نضالات ساكنة فجيج لتحصين الحق في الماء

   تقع فجيج شرق المغرب على بعد 373 كلم جنوب مدينة وجدة، وهي واحة وسط صحراء قاحلة تعبر عن التكيف الرائع للإنسان مع ظروف بيئية صعبة والماء فيها مادة حيوية تتوقف عليها الحياة، وقد عرفت البنية الديموغرافية بالمنطقة تناقصا ملحوظا منذ عقود، بسبب انعدام البنية التحتية والنقص الحاد في الخدمات الأساسية خاصة الرعاية الصحية.

تتجلى الأهمية القصوى للمياه، فضلا عن الاستعمال المنزلي، في الحياة الزراعية بالواحة  من خلال دورها في سقي بساتينها المكسوة بأشجار النخيل المثمرة، التي تعتبر محور اقتصادها المحلي، كما يرتبط نظام الري و عبر التاريخ بالتنظيم الاجتماعي ، حيث يتم تدبير عملية توزيع الماء منذ القدم بالمدينة –الواحة  باعتماد نظام جماعي دقيق ، يقوم على ضوابط صارمة، ويستعمل في إيصال هذه المادة الحيوية  من الينابيع الطبيعية الى القصور (الوحدات أو التجمعات السكانية) عبر السواقي وأنفاق تصريف تسمى محليا “افلاون ” أو “ايفلي” بصيغة المفرد ،مرورا بأحواض التخزين أو صهاريج و يتم قياس مدة التوزيع باستخدام ساعة مائية تسمى “تيغيرت”، وفي حالة وجود نزاع يتدخل المسؤول عن المراقبة “السرايفي” أو يتم عرض النزاعات المستعصية  على المجالس العرفية ….مما كان يضمن الاستخدام الأمثل للموارد .

قبل سنوات الستينيات من القرن الماضي، كان سكان فجيج يستعملون مياه العيون القديمة كعين “دزادرت”و “ايفلي“…. كمصدر لمياه الشرب والحاجيات المنزلية، كما تم حفر بعض الآبار. لكن مع تزايد عدد السكان واحتياجاتها اتخذ المجلس القروي سنة 1961 قرار بإنشاء شبكة عصرية لتوزيع مياه الشرب على كل قصور الواحة، وتم تنفيذ هذه المبادرة بشكل جماعي في إطار ما يصطلح عليه بعملية “التويزة”، وقد شاركت الساكنة كلها في انجاز هذا العمل عبر كل مراحله، كما ساهم الجميع كذلك ماليا كل حسب امكانياته.

تخوض ساكنة المدينة-الواحة للشهر الرابع على التوالي، احتجاجات بطولية ونوعية (اعتصامات، مسيرات أسبوعية وليلية، مواكب الدراجات….) تعرف مشاركة مكثفة للنساء خاصة مع ارتداء زيهن التقليدي ”الايزار أو الحايك” الذي أصبح رمزا لهذا الحراك…

ما فجر هذه الهبة الشعبية، هو قرار تفويت توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل… الى شركة خاصة، مما سيضيف تكاليف باهظة الى القدرة الشرائية المتدهورة أصلا بالمنطقة، وباقي المدن والقرى، نتيجة الزيادات المتوالية في الأسعار وتجميد الأجور واستشراء البطالة…

