ملاحظات تأملية حول التضخم وتكلفة المعيشة والنسوية

اقتصاد, النساء21 مارس، 2024

جوليا مارتي ولايا فاسيت Julia Martí et Laia Facet

هذا النص ثمرة ضرورة كفاحية، هي الحاجة إلى مراجعة التحليل والبرنامج النسوي بعد الحلقة الأخيرة من أزمة الرأسمالية. الحاجة الملحة للتفكير في ويلات الوباء والأزمة التضخمية والتدابير السياسية المطبقة وركود محتمل في الأفق. من الملح التفكير في كل هذا من منظور نسوي ومن مساهمات نظرية إعادة الإنتاج الاجتماعية والماركسية، والدروس المستفادة من الإضرابات النسوية الأخيرة، لأننا مقتنعون بأن أشكال التمييز في المجال الاقتصادي والاجتماعي يعاد إنتاجها وتتكثف. للأسف، لا يوجد الكثير من التفكير في هذا المجال حاليا. لذا فهذا النص مجرد بضع ملاحظات، على أمل أن تظهر نصوص أخرى تتخطاه.

نبدأ من ملاحظة: أصبحت شروط ضمان إعادة الإنتاج الاجتماعية أكثر تكلفة بكثير بالموازاة مع الأزمة التضخمية. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية والطاقة المياه والغاز والكهرباء) ومواد النظافة والصحة الأساسية، فضلا عن الإسكان (رغم من أن هذا يستجيب لديناميات مضاربة أخرى). أصبح الوصول إلى مجموعة من الضروريات الأساسية لضمان إعادة الإنتاج الاجتماعية التي تتطلبها الرأسمالية أكثر تكلفة. تستنزف النساء والأشخاص المعارضون الذين يجبرون على تقديم الرعاية قدرتهم على توفير الرعاية. وبالفعل انضافت الأزمة التضخمية للأزمة السابقة ولا سيما لإفقار الخدمات العمومية. تواجه الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية وغيرها من الوسائل المؤسسية لاستيعاب جزء من إعادة الإنتاج الاجتماعية صعوبات كبيرة. هذا الوضع غير المستدام في المجال العمومي له تأثير مباشر على الأسر ويسمح أيضا بانتشار سوق رعاية فائق التوسع في ظل ظروف استغلالية وحشية.

باختصار، يمكننا القول إن الأزمة التضخمية لها دور أساسي في أزمة إعادة الإنتاج. يغذي التضخم التناقض بين المصالح الرأسمالية المتمثلة في الاحتكار وأقصى ربح من جهة، وهو الهدف الحقيقي لتضخم الأسعار، كما أشار إنترمون أوكسفام (1)، والتقشف المفروض لإعادة إنتاج قوة العمل والأشخاص الذين يجسدونها، من جهة أخرى.

ومع ذلك، لن يكون من العدل التوقف عند هذا الحد. إذا كان الهدف هو الإشارة إلى بعض الأفكار التي تسمح لنا بإعادة بلورة برنامج نسوي، فمن الضروري معالجة المحاولات السياسية والنقابية لاحتواء أزمة إعادة الإنتاج. وقد تركزت هذه الجهود في مجال الأجور، سواء في السياسات المختلفة حول الحد الأدنى للأجور أو المبادرة النقابية حول تحديثات مؤشر أسعار المستهلك، وكلاهما يستحق بعض التفكير.

على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، وقعت سلسلة من النضالات النقابية -بما في ذلك إضرابات كبرى -في محاولة للحصول على أفضل تحديث ممكن للأجور بناء على مؤشر أسعار المستهلك. بينما دفع التضخم مؤشر أسعار المستهلكين إلى الارتفاع بنسبة 8.4٪ في المتوسط السنوي، زادت تحديثات اتفاقيات الأجور بما لا يزيد عن 2.8٪ في المتوسط عام 2022. ومع ذلك، كانت هذه التحديثات متفاوتة: في كتالونيا، كان 70٪ من أولئك الذين حصلوا على أدنى زيادات في الأجور -أقل من 3 نقاط مئوية -من النساء (2). إن النضال النقابي من أجل الزيادات في الأجور نضال ضروري. والحال أن العمل النضالي التدريجي شيئا فشيئا يعيد إنتاج فجوة بين الجنسين لا يمكننا تجاهلها ويجب أن تؤدي إلى انعكاس تكتيكي وبرنامجي من أجل عمل نقابي نسوي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نستمع إلى فاعلي الموجة الأخيرة من النضالات النقابية في القطاعات المؤنثة وأن ندين الصعوبات الإضافية التي تواجهها العاملات في هذه القطاعات بشأن مفاوضات العمل. وكما استنكرت عاملات ملاجئ بيزكية Bizkaia ذلك، فإن أرباب العمل يستخدمون أشكالا مهينة، ويعاملونهم كأطفال ويتجاهلون مطالبهم، والإدارات العامة، بدلا من أن تلعب دور الوسطاء كما تفعل في قطاعات أخرى مثل المعادن، تفرض حدا أدنى هزيلا جدا من الخدمات، ولا تقوم بعمليات التفتيش اللازمة ولا تتحمل مسؤولياتها.

وبالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن غالبية الأشخاص الذين يعملون خارج الاتفاقات الجماعية وبالتالي خارج هذه البيانات هم أيضا أساسا من النساء والمنشقين (مرتدين، معارضين)[1] والأشخاص من أصول مهاجرة. لذلك، كان ممكنا أن يكون لسياسة زيادة الحد الأدنى للأجور تأثير على بعض هذه القطاعات. ومع ذلك، فإن عدم إلغاء إصلاحات الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي والتغييرات غير الكافية التي أجرتها الحكومة الحالية، ناهيك عن قانون الأجانب الذي يستبعد بحكم الأمر الواقع مئات الآلاف من الناس، يعني أن فجوة القدرة الشرائية بين الرجال والنساء يتواصل إعادة إنتاجها.

إن دينامية زيادة الدخول الخاصة دون المساس باحتمالات زيادة الأسعار هي خبز اليوم، وجوع الغد. إن سياسة أجور لا يصاحبها نضال ضد الاكتناز الرأسمالي، المتأصل في التضخم، محكوم عليها أن تؤدي إلى إنقاص تدريجي لقيمة الأجور. الأجور اليوم آخذة في الارتفاع، وغدا لن يمنع أي شيء الشركات الغذائية الكبرى أو شركات الإسكان أو شركات الطاقة الاحتكارية من رفع الأسعار. باختصار، تعد الأجور وزيادة الأجور ناقلا رئيسيا لإعادة الإنتاج، لكن سياسة لا تعالج جميع جوانب إعادة الإنتاج ستقود حتما إلى إنقاص قيمة سياسة الأجور الخاصة بها.

من أجل معالجة جميع جوانب إعادة الإنتاج، لا يمكننا التفكير في الأزمة التضخمية بمعزل عن غيرها. من الضروري إدراجها ضمن ويلات الوباء وأكثر من عقد من التخفيضات في الخدمات العمومية. وكان للتقويم الهيكلي المفروض على الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية وغيرها من الأدوات المؤسسية أثر وحشي على التكاليف المنزلية وفتح الباب أمام انتشار سوق خاصة للرعاية، إما بواسطة تسليع الرعاية المنزلية أو عبر توسع خصخصة الخدمات العمومية.

كانت سياسات الخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي تشكل القاعدة لدى معظم الحكومات الإقليمية، آلية لتحويل الأموال العمومية إلى الشركات الخاصة حتى تتمكن من إنشاء مقاولة واسعة النطاق انطلاقا من إعادة الإنتاج الاجتماعية: على سبيل المثال، الاستعانة بمصادر خارجية لتولي الخدمات الصحية من قبل مراكز صحية خاصة، أو المختبرات أو مباشرة من قبل شركات إدارة خاصة. وينطبق الشيء نفسه على دور المسنين ورعايتهم، والخدمات الاجتماعية والجماعية المنقولة إلى كيانات القطاع الثالث الهادفة للربح، وتنفيذ منطق التسويق في التعليم العمومي أو انتشار أنظمة التقاعد الخاصة.

بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن الوباء قد سلط الضوء على المخاطر الهائلة الناجمة عن الافتقار إلى خدمات صحية ورعاية قوية، فإن صناديق التعافي بعد الجائحة، الموجهة بمنطق الجيل القادم، تخصص 982 مليون يورو فقط للصحة و808 مليون يورو للاقتصاد الاجتماعي والرعاية (من إجمالي 32,293 مليون يورو). إنها أموال ضئيلة (مقارنة بتلك المخصصة للسيارات الكهربائية، على سبيل المثال) -وكما نددت بذلك منظمات عدة-فإنها لا تهدف إلى زيادة عدد الموظفين أو تحسين جودة الخدمات، بل تركز على الرقمنة، كمجال تجاري جديد للشراكات بين القطاعين العام والخاص.

ليس التعديل الكبير في المجال العمومي شيئا منفصلا عن النوع الاجتماعي أو الطبقة. فالتعديل الرئيسي في المجال العمومي هو بمثابة تعديل لظروف إعادة إنتاج الطبقة العاملة، وهي التي تستخدم وتحتاج إلى البنية التحتية التي تتيح بلوغ المجال العمومي. ولكن أيضا، كلما تقلص المجال العمومي، زادت الرسوم المنزلية الخاصة. وإذا كانت قوائم الانتظار للحصول على الرعاية الصحية العامة طويلة، فإن الرعاية المنزلية الخاصة تطول أيضا. وإذا كانت المعاشات التقاعدية باهظة الثمن وتهدد بأن تصبح سلعة في السوق، فإن اقتصاد الأسرة بأكمله يتعرض للخطر بشأن ضمان إعادة إنتاج كبار السن. عموما، نشهد سلسلة تفاعلات حيث يجري نقل أعباء العمل المستمدة من إعادة الإنتاج الاجتماعية. نقل إلى من يضطرون منا إلى توفير الرعاية داخل البيئة المنزلية للأسرة، عندما لا يجبرنا الوضع أيضا على العمل غير المستقر في سوق الرعاية الخاصة.

