غليان شعبي يعم الجنوب الجزائري

الشعب الجزائري على وشك أن ينفجر في وجه حكامه الغلاظ الشداد ، تكهن ليس نتيجة هولسات معارضة عاجزة ولا سموم دعاية خارجية حقودة ،بل إن حقائق الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي و الاحتقان النفسي توشي بأن في سماء الجزائر صوت هدير شعبي كبير قادم ليصفي حسابه مع نظام حكم بالغ الفساد عصي عن أي تغيير سياسي ولا اقتصادي وظل عقبة كأداء في وجه التقدم المستقل للجزائر .

اقتصاد ضعيف و أزمة مالية تدق بعنف.
تغطي عائدات النفط من ميزانية الدولة الجزائرية ما نسبته 98بالمائة ولا تمثل الصادرات خارج المحروقات إلا نسبا بالغة الضآلة. استفادت الخزينة الجزائرية من ارتفاع سعر المحروقات وتدفقت عليها أموال هامة في الفترة مابين 1999 و2013..
تستخدم الدولة صندوق ضبط الموارد منذ إنشائه سنة2000 كآلية لضبط وتعديل الميزانية العامة للدولة وهو صندوق خاص يمكن الدولة من سد العجز نتيجة تراجع ايرادات الجبايات البترولية التي يمكن أن تكون اقل من تقديرات قانون المالية و أيضا تسديد المديونية الداخلية و الخارجية ويصل حجم احتياطه الحالي حوالي 59 مليار دولار.
انفق حكم “عبد العزيز بوتفليقة حوالي 800 مليار دولار وهو ما يعادل ثمانية مشاريع مرشال التي بنت أوربا بعد الحرب العالمية الثانية لكن نمو الاقتصاد الجزائري لا يحقق الا نسبا متواضعة لا تتعدي 3.5 من الناتج المحلي الخام . تضخ الحكومة الجزائرية ما بين 10و12 في المائة من الناتج المحلي الخام سنويا في انشاء مشاريع البنية التحتية لكن لا وقع لذلك على نمو الاقتصاد وتنوعه وتطوره.
الاقتصاد الجزائري غارق في دوامة جهنمية نهايتها الأكيدة انهيار شديد وسيكون لذلك مستتبعات خطيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على البلد برمته. ففاثورة استيراد ما تستهلكه الجزائر سائر الى تصاعد مهول من الغذاء الى السلاح والسيارات و وسائل التجهيز والدواء، كل شيء ما عدا الهواء والماء.
مجافي للواقع تفسير ارتفاع تكاليف الاستيراد باستنتاج أن الشعب في بحبوحة استهلاكية زائدة شبيهة حتي ببلدان خليجية منتجة للبترول. الحقيقة أن هناك تلاعب إجرامي وتهريب للعملة المنهوبة بالجزائر بعقد صفقات تجارية واستيراد بضائع غير قابلة للاستهلاك حتى التي تظل قابعة في حاويات بموانئ البلد.حجزت إدارة الجمارك حاويات محملة بالحجر والرمال تم استيرادها من الخارج بملايين الدولارات.
تضاعفت قيمة الواردات ب 50 مليار دولار بين 2000و 2011 وتمتص ما يفوق نسبة 57 بالمائة من ايرادات العملة الصعبة وهي مرشحة للارتفاع مما سيخلق وضعية شبه عجز في ميزان المدفوعات. ولا تتعدى عائدات الصادرات خارج المحروقات ما نسبته 3 -4 بالمائة.
الانهيار الحر لأسعار البترول في الأسواق العالمية من حوالي 117 دولار الى أقل من 50 دولار للبرميل. أدخل حكام الجزائر في هلع يدارونه بتصريحات تتظاهر برباطة الجأش لا يصدقها إلا أبله. فالجزائر تنتج حوالي 2.5 مليون برميل يوميا سقف الحصة التي حددتها أوبك في اليوم، أي أنها تخسر عن كل تراجع سعر برميل البترول بدولار واحد 2.5مليون دولار يوميا .
و يتوقع بلوغ عجز الميزانية 48.50 مليار دولار وعجز الحزينة 49.69 مليار دولار مما سيدفع الحكومة للاقتطاع من صندوق ضبط الايرادات الذي تبلغ مبالغه80 مليار دولار.
