الشرق الأوسط، شمال افريقيا: السيرورة الثورية في قبضة القوى الرجعية

نشر هذا النص ضمن مواد عدد 59 من جريدة المناضل-ة.

بقلم: جوزيف ضاهر- السبت 28 فبراير، 2015

تعريب جريدة المناضل-ة

حتى الآن، مرت أربع سنوات منذ بدء السيرورة الثورية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحتى لو أنها لم تكتمل فإن أهدافها الأولية (الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والمساواة) لم تبدو أبدا أكثر بعدا. لقد قامت الرجعية بجميع أشكالها بهجوم مضاد. ومع ذلك بقيت التطلعات من أجل الحرية والعدالة سليمة، والتعبئات تتواصل.

القوتان الرئيسيتين البارزتان والمهيمنتان على المشهد السياسي في المنطقة هما ممثلوا الأنظمة الاستبدادية السابقة، من جهة، والقوى الأصولية والرجعية الإسلامية بتنويعاتها المختلفة، من جهة أخرى. في تونس، على سبيل المثال، القوة التي تصدرت انتخابات أكتوبر الماضي والتي فازت في وقت لاحق بالرئاسيات في نوفمبر- ديسمبر 2014 هي نداء تونس، والتي تمثل مصالح الأنظمة القديمة لبورقيبة وزين العابدين بن علي. وفي المركز الثاني جاءت الحركة الإسلامية الرجعية النهضة.
مصر
عودة ممثلي الأنظمة القديمة إلى السلطة لا يقتصر على تونس، بل هي ظاهرة إقليمية. في مصر، تمت تبرئة الديكتاتور السابق حسني مبارك في 29 نوفمبر 2014 من التهمتين الرئيسيتين الموجهة ضده: الفساد وخصوصا دوره في القمع ووفاة أكثر من 850 متظاهر خلال الانتفاضة التي استمرت 18 يوما وتسببت في سقوطه، في فبراير 2011. أبناء مبارك، علاء وجمال، المتهمان باختلاس أو تسهيل تحويل أكثر من 125 مليون جنيه مصري (نحو 14 مليون يورو)، تمت تبرئتهما أيضا. والتهم الموجهة لسبعة من كبار المسؤولين الأمنيين، بينهم وزير داخلية مبارك السابق حبيب العادلي، تم التخلي عنها … يسعى نظام السيسي فعلا إلى إعادة تأهيل نظام مبارك الاستبدادي السابق ويشترك معه في مواصلة نفس السياسات.
منذ وصول السيسي إلى السلطة، تم قتل 1400على الأقل من أنصار الإخوان المسلمون، وسجن أكثر من 15000 من أنصار هذه المنظمة. لقد تم تناول دور الإخوان المضاد للثورة سابقا، ولكن لا ينبغي أن يمنعنا هذا من شجب انتهاكات وجرائم نظام السيسي ضد أعضاء جماعة الإخوان، لأن هذا يشكل انتهاكا لقواعد الحقوق الديمقراطية الأولية. التزام الصمت عن هذه الجرائم، يعني ترك المجال حرا للثورة المضادة، وخيانة للمبادئ الأساسية للدفاع عن الحقوق الديمقراطية.
لم تتوقف الحكومة المصرية عند جماعة الإخوان المسلمون، بل هاجمت أعضاء من المعارضة الليبرالية واليسارية، واعتقلت العديد من المناضلين، وذلك لأنهم انتهكوا القانون المثير للجدل الذي يحد من الحق في التظاهر. في مطلع يناير 2015، أصدرت وزارة العدل في نظام السيسي أيضا أمرا بمصادرة أصول عدد من أعضاء الاشتراكيين الثوريين، وحركة 6 أبريل وشباب من أجل العدالة والحرية، ضمن قائمة من 112 شخصا متهمين بالانتماء إلى منظمة إرهابية. ويستند هذا الإجراء على قرار سابق للنظام العسكري يعتبر جماعة الإخوان المسلمون جماعة إرهابية.
