حوار مع الناشط “براهمي مصطفى” حول حراك فكيك من أجل الحق في الماء

كيف تلقيتم خبر السماح بتفويت الماء لفائدة الشركات الجهوية وكيف انطلق حراك فكيك؟

بداية، لقد صوت المجلس البلدي في فكيك في 26 اكتوبر2023 برفض الانضمام إلى “مجموعة الشرق” الجهوية لتوزيع الماء الصالح الشرب والكهرباء بموجب قانون 83-21، لكن بعد ذلك تم عقد دورة استثنائية بطلب من السلطة الوصية وتم القبول بالانضمام بتصويت 9 أعضاء ضد 8 في المجلس. بالموازاة مع ذلك باشرت الساكنة احتجاجاتها رافضة قرار المجلس الذي يهدف الى تفويت الماء الصالح الشرب لصالح الشركات التي سيتم تأسيسها في أربع جهات من المغرب من أجل تجاوز المشاكل وفشل تجربة التدبير المفوض في كثير من المدن المغربية، مع العلم أن واحة فكيك كان مجلسها البلدي الوحيد الذي يسير قطاع الماء الصالح الشرب بنفسه منذ تأسيس الجماعة في الستينات ولم يُفوت حتى للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب.

كيف يؤثر هذا القرار على الموارد المائية للواحة؟

فكيك واحة لها خصوصية يتجلى في ارتباط اجتماعي بين السكان، والأرض، والنخيل، والماء. إذ تشكل عيون الماء متخيلات اجتماعية قوية في علاقة الانسان القاطن بالواحة بالماء تعبر عنه الصراعات الطويلة من أجل التحكم في الماء. كما تم تطوير نظام واحي متقدم للتحكم فيه عبر تقنيات اعتبرتها منظمة الزراعة الدولية تراثا انسانيا.  كان ماء السقي والشروب إلى حدود ستينات القرن الماضي، مرتبط بشكل كبير من حيث المنبع وشكل التوزيع. بعد تأسيس أول مجلس قروي في فكيك جرت أول محاولة لبناء شبكة التوزيع تديرها الجماعة،  لكن على مستوى الفرشة المائية بقيت هي نفسها لأن أول مكان كانت تضخ منه المياه كان ملكية خاصة ( إحدى الأسر) وتم وهبها للمجلس القروي قصد بناء صهريج لتوزيع الماء الصالح للشرب. وتوالت محاولات عديدة من طرف الدولة لتفويت تسيير توزيع الماء للمكتب الوطني للماء الصالح الشرب لكنها كلها فشلت بفعل تشبت أغلب اعضاء المجالس الجماعية السابقة بتسيير ذلك القطاع للجماعة احتراما لرغبة السكان. مع الأسف، المجلس الحالي هو الوحيد الذي خرق الإجماع بمبررات من قبيل:  مشاكل في التسيير واستعمال توزيع الماء الصالح الشرب لأغراض انتخابية ومشكل تقادم الشبكة…الخ. من هنا جاء القول بأن الشركة ستكون أكثر فاعلية من الجماعة. تتخوف الساكنة أيضا من مسألة زيادة الفاتورة كما ملاك مياه السقي والفلاحين من تحكم الشركة في ضخ المياه بشكل لا يراعي مصالح الفلاحين والواحة. هذا إلى جانب أن الموافقون على التفويت لا يطرحون بديلا مقنعا لرفع هذه التخوفات، خاصة أن الفرشة المائية مشتركة بين الماء الصالح للشرب ومياه عيون السقي، مما قد يهدد أو يحدث خلل في التوازن المائي للواحة خاصة أن الشركة لها أهداف ربحية واضحة ولا تحمل أي تصور اجتماعي أو بديل للمسألة.

كيف تتخذون قرارات برنامجكم النضالي وكيف يتعاطى الناس معها؟

هناك تنسيقية مفتوحة للجميع وتتخذ قراراتها بشكل ديمقراطي عبر نقاشات مطولة وتشاور موسع مع الساكنة. يساهم ويحضر في اجتماعات التنسيقية المحلية النشطاء الحقوقيون والسياسيون والمواطنون من كل الفئات الاجتماعية. ارتفعت مشاركة السكان تدريجيا منذ بداية نونبر من العام 2023 خاصة النساء. وتطورت الأشكال النضالية من وقفات إلى مسيرات ومسيرات متنوعة : بالدراجات الهوائية ومسيرة للشاحنات واعتصامات واحتجاجات ليلية أيضا لكنها لم تستمر.

