ماهي مادة السيانيد (السيانور) المستعملة في المناجم

ثقافة و فن26 أبريل، 2015

يمثل الدفاع عن صحة العمال والعاملات بوجه جشع الرأسماليين إحدى جبهات النضال لحماية قوة العمل من التدمير، وبالتالي يتعين أن يشكل إحدى الانشغالات الرئيسة لمناضلي الطبقة العاملة. رغم كونها أيضا مهمة تقع في صلب برنامج النقابات العمالية، حيث إعطاء صحة العمال العناية اللازمة. لكن هذه الاخيرة هجرتها بسبب سياسة القيادات التي حولت النقابة لجهاز فارغ من أي مضمون نضالي، ما عدا مناوشات الحفاظ على الامتيازات. هذا ما يفرض على كل أنصار القضية العمالية عملا جبارا لتدارك هذا القصور الخطير.
سنعرض في هذا النص تعريفا بمادة السيانيد المستعملة في المناجم، لعزل المعادن عن الشوائب، ومخاطرها بوجه عام.

ما مصدر السيانور؟
في الطبيعة، توجد “السيانيدات” بكمّيّات جدّ ضئيلة في بذور بعض النباتات مثل بذور التّفاح ولوز فاكهة المشمش واللوز المر، ويُنصَح بعدم تناول تلك البذور لأن هضم 50 حبة لوز مرّ مثلاً كافية لقتل إنسان بالغ، وذلك بسبب السيانيدات الشديدة السمية التي يحتويها.
في المجال الصناعي، يُنتج السيانيد الصناعي إنطلاقا من مادة الأمونياك وبعض الهيدروكاربورات وذلك بأكسدة هاته الأخيرة. ويُستعمل السيانيد الإصطناعي في عدة مجالات من بينها مجال التعدين والصناعة المنجمية، بهدف إستخراج الفلزات الثمينة كالفضة من معادنها الخامة. وهي عملية تسمى «Cyanuration» بالفرنسية، وتتم عبر سحق الحجر الخام بدقة، بواسطة كسّارات آلية ضخمة، وغمر المسحوق الدقيق في محلول السيانيد. بعد مدة من التفاعل وتكون أوحال وجزيئات معدنية، يتم استخراج الفضة )أوالذهب) بإضافة نجارة الزنك أو الألومنيوم إلى المحلول، ثم تحميضه بحامض “الكيبريتيك” لإزالة الزنك أوالألومنيوم الزائد، وبعد ذلك يتم تجفيف الوحل وتسخينه في فرن خاص تصل فيه درجة الحرارة إلى أكثر من 900 درجة مئوية مع التهوية لأكسدة الحديد والرصاص المتواجدين، ينتج عن ذلك منتوج أولي قد يتكون من 90% من الفضة (أو الذهب).
أما البقايا الناتجة عن هذه العملية فهي عبارة عن نفايات صناعية شديدة السمية بسبب أملاح السيانيد التي تحتويها. وقد يتم تخزين هاته النفايات عادة في أحواض يتم بنائها بطريقة خاصة ومفتوحة للهواء الطلق وغير نافدة بإحكام تام على شكل سدود، وتحت تأثير الشمس والرياح على هذه الأوحال يتم تجفيفها عن طريق التبخر مما قد يجعل السيانيد يتلاشى ويكوِّن السيانات ثم الكاربونات وهي مركبات غير سامة. لكن الشركات الرأسمالية تتفادى هذه العملية، نتيجة تكاليفها. ويقومون بطرح تلك النفايات على شكل أوحال شديدة السمية مباشرة في الوديان ومجاري المياه ليتم دمج تلك السموم في الفرشاة المائية الباطنية ودمجها في السلسلة الغدائية المحلية لينتج عن ذلك أمراض خبيثة وعاهات صحية مستدامة.
هناك إستخدامات واسعة لغاز هايدروجين السيانيد وأملاح السيانيد مثل طلاء المعادن وصهر المعادن وصناعات البلاستيكية والصناعات الكيماوية والتصوير الفوتغرافي وإستخراج الذهب والمواد المستخدمة في مكافحة الحشرات الضارة. وإستخدام السيانيد كسم له تاريخ طويل يعود لالاف السنين في الإمبراطورية الرومانية للفتك بالمعارضين، كما استعملته النازية خلال الحرب العالمية الثانية ضد السجناء. فضلا عن ذلك يستعمله الجيش الامريكي على نطاق واسع…