تواصل الثورة المضادة التي يجسدها نظام السيسي تقدمها، بدعم قوي من المملكة العربية السعودية وملكيات الخليج، وحتى رسميا قطر. هذه الأخيرة، الداعمة لجماعة الإخوان المسلمون في مصر وفي أماكن أخرى، والتي لا تزال تستضيف مسؤولين لها، أعربت عن دعمها لنظام السيسي يوم 9 ديسمبر 2014 خلال مؤتمر لمجلس التعاون الخليجي، بعد ضغوط من قبل ممالك مختلفة بمنطقة الخليج. يبقى مع ذلك أن نرى ما إن كان هذا سوف يتحول عمليا إلى دعم فعال لنظام السيسي.
وفي الوقت نفسه، لم تقم حركة الإخوان المسلمون المقموعة بشدة بنقد ذاتي عميق بخصوص مرورها بالسلطة وسياساتها الاستبدادية والمضادة للثورة. منذ سقوط مرسي، عززت الحركة حتى خطابها الديني العدواني ضد الأقلية القبطية المسيحية، متهما إياها بكل أنواع المؤامرات وكونها المسؤول الرئيسي عن سقوط جماعة الإخوان المسلم من من السلطة، في حين رفضت دعم المطالب الاجتماعية والعديد من الإضرابات العمالية المقموعة من قبل النظام. المطلب الوحيد لجماعة الإخوان، وشعارها الموجه لأنصارها، هو عودة مرسي، وهو بعيد عن أهداف الثورة (الديمقراطية والعدالة الاجتماعية).
سوريا
في حالة سوريا، بينما في الماضي كان حل نظام استبدادي من دون الأسد ومع بعض أقسام المعارضة السورية (الليبراليين وجماعة الإخوان المسلمين) القريبة من الدول الغربية ودول الخليج، ولكن غير ممثلة للثوار السوريين، هو ما اختارته مختلف القوى الامبريالية الدولية والإقليمية، إلا إن هؤلاء الأخيرون الآن يتفقون أن الأسد يمكن أن يبقى أخيرا، ويكون حليفا في ما يسمى ب «الحرب ضد الإرهاب». سيتم إذن إخلاء ساحة نظام الأسد من كل الجرائم والدمار الذي سببته قواته المسلحة والميليشيات المحلية والأجنبية. يمكننا أن نرى أيضا أن تدخل الدول الغربية في سوريا بقيادة الولايات المتحدة وتعاون بعض ملكيات الخليج لم يكن له تأثير كبير على الأرض ولم يتم وقف تقدم القوات الجهادية وخاصة الدولة الإسلامية وجبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سوريا). في العراق وسوريا، على الرغم من استعادة كوباني، تحفاظ هذه القوى الجهادية على جزء كبير من أراضيها.
وبالمثل، لا يزال هناك رفض لمختلف ما يسمى ب «أصدقاء» الثورة السورية تقديم مساعدة سياسية وعسكرية دعم المكونات الديمقراطية والشعبية للجيش السوري الحر، والجماعات الكردية، التي قاتلت وتقاتل نظام الأسد والقوى الإسلامية الرجعية. ينبغي أن نتذكر أن هذه هي المكونان الاثنين، الجيش الحر والجماعات الكردية، بالإضافة إلى الحركة الشعبية السورية، هما من قاتلا أولا، ودفعتا ثمنا باهظا، لتوسع القوات الجهادية في سوريا، في حين سمح نظام الأسد بتوسعها وركز حملته القمعية ضد القوى شعبية، المدنية كما المسلحة، الديمقراطية والتقدمية في البلاد.
لم يمنع الوضع الإنساني والسياسي الكارثي في سوريا استمرار المقاومة الشعبية، مع أنها ضعفت، في مناطق مختلفة من سوريا ضد استبداد قوات الأسد والمجموعات الإسلامية الرجعية والجهادية. خرجت مظاهرات شعبية ضخمة في أوائل يناير في ضواحي دمشق، في بيت سحم، ضد السلوك الاستبدادي لجبهة النصرة، وفي نفس الوقت تردد شعارات ضد نظام الأسد. في المناطق حلب «المحررة»، دعت جماعات ثورية لإضراب عام احتجاجا على خطف العاملين في المجال الطبي من قبل قوى جبهة النصرة. وفي حي الواعر في حمص، نظمت مظاهرات بشعارات مطالبة بسقوط النظام. يجب أن نعرف أيضا أنه خلال شهر ديسمبر أن «عمال نظافة» المناطق «المحررة» في حلب احتجوا ضد اتأخر صرف الأجور وخفض رواتبهم من قبل الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية (المعارضة السورية القريبة من دول الخليج والدول الغربية).
تونس
في تونس، كما تمت الإشارة أعلاه، فإن القوتان التي جاءت على رأس نتائج الانتخابات هما نداء تونس الممثل لمصالح الأنظمة السابقة لبورقيبة وزين العابدين بن علي، والحركة الإسلامية الرجعية النهضة، التي كانت في السلطة منذ أكتوبر 2011 بتحالف مع المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل، الذي كان ينظر لهما حينئذ كأحزاب «ديمقراطية اجتماعية».
بدا إذن نداء تونس كاختيار أكثر جاذبية بالنسبة لمنظمات أرباب العمل التونسيين، والحكومات الغربية والمؤسسات المالية الدولية. من جانبها، قامت النهضة وهي في السلطة بمواصلة السياسات الاقتصادية والاجتماعية فائقة الليبرالية المنتهجة في عهد بن علي. والتزمت النهضة أيضا بحماس بالوفاء بالتزامات تونس مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وتلقت قروض جديدة تتجاوز المليارات. في نفس الوقت، تم اعتبار النقابات الكفاحية ومطالب العمال في بعض الأحيان أنها مبالغ فيها. بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل للشغل، الذي اتهمه الغنوشي (رئيس النهضة) في مقابلة في يوليوز 2014 أيضا بأنه إرث فرنسا وأنه ليس مؤسسة «طبيعية» للمجتمع الإسلامي.
لم يوقف وصول النهضة الى السلطة أعمال العنف ضد المعارضين، كما شاهدنا مع الاغتيالات السياسية. لقد نفذت العديد من الهجمات من قبل المليشيات، التي تعتبر موالية للنهضة، والمدعوة « رابطات حماية الثورة»، وأيضا من طرف الجماعات السلفية. وقد استهدفت الحركات السياسية والاجتماعية المختلفة: التجمعات السياسية للجبهة الشعبية أو مكوناتها، فضلا عن نشطاء آخرين وجمعيات (بما في ذلك الفنانين الذي منعوا من إقامة حفلات بمبرر «انتهاك للمبادئ الإسلامية»). ناهيك عن هجوم رابطات حماية الثورة على مقر العام التونسي للشغل في تونس بالعصي والسكاكين وقنابل الغاز، مما خلف أكثر من عشرة جرحى 4 ديسمبر 2012، في الذكرى ال60 لاغتيال زعيم الحركة النقابية التونسية ومؤسسها، فرحات حشاد. ورافق هذا العنف اشتداد القمع الذي تمارسه الدولة ضد المعارضين، وخصوصا اعتقال العديد من النقابيين عدة مرات بسبب أنشطتهم النقابية.
قبل ان تضطر الى مغادرة السلطة، صوتت النهضة وحلفائها على ميزانية تقشف وسياسات معادية للمجتمع ومعادية للشعب. وكانت التدابير الضريبية الجديدة المضرة صراحة بالطبقات المتوسطة والشعبية العمل المفجر لحركة احتجاج واسعة، مما تسبب ليس فقط بوقف هذه الإجراءات ولكن أيضا الاستقالة القسرية لرئيس الحكومة الاسلامي علي العريض.
البحرين واليمن وليبيا
في بلدان أخرى، يتجتاز السيرورة المنطلقة في عام 2011 أيضا مواقف صعبة. في البحرين، يواصل النظام الملكي لآل خليفة قمع منظمات المعارضة الرئيسية والمناضلين، بدعم من ملكيات الخليج التي تتهم، بشكل مضلل، إيران بدعم المتظاهرين وبأنها تريد القيام بانقلاب..2
ما فتأ النظام الملكي آل خليفة يستغل باستمرار التوترات الطائفية ضد الشيعة، الخاضعين لتمييز كبير جدا على المستوى السياسي والاجتماعي، وذلك لتقسيم الطبقات الشعبية وتشويه سمعة المحتجين المعادين للنظام. وتواصل الأجهزة القمعية للمملكة قمع العديد من المظاهرات الشعبية، بعنف، في حين أن جرت «الانتخابات» منذ بضعة أشهر، وتمت مقاطعتها تماما من قبل المعارضة ككل التي تسائل انعدام الشفافية والديمقراطية.
