من أجل لجنة السلامة وحفظ الصحة فعلية تحت سلطة الشغيلة

أخبار عمالية30 يناير، 2024

بقلم، أكوليز

نظامنا الذي نعيش فيه ينقسم إلى أقلية وأغلبية بحيث أن الأولى: أقلية مالكة مستحوذة بأرباب العمل يقومون بتشغيل واستغلال طبقة أكثر عددا، تعمل لقاء أجرة، الطبقة العاملة.

تقضي طبقة الشغيلة سنوات عملها في ظروف سيئة أو مقبولة حسب موازين القوة بين رب العمل والتنظيم العمالي.  فرب العمل يجهد إلى تحقيق أقصى الأرباح بخفض التكاليف، وكلما شكل تحسين شروط وظروف العمل عبئا إضافيا عمل ما بوسعه للتخلص منه. إن انتشار البطالة وأشكال العمل الهش (المؤقتون والعاملون بدوام جزئي وعمال شركات الوساطة في التشغيل) تجعل طبقة الأجراء في موقع ضعف إزاء رب العمل، ما يضطرهم لقبول العمل في ظروف بالغة السوء ومتدنية السلامة.

يشكل كل من الطرد والبطالة والفاقة عوامل تدفع الشغيلة بقبول المخاطرة بصحتهم. كما يساهم التقدم التكنولوجي في الصناعة الحديثة إلى مضاعفة وسائل الانتاج وتعددها ما ينتج عنه مخاطر ارتفاع في حوادث الشغل والأمراض المهنية.

تشكل مضامين مدونة الشغل في المغرب إحدى العلامات على ميزان القوى الكائنة إنها تعكس مستوى العلاقات القائمة بين أرباب العمل وطبقة العمال. لا تعبر مدونة الشغل، كما جاءت سنة 2004، حقيقةً عن مصالح فعلية للشغيلة (لظروف تاريخية لا يتسع هنا المجال لسردها). فعند الحديث عن كل كُتب عن السلامة والوقاية بأماكن العمل بنص المدونة، نلحظ التالي، لا يُشار في تقديم المدونة ولا ديباجتها ولو بكلمة إلى شروط الصحة والسلامة الضروريتين للشغيلة بقدر ما تنص على الاستثمار، ثم الاستثمار، ثم الاستثمار أي الاستغلال. وما جاء في باقي المدونة سنتناوله أسفله.

واقع حوادث الشغل يفوق الأرقام

جاء في تقرير منظمة العمل الدولية سنة 2019 أنه يتم سنويا تسجيل حوالي 78.2 مليون حالة وفاة في العالم ناجمة عن أمراض مهنية، منها 4.2 مليون حالة وفاة لها ارتباط بأمراض مهنية. كما جاء على لسان وزارة الشغل والإدماج المهني بأن عدد حوادث الشغل بالمغرب بلغت سنة 2018 أكثر من 50000 حادثة، تسببت في 756 حالة وفاة و13208 حالة عجز مؤقت و36561 حالة عجز دائم. وهوما يعكس حجم الأضرار الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بغياب ظروف العمل اللائق وبحوادث الشغل، مع العلم أن تلك الأرقام لا تحيط بالحصيلة الحقيقية لحوادث الشغل بالمغرب، كما جاء» تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعنوان: الصحة والسلامة في العمل: دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.»

مواد مدونة الشغل مجرد حبر على ورق

تُلزم المدونة المشغل بضرورة أن يقوم باطلاع الاجراء كتابة لدى تشغيلهم على المقتضيات القانونية والتدابير المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة وبالوقاية من خطر الآلات وعلى الهيئة المؤمنة ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية كما جاء في المادة 24. كما تنص المدونة في موادها من 281 الى المادة 295 على مجموعة من الشروط والإجراءات الواجب على رب العمل التقيد بها وتوفيرها في أماكن العمل من أجل وقاية العمال/ت والحفاظ على سلامتهم.

لجنة السلامة وحفظ الصحة في المدونة: من المادة 336 إلى المادة 344.

ألزمت المدونة المشغل بإحداث لجنة سلامة في كل مقاولة تشغل 50 عاملا على الاقل، في حين لم تقل شيئا بخصوص المقاولات دون 50 عامل، مع العلم أن المقاولات الصغرى والصغرى جدا والمتوسطة تشكل 93% من المقاولات العاملة بالمغرب والكبرى منها نسبتها فقط 7 % حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط سنة 2019. فما مصير المقاولات التي تشغل أقل من 50 عامل؟ كان على مدونة الشغل مراعاة لوضعية النسيج الاقتصادي أن تدرج تكليف جهاز التفتيش أو المناديب بتشكيل لجنة مشتركة بين المقاولات دون 50 عامل.

