اليونان: التقشف الدائم أو قطيعة مناهضة للرأسمالية

بلا حدود7 يوليو، 2015

وقف السداد المستحق لصندوق النقد الدولي في 30 يونيو، والاستفتاء يوم 5 يوليوز مع نصر ممكن (والمتوقع على أي حال!) ل لا يفتح مرحلة سياسية جديدة في اليونان. كما ربما على نطاق واسع في أوروبا. ومع ذلك، فواضح جدا أكثر من أي وقت مضى أنه دون سيرورة قطيعة مناهضة للرأسمالية، سيكون مستحيلا الخروج من التقشف وتبني إعادة إعمار البلد اللازمة.

يجب الاعتراف لالكسيس تسيبراس بفضل رفض “الإنذار” و “الإهانة” التي أرادت “المؤسسات” (الاسم الجديد المحتشم للترويكا) فرضها عليه – والفقر الأكثر تدميرا مما سبق الذي تهدف دفع الشعب اليوناني إليه. وبالتالي فقد قام بحركة مقاومة لم تظهر أي حكومة أوروبية أخرى أنها قادرة على إتيانها.

ومع ذلك، لم يكن هناك مفر، وفقط الطبيعة الباهظة لمتطلبات “الدائنين” هي التي دفعت أخيرا الحكومة اليونانية لهذا القرار. يجب أن نتذكر أنه على الرغم من بعض التدابير الإيجابية ( القانون “الإنساني” وإعادة الموظفين المسرحين للعمل، وإعادة فتح التلفزيون العمومي ERT)، لم تكن الحكومة قد قطعت مع التقشف وكانت تتفاوض على شروط مواصلته. مع ما يستتبع ذلك من زيادة البطالة والفقر في سياق حالة اقتصادية على نحو متزايد من الصعوبة –  دخول البلد مرحلة ركود جديدة، وسحب كثيف لرؤوس الأموال(إنه ما مجموعه 400 مليار يورو هي الموجودة الآن في الخارج) دون رد فعل السلطات لمدة شهور .

الترويكا: المزيد دوما

كان الإطار محددا باتفاق 20 فبراير، ومن خلاله وافقت الحكومة الجديدة سيريزا-آنيل على دفع استحقاقات الديون نقدا، والتخلي عن أي تدبير “أحادي الجانب” من شأنه أن يؤثر على الميزانية(وبالتالي، في الواقع، التخلي على برنامج سالونيك الذي انتخبت سيريزا على أساسه) وأيضا مواصلة الخصخصة.

الأحد 21 يونيو، كان حتى ما أعلن تسيبراس الاستعداد لتطبيقه برنامج تقشف معزز، من خلال موقف “الحل الوسط” الذي اقترحه شخصيا على الترويكا. كان في القائمة: زيادة الضرائب على الدخل أكثر من 30000 يورو سنويا, وزيادة المساهمات الاجتماعية؛ وزيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 23٪ على المواد الغذائية والخدمات الأساسية؛ وإقرار إنهاء المعدلات الضريبة الخاصة على القيمة المضافة في الجزر- التي تدعم السياحة؛ والتخفيض التدريجي لفرص التقاعد المبكر، وكذلك مدفوعات المعاشات التقاعدية لأفقر المتقاعدين…

ثم ذكرت الصحف أن هناك “أجواء تفاؤل”(مؤقت)، قبل أن تقوم “المؤسسات” بإعادة إسقاطه بسرعة معلنة أن المقترحات اليونانية ناقصة وطالبت بالمزيد. ما تسبب في قطع الدفعات التكميلية التي يستفيد منها أصحاب المعاشات الصغيرة، واشتراط إلغائها بدء من 2017. وكان سيكون لهذا عواقب وخيمة على نسبة كبيرة من المتقاعدين – وذويهم العاطلين عن العمل الذين غالبا ما يعيشون من خلال التضامن العائلي. وفي الوقت نفسه، واصلت الترويكا رفضها القطعي لأي التزام حول احتمال إعادة هيكلة مستقبلية للديون.

قرارات سياسية للغاية

يدل مدى التنازلات التي قدمتها من قبل الحكومة اليونانية وتلك التي تقترح إضافتها على أنه ليس هناك أي منطق اقتصادي حقيقي، حتى النيوليبرالي، في القرارات الموجهة من طرف لاغارد وشويبله. بالنسبة لقادة الترويكا الأوروبية، بغض النظر على الفروق أو الاختلافات في المواقف، فالهدف هو إخضاع حكومة تسيبراس لوأد أي تدبدب في المهد، حتى غير الحازم، للتشكيك بالتقشف. ويعد ذا دلالة أن واحدا من الأكثر ضراوة هو راخوي المهدد في اسبانيا بالصعود الانتخابي لحزب PODEMOS والذي فقد حزبه السيطرة على العديد من البلديات ومناطق الحكم الذاتي بعد اتفاقات انتخابية بين حزب PODEMOS والحزب الاشتراكي.

على الجانب الآخر، بالنسبة لجميع التيارات التي ترغب في الدفاع عن بديل للتقشف والليبرالية الجديدة، فإن ما حدث توا درس عظيم. تظهر هذه الأحداث أنه لا توجد سياسة أخرى ممكنة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي واليورو دون خوض معركة سافرة ضدها.

غير أنه من غير المؤكد أن هذا الدرس استخلصته جميع العناصر الفاعلة الرئيسية. كما يشير لذلك مناضل أمريكي عارف جيد لليسار اليوناني، “هناك اختلافات في حزب [سيريزا] حول أهداف الاستفتاء. بينما يقول تسيبراس انه سيستخدم تصويتا بلا من أجل تعزيز موقفه في مفاوضات مستقبلية مع دائني اليونان، فإن يسار[سيريزا] يدعو إلى رفض كل إجراءات التقشف وتنفيذ البرنامج الذي يلغي عواقبها”1. حتى أنه، قبيل الإعلان عن الاستفتاء، أعلن وزير المالية اليوناني، يانيس فاروفاكيس أن اليونان “يواصل الكفاح في سبيل أن يكون هناك اتفاق في اللحظة الأخيرة قبل يوم الثلاثاء”، وأنه إذا تم تحقيق مثل هذا الاتفاق “سندعو للشعب اليوناني  للتصويت بنعم” في الاستفتاء…

القطيعة الضرورية

الرهانات مرتفعة للغاية. إذا حظيت الضغوط والخوف التي يقوم بهما اليمين اليوناني والحكومات الأوروبية (والتي تجد لها صدى  حتى لدى قيادة سيريزا والحكومة) بانتصار نعم، سيكون ذلك هزيمة خطيرة للشعب اليوناني كما لكل المقاومة في أوروبا. سيكون مرجحا استقالة الحكومة وإجراء انتخابات جديدة. فمن الصعب حقا تصور أن تسيبراس يمكن أن يطبق شروط الترويكا (حتى لو انه ملزم باحترام اختيار الأغلبية، أيا كان)، وهذا يهدد بإحداث انقسام في أغلبيته البرلمانية وحزبه.

ولكن إذا فازت لا، كما يبدو، فسوف ندخل حقلا جديدا من الاحتمالات، حيث المعركة ضد التقشف يمكن أن تتقدم فعلا.

في هذا الوقت، ستواجه اليونان إذنا سلسلة من المشاكل الملحة ولا مناص منها. من المؤكد أنها ستدفع خارج منطقة اليورو، وربما الاتحاد الأوروبي. أمام شح السيولة(شرع البنك المركزي الأوروبي بالفعل بعملية الخنق المالي)، من الضروري البدء بإصدار عملة بديلة، و”سندات دين” 2 مثبتة على اليورو ولكنها سرعان ما تفقد قيمتها، في انتظارا إعادة العمل بالدراخما.

