النظام المغربي يستعمل الأشقاء السوريين اللاجئين لتنفير الكادحين من الثورة

سياسة15 أبريل، 2015

بقلم: زينب وخطيب، نشر بالعدد 59 من جريدة المناضل-ة مارس-أبريل 2015

شهدت السنوات الأخيرة توافد أعداد كبيرة من اللاجئين السوريون إلى المغرب، فارين من جحيم الحرب والقصف. دفع اشتداد المعارك بين قوات النظام والجيش الحر وسيطرة قوى رجعية دينية مسلحة على مناطق واسعة من سوريا، الناجيين إلى الهرب تاركين وراءهم ما بقي من ممتلكات، وغادروا وظائفهم وحياتهم اليومية. كان أملهم أن في المغرب ملجأ سيحتضنهم وسيوفر لهم لقمة عيش كريمة، ويضمن لأطفالهم ولوج المدارس، وينسيهم معانات الحرب.
من جحيم الحرب إلى جحيم التسول بالمغرب
قطع السوريون آلاف الكيلومترات هربا من الدمار في بلدهم، متوجهين إلى المغرب عبر الجزائر بدون تأشيرة، ما يجعلهم مهاجرين «غير شرعيين»، ما شكل عائقا في وجه العائلات السورية للاستقرار وبناء حياة جديدة في المغرب. لا تسمح القوانين المغربية للمهاجرين «غير الشرعيين» بالعمل أو بتسجيل أبنائهم بالمدارس العمومية، كما لا يمكنهم الحصول على سكن لائق. ولأنهم محرومون من كل شيء لجئوا مكرهين للتسول ضمانا للقمة العيش. وصارت الطرقات والأرصفة والمساجد أماكن لعرض مأساتهم. يشهرون جوازات السفر وبطائق التعريف الشخصية لتأكيد أنهم سوريون يطلبون المساعدة بعد ما حل بهم من خراب وغربة..
قال طلال الإمام، أحد النشطاء السوريين لتظاهرة مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين شهر أبريل 2014 أإن “الأوضاع التي تعيش في ظلها العائلات السورية بالمغرب “صعبة للغاية”، وأن المساعدات التي يتلقونها تقتصر على إعانات محدودة مقدمة من بعض الأشخاص والمحسنين المغاربة». (وكالة الأناضول، 11 أبريل 3014).
المغرب بلد عبور
بسبب هذه الأوضاع أصبح رجاء السوريين هو مغادرة المغرب، حيث في وقفة لهم يوم 18 غشت 2014 أمام مكتب مفوضية اللاجئين في الرباط «بإعادة توطينهم في بلد ثالث لكون المغرب بلد عبور بالنسبة إليهم، لا بلد إقامة». (موقع القدس العربي 20 غشت 2014)
جعلت هذه الأوضاع اللاجئين السوريين يحالون عبور السياج الفاصل نحو مليلية بشكل فاق عدد محاولات الجنوب أفريقيين، «وصل أكثر من 2400 سوري إلى مليلية خلال سنة 2014»، و»يشكل السوريون «60% من قاطني مراكز الإيواء في مدينة مليلية، وبهذا يتجاوزون خلال الشهور الأخيرة الهجرة الأفريقية التي تعتبر كلاسيكية وقديمة وتعود إلى سنوات طويلة». (جريدة الموندو الإسبانية نقلا أخبار مليلية 06/01/2015).

soriyin-deux-500x500
استعمال خبيث لمعاناة السوريين من طرف الاستبداد
أصبحت معانات السوريين، منذ دخولهم المغرب واضحة، وتجري أمام أعين الدولة المغربية. وتعلن هذه الأخيرة دوما أنها تتساهل مع وجودهم على أراضيها، لكنها لا تعترف بوجودهم القانوني لتخفف مأساتهم. ربما تريدهم متسولين، وبلا مدارس ولا عمل…الخ. الدولة على علم بما عاناه السوريون في بلدهم، وبما يعانونه في المغرب من ذل ومهانة، وتركتهم عرضة للشارع بلا أمل يمتهنون التسول ومن يدري ماذا سيمتهنون مستقبلا ما دام الشارع مسكنهم وملجأهم…
وتسد الدولة أي باب من أبواب مساعدة اللاجئين ليبقى الحل الوحيد أمامهم هو امتهان التسول، وهذا واضح من بيان حول وضع اللاجئين السوريين بالمملكة المغربية أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان – سورية: مثلا تقديم مساعدة غذائية بقيمة خمس وعشرون دولار يتم توزيعها عبر الجمعيات الشريكة» وهو من بين ما اتفق عليه المجلس في لقاءاته مع المسؤولين المسؤولين قد تم توقيفها «بعد بدا التوزيع.. بناءا على طلب الداخلية المغربية».
على الأرجح أن الدولة أرادت ذلك، وتريده فعلا، لتقول للمغاربة أنظروا كيف حولت «الثورة» السوريين إلى متسولين. تريد الدولة أن تقنع الجماهير المغربية المستغلة والمقهورة بالدليل الملموس أنهم ينعمون تحت استبدادها بالأمن والطمأنينة، وأن مصير الوقوف ضد الاستبداد ماثل أمامهم بجلاء. تأمل الدولة أن تكون الرسالة واضحة جدا: هؤلاء المتسولون يؤدون ضريبة الثورة، لذلك على المغاربة أن «يحمدوا الاستبداد على نعمة الأمن والاستقرار». إنها الدعاية التي لا تبارح إعلام النظام القائم: المغرب بلد الاستثناء، وبلد الأمن والأمان.
يضرب الاستبداد عصفورين بحجرة واحدة، من جهة يظهر بمظهر إنساني كونه يستقبل لاجئين فارين من ويلات حرب طاحنة، ومن جهة يحبط عزم الساخطين من وضع الاستبداد والاضطهاد السائد في المغرب. وكلا الجانبين، جماهير المغرب المفقرة، واللاجئون السوريون، كرامتهم مهدورة، وينعم نظام الاستبداد بالاستقرار مواصلا تعدياته.
لا يعني هذا أن النظام بالمغرب يفتح باب حدوده على مصراعيه أمام اللاجئين السوريين، فهو يستغل مآسي اللاجئين الأفارقة الذين سبقوهم، ليعلن صعوبة استقبال كل طالبي اللجوء السوريين، وهو ما صرح به بلاغ للديوان الملكي مشيرا إلى عدم إمكانية استقبال المغرب لجميع المهاجرين الوافدين عليه، نظرا لما يتطلب ذلك من «إمكانات لتوفير الظروف الملائمة لإقامتهم وتمكين المقيمين منهم بطريقة شرعية من فرص الشغل، وأسباب الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، وشروط العيش الكريم».
تخوف الاستبداد من عدوى الثورة
أعلنت الدولة المغربية عن مبادرة لتسوية أوضاع اللاجئين القانونية بمنحهم تأشيرة الدخول والإقامة، مبادرة شبيهة بالبروباغندا الإعلامية المحدثة سابقا حول تسوية المهاجرين الأفارقة، وما أن استنفدت بريقها حتى طواها النسيان. إلا أن الدولة تدرك جيدا أن تمتيع السوريين بحق المواطنة سيكون مدخلا لتناقل التجارب بينهم وبين الكادحين المغاربة، لذلك تتريث في منح هذا الحق للاجئين، مفضلة أن يبقى السوريون ضمن غيتوهات اجتماعية تعزلهم عزلا عن رفاقهم الكادحين المغاربة؛ وامتهان التسول وحرمانهم من حق السكن يعتبر وسيلة هذا العزل.
ولتفادي أي تأثير سياسي من طرف هؤلاء اللاجئين أعلنت وزارة الداخلية في بيان تحذيرا بأنها ستقوم بـ»الطرد الفوري لكل مخالف وذلك وفق القانون الخاص بدخول الأجانب وإقامتهم في المملكة المغربية». وجاء ذلك بعد أن حذرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية بدورها من سلوك «بعض الرعايا السوريين (..) الذين يثيرون القلاقل في المساجد وبين المصلين». (موقع الجزيرة نت، 28- 06- 2014)
وقد سبق للنظام المغربي في مارس من سنة 2014أن طرد مجموعة مكونة من 15 لاجئا سوريا قدموا إلى المغرب عبر الجزائر، وإرسالهم على متن رحلة متجهة إلى تركيا، وهو نفس المسلك الذي سلكته الدولة الجزائرية حين رحلت 31 سوريا إلى دمشق شهر سبتمبر 2014. رغم سعي النظام تضخيم حجم اللاجئين السوريين لأغراض دعائية محضة، يبقى حجم اللاجئين السوريين بالمغرب ضئيلا مقارنة بما استقبلته الدول الأخرى، حيث لم يتعدى عدد الذين سوت الدولة أوضاعهم القانونية في فبراير 2015؛ خمسة آلاف لاجئ سوري.

soriyin-trois-e1418253997357
نضال ضد سوء الأوضاع بالمغرب
إنها أيضا إشارة لبث الرعب في نفوس السوريين الذين احتجوا ضد أوضاعهم المزرية بالمغرب، فقد شهدت الرباط مجموعة من الوقفات احتجاجا على قصور جهود إيصال المساعدات الإنسانية المقررة من طرف هيئات الأمم المتحدة (وقفة أمام مقر المفوضية السامية للاجئين أبريل 2014، وأخرى في 18 غشت 2014)، ومطالبين أيضا «الهيئة الأممية بتقديم مساعدات إنسانية ومالية عاجلة للاجئين السوريين بالمغرب، و”تحسين ظروف عيشهم الصعبة”، داعيين إلى “إدماجهم” في المجتمع المغربي بالشكل الذي ييسر حياتهم، ويسمح لهم بعيش حياة كريمة، أو “إعادة توطينهم” في بلدان أخرى إذا لم يكن بمقدور المغرب استقبالهم، على حد قولهم». (وكالة الأناضول، 11 أبريل 3014).
التضامن الواجب مع إخواننا السوريين
إن إعلان التضامن مع الثورة السورية يستدعي بالدرجة الأولى التضامن مع ضحايا نظام بشار المجرم، وهم هؤلاء المهجرين غصبا من أراضيهم. يقتضي حس التضامن أولا عدم ترك هؤلاء لقمة سائغة لاستعمالات الاستبداد السياسية وموردا ماليا لشبكات الترحيل ومافيا تنظيم التسول بالمدن المغربية.. لقد مضى زمن كانت فيه سوريا ملجأ للمعارضين المغاربة الذين حملوا السلاح ضد نظام الحسن في سبعينيات القرن العشرين، وما يقع حاليا للاجئين السوريين يستدعي رد بعض الدين إن لم يكن كله.
اللاجئون السوريون، إخوة المغاربة، والتضامن معهم واجب أولي، واحتضانهم وتوفير كل ما يلزم كي ينعموا بإقامة أفضل من مسؤولية الدولة، وإلا لكانت كمن يرفض تقديم المساعدة لإنسان في مواجهة خطر داهم. يستدعي الأمر تضامنا فعالا من أجل تمكين إخوتنا السوريين من كل وسائل تخفيف معاناتهم: الدراسة والسكن والشغل والصحة…
يعني هذا في المقام الأول قوى النضال من أجل مغرب الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحرية، ويعني أيضا جماهير الطبقات الشعبية المستغلة والمضطهدة. لا سبيل لرفع معاناة السوريين سوى النضال لرفع معاناة المغاربة أنفسهم.
يجب على الدولة التي تعمل دائما على إظهار مبادراتها الإنسانية ومساعداتها المرسلة في الطائرات إلى ضحايا الكوارث الطبيعية عالميا، أن تقوم بالحدود الدنيا التي تفرضها قواعد الضيافة قبل قوانين تنظيم اللجوء العالمية.
على الكادحين المغاربة عدم انتظار دولة الاستبداد والتفقير أن تلتفت لهؤلاء اللاجئين، فهي تعمل على إبقاء هذا الوضع لأنها تستعمله سياسيا لتنفير الجماهير من أي نضال، على الكادحين تنظيم حملات الدعم الذاتي تجاه إخوانهم السوريين، باستقبالهم في الأحياء السكنية وجمع الدعم المادي والعيني لهم والعمل بشكل جماعي على توفير مساكن جماعية لهذه العائلات، وهذا لن يتم دون تدخل الجمعيات والنقابات وأحزاب اليسار، ومن شأن كل هذه المبادرات أن تشد اللحمة بين الكادحين المغاربة ورفاقهم السوريين وهو ما لا يريده النظام ويكرهه.
يبحث اللاجئون السوريون عن بلد مضيف يضمن لهم عيشا كريما (شغل، سكن، دراسة أبنائهم، تطبيب..)، في انتظار عودتهم إلى قراهم المخربة ومدنهم المهجورة، ولا يجب أن تكون ذكرياتهم عن المغرب هو مظهر استجدائهم للدريهمات في تقاطعات الطرق.
لقد فتحت السيرورة الثورية بالمنطقة الباب على مصراعيه أمام الشعوب للإفلات من الاستبداد والهوان… وهي تمر الآن بفترة عصيبة احتلت الثورة المضادة واجهتها، وصارت سوريا مثالا للإحباط بدل الحفز، وهذا ما يستثمره المستبدون بكامل المنطقة، وتكالب الرجعية والامبريالية والصهويونية على ثورة الشعب السوري بلغ مبلغا، وليس أمامه سوى الدعم الذي لا بد وأن يأتيه من كل شعوب العالم من أجل تحرره من خناق الاستبداد والرجعية والامبريالية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا