طنجة: الاحتجاجات على الوضعية المزرية لقطاع الصحة== عاملون ومستعملون ضحية اخضاع الصحة العمومية للمنطق التجاري

بقلم: أ.ع، نشر بعدد جريدة المناضل-ة 59 مارس-أبريل 2015

قطاع صحة منهك و في وضع كارثي
أوردت وزارة الصحة في كتاب «الاستراتيجية القطاعية للصحة 2012-2016» ما تعتبره وصفة للخروج من الوضعية الكارثية للقطاع، كما أصدرت «تقريرا عاما حول انتظارات الصحة « و «الكتاب الأبيض» الصادر عن مناظرة مراكش ليوليوز 2013. الهدف من هذا الركام من التقارير و الضجيج التواصلي هو التعمية و تعويم المشكل، و»اشراك الفاعلين» في انتاج «الحلول» التي ليست سوى تلك الاملاءات التي يفرضها الرأسمال الخاص و المؤسسات المالية الدولية و منظمة التجارة العالمية التي تصر على انخراط المغرب الشامل في تحرير القطاع من الالتزامات العمومية للدولة تجاه مواطنيها في توفير شروط الرعاية الصحية المناسبة، أي تحويل القطاع الصحي الى مجال للاستثمار التجاري و جني الأرباح.
ما يبين الطريق المدمر الذي تسير عليه حكومات الرأسمال المتعاقبة، هو الوضعية المتدهورة باستمرار للقطاع، و انقسامه بشكل جلي حسب الانقسام الطبقي للمجتمع. لأثرياء القوم خدمات خمس نجوم، و في الأسفل قطاعات واسعة من المواطنين تترك لها مؤسسات صحية متهالكة و معدومة التجهيز.
حسب المعطيات التي أوردتها الوزارة في استراتيجياتها، فقد تراجع عدد الأسرة المشغلة في القطاع العمومي من 25715 سنة 1997 إلى 22155 سرير سنة 2011. بينما ارتفعت الأسرة المشغلة من طرف القطاع الخاص من 5251 سرير إلى 10560 سرير خلال نفس الفترة، و إذا أخذنا بالاعتبار عدد السكان الذي انتقل من 27 مليون و282 ألف سنة 1997 إلى 32 مليون 245و ألف سنة 2011 (حسب اسقاطات مندوبية التخطيط المنشورة على موقعها الالكتروني)، فإن عدد المواطنين لكل سرير قد ارتفع من 870 في سنة 1997 إلى 985 في سنة 2011. و هذا دليل على الانحطاط الكبير لبنيات القطاع و تجهيزاته. بالنسبة للصحة العقلية يكفي ان نشير الى أن المغرب لا يتوفر في سنة 2013 الا على 301 طبيب نفساني و 740 ممرض متخصص لساكنة تبلغ اكثر من 32 مليون نسمة، (حسب الملخص التركيبي للمجلس الوطني لحقوق الانسان حول الصحة النفسية و حقوق الانسان) هنا نكتشف هول المأساة، و نعرف لماذا يجوب آلاف المغاربة المرضى نفسيا الشوارع محرومين من الرعاية الطبية المناسبة.
قطاع الصحة بطنجة : هذه المأساة من تلك الكارثة
قطاع الصحة بطنجة مازال يعرف تخلفا خطيرا و ترهلا للخدمات العلاجية بالمدينة، خصوصا بالمركز الاستشفائي الجهوي محمد الخامس (انطلق الاشتغال به سنة 1993) الذي أصبح مهترئا و لم يعد قادرا على توفير المتطلبات العلاجية لساكنة متنامية باستمرار، أكثر من ذلك، فالمستشفى الجهوي يستقبل مرضى و نساء حوامل من مدن بعيدة مثل القصر الكبير و العرائش، ويعرف اختلالات عديدة و تدهورا مريبا في بنياته التحتية. فمعظم التجهيزات قديمة و متآكلة تجبر المرضى على التوجه نحو القطاع الخاص، نموذج قسم الأشعة الذي يعرف أعطابا متكررة، و كذلك المركب الجراحي الذي تتوقف به العمليات لأسباب يستحي الانسان من ذكرها -في سنة 2015- (غياب Bétadine أو تعطل المصعد).
