أين الثروة؟ لن يطرح السؤال أبدا*

سياسة15 أبريل، 2015

بقلم: وائل المراكشي، نشر بالعدد 59 من جريدة المناضل-ة مارس-أبريل 2015

انعقد «المنتدى العربي لاسترداد الأموال المنهوبة» بمراكش سنة 2014، واستعرض فيه ممثلو المغرب الرسميين عبارات العزم على دخول دول الشفافية ومحاربة تهريب الأموال، وقام نقاش داخل البرلمان حول مشروع قانون ضمن ميزانية 2014 حول «استرداد الأموال المهربة بطرق غير قانونية إلى الخارج»، لكن ذلك لم يكن في الحقيقة سوى حيلة حرب للإلهاء في الوقت الذي يجري فيه تهريب الثروة عبر أكثر من قناة إلى الخارج.
النظام المفترس
«أين الثروة؟».. من الطبيعي أن يطرح ممثلو الطبقات المفقرة والمستغلة هذا السؤال، لكن أن يرد على لسان ممثل الطبقة السائدة، التي نهبت البلد واستنزفت ثرواته، فذلك من قبيل النفاق المفضوح. ولن تتأخر الفضيحة كثيرا حيث نبع الجواب من الأقبية السرية لأحد بنوك سويسرا التي تفتح حسابات سرية لإيداع الأموال المهربة.
«أين الثروة؟».. السؤال الذي قضى من أجله المناضلون نحبهم في السجون تحت التعذيب ولحقهم الاختطاف والاعتقال والنفي، وهو نفسه السؤال الذي يحاكم بسببه النقابيون ويقمع المعطلون ويعتقل الطلبة.
طبعا الثروة توجد في يد الرأسمال المحلي، وجزء كبير منها يتم تمليكه لرأسمال الأجنبي عبر سياسة الخوصصة والتدبير المفوض. هذا دون نسيان نزيف الثروة على شكل نقل الأرباح إلى الخارج، ونقل الأموال المنهوبة إلى الخارج، إضافة إلى التهرب الضريبي.. كللها شقوق واسعة تمتص الثروة المخلوقة من طرف منتجي القيمة بالمغرب.
جزء من هذه الثروة المهربة فضحه تسريب من البنك السويسري HSBC Private Bank للائحة طويلة من أصحاب الحسابات المالية السرية ، تضم اسم ملك المغرب الذي قام بتحويل ثمانية ملايين يورو بين خريف 2006 ومارس 2007. اي ما يعادل 86 مليون بدرهم اليوم . يتعلق الأمر بجزء صغير فقط، فثروة الملك الشخصية للملك قدرتها مجلة “فوربس” سنة 2014 بـ 1.8 مليار يورو.
إن تاريخ القوانين البرجوازية هو تاريخ خرقها من طرف واضعيها، فتهريب هذا المبلغ تم خارج القانون المغربي الذي يمنع على المغاربة المقيمين في المغرب فتح حسابات مالية خارج بلدهم، ويعاقب بالسجن كل من هرب الأموال إلى الخارج. طبعا فهذه القوانين موجهة ضد الكادحين وليس ضد طبقة الرأسماليين.
لا ينحصر هذا التهريب في شخص الملك وحده، بل يشمل كل طبقة البرجوازيين التي تحكم الملكية باسمها ونيابة عنها، حيث يحتل المغرب الرتبة السابعة والثلاثين من أصل 203 دولة المدرجة في التسريب، والرتبة الخامسة عربيا وراء كل من السعودية ولبنان ومصر والأمارات العربية المتحدة حيث فتح 1068 مغربي ومغربية ما يزيد على 2200 حسابا بمجموع ودائع بلغت مليار و600 مليون دولار أمريكي.
تسريب يضيف عريا إلى عري حكومة عاجزة
تزامن هذا التسريب مع انتهاء المهلة التي حددتها «حكومة المغرب» لكل المغاربة الذين أودعوا أموالا بالبنوك خارج المغرب لإدخالها للبلد مقابل إعفاءهم من المتابعات القضائية وما يترتب عن جرائم التهريب المالي والتهرب الضريبي من عقوبات.
إن اندراج تحويل هذا المبلغ في إطار «جرائم التهرب المالي»، تشير إليه طبيعة هذا المصرف السويسري وطبيعة زبائنه، فهو ثان أهم مصرف في العالم، وله عملاء مقربون من نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، والرئيس السوري بشار الأسد. وتكشف الوثائق المسربة أن هذا البنك استفاد من التعامل مع تجار سلاح وألماس يستخدم في تمويل الحروب، وزعماء ديكتاتوريين من العالم الثالث، ومجندي أطفال في أفريقيا».
لكن القصر له رأي آخر عبر عنه محامياه في باريس السيدان هشام الناصيري وأوريليان هاميل الذين صرحا بأن حساب الملك وصديقه السكرتير فتح في احترام تام للقوانين المغربية الجاري بها العمل في هذا المجال… هكذا فقط دون تحمل عناء إثبات ذلك، وكأن التصريح وحده كاف لتصديق «قانونية» هذا العمل، وكأن تهريب الأموال «بالقانون» سيكون أمر مقبولا.
لا بد أن حكومة الواجهة التي نصبتها الحكومة الفعلية للملك ستقف عاجزة أمام كون المال الموجود في الخارج مملوكة لنفس الجهة التي نصبتها.
مرحبا بعملتنا القادمة من الخارج
في الوقت الذي يجاهد عمال المغارب بالمهجر، ويعانون الأمرين، لإدخال العملة الصعبة استجابة لنداءات «الواجب الوطني» التي يطلقها نظام يهمه رصيد احتياطي الدولة من العملة الصعبة أكثر من وضعية هؤلاء المهاجرين، تنسل هذه العملة في قنوات التهريب إلى البنوك الأجنبية.
وفي الوقت الذي يتفانى فيه أيديولوجيو النظام في سرد ما يعيق الاقتصاد الوطني، ويشل تنافسيته ، مركزين على ارتفاع الأجور وثقل نفقات صندوق المقاصة.. الخ، يسكتون في ضعة ومسكنة عن هرب الأموال الضرورية لتنشيط الاقتصاد إلى الخارج بهذه الطريقة. فهل هناك ضربة لاقتصاد مأزوم أقسى من إخراج الأموال من المغرب وبالعملة الصعبة.. إنه حس وطنية عال.
مسؤولية النيوليبرالية:
سينبري جزء آخر من الليبراليين لمهاجمة الجانب الذي يهمهم من الأمر، ويربطون هذا التهريب بالمخزن الاقتصادي، وامتزاج السلطة بالمال، غاضين الطرف عن دور السياسات النيولبيرالية المفروضة من البنك الدولي منذ نهاية سبعينات القرن العشرين، تلك التي حررت تنقل الرأسمال من عقاله الوطني، وألغت كل رقابة على المعاملات المالية، وساعدت على انتشار تجارة العملة، إضافة إلى تشجيع الهروب من الضرائب من خلال الفراديس الضريبية التي تحتوي سويسرا على قدر كبير منها.
تتيح هذه الفراديس الضريبية إمكان إيداع الأموال في حسابات سرية لا تنالها رقابة ولا قانون، وهو ما ناضلت ضده منذ زمن الحركة المناهضة للعولمة، ورفضت الدول المتحكمة في اقتصاد العولمة إلغاءه.
نهب ذو سوابق
لهذا النهب سوابق ذات جذور في تاريخ المؤسسة الملكية التي استغلت موقع الحكم نيابة عن البرجوازية الضعيفة، غداة الاستقلال، لمراكمة الثروات المنقولة وغير المنقولة، إلى أحد أصبحت الملكية أقوى أقسام البرجوازية الحاكمة بالمغرب،.وهو ما أشار إليه محامي عائلة بن بركة ، بصدد ثروة الحسن الثاني «الشخصية التي ما فتئت تتضخم بطريقة «ملكية»، وسيصبح الحسن الثاني «بفضل البنوك والمقاولات المؤممة أغنى رجل في المغرب، وأكبر ملاكي الأراضي الأكثر خصوبة التي تسقى وتزرع بالطرق الحديثة». (موريس بوتان، الحسن الثاني.. ديغول.. بن بركة، ما أعرفه عنهم، دفاتر وجهة نظر 29).
دخان المؤامرة لتغطية الفضيحة
سارعت الأقلام الرجعية لتخفيف وقع التسريب، بعزوه إلى أعداء المغرب السرمديين الساعين لتلطيخ صورته في الخارج، وعرقلة مساره التنموي وأوراشه الإصلاحية ،إلى آخر سيمفونية تملق أهداب الاستبداد.
يُراد لحملة الدفاع عن القصر هذه دور سياسي متمثل في توجيه النقاش نحو موضوع آخر لا علاقة له بنهب ثروة البلد وتهريبها، وتحويل النقاش إلى أخذ ورد بين أعداء الوطن و»الوطنيين الصادقين».
«الوطنية الصادقة» شعار لحملة أطلقها مكتب الصرف قصد استرجاع الأموال المغربية الموضوعة في الخارج، مع تسهيلات تمنح للذين أرجعوا أموالهم، منها عدم محاسبتهم بالدرجة الأولى، تبعا لقانون «استرداد الأموال المهربة بطرق غير قانونية إلى الخارج» الذي صودق عليه العام الماضي يخص «الأشخاص المقيمين في المغرب الذين تملّكوا ثروات (عقارات أو حسابات مصرفية) في خرق لقانون الصرف المغربي الذين يمنع إخراج العملات من دون ترخيص».
لكن صدق الوطنية لا يخص إلا الكادحين الذين عليهم المزيد من شد الحزام وغض الطرف عن ترحيل ثروات أنتجها كدهم وعرقهم إلى حسابات سرية ومعلومة في الخارج، بينما الطبقة السائدة وممثلوها السياسيين يكفيهم من صدق الوطنية تضخم أرصدتهم في الخارج دون أن يعيروا بالا للقوانين ولا للأخلاق ولا للقيم.
هزم المستبدين لا إقناعهم
