المناولة أداة لفرط استغلال العمال و إضعاف تنظيمهم

نشر هذا النص ضمن مواد عدد 60 من جريدة المناضل-ة

بقلم: أ.د

المناولة «la sous-traitance» هي عملية يتم من خلالها تكليف مقاولة آمرة donneur d’ordres لمقاولة أخرى مأمورة preneur d’ordres بمجموعة من المهام الانتاجية أو الخدماتية، التي كانت في العادة تضطلع بها الشركة الآمرة. وذلك بشكل كلي أو جزئي، دائم أو مؤقت حسب حاجياتها وحسباتها المرتبطة بتنظيم العمل والانتاج. الشركة المأمورة عليها الخضوع لمتطلبات الجهة الآمرة فيما يخص دفتر التحملات المتعاقد علية، بما يحتويه من قيود تقنية ومالية مرتبط بتنفيذ المهام من التصور إلى الانجاز النهائي.
لكن لماذا تلجا الشركات الآمرة لهذا الأسلوب في تدبير الانتاج وتقديم خدماتها؟
سواء تعلق الأمر بالشركات التي تنتج مواد مصنعة أو تقدم خدمات، تزايد باطراد في العقود الأربعة الأخيرة اللجوء إلى المناولة، وذلك من أجل التحايل على تشريعات الشغل ومكتسبات النضالات العمالية في ضل «دولة الرعاية» المتعلقة بالأجور والحماية الاجتماعية واستقرار العمل من جهة، ومن جهة أخرى لأجل إعادة تنظيم التراتب بين أقسام الرأسمال على مستوى كل بلد وعلى مستوى العالم. فالشركات الكبرى تتخلص من مشكلتين دفعة واحدة، الأولى يتعلق بالتخلص من متطلبات اليد العاملة والثاني يتعلق بالتخلص من حلقات سلسلة الانتاج الأقل مردودية والتركيز على تلك عالية القيمة المضافة، كوسيلة لرفع المردودية والأرباح.
هكذا يمكن أن نسجل أن:
– شروط العمل في الشركات والمصانع التي تقوم بالمناولة (المأمورة) تكون دوما أكثر سوء مما في الشركات والمصانع التي تفوضها أمر الانتاج أو الخدمة (الآمرة). كذلك الأمر بالنسبة للأجور واستقرار العمل، حيث الغلبة للعقد المحددة المدة، أو اعتماد العمال المؤقتين (بشكل شبه دائم) في شركات المناولة. وهذا الأمر يسهله وجود بطالة جماهيرية دائمة ومتزايدة العدد منذ عقود.
– هذا العملية تعد بمثابة تحايل من الشركات الآمرة لكي تتخلص من تدبير اليد العاملة وعقد العمل و تبعاتها من مكاسب لصالح الأجراء وتعويضها بعقود تجارية مع شركات المناولة. مع احتفاظها بالرقابة على القوة العاملة فعليا. لأن التشغيل لدى شركة المناولة ما كن ليتم لولا طلبيات الشركة الآمرة.
– شركات المناولة وجدت لكي لا تقوم الشركات الآمرة بالتشغيل المباشر للأجراء الذي تحتاجهم لإنتاج بضائعها وتقديم خدماتها.
– الصراع بين أقسام الرأسمال من أجل جني أكبر الأرباح من خلال إعادة تنظيم الانتاج وتحديد الأولويات، لا يمنعه من التوحد على استغلال قوة العمل وتذرير الطبقة العاملة وتجزيء تركزاتها.
– جزء كبير من الشركات التي يتم إحداثها، تكون للمناولة، أي أن جزء كبير من مناصب الشغل التي تحدثها يكون في الغالب مجرد تحويل لمناضب العمل الموجودة في الشركات الآمرة، أو التي كان من المفترض أن تحدث داخلها.
– شركة المناولة يمكن أن تصبح شركة آمرة، مثال قطاع النسيج، وطبيعي ستكون أجور العمال في مكاسبهم أقل كلما كانت شركة المناولة من الدرجة الثانية أو الثالثة.
أضرار شركات المناولة بالنسبة للطبقة العاملة
بعد الأزمة الاقتصادية لمنتصف السبعينات من القرن العشرين، ستزدهر تدريجيا شركات المناولة بدءا من الولايات المتحدة الأمريكية، لتعرف تطورا هائلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتنامي البطالة الجماهيرية وانطلاق الشركات المتعددة الجنسيات في سباق محموم لخفض الكلفة ورفع المردودية و التنافسية. هكذا كان اللجوء للمناولة الوسيلة السريعة للتحايل على تشريعات الشغل ومكاسب الطبقة العاملة المادية والتنظيمية. وقد تجلى ذلك في:
– تفكيك الوحدات الانتاجية والخدماتية الكبرى من خلال تغيير الوضع القانوني لعقود شغل الأجراء وجعلها تكون عبر الشركة المأمورة مما ينتج عليه تخلص الشركة الآمرة من مكاسب الطبقة العاملة، وإضعاف قدرتها التفاوضية. وتوسيع دائرة الهشاشة في عالم الشغل.
– ترحيل جزء من النشاط الانتاجي للبلدان والمناطق حيث توجد الجور المنخفضة وشروط العمل المرنة ويوم العمل الطويل من أجل رفع معدل الأرباح، يؤدي إلى احتداد التنافس بين أقسام الأجراء وبين العاملين والمعطلين وبين الرجال والنساء.
– إضعاف التنظيم النقابي من خلال إحداث قطيعة بين الأجيال، فشركات المناولة تشغل في العادة الشباب منعدمي الخبرة النقابية. ومن خلال تفتيت الوحدات الانتاجية الكبرى إلى وحدات صغرى تشغل أعداد أقل من الأجراء، مما يصعب التنظيم النقابي ويضعف الاحساس بالقوة بينهم.
من أجل مواجهة هجمة الرأسمال على الأجراء
لأجل مواجهة الهجوم الشرس على مكتسبات الطبقة العاملة التنظيمية والمادية، لا بد من معرفة مرتكزات الهجوم البورجوازي وآلياته لتنظيم المقاومة وصياغة المطالبة المناسبة وأشكال التنظيم التي تجيب على التحديات المطروحة على كاهل الطبقة العاملة ومنظماتها النقابية والسياسية. إن المناولة إحدى هذه المرتكزات. من المطالب التي يجب رفعها والنضال لأجلها، والدعاية المبشرة بالمناولة التي يجب فضح تهافتها ونفاقها نذكر:
– من اجل نفس الأجر ونفس المكاسب لنفس العمل المنجز مهما كانت الشركة التي يتم تحت لوائها داخل نفس البلد.
– من أجل تخفيض ساعات العمل الأسبوعية، بالشكل الذي يمكن الجميع من العمل، لنعمل أقل لكي نعمل جميعا.
– من أجل تعميم و تطبيق كافة معايير الصحة و السلامة التي تخص قطاع إنتاجي أو خدماتي معين على مختلف الشركات العاملة به.
– ضد كل أشكال الامتيازات الضريبية التي تحصل عليها شركات المناولة والتي عادة ما تقدم لها تحت غطاء المقولات الصغرى والمتوسطة لكونها خالقة لفرص الشغل.
– ضد محاربة حرية العمل النقابي في شركات المناولة والشركات الصغرى
– لأجل تنظيم العمال على صعيد قطاعي لتجاوز تقسيم القطاع بين العديد من الشركات، ولكي توحد قوة الطبقة العاملة
طنجة في: 22 أبريل 2015

شارك المقالة

اقرأ أيضا