كيمياء السموم السيانيد

ما هي أضرار السيانور؟

يؤثر غاز “السيانور” على إنزيم مهم بالجسم يسمى “سيتوكروم أوكسيديز” يعتمد عليه في نقل الأكسجين من الدم إلى الأنسجة، وبتوقف هذا الإنزيم عن القيام بوظيفته يبقى “الهيموجلوبين” محملاً بالأكسجين غير قادر على تمريره للأنسجة، ويعود الدم إلى الرئتين محملاً بالأكسجين ويصير لون الجسم أحمر قرمزياً نظراً لوجود الدم المؤكسد (المحمل بالأكسجين) في الأوردة والشرايين والشعيرات الدموية. يتسبب ذلك في حدوث خلل في وظائف الأعضاء لحرمانها من الأكسجين، ويحدث ما يسمى باختناق الأنسجة، ويُعتبر الجهاز العصبي (الدماغ) والقلب الأعضاء الجد حساسة لأيونات السيانيد وأول من يتأثر بها نظراً لحاجتها الكبيرة للأوكسيجين.
ويؤدي هذا التعرض لمركبات السيانيد في المحيط المنجمي إلى الزيادة في مستويات السيانيد في الدم، ويسبب مجموعة متنوعة من الأعراض كالضعف البدني والشلل (والتي يمكن أن تكون دائمة)، تلف الأعصاب، قصور الغدة الدرقية وكثرة الإجهاض لدى النساء الحوامل. كما أن هناك أيضا أضرار تلحق الكبد والكلي. وتؤدي جرعة واحدة عن طريق الفم من 50 الى 200 ملغ من مادة السيانيد إلى الموت مباشرة.
استعمال السيانور.. تاريخ طويل
تستعمل مادة السيانور بكثافة بمنجم إميضر، لعزل الفضة، وضمن مطالب سكان إميضر التوقف عن استعمالها بسبب اضرارها على بيئتهم، خصوصا الفرشة المائية.
كما تستعمل الشركة المنجمية الاسترالية “اينور” (Entreprise d’Exploitation des Mines d’Or) في الجنوب الجزائري مادة السيانور في معالجة الذهب بشكل غر قانوني. وقد عمدت شركة Gma إلى حفر مساحة كبيرة – ما يعادل ملعب كرة قدم- وقامت بإفراغ كميات هائلة من هذه المادة تصل إلى 200 طن دون أن تستخدم البساط الذي يمنع تسرب المادة الخطيرة إلى التربة ومنه إلى المياه الجوفية التي يشرب منها سكان الجنوب. واقرب بئر من هذه منطقة التي استخدم فيها السيانور تبعد بمسافة 19 متر فقط ويكمن خطر هذه المادة في كونها تتبخر و تنشر عبر الهواء بفعل الحرارة العالية كما أنها تختلط مع مياه الشرب وتقتل النبات والحيوان وتسبب الأمراض المزمنة والقاتلة للسكان.
كما تشهد بوركينا فاسو، التي كانت تعتمد على الزراعة قبل أن تصبح أرضا جدابة للشركات الرأسمالية المتخصصة في استخراج الذهب، استعمالا كثيفا لمادة السيانور. وتضم بوركينافاسو الآن ستة مناجم ذهب بدأ العمل فيها في العام 2006، وقدم 380 طلبا لافتتاح مناجم جديدة.. لكن الاضرار الناجمة عن مياه المناجم بدأت تظهر هناك، مع اصابة جموع من السكان بالإسهال، ونفوق الماشية قرب البحيرات الملوثة بمادة السيانور.
وفي الارجنتين تسبب استعمال السيانور في المناجم في بعض المناطق الجبلية في تجفيف منابع المياه. بسبب استخدام كميات كبيرة من السيانور.
السكان مدافعون عن البيئة ضد الجشع الرأسمالي
شهد شهر شتنبر من سنة 2013 تظاهر حوالي 15000 محتج في رومانيا لأيام عدة أمام مقر الحكومة الرومانية أكثر من ثلاثة أيام (عمال، نساء وأطفال) في اقليم ترانسيلفانيا. احتجاجا على الشركة الكندية “ڭابرييل روسورس” تحت شعار «نعم للصحة لا للسيانور»، وهي شركة منجمية كانت تتوقع استخراج 1600 طن من الفضة و 300 طن من الذهب سنويا في أكبر منجم ذهب وفضة مفتوح على الصعيد الأوروپي بجبال “الكاربات”، وهذا قد يتطلب استعمال 12000 طن من السيانور خلال كل سنة، مما قد يسبب كارثة بيئية كبيرة جدا.
وقد اوقف المحتجون حركة المرور على أحد الطرق الرئيسية للمدينة للاعتراض على مشروع قانون الحكومة وعلى استغلال الذهب فى إقليم روشيا مونتانا، مرددين شعار “متحدين، سننقذ روشيا مونتانا”، ورغم وعود الشركة الكندية بتوفير 900 وظيفة على مدار الـ 16 سنة التى ستستغل خلالها المنجم، غير أن الدفاع عن البيئة ضد استخدام آلاف الأطنان من السيانور، يهم السكان أكثر من فتات فرص العمل.

