في ارشيفات غير متاحة وفي ذاكرة من بقي من قدماء الحركة. سعيا للإسهام في تدارك النقص تشرع المناضل-ة في هذا الباب في التعريف بجوانب من تاريخ الحركة العمالية. نبدأ بتعريف بمؤرخ الحركة النقابية الفقيد ألبير عياش.

ولد يوم 21 أكتوبر 1905 بتلمسان(الجزائر) وتوفي يوم 5 يونيو 1994 في باريس. عمل أستاذا للتاريخ والجغرافيا في وجدة ثم الدار البيضاء، مناضل نقابي في التعليم وأحد منظمي الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب وعضو بالحزب الشيوعي المغربي. أُبعد عن المغرب سنة 1952. مؤرخ الحركة النقابية بالمغرب.

ولد البير عياش في أسرة من خمسة أبناء لأب مستخدم خردوات، وتابع دراسته الابتدائية والثانوية في ثانوية تلمسان ودراسته العليا في التاريخ والجغرافيا في الجزائر ثم باريس، كناظر الداخلية في ثانوية باريس ثم في ثانوية سانت بارب بباريس. وفي باريس تعرف على جان برويا Jean Bruhat وجان دريش jean Dresch.

وعند وصوله الى المغرب، في أكتوبر 1932- اثر تعيينه بثانوية وجدة، المدينة التي استقرت بها أسرته في سنوات العشرينات- لم يكن له أي تكوين سياسي او نقابي. ووافق بطلب من صديقه القديم، الأستاذ موريس شومول Maurice Chemoul، على القيام مهمة أمين مال ودادية الثانوية.

اثارته ابتداء من 1934 دسائس اليمين في فرنسا وفي وهران المجاورة التي أصبحت «الهتلرية الصغيرة» وفي وجدة المدينة الحدودية، فانضم الى الكونفدرالية العامة للشغل CGT. وصدمته الحملات المعادية للسامية التي تصاعدت مع وصول ليون بلوم الى رئاسة المجلس بباريس فانضم الى الرابطة الدولية لمناهضة معاداة السامية (LICA) واصبح عضوا بمكتب الفرع المحلي. وانكب بالمحاضرات سنة 1973 على إعلام اليهود والمسلمين بالروابط التي كانت دوما توحدهم في بلدان المغرب العربي والى تحذيرهم من مكائد من يسعى الى الإيقاع بينهم. وشجعه مارسيل فوران Maurice Faurant، الذي استقطبه الى س ج ت عام 1936، على المضي على هذا الطريق.

جُند في الجيش بكتيبة الزواويين * الأولى يوم 26 غشت 1939 وأُرسل الى جبهة القتال ووقع في الأسر في يونيو 1940 وفر منه. عاد الى المغرب، الى الدار البيضاء في غشت 1941 – كان قد عُين في ثانوية ليوطي سنة 1939- ثم عُزل لكونه يهوديا من منصبه كأستاذ. حضر بالمحكمة العسكرية بمكناس المحاكمة المهزلة التي تعرض لها اخوه الدكتور موسى عياش الذي وشى به بعض الزبائن القدامى على انه مقاوم وحوكم بالحبس أربعة اشهر بتهمة «أقوال محرضة ضد النظام القائم».

بدأ عياش حياته النضالية بعد الإنزال الأمريكي يوم 8 نوفمبر 1942 مع إعادة تشكيل الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب يوم 13 يونيو 1943. أعيد دمجه في منصبه كأستاذ في 1 أكتوبر 1943 و1944. انضم الى الحزب الشيوعي المغربي. وكما طلب منه صديقه جان فارديل Jean Fardel، الكاتب العام للنقابة، وافق على ان يقدم امام مؤتمر نقابة أساتذة التعليم الثانوي تقريرا حول إصلاح تعليم المسلمين (يوليوز 1944) ثم المشاركة مع فرنان جولي Fernand Joly في اللجنة الاقتصادية للاتحاد، وهي اللجنة المكلفة بدراسة تطور الأسعار والأجور والظروف الاقتصادية والسياسية المحددة لها وبالعمل عبر ممثليها لدى السلطات العمومية لأجل التصحيح والتوجيه او طرح المطالب.

