اليونان: لن تفضي مواصلة السير على هذا النهج سوى إلى إخفاق سيريزا

بلا حدود27 فبراير، 2015

مقابلة مع عضو باللجنة المركزية لحزب سيريزا

في اليوم التالي للاتفاق المتوصل إليه بين اليونان و الاتحاد الأوربي، والممدد لبرنامج المساعدة مقابل مواصلة الإصلاحات الهيكلية، توجد الحكومة اليونانية في المأزق من جديد. بذلك لن يدوم الأمل في تغيير سوى شهر بالنسبة لأنصار إنهاء التقشف.
فيما يلي مقابلة مع ستاتيس كوفيلاكيس، عضو اللجنة المركزية لسيريزا، و أستاذ الفلسفة السياسية في King’s College في لندن .

ماذا يمثل فوز سيريزا من الناحية الرمزية؟

يمثل فوز حزب سيريزا انعطافا تاريخيا. فهذه أول مرة بالتاريخ الانتخابي الأوربي يحرز حزب من اليسار الجذري، يقع على يسار الاشتراكية-الديمقراطية، فوزا في الانتخابات و يصل إلى السلطة الحكومية.

لحد الآن، كانت الحالات الوحيدة التي مارست بها أحزاب من هذه الأسرة السياسية وظائف حكومية تندرج في تحالفات أوسع، وفي ظروف خاصة جدا. بلا جدل، تمثل هذه السابقة انعطافا، بالغ الأهمية بقدر ما ان أوربا تجتاز ازمة اجتماعية و اقتصادية تؤدي إلى اضطراب وعدم استقرار متنام.

يلاحظ أن قوى يمين متطرف ويمين جذري بشمال أوربا ووسطها هي من يبدو مستفيدا من ذلك. وبالعكس، في بلدان الأطراف، المعرضة لأشد سياسات التقشف شراسة، قوى اليسار الجذري هي من يبدو منتصبا. تلك حالة اليونان، وأيضا اسبانيا و ايرلندا.

ما يلقي مسؤولية جسيمة على حزب سيريزا؟

فعلا، يحمله الأمر مسؤولية كبيرة، ما يستتبع أن فشلا سيؤثر بالغ الأثر على ميزان القوى في الحقبة المقبلة.

منذ الأيام الأولى التالية للفوز، أعلن حزب سيريزا، الذي لم يحرز أغلبية برلمانية، تحالفا مع حزب اليونانيين المستقلين، وهو جناح متحدر من حزب الديمقراطية الجديدة. ما تفسير هذا التحالف، وكيف يجري تنظيمه، وماذا كان رد فعل الناخبين؟

ثمة نوعان من سوء التفاهم يتعين للوهلة الأولى إزاحتهما فيما يخص حزب اليونانيين المستقلين. أولا، إنه ليس حزب يمين متطرف، بعكس ما قالت وسائل إعلام عديدة. انه فعلا جناح متحدر من حزب الديمقراطية الجديدة، مع مغادري أحزاب أخرى بعضها يساري.

قد يعتبر في فرنسا حزبا سياديا، رغم انه يجب ألا يغيب عن البال أن المرجعيات السيادية والوطنية ليست لها نفس الدلالة في بلد كان قوة استعمارية و امبريالية مثل فرنسا، وفي بلد تحت السيطرة طيلة تاريخه مثل اليونان.
عارض حزب اليونانيين المستقلين عارض مذكرات الترويكا وسياسات التقشف، من منطلقات وطنية. لكن لدى هذا الحزب أيضا نزوع اجتماعي كان قائما في حزب الديمقراطية الجديدة، الذي كان حتى عهد قريب حزبا جماهيريا، له قاعدة انتخابية شعبية وقطاع نقابي وازن.

سوء التفاهم الثاني أنه ليس لهذا الحزب إستراتيجية كبيرة محددة. انه خيار براغماتي يطابق إكراهات اللحظة. كان حزب سيريزا يدرك أن المبارة ستكون عسيرة وهو بحاجة الى أغلبية بالبرلمان.

الحزب الشيوعي يرفض منذ سنوات أي تحالف سياسي مع سيريزا، فلم يبق التحالف ممكنا إلا جهة اليمين أو ما بين اليمين و الوسط. ما كان حزب سيريزا يريد تفاديه هو تحالف مع تو بوتامي. هذا حزب صنعه النظام صنعا. يقدم نسفه حزب جوكير معد للمشاركة في أي تشكيلة حكومية.