يبدو من خلال تصفح المواد التي تناولت مهام هذه اللجنة أنها لجنة عديمة الجدوى أي أنها بدون صلاحية وشكلية، كيف ذلك؟ هي تحت سلطة رب العمل: فرئيسها يدعو لانعقاد الاجتماعات مرة كل ثلاث أشهر أو عند الضرورة (بالطبع وفق رغبته). وعند حادثة شغل ترتب، أو كان من الممكن أن تترتب عنها عواقب خطيرة، لكن هنا من له الصلاحية لتحديد بأن الحادثة لها من العواقب ما يستدعي الاجتماع وهي تحت سلطة رب العمل.

وتتشكل هذه اللجنة بالإضافة إلى رب العمل أو من ينوب عنه ومن رئيس مصلحة السلامة (إن وجد) أو مهندس أو اطار يعينه رب العمل وطبيب الشغل بالمقاولة واثنين من مناديب العمال أو ممثل أو ممثلي نقابيين. ويبقى دورها محدد في الاستشارة وتقديم والاقتراحات.  لم تنص المدونة على مقر خاص بها.  حضور الاجتماعات يدخل ضمن الشغل الفعلي بحيث كان من الأولى اعتبارها ساعات تفرغ لأعضائها من أجل مزاولة مهامهم. كما أن رب المعمل غير ملزم بتوفير المعطيات الكافية حول الأخطار الموجودة بالمقاولة لفائدة اللجنة.

تتيح المادة 341 من المدونة الوقت الكافي لرب العمل (15 يوما) لبعث التقرير المنجز من طرف اللجنة عند وقوع حادثة أو الإصابة بمرض مهني لمفتش الشغل والطبيب المكلف بتفتيش الشغل ما يشكل خطرا على العمال بحيث أن التأخر في بعث التقرير قد يشكل ضياعا للوقت في حالة ديمومة الخطر والمرض المهني. لم تنص المدونة على وجوب إرسال التقرير السنوي لمناديب العمال أ والممثلين النقابيين المادة 342.

كما تنص 39 المادة على وجوب فصل الأجير في حالة عدم التقيد بالمقتضيات المتعلقة بالصحة والسلامة في حين فرض على رب العمل غرامة 2000 إلى 5000 درهم في حالة عدم التقيد بتطبيق مستلزمات الصحة والسلامة التي قد تؤدي إلى إزهاق الأرواح. أما عند الحديث عن العقوبات في حق المشغلين فالغرامة على المخالفة مشجعة على خرق كل ما هو مدرج بالمدونة، فالمبلغ هو 2000 إلى 5000 درهم. إنها نفس الغرامة حتى بالنسبة للمقاولات الكبيرة ذات العدد من العمال الذي يفوق 50.!!!!

لكن لماذا عقوبة الغرامات ضئيلة بهذا الشكل؟

تضع مقتضيات مدونة الشغل كل المسؤولية على عاتق المشغل بحيث أجبرته على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم، وكرامتهم، لدى قيامهم بالأشغال التي ينجزونها في إطار العمل، كما أن المشغل مطالب بأن يسهر على نظافة أماكن الشغل، وعلى أن تتوفر فيها شروط الوقاية الصحية، ومتطلبات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء. أيضا يقع على عاتق رب العمل ضمان سلامة الأجير من البيت للعمل والعمل للبيت. هذه المسؤولية الكاملة لرب العمل عن الأخطار التي تطال الأجير يقابلها خفض كبير في قيمة الغرامة.

مطالب:

أسبوع عمل من 35 ساعة دون خفض الاجر وبوثيرة لا تهدد صحة الشغيلة وتحت مراقبتهم.

توفير حماية كافية للفئات الاضعف من الطبقة العاملة: النساء والعمال المعاقين والعمال ضعيفي البنية الجسدية.

العمل وفق مبدأ الكل حسب قدرته تحت مراقبة العمال أنفسهم.

الرفع من أعضاء لجنة السلامة في المقاولات التي يفوق عدد عمالها 50.

تعميم لجان السلامة على كل المقاولات (سواء تلك التي يتواجد بها 50 عامل أولا) لأن العمال يعرفون اكثر من غيرهم الأخطار المحدقة بهم ويجب أن يكون لهذه اللجان حق الاعتراض وسلطة الوقف الفوري لأي عمل خطير.

استقلال طب الشغل عن أرباب العمل ويجب أن يخضع لرقابة النقابات ولجان السلامة مع قابلية عزل اطباء الشغل من طرف منظمات العمال.

شارك المقالة

اقرأ أيضا