أي دلالة لما سمي «كونفدرالية عامة للشغل»؟

نشر هذا النص ضمن مواد جريدة المناضل-ة لعدد شهر مايو 2015

بقلم: محمود جديد

بين فينة وأخرى، في منعطفات تنظيمية، تصعد من النقابات العمالية، باختلاف تسمياتها، دعوات «تصحيح» و» نقد للبيروقراطية» ودفاع عن «مبادئ التأسيس». وبعد مدة يتطور «التصحيح» إلى إعلان ميلاد نقابة جديدة، أو بالأحرى جهاز نقابي جديد.
يحصل هذا بين أطراف داخل أجهزة تسيير متآخية طيلة عقود، ومشكلة كتلة متراصة ضد أصوات من القاعدة النقابية معارضة لخط القيادة. هذا ما جرى بين مكونات «الأسرة الاتحادية» في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل لما تصدع جهازها من فوق، متأثرا بالتطورات التي شهدها الاتحاد الاشتراكي منذ مشاركته في حكومة الواجهة. فتمخض عن ذلك ميلاد الفيدرالية الديمقراطية للشغل، ثم المنظمة الديمقراطية للشغل.
ويتذكر كل متتبع كيف أشهر عبد الرحمان شناف [من مؤسسي ف-د-ش] سيف الفضح في وجه الأموي، شارحا بالتفصيل تجاوزات، وممارسات بيروقراطية، طالما سكت عنها، لا بل كان من صناعها. [انظر تقريره بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتواريخ 22-23-25-26-27 يونيو 2002] .
لم يكن انتقاد البيروقراطية والانحراف عن غايات التأسيس غير «حق يراد به باطل» كما يقول الفقهاء. فخلف أقنعة الحرص على سلامة النقابة، جرى تدميرها لبلوغ غايات لا صلة لها بمصالح القاعدة العمالية. تصفية حسابات بين أقسام من البيروقراطية، و تنافس بينها على غنيمة الجهاز من امتيازات وفرص مراكمة الثروة، وما شابه من مآرب .
تشظت الحركة النقابية المغربية، بدءا بميلاد الاتحاد العام للشغالين بالمغرب سنة 1961، بفعل تجاذبات بين قوى بورجوازية. فقد تأسس الاتحاد المغربي للشغل في كنف حركة نضال ضد الاحتلال قادها قسم من البرجوازية. وأسهمت سياسة الحزب الشيوعي المغربي الخاطئة في ترسيخ هيمنة سياسية بورجوازية على الطبقة العاملة بالمغرب، سواء عبر اصطفاف بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل بقيادة المحجوب بن الصديق إلى جانب القصر، أو عبر معارضيه من اليسار الوطني الشعبوي. وظلت الحركة النقابية متأثرة بتطورات المعارضة البورجوازية إلى يومنا هذا، حيث تهيمن سياسيا على النقابات بقايا اليسار الوطني البرجوازي. وكلما تطورت صراعات أجنحة البيروقراطية إلى انفلاق تنظيمي جرى تبريره بمحاربة البيروقراطية و الانحراف عن الأهداف.
منذ 17 مايو 2014، انضاف إلى هذه اللوحة لون آخر، باهت بفعل فرط تكرار «الحركة التصحيحية»، تمثل فيما سمي «الصف الديمقراطي» في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وتطور إلى خلق «الكونفدرالية العامة للشغل» في 22 نوفمبر 2014.
قبل عام بالضبط من إعلان تأسيس الكونفدرالية العامة للشغل جرى مؤتمر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (29 نوفمبر 2013)، ومع كل ما طبعه من تغييب تام للديمقراطية، وما سبقه من تدبير كارثي للشأن النقابي من طرف قيادة ك-د-ش، لم تسمع من جانب من سيؤسسون الكونفدرالية العامة أي نقد أو ملاحظة أو احتجاج. ورغم حالات القمع التي تعرض لها نقابيون كفاحيون بمختلف بقاع المغرب، لم يعبر سادة من قبيل عبد العالي كميرة والشطاطبي (مستشار برلماني سابق) عن اي موقف رافض أو متحفظ. ولم يساندوا الأصوات المبدئية التي أبدت معارضتها الصريحة لمجريات المؤتمر و لسياسة القيادة. لكن بعد تقاسم كراسي الأجهزة المصنوعة صنعا، و خيبة أمل كميرة وأصدقائه، ارتمى هؤلاء على كلام النقد يستهلكونه و يخفون به غاياتهم الحقيقية، مراهنين على خدع المستائين داخل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
وإسهاما في تحذير المستائين من البيروقراطية، ممن قد تنطلي عليهم خدع «منتقدي آخر ساعة»، نبه تيار المناضل-ة في رسالة مفتوحة بتاريخ 31 مايو 2014 إلى أن «أوجه تغييب الديمقراطية، ليس بالأمر المستجد»، و أكد أن « مظاهر الأزمة …(في ك-د-ش)… بحاجة الى تحليل عميق لاستجلاء الأسباب الجوهرية. على سبيل المثال ليس المكتب التنفيذي مسؤولا وحده على مصير نقابتنا الكارثي بل أيضا مختلف المجالس الوطنية واللجان الإدارية التي تعاقبت على مسؤولية قيادة نقابتنا، وكذلك معظم الاتحادات المحلية. وهذا ما يستدعي نقدا ذاتيا من الذين شاركوا في ذلك المسار المخزي، فبدونه سيتكرر ركوب حالة الاستياء من أجل مآرب بعيدة عن مصالح النقابة والطبقة العاملة».
وما حذرت منه الرسالة المفتوحة هو ما جرى بالضبط.
أي مصداقية لقائد الكونفدرالية العامة؟
كان مبرمجا ( بتلك الأساليب غير الديمقراطية المألوفة) أن يدخل عبد العالي كميرة، الكاتب الوطني لنقابة الماء، إلى المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في مؤتمر نوفمبر 2013، فجرى استبعاده بعد العلم بعلاقته مع حزب مستشار الملك. فحاول تجنيد نقابيين بمزاعم انتقاد البيروقراطية، وعيا منه بالأضرار التي تسببها للتنظيم النقابي، و التي أسهم فيها بقسط وافر، كي يجمع قوة ضغط على قيادة الكونفدرالية لبلوغ مراميه القيادية، سواء بإتاحة حيز له، أو بدفع الحالة المسماة «الصف الديمقراطي» إلى الاستقلال عن ك-د-ش.
بفعل انحطاط مديد لقسم من اليسار ذي المنشأ القاعدي، دأب حزب مستشار الملك على النهل منه، مصطادا عددا من القاعديين سابقا،بالإغراءات، وبحل «المسألة الاجتماعية» لمن هم في وضع صعب، موفرا لهم غطاء «ايديولوجيا»، غطاء تكتيل «الديمقراطيين والحداثيين» بوجه «الظلاميين»، خلف الملكية طبعا.
ضمن هذه العملية، سافر عبد العالي كميرة، إلى باراغواي مع عناصر من حزب الهمة مستشار الملك، وأنكر ذلك لرفاقه في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد إلى أن ثبت بالصورة وعلى موقع الكتروني رسمي بالباراغواي .وبعد انفضاحه صار يبرر علاقته بأن نفس الحرم الملقى على حزب الهمة كان على «أحزاب إدارية» تحظى اليوم بمعاملة عادية. قال كميرة :»هذا الحزب [ يقصد حزب الهمة] الذي يريدون أن يجعلوا منه بعبعا يحتاج لنقاش ، ولنعد على التاريخ، فالأحزاب التي كانت توصف بالإدارية لعقود، وكانت أكثر تبخيسا لمن يفكر في الجلوس معها، هي اليوم جزء من طاولة الحكم و التفاوض بالنسبة لعديد من الأحزاب، يجلسون معها من دون نقاش» (مقابلة مع جريدة الأحداث المغربية يوم 2 مارس 2015).