يواجه الاقتصاد الجزائري تحديات خطيرة جدا، لا يمثل الانخفاض الآني للأسعار في السوق العالمي الا عنصرا من عدة عناصر .
– تعرف صادرات الجزائر منافسة بفعل دخول الغاز المميع القطري الى السوق الأوربية و سياسة روسيا التي تمتلك حصة كبيرة من السوق، وكذا توسع دائرة السوق الحرة .
– المزود الرئيسي الضخم “حاسي مسعود” بلغ سقفه الأعلي انتاجيا ومقبل على التقهقر الطبيعي ورغم محاولات استكشافية متواصلة لم يستكشف بعد بديل من نفس الطاقة الانتاجية رغم التصريحات المطمئنة من مسؤولي شركة “سونطراك” .
– اقتحام الولايات المتحدة الأمريكية الخطير لانتاج الغاز الصخري مما بوأ أكبر مستهلك عالمي للطاقة كأول منتج عالمي للبترول بتوظيفه لتقنيات حديثة، مما رفع الانتاج ودفع السلطات الأمريكية أن تسمح للشركات البترولية الأمريكية بالتصدير الى الخارج وهو قرار لم يسبق أن حصل منذ 1973. للأمر نتيجتان : خروج مستورد كبير للغاز الطبيعي، و تحوله الى أول مزود للسوق العالمي، مما سيكون له تأثير ملموس على الأسعار وخرائط انتاج واستهلاك الطاقة مستقبلا. ان تطور التقنيات الذي وضعت لبناته في الولايات المتحدة خيار لا رجعة عنه، وسيتيح تطبيق التقنيات الحديثة تلك، امكانية الوصول الى محروقات كانت في الماضي متعذرة عن الاستغلال.
ان ضخامة الأموال الريعية المتأتية من المحروقات مقابل هول الانهيار الاقتصادي و الفشل المدوي لضجيج المخططات الاقتصادية الخماسية الذي لم يفض إلا الى تفكك الانتاج الصناعي وانهيار الفلاحة الوطنية حتى أصبحت الجزائر تقتات على الغذاء المجلوب في حاويات الى الموانئ مقابل أموال طائلة تهدر و أمن غذائي مفقود .
إبان حملة انتخابية لاعادة تنصيب “عبد العزيز بوتفليقة” ركز فريق حملته المركزي على أمرين : الأول تخويف الجزائريين من سيناريو العشرية الدموية حالما لم يفز”عبد العزيز بوتفليقة” بولاية رئاسية أخرى، وهو تحذير فج ينم عن استعدادهم لحرق الجزائر كما في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، الثاني تمجيد لازدهار الاقتصاد، علامات نجاحه الأكوام الاسمنتية وتبليط الشوارع والطرق السيارة و توزيع السكنيات … لكن في حقيقة الأمر تبخرت مئات الملايير من الدولارات وحولت إلى شركات أجنبية صينية وتركية وروسية وأوربية مع عمولات للوسطاء من بيروقراطية عسكرية ومدنية لا تأبه بمستقبل بلد المليون شهيد إلا كبقرة حلوب تقاتل بشراسة على شفطها حتى آخر قطرة .
ضيع هؤلاء الطغاة على شعب الجزائر استثمار ثروته الوطنية لتلبي حاجياته الأساسية و تبني اقتصادا متطورا مستقلا كما قاتل من أجله الأجداد.
من نهب ثروة النفط إلى خطر الكارثة البيئية: لتتوقف الجريمة.