” كان باعث الحملة التي شنت على سيريزا معاقبته على عدم الامتثال لمتطلبات النظام” هذا من جهة أخرى ما جعل وسائل الإعلام الأجنبية لم تكف عن طرح هذا البديل اعتقادا انه سيجبر سيريزا على تنازلات. وهذا ما سعت سيريزا الى تفاديه، باختيار التحالف مع حزب لن يطرح له مشاكل في تفاوضه ضد المذكرات. لذا إذا تراجع سيريزا اليوم، وهذا ما يفعل، فلا يمكن ان يؤاخذ غير نفسه.

كل الحملة الإعلامية المنظمة ضد سيريزا باعتبار حزب اليونانيين المستقلين حزب أقصى يمين، وكاره للأجانب، و بالحديث عن تشكيلة “حمراء- داكنة” [الداكن لون الفاشية] كما فعل مارترمر، كانت غايته معاقبة سيريزا على رفض التحالف مع تو بوتامي و بالتالي التكيف مع متطلبات النظام.

ردة الفعل في اليونان كانت ايجابية جدا.يجب إدراك أن الانشطار بين أنصار المذكرات ومعارضيها بات ، دون أن يلغي الانقسام الى يمين ويسار، الانشطار السائد في الحياة السياسية اليونانية. لذا فإن للتحالف مع اليونانيين المستقلين معنى أكثر من التحالف مع تو بوتامي.

جرت الانتخابات يوم 25 يناير، بعد شهر ما الحصيلة الممكن جردها؟

ثمة جملة تدابير معلنة معبرة عن إرادة الشفافية و دمقرطة الحكومة الجديدة. منها تغيير قانون الجنسية الذي يمنح الجنسية اليونانية لأطفال المهاجرين المولودين في اليونان، وهو انقلاب كبير في كيفية تحديد المجتمع اليوناني للجنسية والمواطنة وحتى الهوية الوطنية.

كما كانت شفافية وسائل الإعلام موضوع تلك التدابير المعلنة، بقصد إنهاء تداخل مصالح أوساط رجال الأعمال المرتبطة بالدولة و الملاك السياسي حيث غالبا ما يوجد مالكون لوسائل الإعلام. ليس هذا حصرا على اليونان، فبرلوسكوني في ايطاليا و بويغ في فرنسا مثالان عن ذلك، لكن الأمر بلغ باليونان أحجاما بالغة القوة. أبان اختيار الشخصيات للمناصب الوزارية أن سيريزا لن يتنازل على هذا الصعيد. فوزارة الداخلية أُسندت إلى أحد رموز الحركات المناهضة للعنصرية ، كما أن رئيسة البرلمان الجديد معروفة بنضالها ضد الفساد وبالتزامها لصالح الحريات الفردية. إنها إشارات قوية.

من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية، تمثل إعادة تشريع الشغل – الذي ألغته الحكومات السابقة- إجراء مهما أعلنه سيريزا، شأنه شأن إرجاع الموظفين المسرحين إلى عملهم، وإعادة الكهرباء الى البيوت التي حُرمت منها، أو إعادة تشكيل المحطة الإذاعية و التلفزية العمومية.غاية هذه التدابير إحداث فكرة قطيعة السياسات السابقة الخاضعة لمذكرات الثالوث.

بسرعة اصطدم مجمل هذه التدابير، التي تمثل تفويض سيريزا و التي يتعين ان تنهي سياسة التقشف، بسرعة بمتطلبات الاتحاد الأوربي و الترويكا. وفرضوا على الحكومة اليونانية تراجعات متتالية، تشل برنامج سيريزا. بالكاد جرى انتخابها، وجدت الحكومة نفسها بوجه مصاعب تشير بقوة إلى احتمال فشلها.

ما الذي يلوح من الاتفاق الموقع يوم الجمعة 20 فبراير؟

يقضي الاتفاق بالسداد التام، وفي الأجل المحدد، لصالح الدائنين. ويقضي بوجه خاص بإتمام البرنامج السابق، أي أن البلد سيقبل وضعه تحت وصاية “المؤسسات” وهو الاسم الجديد للترويكا.

في الواقع تلتزم حكومة اليونان ألا تتخذ أي إجراء من جانب واحد من شانه أي يمثل خطرا على أهداف الميزانية التي حددها الدائنون.

هكذا يصبح عمل سيريزا وقدرته على تطبيق برنامجه، باطلين بمقتضى هذا الاتفاق.

لقد تم الحفاظ على إطار المذكرة بكامله، و لابد من الوضوح التام بهذا الصدد.