بالاضافة الى ذلك هناك مشكل توفير الأدوية التي تعرف فوضى في توزيعها، إن وجدت، خصوصا في أقسام المستعجلات التي في غالب الأحيان تفتقد للأدوية الاستعجالية خصوصا بمستعجلات المستشفى المحلي محمد السادس الذي يفتقد لأدوية مهمة و ضرورية مثل: (sérum salée, hydrocortisone , insuline rapide…) بالاضافة الى تقادم التجهيزات أو غيابها في معظم الحالات ( جهاز قياس السكر، قياس الضغط، جهاز aspiration, laryngoscopes) و الخطير في قطاع الصحة بطنجة هو سيارة الاسعاف، فمدينة بمليون من الساكنة لا تتوفر إلا على سيارة اسعاف واحدة مهترئة تشبه الى حد كبير سيارات نقل المواشي، تفتقد للأوكسيجين و غير مجهزة و دائمة العطب مما يعرض في أحيان كثيرة حياة المرضى للخطر، في وقت يظهر فيه وزير الصحة يتبجح بتوفر الوزارة على هليكوبتر للاسعافات!! (حسب جريدة ليكونوميست عدد 4473 ليوم 2 مارس 2015. إن 60 في المئة من المصابين في الحوادث المتنوعة يموتون قبل الوصول الى قسم المستعجلات).
الوضعية الكارثية للقطاع بمدينة طنجة ناتجة عن غياب المسؤولية على المستويات الثلاثة، المحلية و الجهوية و المركزية، فوزير الصحة الذي قام بزيارات متعددة لمدينة طنجة لم يكلف نفسه عناء القيام بزيارة تفقدية للمستشفيات رغم الضجة الإعلامية، التي يحاول من خلالها الاقناع بالتطور الايجابي للخدمات الصحية. كما أن المسؤولين محليا و جهويا ينهجون سياسة الآذان الصماء في مواجهة مطالب الشغيلة الصحية و المواطنين.
احتجاجات أجراء القطاع الصحي بالمدينة
شروط العمل القاسية و ضعف البنيات، تسبب وضعا لا يطاق بالنسبة للشغيلة الصحية، يضعهم في مواجهة احتياجات المواطنين، و تحملهم الوزارة مسؤولية تدهور الخدمات و تفشي الظواهر السلبية. ان ميزانية القطاع الهزيلة و ضعف التشغيل و تقليص عدد الأطر الصحية، هو المسؤول عن كارثية الوضع الصحي. إن جذر الاشكال يكمن في السياسة المعادية لمصالح المواطنين و التي حولت آلامهم الى تجارة مربحة، و ليس الأطر الصحية التي هي ضحية و عرضة لكافة المخاطر المهنية.
الوضعية الكارثية هي التي دفعت الشغيلة مؤخرا لخوض مجموعة من الأشكال النضالية ( ثلاث وقفات احتجاجية في ظرف أسبوعين) عرفت نجاحا باهرا و تعاطفا مهما من المواطنين الذين عبروا عن سخطهم على الوضعية الصحية بمدينة طنجة و خصوصا وضعية المستشفى الجهوي محمد الخامس. الوقفات الاحتجاجية كانت من تنظيم الأطر الصحية باختلاف انتماءاتها النقابية، على قاعدة ملف مطلبي من أربع نقط كحد أدنى هي:
• توفير سيارات الاسعاف بعدد كاف و مجهزة بمستلزمات الاسعافات الأولية،
• اصلاح التجهيزات و المعدات واقتناء أخرى بعدد كاف،
• عقلنة تسيير الصيدلية و اقتناء الأدوية خصوصا الاستعجالية،
• الاسراع في صرف تعويضات الحراسة للأطر الصحية المعنية.
تم تسطير برنامج نضالي أولي يتضمن خوض وقفات احتجاجية بالمستشفى الجهوي، من أجل فرض تلبية المطالب العادلة المرفوعة. كما تم فتح نقاش مع النقابات الأكثر تواجدا بالقطاع و هي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد المغربي للشغل و النقابة المستقلة للأطباء، من اجل تنسيق الجهود و توحيدها لمواجهة التدهور المريع في شروط عمل الشغيلة الصحية.
2 مارس 2015

شارك المقالة

اقرأ أيضا