وسط استشعار خطر جفاف عائدات الصادرات البترولية و وحتمية تفاقم حاد لتمويل ميزانية الدولة و مخاطر اضطرار النظام للتخلي عن ضخ جزء من العائدات في قطاعات لاخماد انفجار اجتماعي يلوح في الأفق كتوزيع السكن والتشغيل في الادارة العمومية وتمويل التكوين من اجل ادماج العاطلين وزيادة في الأجور والمنح ودعم السلع الاستهلاكية والكهرباء… وهي سياسة تتيح اسكات أقسام من الشعب للتغاضي عن نهب كبير ومنظم ومتعدد الأشكال يطال الريع النفطي من طرف بيروقراطية عسكرية ماسكة بمفاصل الدولة وبرجوازية حديثة النعمة صاعدة تشكلت في حضن حكم عبد “العزيز بوتفليقة ” استفادت من صفقات الدولة ونهب المال العام، ولها خيوط شراكة وولاء وتبادل منافع مع رجالات الدولة الكبار وتشتغل تحت مظلة حمايتهم ، هذه البرجوازية الصاعدة تبحث عن موطئ قدم وتذكر الماسكين بالدولة بأن أوان تغيير قواعد اشتغال الدولة وآلية توزيع الريع قد دقت بما يأخذ مصلحتها بعين الاعتبار. هنا منبع التوترات السياسية التي تحصل في قمم الحكم الجزائري .
نتيجة الأزمة المالية الوشيكة قرر النظام الجزائري بعد محاولة تجاهل الأمر الواقع الناتج عن انهيار سوق المحروقات، اللجوء الى تصريحات اعلامية لطمأنة الجزائريين علي قدرة مالية الدولة على الصمود بفضل ديونها القليلة وحجم مدخراتها الجيد، لكن سعر البترول واصل الانحدار الى 50 دولار، فتوارت التطمينات إلى الخلف وبدأ الحديث عن حتمية تأثر الجزائر بالأزمة، فاضطر”عبد العزيز بوتفليقة” الى استجماع قواه المتهالكة وعقد اجتماع وزاري مصغر لتدارس الحالة الاقتصادية للجزائر تقرر على إثره نهج مخطط تقشفي لمواجهة تداعيات الأزمة. ثلى ذلك تفسيرات من الوزير الأول لتوضيح أن الأمر يتعلق بترشيد لا بتقشف يمس البرامج الاجتماعية الموجهة للمواطنين. لكن قرارات توقيف التوظيف في السنة الجارية يبين حقيقة ما سيجري تنفيذه ومن سيدفع فاثورته. طبعا ستجمد الدولة بعض المشاريع مثل ميناء العاصمة الجديد وتوسيع مطار “الهواري بومدين” و ستلجأ إلى تمويل بنكي للبعض الآخر عوض الاعتماد على مالية الدولة (قروض ) الخ ،كل ذلك لن يحل الأزمة العميقة للاقتصاد والمالية الجزائرية والتي لا يعد انهيار سعر البترول الا كاشفا ودافعا لها لتطفو على السطح.
ثاني الاجراءات، قرار ببدء تنفيذ استكشاف أحواض الغاز الصخري بمنطقة “عين صالح” . هذا القرار فجر احتجاجات شعبية عمت منطقة الجنوب الكبير بشكل لم يسبق له نظير من حيث مدة الاحتجاج و توسعه الجغرافي ووحدة المطالب وتعدد أشكال الاحتجاج و حجم التعبئة وعمقها.
نضالات الجزائر العميقة.
لم يستسلم الشعب الجزائري لمافيا النهب الحاكمة بل خاض معارك نضال بطولية للدفاع عن مكاسبه التي كلفته تضحيات جسام منذ الثورة الجزائرية الملهمة عالميا إلى الانتفاضة الشعبية في 5 أكتوبر 1988ضد اجراءات الحكومة بعد أزمة 1986، ليخيم القتل الدموي في العشرية السوداء التي كلفت الشعب الجزائري غاليا، عشرات الآلاف من القتلى والمفقودين و سيادة قانون القتل والرعب من قبل الجماعات الدموية و مجموعات الموت الرسمية. بعدها عاد مجرى النضال العمالي والشعبي ليواصل مجراه بعد تجاوز أجواء الاقتتال وانتعشت نضالات الحركة النقابية وتشكلت نقابات مستقلة خاضت معارك في قطاعات التعليم والصحة والجماعات والبلديات واحتج المجندون المدنيون من اجل مطالبهم و اصحاب عقود التشغيل قبل الادماج …وخلقت تعبئات شعبية من أجل السكن والخدمات العمومية و برزت حركة العاطلين للنضال من أجل التشغيل.