كيف يفسر هذا الفشل السريع لهذه الدرجة؟

يفسر بالمقام الأول بالضغط الهائل من المؤسسات الأوربية. بدا ذلك يوم 4 فبراير عند إعلان البنك الأوربي أن إعادة تمويل البنوك اليونانية قد توقف لأنه لم يعد يقبل سندات الديون اليونانية، فيما كانت تجري في الآن ذاته حركة سحب كثيفة للسيولة باليونان.

بلغ ذلك السحب زهاء 2 مليار يورو كل أسبوع، ووصل إلى 1,5 مليار يورو يوميا في الأيام الأخيرة. وحسب ما بلغني من معلومات من اليونان، لم يكن بوسع بنوكها أن تفتح منذ الثلاثاء ما لم تتوصل اليونان إلى اتفاق مع البنك المركزي الأوربي. لقد طبق البنك المركزي الأوربي باليونان الابتزاز ذاته المطبق في قبرص في العام 2013 وفي ايرلندا في العام 2010.

ثمة عملية خنق لحكومة اليونان عبر اضعف حلقة هي النظام البنكي. تصاعد الضغط
في الاجتماعات مع المجموعة الأوربية كي تقبل اليونان إطار المذكرات، ولئن كانت ألمانيا الأشد انتقاما –مع ما رافق تلك اللحظات من مشاهد- فلم يبرز أي تمايز من جانب باقي البلدان الأوربية. ما من معارض لألمانيا.

ألم تقم فرنسا، التي مثلت باعث أمل لليونان عند انتخاب فرانسوا أولاند، بمد يد عون لليونان؟

كان يمكن سطحيا انتظار ذلك . لكن يستحيل تطبيق سياسة تقشف و المصادقة على قانون ماكرون (مُجْهز على قانون الشغل) من جهة ومساعدة بلد يسعى إلى القطع مع التقشف.

ما هي المسؤوليات التي على كاهل سيريزا؟

لابد من الوضوح. لقد جرى حسم عدد من النقاط التي كانت موضوع نقاش في سيريزا بشكل سلبي. لقد دحضت الوقائع فكرة إمكان القطع مع سياسات التقشف بتجنب مواجهة مع الاتحاد الأوربي. وقد تفادى خط الأكثرية داخل سيريزا الإجابة الواضحة على احتمال رفض دائني اليونان التفاوض.

كما اعتقد ذلك الخط أن الشركاء الأوربيين سيضطرون لقبول شرعية سيريزا ومن ثمة مطالب حكومة اليونان. وهان نحن نرى غير ذلك. كان ثمة أوهام لدى خط الأكثرية في سيريزا حول إمكانات تغيير الأمور في الإطار الراهن للاتحاد الأوربي.

لقد أبانت تلك المؤسسات وجهها الحقيقي، وجه فرض السياسات النيوليبرالية بالغة القسوة وسياسات تفضي إلى استبعاد اقتصادي واجتماعي لبلدان برمتها.

ما تفسير تلك “الأوهام” الممكن؟

هناك انحصار ليس مجرد عامل نفسي، بل يتعلق بإستراتيجية سياسية. إن حزب سيريزا، على غرار معظم أحزاب اليسار الجذري الأوربي، يشاطر فكرة إمكان الإصلاح من داخل المؤسسات الأوربية القائمة.

مجمل المشكل كامن هنا. استند سيريزا بجلاء متزايد على موقف رافض القطع مع اليورو، كاحتمال وكسلاح ممكن شهره في المفاوضات.

رأينا في الواقع كيف استعمل فاروفاكيس أو تسيبراس هذا الاحتمال. يرفض هذا التيار الإقرار بحقيقة المؤسسات و سيرورة الدمج الأوربية، تلك السيرورة الحاملة النيوليبرالية في شفرتها الوراثية.

جرى إحداث تلك المؤسسات من أجل إحكام السياسات النيوليبرالية و إبعادها من الرقابة الشعبية. لا يمكن القطع مع سياسات التقشف و أواليات مذكرات الترويكا دون مواجهة مع الاتحاد الأوربي، وعند الاقتضاء مغادرة منطقة اليورو. لقد أبانت اليونان في أثناء المفاوضات أنها كانت تخشى “خروج اليونان من منطقة اليورو” أكثر مما خشيه مخاطبوها، وكان ذلك خطأ قاتلا.

ما الممكن استخلاصه من هذا الاتفاق؟

يمكن الحديث عن فشل كبير لسيريزا، قد يكون قاتلا، و الإخفاق يطال مجمل مكونات سيريزا. لم يتمكن الجناح اليساري من تغليب وجهة نظره، وتم إفشاله بإستراتيجية إعادة تشكيل القيادة بعد انتخابات 2012. كانت الفكرة أن النهل من أصوات اليسار قد تم ويتعين البحث عن أصوات في الوسط.