باختصار، تؤدي ويلات الوباء والأزمة التضخمية إلى تفاقم أزمة عميقة لإعادة الإنتاج الاجتماعية التي تنقلب ضد الطبقة العاملة بصورة عامة وضد النساء والمهاجرين والمنشقين على نحو خاص. هل هذا الوضع قابل للتسيس؟ كيف يمكننا تطوير وعي سياسي انطلاقا من هذا الوضع الذي لا يمكن تحمله؟ لطالما كانت الأزمات التضخمية لحظات من الاضطرابات الاجتماعية والتمرد. في فبراير 1917، انفجرت نساء روسيا، اللائي سئمن من التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ونقص الخبز، وارتفاع أسعار حليب الماعز ما جعل السلم الاجتماعي متعذرا، انفجرن كشرارة أشعلت ثورة فبراير (3). وبعد عام، في برشلونة، جعل الربا التضخمي الفحم أكثر غلاء أثناء فصل شتاء بارد بصورة استثنائية، حيث انفجرت النساء في طوابير الفحم ونهبن المستودعات، ودعون العمال إلى الإضراب ونظمن أعمال تمرد لمدة أسبوعين (4). وحدث الشيء نفسه في نفس العام في مدينة ملقة Malaga بالموازاة مع تمرد ال Faeneras (أماكن الذبح) الذي تفجر أيضا جراء ارتفاع أسعار الخبز والفحم والإيجارات والأسماك وبؤس الحرب. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، قبل بضع سنوات، في عام 1902، على الجانب الشرقي الأدنى من نيويورك، نظمت النساء اليهوديات من الطبقة العاملة عمليات مقاطعة ضد احتكار اللحوم في مواجهة تضخم الأسعار، وقمن بأعمال عصيان، واعتصامات، وتنسيق مع النقابات العمالية، وشرعن في التخطيط لإنشاء تعاونيات. ألهمت نضالاتهن إضرابات الإيجار في سنوات 1907-1908. وكانت أعمال التمرد في واشنطن وبوسطن وفيلادلفيا وبروكلين مستمرة طوال العقد التالي (5).

لكن، زمنيا، لا يتعين علينا العودة بعيدا: كانت النساء، أثناء أزمة عام 2008، قائدات ومنفذات معظم عمليات احتلال المساكن في مواجهة عمليات إخلاء الرهن العقاري. كانت النساء هن اللواتي ملأن تجمعات منصة للأشخاص المتأثرين بالرهن العقاري PAH، وملأن الجموع العامة لنقابات المستأجرين. إن التمرد والمقاطعة والنهب في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة هي جزء من جينيالوجيا (علم الأنساب) الحركة العمالية والنسوية التي يجب أن نضعها في خدمة ابتكارات النضالات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة في الوقت الحاضر. بدأ هذا النص بالاعتراف بالضرورة النضالية لإعادة تجميع برنامج نسوي في مواجهة مرحلة سياسية جديدة، وإعادة توجيه أنفسنا أمام تطور الأزمة الرأسمالية والأزمة الحاسمة لإعادة إنتاجها. آمل أن تسهم هذه الملاحظات في إغناء هذه المهمة المستمرة.

7 مارس، 2023

  • لايا فاسيت وجوليا مارتي ناشطتان مناهضتان للرأسمالية في الدولة الإسبانية.

مقال نشر على poderpopular.info وترجم من القشتالية من قبل الأممية الرابعة.

1 Intermón Oxfam. La ley del más rico (16/01/2023). Disponible sur https://www.ox…

2 Ubieto, Gabriel. “El 70% de los trabajadores con menores subidas salariales son mujeres”. El Periódico, 16/01/2023. Disponible sur https://www.el…

3 Salas, Miguel. “Febrero de 1917: Las mujeres inician la revolución”. Sin Permiso, 26/02/2017. Disponible sur https://www.si…

4 Facet, Laia. “Cien años de la huelga de mujeres de Barcelona”. Poder Popular, 26/04/2018. https://poderp…

5Mohandesi, Salar; Teitelman, Emma. “Sense reserves”. En: Bhattacharya, Tithi (ed.) Teoria de la reproducció social (2019). Manresa: Tigre de paper.

[1] تشير كلمة منشق إلى الشخص الذي تخلى عن العقيدة التي كان يتبعها، ثم تبنى عقيدة أخرى. تنطبق هذه الفكرة في عدة مجالات: بداية في الدين والفلسفة وأحيانا في العلوم والفنون، والآن بشكل شائع في السياسة.

شارك المقالة

اقرأ أيضا