     ما هو موقع النساء في حراك فكيك ؟

تشهد كل الأشكال النضالية التي قام بها السكان مشاركة واسعة للنساء. هذه المشاركة النوعية لهن تأتي من النسبة التي يحتلن في بنية الواحة السكانية حيث تقريبا 60 % من الساكنة  نظرا لعامل الهجرة التي تشهده الواحة وانطلاقا أيضا من موقعهن في الأنشطة الاقتصادية حيث يعملن في الحقول ويقمن بحياكة الملابس التقليدية لسكان المنطقة (جلاليب..)، ما يتيح لهن استشعار الخطر الذي سيصيب الواحة إذا تم تسليع الماء لصالح الخواص. كانت النساء حاضرة منذ سنوات في النضالات المحلية ما أفضى في هذا الحراك الأخير إلى تنظيم مسيرة نسائية خاصة بهن تسييرا وتنظيما.

ما الهدف من اعتقال المناضل براهمي محمد المعروف بـ “موفو”؟ وهل سيكون لذلك وقع على انخراط الساكنة في النضالات مستقبلا؟

يعتبر محمد براهمي المعروف بـ “موفو” أحد الوجوه البارزة النشيطة في حراك فكيك وفي أغلب الاحتجاجات التي عرفتها فكيك. حيث يٌعرف ” موفو” بنضاليته وحضوره الدائم مع السكان حين تكون لديهم مشاكل مع مختلف مصالح الدولة. ما حدث هو أن “موفو” كان قد دافع عن ناشطة في الحراك انتهكت حقوقها من طرف باشا فكيك فكان من “موفو” والسكان أن دافعوا عنها بالاحتجاج. استغلت السلطة ما حدث لتحاكم “موفو” والناشطة معا. أصدرت المحكمة حكما على “موفو” بالسجن النافذ لثلاثة أشهر وغرامة مالية قدرها ألف دره. وحكمت على الناشطة بستة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 2000 درهم. هذا الحكم هو بمثابة تخويف للسكان من أجل العودة للمنازل وترك الاحتجاج.   للإشارة فهذا الحراك هو حراك سلمي وطيلة أربعة أشهر لم يحدث أن حصل تخريب أو مس بحرية أو ممتلكات الافراد.

     ماذا تتوقعون مستقبلا للحراك، من جهة لأن الدولة متشبثة بقرارها ومن جهة أخرى غياب نضال من أجل الحق في الماء في مناطق أخرى؟

تشكلت لجان تضامن لأبناء فكيك في الخارج، أصدرت بيانات يعبرون فيها عن تضامنهم مع الحراك وامتعاضهم من تفويت الماء بفكيك وعبروا عن عزمهم خوض أشكال نضالية تضامنية. نظمنا ندوة تعريفية بالرباط للتعريف بقضيتنا التي هي قضية الدفاع الماء الصالح الشرب كخدمة اجتماعية مراعاة لظروف الساكنة وتحسين الولوج إليه مع إصلاح الاختلالات في التسيير عبر إشراك المواطنين بوجه الهجوم الهادف إلى خوصصته. أيضا انطلقت احتجاجات تضامنية، بتشكل كمثال “اللجنة المحلية بوجدة للتضامن مع ساكنة فجيج” التي نظمت يوم 23 فبراير في وجدة وقفة جماهيرية تضامنية. إن قضية دفاعنا عن حقوقنا لا تتجلى فقط في الدفاع عن الحق في الماء، بل هو مطالبة اجتماعية برفع التهميش عن منطقة تعاني البطالة وغياب الخدمات الاجتماعية التي من أبرزها الصحة العمومية. فلا يعقل أن ساكنة بأكملها تسافر أزيد من 100 كلم من أجل زيارة الطبيب في بوعرفة وإن لم تتمكن من ذلك تضطر للسفر 380 كلم حتى وجدة. هذا الوضع الاجتماعي هو عام بالمغرب، اتمنى أن تنهض باقي مناطق من أجل التضامن والدفاع عن حقوقها بوجه سياسات الخوصصة والإجهاز على الحقوق. وما ضاع حق ورائه مطالب.

شارك المقالة

اقرأ أيضا