مر زمن طويل جدا حيث كان بعض «الإنسانيين» يحاولون إقناع الطبقة السائدة أو بالأقل أفراد المستنيرين، بإعادة تنظيم المجتمع وفق قواعد أخلاقية وقيمية تلطف مآسيه، وشدة البؤس الذي يلحق بالكادحين. راكم صنف المنظرين هذا آلاف الكتب والمنشورات حول هذا الإمكان، بينما شق الرأسمال طريقه بتراكم بدائي قضى على إمكانية انعتاق البلدان المتخلفة، وراكم الرأسماليون الملايين والملايير، ودفعوا الثروة إلى المزيد من التمركز في أيدي قلة قليلة.
لا تزال بعض أصداء هؤلاء الإنسانيين تتردد في القرن الواحد العشرين الذي أعقب قرن ثورات وثورات مضادة أظهرت حقيقة واضحة وجلية وهي استحالة اقناع الحكام المستبدين والطبقات السائدة بالحوار أوالتلويح بقيم أخلاقية، كالصيغة التي أنهى بها علي أنوزلا مقاله حول الموضوع؛ «والمواطنة الحقيقية ليست مجرد شعارات أو خطب وإنما هي مجموعة من القيم التي تتطلب من الجميع الدفاع عنها وحمايتها وأهم من ذلك التساوي في احترامها». (أنوزلا يكتب عن الملك وأسرته، بديل، 13 فبراير 2015).
الليبراليون يركبون الموجهة.. لصالحهم
لا يفوت المعارضون من وجهة نظر ليبرالية ، أي ذوو النزعة الديمقراطية الواهنة، ممثلو أقسام البرجوازية المتضررة من احتكار الملكية للسلطة والثروة، مثل هذه الفرص دون الصراخ بصوت عال لإظهار الحيف الذي يلحقهم من دور الملكية كمؤسسة سياسية واقتصادية في نفس الوقت وينادون بالفصل بين الثروة والسلطة.
يسعى هؤلاء الليبراليون، الناطقون باسم الرأسمال المتضرر من مزاحمة الملكية ، إلى ضمان نصيبهم من الثروة المخلوقة من طرف الكادحين (عمال وصغار منتجين) والتي يحتكر الاستبداد نهب القسم الأعظم منها.. إنها أقسام برجوازية محرومة من الافتراس وتنتقد نظاما يحتكر الافتراس الاقتصادي.
يغلف هؤلاء الليبراليون مطلبهم وخطاباتهم بعبارات الديمقراطية، وقد يتوغلون أكثر نحو عبارات الاشتراكية بقصد إقناع الكادحين بصدقية مطالبهم وجعلهم بالتالي جيشا لمناوشة الملكية.
ينتقد هؤلاء احتكار الملكية للثروة، ويسكتون عن قنوات أخرى لإخراجها وتهريبها إلى الخارج، يتعلق الأمر هنا بنقل الأرباح الناتجة عن المؤسسات المخوصصة إلى بلدان الشمال، فقد سجل تقرير المجلس اﻷعلى للحسابات أن ما أخرجت شركة «ليدك» من أرباح بين 1997 و2008 بلغ قرابة مليار درهم.. لن ينتقد السادة الليبراليون هذا الشكل من ترحيل الثروة فهو يتعلق بقانون الإنتاج الرأسمالي أي السعي للربح وفي نفس الوقت أحد بنود الهجوم النيوليبرالي أي حرية تنقل الرساميل.
الثروة والسلطة للشعب
الثروة المهربة الى البنوك الاجنبية، وتلك المكدسة محليا، كلها في آخر المطاف قيمة انتجها كادحو المغرب، وسلبت منهم بشتى الطرق، بشى صنوف الجرائم، فكما قال بالزاك : وراء كل ثروة كبيرة جريمة كبيرة.
أما الوجه الأخر فهو بؤس واهوال بطالة وشروط حياة قاسية ومهينة لغالبية المغاربة. ومع كل الاستعمال الممكن لهذا الموضوع من قبل الاعلام البرجوازي لغايات التضليل، سيستمر ترحيل الثروة، وتركزها بايدي اقلية تتقلص اكثر فاكثر. انه منطق الاستغلال والنهب الرأسمالي، بالمغرب وبسواه. و لن يوقفه غير نضال الكادحين. يجب ان تصل حقيقة الثروة المهربة وغير المهربة إلى الجماهير الكادحة، و التشهير بكل ممارسات البرجوازيين من غش وتملص ضريبيين، وتهرب من واجبات حماية العمال الاجتماعية، ونهب موارد الطبيعة، الخ. وكلها مضامير تستدعي مطالب ملموسة، وذات قدرة على تعبئة المقهورين. فتلك المطالب الجزئية هي الجسر نجو الحل النهائي، الذي لن يعيه الكادحون الا في معمعان النضال، اي نزع ملكية الرأسماليين، مصادرتها لصالح تلبية الحاجات الاجتماعية و تأمين حياة لائقة للبشر.
========
* صيغة لمنع نقاش مسؤولية النظام المغربي في اغتيال بن بركة كان يردده القاضي بيريز في المحاكمة الأولى سنة 1966.

شارك المقالة

اقرأ أيضا