كان المناخ آنذاك مناخ تشاور. اذ كانت الحرب متواصلة والنقص سائدا ووجب تكثيف جهود الإنتاج لضمان النصر. لذلك كانت النقابات ممثلة في جميع الهيئات الاقتصادية، فكان البير عياش مع اندريه ليتسيلار Andre Laitselart أعضاء بلجنة الجلود ولجنة الخيوط والأنسجة واللجنة الجهوية للأسعار والمكتب الشريف للتصدير ومكتب القمح. وقد مكنته هذه الصلاحيات المختلفة من كامل التوثيق الرسمي وسهلت أبحاثه حول ظروف السكان المغاربة الفلاحين والعمال الحضريين. وعلى ذلك النحو تجلت له خصائص اقتصاد المغرب والفوارق بين قطاع المعمرين والقطاع التقليدي وميكانيزم تكون الأسعار وحصص كل من الأجر والربح في السعر النهائي لمنتوج ما، وكذا أشكال التفاوت والميز في المكافآت او القانون بين الأوربيين والمغاربة. وهي عناصر استعملها كلها في وضع تقاريره الى مختلف مؤتمرات الاتحاد النقابي وفي وضع الملفات المطلبية وكذا في إعداد فصول حول الحياة الإنسانية والاقتصادية بكتاب جغرافية المغرب الخاص بالتلاميذ والطلاب (1949).

كان عضوا باللجنة الاقتصادية للاتحاد واصبح كاتبها بعد ان قرر Cesar Erdinger سنة 1946 التفرغ لتسيير التعاونيات الاستهلاكية. انتخب البير عياش عضوا باللجنة التنفيذية في المؤتمر الرابع للاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب (30 نوفمبر و1 دجنبر 1946) وعينته اللجنة التنفيذية في سكرتارية الاتحاد في فبراير مكان جان بانتي Jean Pinty المعين مديرا للعمل في الجزائر العاصمة.

وعلاوة على الدراسات حول الحياة الاقتصادية والأسعار والأجور وظروف العمال والأرضيات المطلبية، كان على عياش ان يتقاسم مع أعضاء المكتب كل المهام التنظيمية ومهام التكوين النقابي او تلك المتعلقة بالنضالات. وكان على عياش ان يهتم بوجه خاص بالنقابات بالمغرب الشرقي، لاسيما نقابات عمال مناجم جرادة (الفحم الحجري) وتويسيت وبوبكر (الرصاص والزنك) التي شهدت نمو ابتداء من خريف 1946 بتأثير من الطيب بوعزة والتي سعت سلطات الرقابة الى إضعافها (1947) في انتظار تدميرها (يونيو 1948) لأنها كانت مكونة من مغاربة.

إنها حياة نقابية كثيفة أكدتها الإضرابات الكبرى سنوات 1948و 1949 و1950 والهجمات القمعية الشرسة في خريبكة وجرادة وفي 1950 والإعداد للمؤتمر السادس الذي أكد عزم الاتحاد على التحول الى مركزية نقابية مغربية والعمل على إلغاء الحماية. نتجت عنها سجالات حادة داخل الفيدرالية المغربية لنقابات الموظفين. وقد وجب إحباط مناورات البعض ودحض حججهم والحد من نتائج انصرافهم. بعد نضالات بالغة الضراوة وأحداث الدار البيضاء يومي 7 و8 دجنبر 1952 تعرض اهم مناضلي الاتحاد العام الفرنسيين للطرد بينما تعرض المناضلون المغاربة للاعتقال والتعذيب. ومن جهة أخرى كان هذا القمع الذي أشرفت عليه سلطة الإقامة قد بدأ قبل عامين كما يدل على ذلك طرد جرمان عياش (ابن عم البير عياش) الى فرنسا (1950). وبعد تعيينه في فونتينبلو Fontainebleu ثم باريس قرر عياش، بنصيحة من ج دريش، استعمال ما لديه من توثيق وقدرات فكرية لتأليف كتاب: المغرب حصيلة استعمار الصادر في باريس سنة الاستقلال (1956) والذي أتاح للمغاربة، في انتظار دراسات أخرى، امتلاك رؤية أوضح عن جغرافية بلدهم وتاريخه الماضي والراهن. كما كتب التاريخ القديم لأفريقيا الشمالية (باريس، 1964) واضعا نصب أعينه التلاميذ المغاربة بوجه خاص. ثم انصرف البير عياش الى كتابة تاريخ للحركة النقابية بالمغرب في فترة الحماية في ثلاثة أجزاء اشتغل بها حتى السنة الأخيرة من حياته.

تزوج ألبير عياش سنة 1946، أب لطفلين (البكر: طبيب بيولوجي والثاني مبرز في اللغة الروسية). اشتغل حتى وفاته بباريس يوم 5 يونيو 1994 في إعداد قاموس أعلام الحركة النقابية بالمغرب العربي، الجزء الاول الخاص بالمغرب.

من مؤلفات البير عياش:

  • المغرب حصيلة استعمار – دار الخطابي

مترجم الى اللغات الروسية والبلغارية والألمانية ونال جائزة المغرب سنة 1957.

  • تاريخ الحركة النقابية بالمغرب في ثلاثة أجزاء
  • دراسات في التاريخ الاجتماعي المغربي (بالفرنسية)
  • قاموس أعلام الحركة النقابية –الجزء الأول خاص بالمغرب
شارك المقالة

اقرأ أيضا