قد يكون ضمن أعضاء الكونفدرالية العامة للشغل من ضاق ذعرا من تردي وضع ك-د-ش، سواء انتفاء الديمقراطية أو مسايرة هجوم البرجوازية ودولتها على طبقتنا. بيد أن بديل كميرة و الشطاطبي ليس أحسن حالا. مهما استفحلت البيروقراطية وابتعدت القيادات عن أهداف النقابة، تظل هذه ، طالما لها قاعدة عمالية، حلبة صراع من اجل الديمقراطية و الخط الكفاحي. وهذه معركة يخوضها المناضلون العماليون الحقيقيون بمبدئية وصدق. و إذ يتقون عسف البيروقراطيون قدر الممكن، فإنهم لا يترددون في تجشم ما يقتضيه واجب الدفاع عن راية النضال الطبقي من تضحيات. وفي هذا النضال لا تهمهم مواقع المسؤولية الا بقدر ما تعبر عن حالة فعلية في القاعدة، أي انعكاسا لرأي عام، أقلويا كان أو اكثرويا.
إن ما يتيح لأشباه كميرة والشطاطبي السعي لركوب استياء القاعدة العمالية لبلوغ مأرب شخصية وصولية هو تخلف اليساريين داخل الكونفدرالية عن بناء معارضة منظمة لخط القيادة واستبدادها.، وهي مهمة تزداد راهنية وترهن مصير هذا اليسار ذاته.

شارك المقالة

اقرأ أيضا