حينما يضرب منطق الربح مبدأي الخدمة العمومية والسيادة الشعبية

بعد المصادقة على  مشروع  القانون رقم 83.21 القاضي بإحداث الشركات الجهوية المتعددة الخدمات، وبتزكية للأسف من قبل فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين ، خلال الدورة الربيعية سنة 2023 ، تم المرور الى التطبيق العملي لبنود هذا القانون ، على مستوى مدينة فجيج ، ورغم أن المجلس المحلي صوت يوم 26 أكتوبر 2023 وبالإجماع ضد قرار الانضمام الى مجموعة جماعات الشرق للتوزيع ، وهي شركة مساهمة أحدثت بغرض تدبير خدمات  توزيع الماء والكهرباء و التطهير السائل و الانارة العمومية …..بمدن الجهة ، الا أن اليد الخفية  للسلطة الإقليمية سارعت الى عقد دورة استثنائية لنفس المجلس بعد أيام قليلة ليتم استصدار قرار يلغي نتيجة التصويت للدورة السابقة، ويقرر الانضمام الى الشركة المساهمة ، تحديا  لإرادة الساكنة ، وضدا حتى على هامش التدبير الضيق أصلا الممنوح للمجلس ، حيث سيتم تفويت تدبير هذه  الخدمات للشركة بموجب عقد لم تحدد مدته ولا شروط انهاءه ،كما لم يتم تحديد الأسعار وتعديلها مما سيؤدي الى زيادات ، اضافة الى أنه لم ينص في بنوده على المقتضيات المتعلقة بإلغاء هذا العقد للرجوع الى الوضع الأصلي… إنه منطق حراسة مصالح الأقلية الناهبة للثروات ، الذي لا يعترف بأية سيادة ، غير سيادة الأغنياء ، ولا قانون  ومقررات غير القانون الذي يضمن  الربح و المتاجرة في البؤس الذي تعيش فيه الأغلبية المحرومة من ابسط شروط العيش الأساسية ، ومن بينها الحق في الاستفادة من الماء…

هذه الأقلية نفسها التي تحرص السلطة مصالحها، تلجأ الى الاستعانة بقضاء الأغنياء، كلما تم تهديد مصالحها، لترهيب الساكنة ومحاولة كسر شوكة نضالاتها، فقد أصدرت محكمة بوعرفة يوم الاثنين 19 فبراير 2024 حكما بالسجن النافذ لمدة ثلاثة أشهر وغرامة 1000 درهم في حق الناشط محمد البراهمي المعروف محليا ب ”موفو ” بعد أن تم اعتقاله يوما واحدا بعد تنظيم احدى المسيرات…، وفي حق السيدة حليمة زايد بالحبس 06 أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة 2000درهم.

واجب النصرة لنضالات الساكنة

عرفت العديد من المدن التي يقطنها المنحدرون-ات من المنطقة وكذا بلدان المهجر موجة تضامن تهدف الى التعريف بالنضالات لكسر التعتيم الذي فرض عليها عند انطلاقها، والتنديد بالأحكام والمطالبة بإطلاق سراح المعتقل… وتعد قيم التآزر والتلاحم    مما يميز ساكنة فجيج، وما تزال حاضرة في النسيج المجتمعي للواحة.

تنوعت أشكال المساندة من عقد لقاءات مع هيئات مدافعة عن حقوق الانسان، ندوات للتعريف بقضايا المنطقة ونضالات ساكنتها، المشاركة في الوقفات الاحتجاجية التضامنية في المدن المجاورة، خاصة مدينة وجدة، التي تأسست فيها لجنة محلية مشكلة من الإطارات الحقوقية وبعض المنظمات النقابية والتنظيمات السياسية… حيث نظمت وقفة احتجاجية يوم الجمعة 23 فبراير 2024، عرفت حضورا وازنا ومتميزا لبنات وأبناء الواحة…

اذا كانت هذه المبادرات تشكل دعما أوليا، فواجب المناضلات والمناضلين المنحازين لقضايا الكادحين هو العمل على تقوية دينامية هذا التضامن وتوسيعه، حتى يتمكن من توفير سند حقيقي لهذه النضالات ويفك العزلة عنها، وكذلك تحصينها من المتربصين الذين بذلوا كل جهودهم وتمكنوا من إجهاض نضالات مشابهة في السنوات الماضية تم تركها تكابد في عزلة قاتلة، فتم في مختلف المناطق احتواء حراكات و تعبئات اجتماعية عرفت في بداياتها مشاركة جماهيرية منقطعة النظير…، وليكن تنظيم قافلة تضامنية الى المنطقة أولى خطوات هذه المساندة.

ملاحظة

تم الاعتماد في ايراد المعطيات المتعلقة بالمنطقة على تقرير منجز من طرف التنسيقية المحلية للترافع على قضايا واحة فجيج-مجموعة المتابعة بالرباط، وتم توزيعه اثناء اللقاء التواصلي الذي عقدته مع الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان، المنعقد يوم الخميس 22 فبراير 2024 بمقر هيئة المحامين بالرباط.

وجدة 26-02-2024

بقلم؛ موحى اشقري

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا