الآن أو أبدا، لا لمشروع قانون نزع سلاح الإضراب

نشر هذا النص ضمن محتويات العدد 60 من جريدة المناضل-ة

بقلم: محمود الحكيم

لماذا ينظم العمال والعاملات الإضرابات؟ لأن الإضراب يحقق المطالب الآنية المتمثلة في العيش الكريم…، إنه يقوي لحمة التضامن بين مختلف فئات الطبقة العاملة الكثيرة المتنوعة عبر عيهم بأنهم من طبقة واحدة ضد عدو واحد ألا وهو السادة المالكين، وأخيرا إن الإضرابات الواعية تدفع العمال والعاملات نحو عدم الاقتصار على المطالب محض اقتصادية(أجور، سكن، قفة عيد، عطل…) بل رفع مطالب تتعلق بالديمقراطية والحرية… بل نحو تحطيم قيود الاستغلال الرأسمالي وبناء مجتمع المساواة الحقيقي.

تعي طبقة أرباب العمل بالمغرب جيدا أن سياستها التقشفية، وتعدياتها المستمرة بقوانين قاضمة للحقوق(هدفها تحقيق الأرباح) وممارستها لفظاعة وفرط استغلال كبير، ستثير رفضا تدريجيا سيعبر عنه العمال بسلاحهم الوحيد ألا وهو الإضراب. لهذا تحاول الدولة تقنينه ومنعه منذ أكثر من 14 سنة. وإذا ما تمعنا في مقتضيات وبنود المشاريع التي تقدمت بها نقابة الباطرونا، طوال هذه السنوات، فسنعثر على منع صريح ومباشر للإضراب.
حول أسطورة الاستثمار والتنمية
لا جديد في الكلام عن مشروع القانون. فخدام الدولة والبورجوازية الإعلاميون يواصلون حملة الهجوم على الإضرابات وتأثيرها على «الاقتصاد الوطني». ولا ينفك المشرفون على شؤون البلد والحكام الحقيقيون(البورجوازيون) مواصلة تقديم مبررات إخراج القانون المانع للإضراب. فنفس الحديث متواصل عن أن مسيرة بناء المغرب متوقفة على السير قدما في الإصلاحات وتشجيع الاستثمار عبر توفير الأجواء القانونية المريحة والمستقطبة لرؤوس الأموال الأجنبية. كما جاء في تقديم جمال بلحرش في مسودة المشروع الأخير المقدم مؤخرا من قبل الاتحاد العام لمقاولات المغرب «المغرب في حاجة إلى النمو؛ وهذا الأخير لا بد له من بيئة هادئة يطغى عليها السلم الاجتماعي، لخلق فرص شغل مناسبة ومستدامة».
لا جديد في بنود مسودة مشروع القانون غير الحفاظ على نفس جوهر الأمر: ضمان سير العمل وإفراغ الإضراب من محتواه عبر ضمان حد أدنى من الخدمة أثنائه.
ولا أدل على ذلك أيضا الباب الخاص بالمقتضيات الزجرية. إن له نفس مضامين الفصل 288 من القانون الجنائي الذي بواسطته يحارب العمل النقابي بالمغرب منذ عقود. وكما قال وزير التشغيل لجريدة أخبار اليوم: «تريد النقابات أن نلغي الفصل 288 من القانون الجنائي، لكننا لا يمكن أن نشطب على هذا الفصل وكأنه مشكلة في حد ذاته، لأن الفصل 288 مرتبط بصفة جوهرية بالقانون التنظيمي للإضراب، وحتى يجاز هذا القانون فإن ذلك الفصل سيبقى، وهذا عامل حاسم كي تسعى النقابات إلى التوافق على القانون التنظيمي للإضراب وإخراجه إلى حيز الوجود..». ما يعني أن الدولة مصرة على تجريم العمل النقابي الداعي للإضراب عن العمل. قد يلغى الفصل 288 من القانون الجنائي، لكنه مفصل بشكل أكبر وواضح وضوح الشمس في قانون منع الإضراب.