ستبقى الظروف صعبة للغاية لأنه أبعد من التقشف، يوجد بلد ليعاد بناؤها. غالبا- ونفس الشيء في هذه الصفحات- ما يعطى الأرجنتين على سبيل المثال، مثالا على دولة التي بعد التخلف عن سداد ديونها، والتخلي عن ربط عملتها بالدولار وتخفيض قوي لقيمتها، شهدت فترة أزمة وثم إعادة بناء، ولو جزئيا ومؤقتا. ولكن الأرجنتين بلد، على الرغم من أنه تابع، فلديها موارد طبيعية هائلة، وهيكل صناعي حقيقي، وخدمات فعالة في بعض القطاعات، وفلاحة هي من بين الأوائل في العالم. ليس هذا هو وضع اليونان حيت الرأسمالية غير تنافسية بالفعل قبل دخول اليورو، وجدت نفسها تقريبا بعد دخول العملة الموحدة في وضع استراحة .3

تصورأنه يمكنها، بعد قطيعة مع منطقة اليورو وربما الاتحاد الأوروبي، الدخول في مرحلة تطور رأسمالي وطني، وهم. وبالتالي فإن مواقف مسؤولي وأعضاء مأثرين في التيار اليساري لسيريزا، دون الانتقاص من الدور التقدمي جدا الذي يقومون به اليوم قد يؤدي إلى مأزق .4 لن تخرج اليونان من الأخدود دون خطة تنمية تنطوي، كي تكون فعالة، على مركزية وتوزيع ديمقراطي لرأس المال المتاح. هذا يعني على وجه الخصوص إلغاء الديون (الكثير منها “غير قانوني، وغير شرعي وبغيض” وفق تقرير أولي للجنة الحقيقة حول الدين العام، التي أنشأها البرلمان اليوناني)، وفرض الضرائب العالية على ملاك السفن والكنيسة، والتأميم وإعادة تشغيل البنوك والشركات الكبرى في البلاد تحت رقابة العمال- مع، في الوقت نفسه، فإن التلبية التي لا غنى عنها للاحتياجات الأكثر إلحاحا للعمال والطبقات الشعبية. وهذا يعني، فتح سيرورة قطيعة مناهضة للرأسمالية.

الحاجة الملحة للتضامن   

حتى الآن، التضامن مع الشعب اليوناني غير كاف إلى حد بعيد. يجب القول أنه كان معقدا إرساؤه في الأشهر الأخيرة، عندما كان تسيبراس يتفاوض على التقشف وغياب التعبئة الجماهيرية في اليونان نفسها. إذا فازت لا يوم 5 يوليوز(هذا ما حصل فعلا، كتب المقال قبيل الاستفتاء)، سيكون التضامن ضروريا أكثر من أي وقت مضى ولكن، بلا شك، أيضا أكثر إمكانية تحقيقه.

وسيكون بالتالي مهمة عاجلة على الصعيد الوطني، كما في أوروبا، بناء حركة مناضلة واسعة تنظم الدعم السياسي، فضلا عن المادي والمالي، إلى الشعب اليوناني الذي سيجد نفسه مرة أخرى في الخط الأمامي للمعركة، معرضا بالتالي لجميع ضربات الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي وبشكل عام القوى الامبريالية.

حركة سوف تحمل أيضا بالضرورة معركة شاملة معارضة لسياسات الليبرالية الجديدة ومؤسساتها وحكوماتها، وفي فرنسا حكومة هولندا وفالس.

جان-فيليب ديفيس، مجلة مناهضة الرأسمالية رقم 67 (يوليوز-غشت 2015)، تعريب المناضل-ة 

إحالات:

  1. Lee Sustar, http://socialistworker.org/2015/06/29/gr…
  2. Reconnaissances de dette, sortes d’obligations d’Etat. Le terme vient de l’anglais « I owe you » (« Je te dois »).
  3. Voir les articles sur l’économie grecque d’Henri Wilno dans les numéros 64 (avril 2015) et 65 (mai 2015) de cette revue.
  4. Voir la discussion que Michael Roberts mène avec Costas Lapavitsas, partisan d’un tel développement national comme « première étape » capitaliste-keynésienne après une rupture avec l’euro, dans « Grèce : Marx ou Keynes ? », revue l’Anticapitaliste n° 64 d’avril 2015.
شارك المقالة

اقرأ أيضا