802467794_600
أما في الأرجنيتين، فقد فضل السكان حماية البيئة علي مناجم الذهب. وبخاصة سكان “إيسكويل” وهي بلدة صغيرة على سفح جبال الأنديز في منطقة باتاغونيا الأرجنتينية. وهي محاطة بمناظر جميلة من سلاسل الجبال والبحيرات الزرقاء العميقة. وتشتهر البلدة بأنها مقصد للسياح، وفي عام ‬2003، أصبحت موضوعا رئيسا في البلاد عندما رفض السكان إنشاء مشروع ضخم لحفر مناجم للذهب والفضة. وكانت نتائج استطلاع للرأي أن ‬81٪ من سكان البلدة الذين شاركوا في الاستطلاع رفضوا هذا المشروع. وكان ذلك أهم حدث خلال الصراع الاجتماعي البيئي القائم بالارجنتين، حيث اعتبر مثالا يحتذى من قبل العشرات من القرى المجاورة، التي رفضت التنقيب عن المناجم.
ولمقاومة جشع الشركات الرأسمالية المنقبة عن الذهب والفضة، شكل سكان البلدة الذين يبلغون ‬30 ألفا مجالس محلية في أواخر عام ‬2002، ووصلت إلى أكثر من ‬600 مجلس حي. وتمت التعبئة ضد خطر المناجم لأول مرة في تاريخها، وبخاصة مخاطر السيانيد والتفجيرات والتلوث والاستهلاك الكبير جدا للمياه من خلال هذا النشاط، لذلك بدأت التظاهرات في الشوارع تحث شعار “لا للمناجم”، وانتصر السكان على الشركات الرأسمالية. وهذا مثال حي على اهمية تنظيم السكان عبر لجان مسيرة ذاتيا.
بيئتنا وصحتنا أهم من أرباحكم..
على من تقع مسؤولية استعمال مادة السيانور وكل المواد السامة الضارة بصحة العمال وبالبيئة؟
تدمير صحة العمال وبيئة السكان، والاستغلال المكثف لعمل العمال، يجد تفسيره في أسس الرأسمالية ذاتها، وليس العيب في هذه او تلك من الشركات. ليس الأمر إذن اخلالا بحدود قانون التنقيب واستخراج الفضة وفقط، وإنما يجد تفسيره المنطقي في ميكانيزمات اقتصاد السوق.
هذا الاقتصاد المسؤول أولا عن ارتفاع حرارة الكوكب، لأنه قائم على المنافسة وعلى التراكم. لا تتخذ قرارات الإنتاج حسب المنفعة والبيئة بل حسب الأرباح. وهذا الاقتصاد مسؤول عن تلويث الطاقات الاحفورية لطبقة الاوزون، كما هو مسؤول عن السموم -المستعملة في التنقيب واستخراج المعادن – المتسربة للفرشة المائية والهواء، على حد السواء، نتيجة ارتفاع اثمنة المعادن في السوق الدولية.
هكذا يجري القيام بأمور لا فائدة منها أو ضارة لهدف وحيد متمثل في إرضاء جشع الراسماليين مالكي الشركات. ويجري تدمير بيئة وفلاحة البلدان الفقيرة، ثم نقل الأرباح كما المواد الاولية إلى البلدان ” الغنية”،… باختصار تبذير الموارد ملازم لاقتصاد السوق.
بفعل هذا، نوجد اليوم في مأزق بيئي ليس في المغرب فقط، وإنما على صعيد الكوكب. وما من وسيلة للخروج منه، غير القطع مع منطق السوق، وإعادة جعل المناجم ملكا مشتركا، والتخلي كليا عن استعمال المواد السامة وكل ما يضر البيئة والإنسان، في استخراج المعادن. وتوجيه هذه الثروات لسد الحاجات الملحة لسكان المنطقة، والرقي بمستوى معيشتهم، لهذا لا مناص من تلاقي نضال السكان المعتصمين فوق الجبل، والعمال المستغلين في باطن الجبل، لتحقيق هذه الاهداف المشتركة.
م.ب

شارك المقالة

اقرأ أيضا