هذا منطق انتخابوي وخاطئ، لأن الرأي العام لا يتطور بتاتا، بالنظر إلى هول الكارثة الاجتماعية، صوب تدعيم المواقف الوسطية. انه على العكس يتجذر. هذا التجذر يفسر في الآن ذاته تطور منظمة الفجر الذهبي الفاشية و تطور سيريزا.

ثمة خطأ عميق في التحليل. عندما يتعلق الأمر بالتنازل في نقاط أساسية لدى قوة سياسية يسارية مناهضة للتقشف، لا يمكن أن يفضي الأمر سوى إلى فشل. هذا مع الأسف السيناريو الحاصل أمام أنظارنا.

لن يكون لدى حكومة سيريزا من خيار غير دور مدبر للإطار الذي يمليه الاتحاد الأوربي. طبعا ستكون الترتيبات الصغيرة عناصر تحسين، لكنها لن تفلح في تغيير وضع اقتصادي واجتماعي مفجع تماما. سيفضي ذلك إلى خيبة ما علق الناخبون الشعبيون من أمل على سيريزا.

لن تؤدي مواصلة السير على هذا النهج سوى إلى الفشل. وبنظري، ثمة احتمال تفكك سيريزا، وكذا تشكيلة التحالفات السياسية. إن كان المرتقب مواصلة هذه السياسة، فما من سبب لامتناع القوى المؤيدة للمذكرات عن التعاون مع سيريزا. سواء في ذلك تو بوتامي او البازوك، او حتى قسم من حزب الديمقراطية الجديدة الذي غازلته سيريزا باختيار بافلوبولوس رئيسا للجمهورية، وهو من رموز جناح الوسط بحزب الديمقراطية الجديدة.

كيف يمكن ان يرد شعب اليونان؟

بعث فوز سيريزا الأمل في شعب اليونان. وبعد ابتزاز البنك المركزي الأوربي، شهدنا الناس ينزلون تلقائيا إلى الشارع لمساندة سيريزا. التراجع الجاري قد يحدث توقفا تعقبه خيبة أمل مريرة.

هل تخشى تحول هؤلاء الناخبين صوب “الفجر الذهبي” الفاشي؟

يعود نجاح أحزاب يمين متطرف بأوربا ،أساسا، إلى كونها تبدو تشكيلات مناهضة للنظام بأنظار قطاعات من الرأي العام . تبدو أكثر صدقية و جذرية من قوى اليسار.

بفعل حجم تعبئات ما بين 2010 و 2012ن انفصل الناخبون عن الأحزاب التقليدية وانتقلوا بأغلبية إلى اليسار.

بيد ان سيناريوهات تشكل سياسي جديد تنطوي على خطر كبير متمثل في ترك مجال معارضة الإطار الراهن لليمين المتطرف.
اضطر سيريزا لقبول إخضاع اليونان لوصاية الترويكا. إن لشعور الإهانة الوطنية هذا أهمية حاسمة لفهم الاختراق الذي حققه ” الفجر الذهبي”. فصعود ” الفجر الذهبي” ردة فعل وطنية ناكصة على شعور الإهانة هذا، مرفقا بالانهيار الاقتصادي و الاجتماعي.

مؤخرا، صرح جان كلود يونكر ، رئيس اللجنة الأوربية، قائلا:”ما من خيار ديمقراطي ممكن ضد المعاهدات الأوربية”. هل يمكن أن نعتبر مجتمعاتنا، باليونان كما بأوربا، مجتمعات ديمقراطية؟

يلخص قول يونكر هذا حقيقة الوضع. إن البناء الأوربي منذ سنوات 1980 هو حامل السياسات النيوليبرالية. هذه موجودة في شفرته الوراثية، وُمحكمة في معاهداته. ان المنطق العميق لذلك البناء منطق معادي للديمقراطية.

إنها ترمي الى تفكيك مستوى الرقابة الوطنية بإرساء رقابة فوق وطنية مفصولة عن أي رقابة شعبية. هذا ما يقود القوى السياسية المعارضة إلى الشلل. إن فشل سيريزا بوجه الاتحاد الأوربي أكثر الأدلة على ذلك إفحاما، لكنه أشدها إيلاما أيضا.

يتعين على كل قوة تسعى إلى معارضة الخيارات السائدة في مجال السياسة الاقتصادية أن تقدم على القطع، انه شرط لا غنى عنه.

تعريب المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا