هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية

النساء25 أبريل، 2024

سلمت اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لرئيس الحكومة يوم30 مارس2024 تقريرا عن مقترحات تعديلاتها في انتظار موافقة الملك عليها لتحال على مسطرة التصديق التشريعي.

رافق بدء اللجنة المكلفة مهمتها سجال طفا أساسا على منصات التواصل الاجتماعي بين المدافعين على الابقاء على بنود مكرسة للميز القانوني إزاء النساء باسم الأحكام القطعية التي لا يمكن انتهاكها، وطرف ثان يأمل نيل مكاسب قانونية تحسن أوضاع جماهير النساء.

إن الخلاف حول قانون الأسرة يعكس صراعا بين تعبيرات سياسية قائمة على مصالح طبقية، ويكشف طبيعة المنظورات في تناولها للاضطهاد الجندري.

يعتبر النضال من أجل التحرر الشامل والعميق من جميع أشكال الاضطهاد والاستغلال هدف المناضلين-المناضلات الاشتراكيين-الاشتراكيات. وفي الوقت نفسه لا يغفلون أبدا دعم النضال لأجل فرض مكتسبات تحسن أوضاع المضطهدين-المضطهدات اعتمادا على أدواتهم-ن التنظيمية المستقلة في إطار الوعي بالتحرر من أصل الشرور الذي هونظام رأسمالي أبوي يرشح من كل مسامه الاستغلال والأزمات والعنصرية والحروب وتدمير البيئة .

تقدم جريدة المناضل-ة سلسلة مقالات تحليلية لتسليط الضوء على منظورها لقانون الأسرة، عبر عرض مواقف أهم التنظيمات السياسية والتيارات الأيديولوجية، وتعرض أخيرا مقترحاتها لمحاور رئيسية  لقانون أسرة بديل يجب النضال لأجله وما الشروط النضالية والتنظيمية الواجب توفرها لفرضه.

 المناضل-ة

المقال الرابع: هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية

يستند موقفنا كاشتراكيين-ات ثوريين-ات من نقاش مدونة الأسرة الجاري ومن مواقف مختلف القوى السياسية منه على مرتكزات أساسية تعتبر محددا محوريا لمنظورنا.

واجبنا السياسي المركزي مناهضة جميع أشكال الاستغلال والاضطهاد الطبقي والجنسي والديني والعرقي والنضال ضد تدمير البيئة ونزعة الحروب، وما يتمخض عنها من إدمان التسلح الدائم وخطر الدمار الشامل المحدق بالإنسانية، ونعي أن الاضطلاع بتلك المهام وظفر معركة تحرر الانسان والطبيعة يشترط تنظيم الطبقة العاملة وكل الكادحين والكادحات ضد مستغليهم-ن ومضطهديهم-ن.

إن غايتنا القضاء على جذور الاستغلال والاضطهاد التي تشتد في عصر بلغت فيه الإنسانية درجة عالية من وفرة المنتوجات الضرورية، وراكمت معارف ثقافية غير مسبوقة، غير أن الموت بسبب المجاعة والأمراض والأوبئة وغيرها لازال مستمرا. ويبقى ارتكاب البربرية وتجدد أشكال العبودية والعنصرية وكل أنواع قهر الإنسان والطبيعة وحده ما يميز حضارة رأسمالية بطريركية مأزومة، ويغذي بقاؤها كافة صنوف الاضطهاد والاستغلال، بالرغم من التقدم في المعارف والموارد وتطور وسائل الانتاج.

نعتبر أن النضال ضد الميز المسلط على النساء هو قهر ضارب الجذور وقديم قدم التمايزات الاجتماعية وأنه معزز بتراث أيديولوجي ومببررات عميقة وانتشارها واسع. وكنس جبال الأوهام الرجعية المناهضة للنساء مستحيل دون ثورة عظيمة وثورات ثقافية وأجيال تسلحت بذخيرة العلم والثقافة التحررية.

الأسرة وليدة تطوراجتماعي تاريخي وتحولاتها مستمرة. ورغم التمايزات الأسرية بسبب الانتماء الطبقي والقومي فمهمتها الرئيسية هي إعادة إنتاج القيم السائدة في المجتمع الرأسمالي، ويتمثل ذلك أساسا في الحفاظ على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والتنشئة الاجتماعية للأجيال، عبر ترويض تلقائي والتسليم بآليات اشتغال النظام الرأسمالي البطريريكي. أمام الازمات العنيفة للرأسمالية والانسحاق الفردي في مجتمع يتنافس فيه الجميع ويتحطم فيه الخاسرون فإن الأسرة تمنح ملاذا واهما كملجأ أمان من عالم لا يرحم.

إننا ندافع عن تحرر النساء الشامل ونعرف أنفسنا كجزء من الحركة النسوانية الاشتراكية البيئية. ونعتبر أن بناء حركة نسوانية جماهيرية مستقلة سبيل جماهير النساء ليفرضن مطالبهن عبر النضال المباشر، ومن أهم آلياته الاضراب العام النسوي، كونه سلاح للنضال ودرس تربوي للبرهنة على أدوار النساء المحورية في الإنتاج وإعادة الانتاج الاجتماعي في ضل الرأسمالية القائمة.

إن تحرر النساء من الاضطهاد والاستغلال مستحيل في النظام الرأسمالي الأبوي، وللنساء مصلحة استراتيجية في أن ينخرطن في تحالف أساسه برنامج اشتراكي ديمقراطي نسوي بيئي مع الطبقة العاملة وكل ضحايا الاضطهاد.

ندعم كل نضال نسوى لأجل انتزاع مكاسب اقتصادية وقانونية، ونحرص على أن تحافظ الدينامية النضالية والتنظيمات النسائية على استقلالها عن الانظمة الحاكمة وعن محاولات توظيفه من قبل الاحزاب الاصلاحية الليبرالية، كما يجب أن يندرج كل نضال نسوي يبتغي نيل حقوق النساء الديمقراطية ضمن النضال ضد استراتيجية المؤسسات المالية الامبريالية التي تخنق تطلعات النساء والشعوب التحررية.

نعتبر أن الموقف من قضايا تحرر النساء أحد القضايا المركزية التي تتكشف على ضوئها المصالح الطبقية، وتتحدد على أساسها الطبيعة السياسية للتنظيمات الحزبية.

نستمد مما سلف المحددات الرئيسية لقانون أسرة ديمقراطي الواجب النضال لفرضه ويستجيب للأهداف أدناه:

  • قانون سرة ديمقراطي يصاغ من هيئة نسوية دات مصداقية مستمدة من ماض الدفاع عن حقوق النساء، بعد نقاش واسع تنخرط فيه جماهير النساء وتنظيماتهن وليس فقط النخب المثقفة والبرجوازيات المدينيات. نقاش يتيح لملايين النساء العاملات وربات البيوت الكادحات في المدن والقرى والطالبات طرح آرائهن وضمان أن تنعكس بقوة في شكل ومضمون القانون. ويفرض تجسيد النقاش الجماهيري المشار إليه تعبئة نضال استثنائية من الأعماق وصعود كبير للنضال النسوي.
  • قانون أسرة يكرس المساواة ويمنع الميز: يقرالمساواة القانونية بين الزوجين ويسد باب التأويلات وكل منافد لممارسة الاضطهاد ضد النساء، ورافض للمبررات الثقافية وذريعة اكراهات الفقر المادي. يجب القطع مع تحميل ملايين النساء تبعات التفقير الفظيع واستشراء الجهل. يجب توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف المادي والاقتصادي والجنسي وعليه أن يحمل الدولة والمشغلين مسؤوليات الكلفة المالية كل حسب دوره.
  • قانون أسرة علماني: إن المقدس لنا كاشتراكيين-ات ثوريين-ات هو النضال ضد جميع أشكال القهر والاضطهاد الممارس على الانسان. وهدفنا الالغاء التام لكل ما يكرس ميزا واضطهادا ضد النساء بمبرر أنهن نساء. نرفض تماما الذرائع واسعة الانتشار التي تضفي طابع القدسية على منظور شديد العداء للنساء، وبغض النظر عن تعدد التأويلات لكنها دوما تحرص على ربط قانون الأسرة بالموروث الديني. إننا نعارض ذلك وندافع عن قانون أسرة علماني يناهض الميز على أساس النوع.
  • قانون أسرة يحمي الأطفال والعاجزين ويتعهد بمسؤوليتهم الاجتماعية والاقتصادية للدولة: يحمي الاطفال من الاستغلال ومن كل أشكال العنف الأسري ويحمل الدولة مسؤولية رعاية الاطفال والعاجزين (التطبيب- التعليم- السكن- التغذية- الملبس- الترفيه.) وأن يكون الآباء أو غيرهم متعهدون على تلبية تلك الحقوق وفق قواعد يحددها المختصون-ات تحت طائلة القانون واسقاط الحضانة. يمثل النضال لأجل خدمات عمومية مجانية وجيدة عبر رفع الميزانية العمومية الموجهة للقطاعات الاجتماعية جزءا أساسيا من اثبات مزاعم الدفاع عن حقوق النساء.
  • الدخل المادي للنساء: يستحيل إقرار المساواة القانونية الفعلية في ظل واقع أن أغلب النساء في وضع يشتغلن بلا دخل مادي، إما كربات بيوت أو كعاملات بلا أجر، أو بأجور متدنية في القطاعات الهشة، وهن مرتهنات بالزوج أو الآباء والإخوة لتلبية حاجياتهن الأساسية. حتما ستتحول أرقى القوانين المكرسة للمساواة القانونية إلى خرقة بالية تحت واقع التبعية المالية للذكور. إن الحق في الحصول على دخل مادي مستقل للنساء سواء كعاطلات أو ربات بيوت سيعطي دفعة تاريخية لإحداث تحسينات فعلية في واقع جماهير النساء، ويضع لبنات موضوعية لتحقيق قسم مهم من المساواة القانونية على أرض الواقع عوض إعلان مجرد.
  • تدبير كل ما يندرج ضمن الممتلكات: إبعاده عن قانون الأسرة وإدراجه في مدونات قانونية غيرها، ما يجعل تدبير الممتلكات المشتركة بين الزوجين أو المترتبة عن الإرث خاضعة لقوانين تجارية ذات الاختصاص.

إن هدفنا إذن ليس النضال لأجل تعديل جزئي لمدونة الأسرة الحالية، بل نسعى إلى النضال لأجل استراتيجية شاملة، قادرة على فرض برنامج إصلاحات جذرية من شأنها إحداث تحسين نوعي لأوضاع ملايين النساء العاملات والكادحات. ويعد النضال من أجل فرض قانون أسرة ديمقراطي بالمضمون السالف ذكره جزء من معركة شاملة لإقرار سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية تنتصر لتحرر النساء.

ما الشروط الواجب توفرها لفرض المطالب الديمقراطية للنساء؟

يستجيب الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي والقانوني المسلط على النساء العاملات والكادحات لحاجات الطبقات المالكة. فالنساء يقمن بعمل مجاني غير معترف به اجتماعيا ويعفي البرجوازية والدولة كمشغلين من رفع أجور العمال لأداء خدمات العمل المنزلي. تعتبر النساء خزانا ليد عاملة رخيصة ويتم التخلص منهن عند انتفاء الحاجة لهن، كما للنساء دور محوري في إنجاب ورعاية اليد العاملة المستقبلية وتمثل الأسرة الأبوية القناة الأساس لتلقين الناشئة قيم الخضوع واعادة انتاج القيم السائدة المحافظة أساسا.

إن المكتسبات التي انتزعت لصالح النساء هي ثمرة نضال عنيد خاضته الحركة النسائية مباشرة أو عبر منظمات حليفة كالتنظيمات النقابية. النضال الجماهيري أجبر الدولة والطبقات المالكة على سن قوانين وإجراءات لصالح النساء دون أن يقوض أساس اضطهادهن الضارب جذوره في قلب النظام الرأسمالي الأبوي القائم حتى في البلدان الأكثر تطورا.

إن التخلف الاقتصادي والخصاص الهائل في المقومات المادية الأساسية لتلبية الحاجيات الأساسية في البلدان التابعة كما في المغرب، تدفع بقوة بايديولوجيات يمينية شديدة العداء لتحرر النساء وهي سيف مسلط ضد الحركة النسوانية، فمطالبها حتى البسيطة، مقارنة بما حققته بلدان شهدت ثورات ديمقراطية أصيلة، تحمل دينامية تفجرية لأسس النظام القائم.

إن فرض برنامج مطالب شامل يحسن نوعيا أوضاع النساء غير ممكن دون بناء حركة نضال نسوي جماهري متحررة من أوهام انتظار الصدقات من المضطهدين، حركة واعية أنها ستواجه بمعارضة شرسة من طيف عريض من مناهضي المطالب النسائية باسم الدين، ومن كل الحريصين على دوام أخلاق القهر، ومن المصابين برهاب التفوق الذكوري. وهي معارضة رجعية تعرف تمددا دام عقود منذ صعود التنظيمات السياسية الدينية في ثمانينيات القرن الماضي. مجال تأتيرها واسع، وتنظيماتها قوية، وجهاز دعايتها ضخم ومواردها وفيرة، عكس التنظيمات النسوانية الديمقراطية والاشتراكية.

لا مفر من معركة شرح فكري وسياسي ومقارعة ميدانية دون تهيب، وجعل آمالنا وثقتنا راسخة بأن تحرر النساء من صنع النساء، وأنهن قادرات على تولي قضيتهن حينما يبلغن وعي قوتهن ويدركن عدالة قضيتهن. إنهن رافد أساس لبناء قوة المضطهدين والمضطهدات لتحررهن وتحرير المجتمع برمته من كل اضطهاد واستغلال.

 

بقلم:رقية

شارك المقالة

اقرأ أيضا