البرلمان الجديد خاضع كليا للنظام القائم. لقد اعتقل الشيخ علي سلمان زعيم حزب المعارضة الرئيسي الشيعي البحريني (الحزب المحافظ الوفاق، الذي يريد نظام ملكي دستوري، وليس سقوط النظام)، في أواخر ديسمبر وما زال رهن الاحتجاز. ورغم احتجاجات جد منتظمة وقليلة الزخم، لا تزال الدول الغربية تدعم نظام آل خليفة، وخاصة الولايات المتحدة التي لديها الأسطول الخامس بالبحرين. ترى واشنطن قاعدتها العسكرية في البحرين، على أنها الثقل الموازن الرئيسي لجهود ايران المزعومة لتطوير قواتها المسلحة وتهدد الخليج.
في اليمن، الحل الذي تم التفاوض بشأنه من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في عام 2011، المرتكز على الحفاظ على النظام القائم وإشراك قوى سياسية أخرى، مع دفع الدكتاتور علي عبد الله صالح للرحيل، تم هدمه بالاستلاء على العاصمة صنعاء من قبل ميليشيات الحوثي (متمردون شيعة) في سبتمبر عام 2014. يرفض الحوثيون المكانة المتروكة لأنصار صالح في «الحكومة التوافقية» الناتجة عن الحل التفاوضي، وأيضا ضمان الحصانة للرئيس المخلوع. وهم يطالبون أن تمنح للأقلية الشيعية حقائب وزارية في الحكومة التي تتألف في غالبيها من مؤيدي الحزب السني التجمع اليمني للإصلاح، الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين.
وقد كانت الفتوحات الترابية للحوثيين سهلة بسبب ضعف الدولة منذ انتفاضة عام 2011 على خلفية المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة. وتشهد البلاد الآن صراعا عسكريا بين القوى السياسية المتنافسة، فضلا عن الاحتجاجات الشعبية. وقد تفاقمت الأزمة في الآونة الأخيرة عندما اقتحمت ميليشيا الحوثي مجمع القصر الرئاسي وحاصرت مقر رئيس الوزراء في العاصمة.
واحدة من نقاط الخلاف الرئيسية هي التعارض، المختلط مع القضايا القبلية والطائفية (مع الحوتيين، المتحدرين من تيار شيعي ضد مجموعات سنية بعضها يعلن الولاء لتنظيم القاعدة)، بين مشروع دولة فيدرالية تتألف من ست مناطق، تمت الموافقة عليه في يناير عام 2014 بعد مؤتمر الحوار الوطني، ومشروع ميليشيا أنصار الله القريبة من الحوثيين الذي يريد دولة تتشكل من منطقتين.
في ليبيا، البلد عرضة للفوضى ولاشتباكات عنيفة بين القوى السياسية المتصارعة. هناك رسميا في البلاد حكومتين برلمانان متوازيان، واحد قريب من ميليشيا فجر ليبيا، يعتبر ائتلافا لميليشيات مصراتة والإسلاميين، ويسيطر على طرابلس، والآخر المعترف به من المجتمع الدولي ويوجد في طبرق قرب الحدود المصرية.
وقد بدأت مشاورات في 14 يناير في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة، في محاولة لوقف الأعمال العدائية بين الأطراف السياسية المختلفة. نمت العديد من الميليشيات المسلحة خارج نطاق السيطرة، وفرضت قوانينها في بعض المناطق. بالتالي أصبح جنوب البلاد مسرحا لاشتباكات قبلية في سياق صراع على السلطة من أجل السيطرة على التهريب في الصحراء. لم تستعد ليبيا حكومة مستقرة منذ سقوط الدكتاتور القذافي أكتوبر 2011 ومرت تحت سيطرة ميليشيات المتمردين السابقين الذين يتنافسون على أراضي هذا البلد الصحراوي الشاسع الغني بالنفط.
تعارضات وتواطؤات
على منوال ما جرى في تونس خلال الانتخابات التشريعية، ومثل قمع الإخوان المسلمين في مصر، يمكن أن ينظر للتعارضات بين ممثلي الأنظمة القديمة والقوى الإسلامية الرجعية والأصولية. هذا لا يعني أن المواجهات بين القوتين لم يترك مجالا للتحالفات والتعاون في أوقات معينة. يجب أن نتذكر أنه بعد سقوط مبارك، حافظت حركة جماعة الإخوان المسلمين في مصر على علاقات جيدة وحتى تعاونت مع قادة الجيش، حتى الاطاحة بمرسي في يوليوز عام 2013.