انطلقت احتجاجات بالعاصمة وصدامات ضد أجهزة القمع و مسيرات ليلية ضد إجراءات زيادة سعر الزيت والسكر سنة 2011 بعيد انطلاق شرارة الثورة التونسية وكانت أول من تأثر بالمناخ النضالي الذي سيعم المنطقة برمتها، لكن تم احتواء التحرك بسرعة باستعمال أمرين : التخويف بما حصل للجزائريين إبان العشرية الدموية، ثانيا سياسة تهدئة باستعمال المالية العمومية وتقديم تنازلات لبعض الجيوب التي تعتبر خزانا لتفجير الوضع الاجتماعي.
الجنوب الجزائري يتكلم نضالا.
طيلة 2013/2014 كانت الاحتجاجات شبه يومية في منطقة الجنوب وقد تركزت بوجه الخصوص في غرداية وورقلة ثم امتدت الى تمنراست .
وفق تصريح للمفتش الجهوي للشرطة بورقلة “بن الشيخ فريد الدين” تم تسجيل ازيد من 1365 احتجاجا على مستوى ولايات الجنوب الشرقي أغلبها سجلت على مستوى ولاية غرداية وورقلة و الأغواط ، واحتلت ورقلة المقدمة ب375 احتجاجا اغلبها يتعلق بالتشغيل وتحسين الظروف الاجتماعية و قد خلفت قتيلين بدائرة “تقرت” و “ازيد” من 30 جريح ،ناهيك عن الخسائر المادية التي تفاقمت مقارنة بالسنوات الماضية.”.
واحتلت ولاية “غرداية” الصدارة في الخسائر. ففي 255 احتجاجا خلفت أزيد من1080 مصابا. أما ولاية “الاغواط” فقد سجلت بها أزيد من 514 حركة احتجاج اغلبها حول الشغل وتحسين ظروف العيش .
وشهدت “ببسكرة” حول مطلب السكن و التنمية 20حركة احتجاج و 128 احتجاجا “بايليزي” و 18 احتجاجا “بالوادي ” ،خلفت الاحتجاجات 1029 جريحا من المواطنين واصابة 229 شرطيا، كما تضررت 107 سيارة شرطة .
وتشكلت حركة للمطالبة بالتشغيل بأشكال وصيغ نضال متنوعة من عرائض احتجاج ومسيرات واقتحام واحتلال مقرات رسمية و قطع الطرق والاعتصام أمام مقرات” سونطراك”.
ففي شهر مارس من سنة 2013 مثلا، أحتج أكثر من 10000 من العاطلين في أكبر تجمع بالمنطقة للمطالبة بالعمل والكرامة في مؤشر على تطور الحركة تنظيميا و مطلبيا ونضاليا.
وتحركت تنسيقية النقابات المستقلة لمنطقة الجنوب و” الهضاب العليا” و “الأوراس “من أجل فرض مطلب الاستفادة وزيادة منحة المنطقة .
كما انطلق احتجاج الشرطة من “غرداية” ليعم البلد وقيام أفراد الشرطة بمسيرة في العاصمة واعتصام أمام قصر المرادية في سابقة تاريخية في الجزائر وبعموم المنطقة لم يجد معه النظام بدا من الاحتواء والتنازل تفاديا لصب الزيت على النار.
إن تزايد النضال العمالي والشعبي واتساع رقعة انتشاره وطول نفسه و أساليبه الكفاحية وابداعاته التنظيمية واختراقه للقلاع الحصينة لأجهزة الشرطة التي كانت أداة قمع لتطلعات الشعب واحتداد تناقضات قمم الحكم التي وصلت أصداؤها إلى الرأي العام .وغياب أي بدائل من الأعلى في وجه تآكل مصداقية النظام السياسي العاجز تماما أمام المعضلات السياسية والاقتصادية المحذقة بالبلد. كل ذلك مؤشرات على أن هناك هديرا في الأعماق سيكشف عن ملامحه على المدى المنظور.
ضد الغاز الصخري نحن متحدون:
دون سابق اعلام وفي سرية معبرة أقدمت الدولة الجزائرية على السماح لشركات متعاقدة ببداية حفر بئر للتنقيب عن الغاز الصخري على بعد 30 كلم من منطقة”المجينة” المأهولة بدائرة “عين صالح”.