وضع النقابات الحالي تحت القيادة الحالية لا يبشر بخير
تحاول الدولة جاهدة تمرير أكبر قدر من القوانين المعادية لحقوق الأجراء مستغلة فرصة خفوت النضال العمالي والشعبي المتأثر بالظروف الإقليمية التراجعية، إذا ما قورن بالجو الذي خلقته ثورات سنة 2011، وما شهدته الساحة النضالية بالمغرب من تحركات حققت مكاسب ضئيلة نسبيا سرعان ما تحاول الدولة بكل قواها استعادتها. للأسف فالقيادات النقابية أمام هذه التعديات ليست بالمستوى المطلوب. فهي لا تكترث لما يحاك ويطال أفراد طبقتنا. لم تحرك النقابات الساكن حين بدأت الدولة الإجهاز الفعلي على الحق في الإضراب، من خلال اقتطاع أجور أيام إضرابات الموظفين. لا شيء فعلته القيادات النقابية لوقف الهجوم الذي استهدف شغيلة القطاع العام. تعي الدولة جيدا أن القيادات النقابية تضغط بين الفينة والأخرى بنضالات متحكم فيها جيدا، من أجل مزيد من الامتيازات لصالحها أو للحفاظ على موقعها كمدافعة عن حقوق القاعدة العمالية. لكن للأسف فسلاح الدولة الجديد: الاقتطاع من الأجر والتهديد به سلاح حقيقي أمام الفقر والفاقة وغلاء المعيشة المتواصل سيكون قد أدى مفعوله الفعلي والتام. إن الاقتطاع من الأجر وحملات التهديد به، تخويف وترهيب فعلي للعمال يمنعهم من ممارسة الإضراب.
لم نعد نسمع كثيرا مطالب حقيقية للعمال في حوارات القيادات وندواتها الصحفية، هي إستجداءات يتيمة لحوارات فارغة تكون لصالح أرباب العمل. قيادات النقابات هذه انخرطت منذ زمان في مسلسل التفاوضات والحوارت الجوفاء واستبطنت كل أقاويل الدولة وبورجوازيتها حول الإصلاح وتوفير أجواء التنمية الملائمة بتوفير القوانين/الضمانات لرؤوس الأموال لجذبها للاستثمار ببلدنا. لقد أكد أمين عام الاتحاد المغربي للشغل الميلودي مخاريق في لقاء صحفي بعد الحوار الاجتماعي الأخير أن نقابته “تبقى مع المشروعية وتعمل من أجل إخراج قانون يدعم هذا الحق المضمون دستوريا”. ليس هكذا يكون الدفاع عن مصالح العمال، إن الإضراب مسألة حياة أو موت للعامل. إن العامل يضرب لتحقيق مطالبه، وينخرط في النقابة لأن له إخوة عمال وعاملات سيحمون بواسطتها بعضهم البعض. فما جدوى نقابة توافق على الإجهاز وتسليم سلاحها الوحيد الإضراب لعدوها، يا ترى؟
يجب على النقابات ألا تقبل أبدا نقاش حق الإضراب بأي مبررات كانت. على النقابات أن تنسحب من جولات الحوار الفارغة وأن تنظم نضالات حقيقية تستهدف الدفاع عن حقوق العمال والعاملات وعدم المساس بمكتسبات نضالات العقود السابقة.على نقابتنا أن تجعل ضمن لائحة مطالبها الدفاع عن الحقوق الديمقراطية بإلغاء كل القوانين التي تستهدف حق ممارسة الإضراب. فليعي العمال والعاملات أن كل مكتسبات العمال ولو الطفيفة منها تحققت بواسطة الإضراب التي تريد الدولة الإجهاز عليه.

شارك المقالة

اقرأ أيضا