وبالإضافة إلى ذلك، عندما سيطر الإخوان المسلمون على البرلمان وشغلوا رئاسة الحكومة، فإنهم لم يتحدوا السلطة السياسية والاقتصادية للجيش، ولا استنكروا دوره القمعي ضد الحركة الشعبية، على سبيل المثال خلال 18 يوما من انتفاضة عام 2011 أو خلال جرائم ماسبيرو في نوفمبر 2011 ضد المتظاهرين الأقباط. اقتصاديا، كانت جماعة الإخوان المسلمين تتبنى السياسات النيوليبرالية لعهد مبارك، منتقدة فقط المحسوبية وفساد النظام. ولم يمنعهم ذلك من التعاون مع شخصيات معينة في عالم الأعمال، وثيقة الصلة بنظام مبارك.3 شجع برنامجهم السياسي والاقتصادي التفكيك المتسارع للخدمات الاجتماعية للدولة لصالح دور أكبر للقطاع الخاص والجمعيات الخيرية الدينية.
في تونس، تعاون نداء تونس والنهضة في مناسبات عديدة سابقة ولم يخفيا نيتهما القيام بذلك مستقبلا. في مقابلة أكتوبر 2014، لم يستبعد راشد الغنوشي إمكانية العمل مع نداء تونس، وأضاف أن حزب النهضة هو الذي حال دون إقرار قانون تحصين الثورة، ما سمح لأشخاص ينتمون إلى النظام السابق بالترشيح للانتخابات. وقال نائب رئيس النهضة عقب فوز نداء تونس فب الانتخابات، عبد الفتاح مورو انه ليس ضد أن تكون النهضة جزء من الحكومة المقبلة. وقال القيادي في حركة نداء تونس والمرشح لرئاسة الجمهورية، الباجي قائد السبسي، أيضا أن حركة النهضة ليست عدوا، بل وقال انه اذا كانت المصلحة العليا للدولة تتطلب ذلك، لن يتردد نداء تونس أبدا في تشكيل جبهة مع النهضة.
خلال الجلسات الاولى للبرلمان التونسي الجديد، لوحظ هذا التعاون. التصويت الوحيد الذي اتخذ يوم 2 ديسمبر ينطوي على عطلة لمدة 48 ساعة، لإتاحة مزيد من الوقت لنداء تونس والنهضة للتفاوض فيما بينهم و/ أو استرداد كل منهما لحلفاء. كانت الجبهة الشعبية المجموعة البرلمانية الوحيدة المعارضة لذلك، والتحق بموقفها عدد قليل من المستقلين. عند الجلسة الثانية يوم 4 ديسمبر صوت كل من نداء والنهضة مرة أخرى للحقائب السيادية. وقال الغنوشي في أواخر ديسمبر ان نداء تونس ليس ممثل النظام القديم وأعرب عن ثقته بقائد السبسي، الذي كان جزءا من الثورة.
رئيس الوزراء الجديد، الحبيب الصيد، يمثل إلى حد كبير هذا التقارب في المصالح. كان وزير الداخلية في عام 2011، في الحكومة المؤقتة للقائد السبسي، حينئذ رئيس الوزراء بعد سقوط الدكتاتور زين العابدين بن علي، ولكن في وقت لاحق، مستشار للشؤون الأمنية لخليفته الإسلامي حمادي الجبالي. في السابق، تحت زين العابدين بن علي، كان السبسي رئيس أركان وزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون البيئة. وقد أعربت النهضة عن استعدادها «للتعاون الكامل» معه.
وقال بارون الأعمال والداعم للنهضة، محمد فريخة في وقت سابق ان جمعية أرباب العمل التونسية قد اقترحت على مختلف الأطراف، بما في ذلك النهضة، دمج رجال الأعمال في قوائمها، مشيرا إلى أن هناك توافقا معينا في الآراء بشأن الخط الاقتصادي، ولا سيما بين النهضة، ونداء تونس وغيرها مثل آفاق تونس (حزب مفرط النزعة الليبرالية).
