السودان: ما بعد الحرب، التطهير العرقي

بقلم؛ لويزا توسكان

يدخل الصراع بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد دقلو، المعروف باسم حميدتي، عامه الثاني، دون حسم الوضع لصالح أي من المتحاربين.

ومع ذلك، كان تقدم قوات الدعم السريع غير متوقع، نظرا لافتقارها إلى الطيران. ولكن في غضون ذلك، تضاعف الدعم الدولي لكلا الجانبين 1. وأصبحت قوات الدعم السريع غنية ماديا في نفس الوقت الذي تنوع فيه دعمها الدولي أو اتصالاتها 2. لقد أحبط الصراع التجربة الثورية الأكثر ضخامة في المنطقة وأسفر عن كارثة إنسانية.

نزح أكثر من تسعة ملايين شخص داخل السودان وخارجه منذ 15 أبريل 2023، من بينهم أربعة ملايين طفل. إنها إحدى أكبر أزمات النزوح الداخلي في العالم. يواجه حوالي ثمانية عشر مليون شخص انعدام أمن غذائي حاد، حيث تكاد البلاد أن تصبح مسرحا لأكبر أزمة غذائية في العالم.

وبالتوازي مع النزاع، تشن قوات الدعم السريع حربا ضد المساليت في غرب دارفور. يكشف التسلسل الزمني للهجمات التي نفذتها قوات الدعم السريع، والغرض منها ووسائلها، أن لا علاقة لها بالصراع بين الجنرالات، بل تستند إلى اعتبارات عرقية واقتصادية. يبدو أنه في حالة تقسيم البلاد، أثناء الصراع أو نتيجة له، فإن قوات حميدتي ستستعد للاستيلاء على السلطة على منطقة الهيمنة العربية. لم تعد قوات الدعم السريع من ميليشيا الجنجويد بالضبط – حتى لو بقي اسم الجنجويد لدى السكان – بل من سائقي الجمال، باتوا يأتون على متن شاحنات صغيرة ومسلحين بالمدافع الرشاشة والطائرات بدون طيار، في غياب الطيران. يملكون ثروة ذهبية بواسطة شركة الجنيد وفروعها، وكذلك عبر حلفائهم: فاغنر، الإمارات العربية المتحدة، من بين آخرين.

وكان السكان غير العرب في هذه المنطقة قد تعرضوا بالفعل للذبح على أيدي ميليشيات الجنجويد (سلف قوات الدعم السريع) بين عامي 2003 و2020، وهؤلاء السكان من الفور والمساليت والزغاوة. أدى ذلك إلى اتهام المحكمة الجنائية الدولية عدة أشخاص، بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والترحيل القسري والتعذيب. أسفرت هذه الجرائم عن مقتل 300 ألف شخص. وفي عام 2010، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام ضد عمر البشير وستة مشتبه بهم آخرين بتهمة الإبادة الجماعية. ولم يجر القبض على أي منهم حتى الآن، حيث لم تسلم الخرطوم أبدا المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية. والأسوأ من ذلك أن بعضهم، المسجونين في السودان، هربوا، وتوفي آخر. والحال أن المحكمة الجنائية الدولية لا تحاكم الأشخاص غيابيا. مثل واحد فقط، هو علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم علي كوشيب، أمام المحكمة في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2020 وهو محتجز في لاهاي، وبدأت محاكمته عام 2022.

كان يوجد حوالي 360 ألف لاجئ من دارفور في مخيمات في تشاد عندما اندلع نزاع عام 2023. واصلت قوات الدعم السريع هجماتها على المساليت. ففي غرب دارفور، ليس الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بل هو هجوم شنته قوات الدعم السريع على المساليت، من بين شعوب أخرى غير عربية.

في 30 ديسمبر 2019 و16 يناير 2021، قبل الحرب، هاجم الجنرالات ورجال الميليشيات العربية وعناصر من قوات الدعم السريع مخيم كيريندينغ، الذي كان يسكنه بشكل أساسي المساليت النازحون، ما أسفر عن مقتل 45 و150 شخصا على التوالي، بينما كانت بعثة الأمم المتحدة لا تزال موجودة. وفي عام 2021، تم تسوية المخيم بالأرض. فر الناجون إلى مخيمات جديدة في الجنينة، عاصمة غرب دارفور.

في 24 أبريل 2022، قبل عام من الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تعرضت كرينك، حيث يعيش العديد من المساليت، لهجوم من قبل قوات الدعم السريع، في غارة أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، من بينهم أطفال وشيوخ. جرى حرق جميع منازل المدينة تقريبا (80 كم غرب الجنينة)، وهلكت الماشية. وفر أكثر من 20 ألف شخص.3

وهكذا، كان التطهير العرقي للمساليت قد بدأ قبل الحرب واستمر في ظلها، والهدف المتبقي لقوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها، وخاصة البدو، هو الاستيلاء على أراضي المساليت، الذين هم أساسا مزارعون. تقترن جرائم القتل والاغتصاب بممارسة الأرض المحروقة، المصممة لمنع أي عودة.

في نهاية أبريل 2023، نزلت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها إلى الجنينة حيث قتل ما بين 10 و15 ألف من المساليت، بمن فيهم أعيان ومسؤولون.4

28 مايو 2023، أعدمت قوات الدعم السريع 28 من المساليت في بلدة مستري، ونهبت وأحرقت معظم البلدة وست قرى أخرى في دارفور بما في ذلك مولي ومورني وكوكور. ويوجد 17 ألف لاجئ من مستري في تشاد.

حوالي 1 نوفمبر 2023، هاجمت قوات الدعم السريع قاعدة الجيش في أرداماتا (ضاحية الجنينة) واشتدت المجازر بعد الاستيلاء على الأخيرة. يجري استهداف نساء ورجال وأطفال المساليت، إلى جانب رجال القبائل غير العرب الآخرين. ويعدم المدنيون بإجراءات فورا في منازلهم أو في الشوارع عندما يحاولون الفرار. وبالتركيز على مخيمي أرداماتا ودورتي للنازحين داخليا، وحي المساليت في الكابري، أفادت التقارير أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها نهبت المنازل وعذبت وأعدمت العديد منهم وألقيت جثثهم في الشارع. ويعتقد أن أكثر من 800 شخص قتلوا في أرداماتا5، ويصل العدد الى 1,300 إذا أحصينا من قُتلوا أثناء فرارهم و8,000 فروا إلى تشاد.

نسوق هذه الأرقام لأغراض عرض المعلومات فقط وهي عرضة للتغيير. فهي لا تأخذ في الاعتبار جميع الأشخاص المحشورين في مقابر جماعية، لم يجر اكتشافها جميعا بعد، وقبل كل شيء، لا تأخذ بالحسبان أعداد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب بشكل جماعي، والتي يتضح استحالة إحصائها.

تحقق المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المرتكبة في دارفور منذ عام 2002 دون تاريخ انتهاء محدد، وأكد المدعي العام للمحكمة، كريم خان، ذلك في يوليوز/تموز 2023، بعد تلقي مزاعم جديدة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في المنطقة.

مارس، 2024

ترجمة

المصدر: هنا

احالات:

  1. السودان، حبل المشنقة | مجلة انتيكابيتاليست.
  2. زعيم جنجويدي يزور النصب التذكاري للإبادة الجماعية في رواندا (sudanwarmonitor.com)
  3. بلدة كرينك اليوم باتت شبحا محترقا بعد الهجوم الذي وقع العام الماضي | أطباء بلا حدود – الشرق الأوسط (msf-me.org)
  4. عمليات قتل عرقية في إحدى مدن السودان خلفت ما يصل إلى 15000 قتيل، حسب تقرير للأمم المتحدة | رويتر
  5. حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تزايد العنف وانتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين في دارفور | المفوضية UNHCR
شارك المقالة

اقرأ أيضا