أثار ذلك غضب سكان الجنوب وامتدت الاحتجاجات لتشمل 11 ولاية جنوبية وشهدت كل المدن وقفات ومسيرات وإضرابات عامة محلية وكان الاحتجاج اليومي “بعين صالح” بولاية “تمنراست” مفجرا وعنوانا للمعركة التي يخوضها السكان ضد ما يهدد الفرشة المائية والهواء وصحة السكان ويضع مستقبل الأجيال في كف شركات متعددة الجنسيات، الرابح الوحيد من الاستغلال المرتقب للغاز الصخري بمنطقة الجنوب .
سكان الجنوب ليسوا ضد تنمية بلدهم التي حرموا منها وليسوا انغلاقيين أو متعصبين محليين ضيقي الأفق، بل إن منظورهم موجه بحس سليم مستند على حذر شديد ايجابي إزاء الغايات من وراء قرارالتنقيب، منطلقين من أن ثروة الجزائر مصدرها الجنوب، لكن ثمارها تذهب الى مافيا جشعة جاثمة على ظهر الشعب حابسة أنفاسه ومقامرة بمستقبله، “نحن لا نطالب بالتنمية لأن الحكومة أساءت تسيير أموال تنمية المنطقة فذهـبت إلى جيوب المسؤولين .نحن نطالب بأمر واحد، فقط وقف استغلال الثروات الطبيعية لأن مصدرها في النهاية هو جيوب المسؤولين” يقول علي هدار أحد المناضلين ضد قرار الحكومة.
“أنظر حولك في عين صالح لا تر سوي الحرمان و التدهور التنموي وتراجع مستوى المعيشة . كيف نقبل مشروعا يلوث البيئة من جهة ونحن نعرف مسبقا أننا لن نحصل على أي شيء بعد استغلاله من جهة ثانية، حيث تذهب أمواله إلى أصحاب الفيلات في العاصمة والدليل أموال نفط 50 سنة” كما جاء على لسان السيد حامادي سومي أحد الناشطين في عين صالح.
حاولت الدولة تجاهل الاحتجاجات ببساطة مراهنة على استنفاد جهود المحتجين، لكن اصرار السكان وتوسع التعبئات دفع الدولة لشن حملة مضادة بالتشكيك في وطنية الرافضين واعتبار مواقفهم تعاكس المصلحة الوطنية، لكن الحيلة أعطت نتائج عكسية حيت تواصلت الاحتجاجات وازداد الغضب و امتد التضامن ليشمل كامل الجنوب ليصل الشمال كالجزائر العاصمة و”بجاية ” والغرب كوهران وغيرها.
ناورت الدولة بتراجع شكلي لا يغير من عزمها على المضي في قرارها، بتنظيم تصريحات اعلامية بدأها الوزير الأول “عبد المالك سلال” و ما نقل عن “عبد العزيز بوتفليقة” و وزير الطاقة ،التصريحات تلك ركزت على أن الأمر لا يتعلق باستغلال الغاز الصخري بالمنطقة بل بتجارب استكشافية لمعرفة المعطيات الدقيقة عن خصائص و احتياطيات ودراسة الجدوى وفي حالة الحسم ببدء الاستغلال فسيخضع لمعايير دقيقة تراعي السلامة البيئية . رد المحتجون بمطلب الوقف الفوري للأعمال الجارية وبعث لجنة من السكان للتأكد من الأمر واصدار بلاغ رئاسي يتضمن قرار التعليق وفتح نقاش عمومي حول استغلال الغاز الصخري وطرح كل المعطيات وكشف المخاطر والمكاسب وان يكون القرار تتويجا لذلك .
كل الأحزاب السياسية إما دعمت حركة الاحتجاج أو ناصرت مطالب السكان ومنها من دعت على الأقل الى ضرورة فتح نقاش عمومي حول الموضوع . حتى “حزب التحرير الوطني” انتقد طريقة تدبير الحكومة للمسألة. حزب العمال وحده في شخص أمينته العامة السيدة “لويزا حنون” دافعت عن قرار استغلال الغاز الصخري ورافعت عن وطنية المدير العام لشركة “سونطراك” الذي قرر بدء العمل منتقدة عدم دعمه في قراره من طرف الحكومة ورئاسة الجمهورية، ووشحت إياه بكل أوسمة الوطنية والنزاهة، واستنكرت التلاعب بسكان الجنوب ودغدغت نواياهم الحسنة بنشر أكاذيب حول الموضوع ومعطيات غير صحيحة، وبحماسة نساء الدولة البارات قالت : “منذ متى تستشير الدولة المواطنين في المشاريع التي تنوي انجازها. ومنها مشروع استغلال الغاز الصخري. اذن ستستشار المواطنين في انجاز الطرقات والسكنات وقنوات الصرف الصحي والخلاصة لن يعود هناك دولة أصلا” (خالد بودية الأربعاء 21 يناير 2015 الخبر).
والحقيقة أن استشارة المواطنين في انجاز الطرقات والسكنات وقنوات الصرف الصحي الى غيرها من أمور تسيير البلد في شتى المجالات يؤدي الى خلاصة انتهاء دولة طغمة حاكمة نهابة لا يهمها الا ضمان دوام تدفق الثروة بغض النظر عن الكلفة البيئية و مستقبل البلد و الأجيال القادمة وهذا ما لا تريد السيدة “حنون” إعمال العقل وفتح الأعين حوله.
“يا للعار باعوا الصحراء بالدولار … لا تقتلوا سكان عين صالح لنعيش بالدولار” “لا للعودة للتجارب النووية الفرنسية بالمنطقة”. تلك بعض الشعارات التي رددتها حناجر عمال وكادحي الجنوب الجزائري وستلقى مناصرة وتضامن كل رفاقهم عالميا أما” الرفيقة” فقد اختارت الخندق المقابل ولن تحجب المزايدة بالوطنية حقيقة ذلك .
خيارات الدولة الجزائرية
الاحتياط المائي الجوفي مكانه الصحراء الجزائرية واستغلال الغاز الصخري بالمنطقة تدمير اجرامي لعصب الحياة النادر بمنطقتنا . تلك حقيقة ساطعة لا تحتاج إلى تخصص دقيق للاقرار بها .الا أن أزمة الدولة وبداية العد العكسي لانتاج الطاقة التقليدية لحدود الآن، يجعل استغلال الغاز الصخري قرارا نافذا من وجهة نظر الدولة إن تبث جدوى انتاجه الاقتصادي . لن يوقف اصرار حكام الجزائر عن تنفيذ الجريمة الايكولوجية وحكم الاعدام في حق الأجيال القادمة و هدر ثروة نادرة بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط –لن يوقف ذلك- الا نضال جبار يشمل كامل الجزائر ويوحد عماله وكادحيه ضد ما يحاك ضد البلد . إن أزمة الجزائر ليست أزمة سعر البترول ولا تقلص انتاجه. ان معضلة الجزائر كامنة في نظام مفلس فوت على البلد توظيف امكانياته الهائلة المادية والبشرية، مكرسا لتبعية خطيرة وتخلف فظيع وفساد مستشري . إن أخطر ما يهدد البلد كامن في النظام القائم الذي لن يتردد ان حشرته النضالات الشعبية في الزاوية أن يخرج كل خططه الدموية لتفجير صراعات جهوية أو اثنية أو عرقية أو تحريض نزعات انفصالية لحرف النضال عن سكته وخلق أعداء وهميين . أليست العشرية السوداء من نتائج أزمة 1986 ؟ وردا على النضال الشعبي لانتفاضة 1988 المجيدة ؟
بصلابة مقاومته أرغم الشعب الجزائري الامبريالية الفرنسية المتغطرسة على مغادرة البلد دون اتفاقات اذلال. بفضل تضحيات عماله وكادحيه هزمت الامبريالية ،هؤلاء وحدهم من لهم القدرة والمصلحة على تحرير البلد من ربقة طغمة حاكمة وطنها أرصدتها البنكية المهربة حتى ولو دمرت الجزائر .
فبراير2015
ابناي حسن

شارك المقالة

اقرأ أيضا