ضد تنويعا الثورة المضادة
هذه التنويعات اثنين، ممثلوا الأنظمة القديمة والقوى الإسلامية الأصولية الرجعية وهم أعداء شرسون للأهداف الأولية للسيرورة الثورية. وقد تم فعلا الهجوم على حركات شعبية ومناضلين ومجموعات حاملة لهذه الأهداف من طرف هاتين القوتين.
يتعلق الأمر بقوتين مضادتين للثورة، أبعد من اختلاف خطابهما. يقدم ممثلو الأنظمة القديمة أنفسهم باعتبارهم المدافعين عن الحداثة، والمنقذين لوحدة الوطن وأبطال المعركة ضد «الإرهاب». وتقدم القوى الإسلامية الأصولية الرجعية نفسها من جهتها باعتبارها الضامنة للدين الإسلامي والأخلاق وأصالة الهوية الإسلامية والعربية، وكل ذلك مع ضمان الارتباط مع «الأمة» (جماعة المؤمنين أو «الأمة») الإسلامية.
هاذين الخطابين، وإن اختلافا في المظهر، لا ينبغي أن تجعلنا ننسى أن الحركتين تشتركان مشروعا سياسيا متشابها جدا: الحد من الحقوق الديمقراطية والاجتماعية وقمعها، مع السعي لضمان نظام الإنتاج الرأسمالي ومواصلة سياسات الليبرالية الجديدة التي أدت إلى إفقار الطبقة العاملة في المنطقة. وبالمثل، هاتين القوتين المضادة للثورة لا تتردد في استخدام خطاب يهدف لتقسيم الطبقات الشعبية وتعارضها على أسس طائفية دينية وعرقية وجنسية وجهوية، الخ
الاختلافات السياسية التي اختارت وتختار دعم واحدة من هاتين القوتين المضادة للثورة، من خلال تقديمها كخيار «أهون الشرين»، تختار فعلا خيار الهزيمة والحفاظ على النظام الظالم الذي ترزح تحته الطبقات الشعبية في المنطقة. ليس دور الثوريين الاختيار بين فصائل مختلفة من البرجوازية ومن القوى المضادة للثورة، المدعومة من مختلف القوى الإمبريالية أو من الإمبرياليات الصغرى. لذا يجب بشكل خاص التشديد لهذا الغرض على المركزين الإقليميين للثورة المضادة اللذان تمثلهما المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين من جهة، التي تناصر قوات الأنظمة القديمة، ومن جهة أخرى قطر التي تدعم القوى الإسلامية الأصولية.
دور التيارات التقدمية هو معارضة القوى المختلفة المضادة للثورة وبناء جبهة مستقلة عن كلا أشكال الرجعية هذه. يجب على القوى التقدمية أن تقوم على أسس ديمقراطية واجتماعية، ومناهضة للإمبريالية ومعارضة لكل أشكال التمييز وتعمل على إحداث تغيير جذري في المجتمع في ديناميكية من أسفل تجعل من الطبقات الشعبية فاعلا للتغيير.
في مواجهة هذه الاشتباكات أو التواطؤات بين قوى الرجعية، ليس علينا أن نختار واحدة من أشكال الرجعية. علينا دعم وبناء وتنظيم بديل شعبي وجذري من أجل الأهداف الأصلية للثورات: الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة.
جوزيف ضاهر

———
هوامش:
(1) هذه المجموعة تمتد من حركة الإخوان المسلمين حتى مختلف الجماعات الجهادية. هذه القوى ليست متماثلة بالطبع، هناك اختلافات كبيرة بينهما، لكنها تشترك في موقف مضاد للثورة في مواجهة الحركة الشعبية وأهداف الثورة.
2 أغلبية سكان البحرين شيعة، في حين أن الأسرة الحاكمة آل خليفة سنية.
3 كان الرئيس مرسي دعا مثلا محمد فريد خميس لتكون ضمن وفد إلى الصين ، وهو رئيس شركة النساجون الشرقيون وهو عندها عضو المكتب السياسي وبرلماني للحزب الوطني الديمقراطي، وهو الحزب الحاكم سابقا زمن مبارك. وشارك أيضا ضمن الوفد عضو آخر في المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي ومقرب من نجل الرئيس السابق، جمال مبارك،: شريف الجبلي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية ووباطرون بولي سيرف Polyserve، وهي مجموعة متخصصة في الأسمدة الكيماوية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا