وثيقة 11 يناير 1944: سياق استحواذ البرجوازية بقيادة النضال ضد الاستعمار

سياسة17 يناير، 2015

ستحتفل الدولة ومعها قسم من القوى المتحدرة من الحركة الوطنية بالذكرى الثانية والستين لتقديم “عريضة 11 يناير” المطالبة بالاستقلال. وعلى غرار الحملة الأيديولوجية الواسعة التي نظمتها الدولة احتفاء بالذكرى الخمسين لـ ” استقلال” المغرب معية هذه القوى، ستكون الأضاليل حول تلك المرحلة هي السلعة الرائجة.

أصبح من الشائع عند الحديث عن نضال المغاربة من أجل الاستقلال، أن يتخذ من الإجماع الشعبي على القضية الوطنية مبررا لخلق تصور لا يرى في ذلك النضال سوى تحركا شعبيا لتحقيق المطالب الوطنية، ومن ثم تجاهل أي بعد طبقي لذلك النضال يربط بينها وبين حالة الفقر والحرمان الذي خلقتها سنوات الاستعمار و سنوات الحرب، ولتجاهل أهمية حركة الجماهير من أسفل وما كشفت عنه من انقسامات داخل القوى المشاركة في النضال الوطني.

درجت الأجهزة الإيديولوجية للدولة ومعها خلفاء الحركة الوطنية (خصوصا حزب الاستقلال)، على إبراز تقديم وثيقة 11 يناير، كأهم اللحظات المشرقة في النضال التحرري للشعب المغربي ضد الحماية الفرنسية. ولا زالت الأحزاب التي انتمى أسلافها إلى الحركة الوطنية، يستمدون رصيد شرعيتهم المفتقدة من تلك اللحظة، مبرزين دورها في المناداة بالاستقلال وربط نضال الحركة مع القصر.

ما هو السياق الذي طرحت فيه الوثيقة؟ ولماذا لم تناد “الحركة الوطنية” بالاستقلال منذ بدايتها؟ وما هي مميزات نضال الحركة من أجل تجسيد هذا المطلب خصوصا إذا استحضرنا الحركة الجماهيرية التي استثارتها وثيقة المطالبة بالاستقلال؟. ليست مطالب 11 يناير أولى المطالب التي تقدمت بها تنظيمات “الحركة الوطنية” إلى السلطات الفرنسية، فقد سبقتها مجموعة من الدفاتر المطلبية تضمنت مجموعة من المطالب وكذا رؤية “الحركة الوطنية” لنظام الحماية.

لم يستثر دخول الاستعمار في البداية رفض النخب المدينية التي ستشكل قيادة “الحركة الوطنية” فيما بعد منذ البداية، بل قامت ضده هبات قروية (الريف, الأطلس…)، لم تستطع الصمود ليس فقط بسبب تفوق المستعمر العسكري والمادي، بل لانعزال القرويين واستنكاف المدن عن تقديم الدعم لهم، ومشاركة المخزن في شخص السلطان في عمليات التهدئة التي تقوم بها فرنسا، وهو ما كان واردا في معاهدة الحماية ” يقبل جلالة السلطان، منذ الآن، أن تشرع الحكومة الفرنسية، بعد إعلان المخزن مسبقا، في الاحتلالات العسكرية التي تراها ضرورية..” المادة الثانية.

إلا أنه وبعد أن ظهر أن المقاومة المسلحة في البوادي انهزمت “بشكل كلي”، بدأ ما يسمى بالمقاومة السياسية الحضرية بالتبلور في المدن، مستغلة صدور ظهير “16 مايو” المعروف بالظهير البربري، وطرحت نفسها كبديل للعمل المسلح المنهزم بالجبال.

ظهير 16 مايو 1930

لعب صدور ما يعرف بـ”الظهير البربري” في 16 مايو 1930، دورا كبيرا في دعم الانطلاقة الحقيقية “للعمل السياسي للحركة الوطنية”. فقد استغلته هذه الأخيرة لإطلاق حركة احتجاج واسعة ضد “السياسة الاستعمارية” بالمغرب، على شكل تجمعات بالمساجد (سلا) سرعان ما عمت الحواضر الكبرى بالمغرب (فاس، تطوان، الرباط..). وقد تعرض الشباب المشارك في حركة الاحتجاج هذه (المعروفة باللطيف) للاعتقال والإبعاد.

على إثر حركة الاحتجاج هذه، تكونت خلايا سياسية اتخذت من السرية أسلوبا للتنظيم والعمل لتفادي المواجهة مع سلطات الحماية. وانتهت هذه المرحلة بظهور مجموعة من التنظيمات السياسية، التي جعلت من النضال من أجل الإصلاحات في إطار نظام الحماية أسلوبها الأساسي، ونذكر منها بالأساس “كتلة العمل الوطني” التي تأسست وأصدرت في غشت 1933 جريدة بالفرنسية حملت اسم “عمل الشعب”، تولى الإشراف عليها في فاس محمد حسن الوزاني. ودعت هذه الجريدة إلى الاحتفال بعيد العرش في 18 نونبر من كل سنة، كإشارة إلى رغبة الكتلة في التعاون مع القصر.

قامت الكتلة في دجنبر 1934 بتقديم مذكرة “مطالب الشعب المغربي” إلى المقيم العام والسلطان ورئيس وزراء الحكومة الفرنسية تضمنت:

3 المطالبة بتطبيق معاهدة الحماية. 4 مشاركة الوطنيين في الوظائف الإدارية (المجالس البلدية والغرف التجارية). 5 تأسيس مجلس وطني يضم نواب مسلمين ويهود.

اتسمت الانتقادات التي وجهتها المذكرة إلى سلطات الحماية بـ”الاعتدال”، إذ لم تطالب بإلغاء نظام الحماية والحصول على الاستقلال بل طالبت بتطبيق معاهدة الحماية، واكتفت بانتقاد النتائج الهزيلة التي تحققت في البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي منذ 1912. ورغم “اعتدال” “الكتلة” في مطالبها وفي أسلوبها، جوبه هذا الانطلاق، بإرهاب عنيف من طرف سلطات الإقامة، وكذلك برفض الجبهة الشعبية، بعد وصولها إلى الحكم 1936.

حركة المطالبة بالإصلاحات 1937

ساهم انتصار الجبهة الشعبية في الانتخابات في فرنسا سنة 1936، في السماح لكتلة العمل الوطني بممارسة نشاطها في جو من التساهل النسبي. حيث نظمت الكتلة مؤتمرها الوطني الأول علانية في أكتوبر 1936، وأعلنت عن “برنامج المطالب المستعجلة” الذي تضمن من بين ما تضمن المطالب التالية: وجوب الاعتراف بالحريات العامة والفردية وتطوير التعليم وإقرار قوانين اجتماعية تقدمية. ومرة أخرى ردت الحكومة الفرنسية بالرفض.

لم تجتذب حركة 1930 و1937 في الواقع إلا البورجوازية الصغيرة الحضرية، فالفلاحون لم يتحركوا ما عدا أحواز فاس، والبورجوازية التجارية – رغم بعض الاستثناءات- رفضت الالتزام بالعمل الوطني، وبقي القصر صامتا واستمر في إصدار الظهائر التي تطلبها منه الإقامة العامة. أما الطبقة العاملة فلم تدخل بعد مسرح النضال الوطني، إذ استثنينــا الإضرابات المطلبية لسنة 1936.

لم يكن هذا النهج،نهج المسالمة والمطالبة بإصلاحات في إطار نظام الحماية، سبيلا من بين سبل أخرى وقع عليه الاختيار لملائمته للظرفية، بل نتيجة للطبيعة الطبقية لقيادة الحركة الوطنية (قيادة بورجوازية)، ولقناعة راسخة لديها بأنها ستصل إلى أملها بعد “قطع مرحلة من التعاون تحت النظام القائم” (علال الفاسي).

بعد فشل حركة الإصلاحات، مع القمع الذي واجهت به سلطات الحماية الحركة، انشقت كتلة العمل الوطني إلى حزبين، “الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية” الذي سيتحول إلى حزب الاستقلال بزعامة علال الفاسي، وحزب “الحركة القومية” بزعامة الوزاني. واستفادت الإقامة من هذا الانشقاق خصوصا بانتهاء جو التساهل النسبي الذي أطلقته الجبهة الشعبية بعد وصولها إلى السلطة، حيث تم حل “كتلة العمل الوطني” في 18 مارس 1937 وتدشين سياسة العنف من طرف الجنرال “نوجيس”. وتنظم اتجاها الحركة الوطنية بطريقة سرية، واتجه اتجاه علال الفاسي، الاتجاه الأبرز، إلى ربط نشاطه بالقصر وتوسيع قاعدته بتكوين فروع له في مختلف مدن المغرب والاستفادة من منظمات الكشفية والمدارس القرآنية لتوسيع دائرة تأثيره.

كانت هذه إذن مسيرة عقد من حركة الإصلاحات التي قادتها تنظيمات “الحركة الوطنية” أو ما عرف بالمعارضة السياسية الحضرية. انتهت بهزيمة ساحقة لهذه الحركة في نهاية الثلاثينات (منع صحف المعارضة، حل الكتلة، نفي علال الفاسي وإجبار الوزاني على الإقامة بالصحراء والتجاء بلافريج إلى طنجة..). لكن هذه الحركة عادت بالظهور مرة أخرى ابتداء من 1942 – خصوصا بعد إطلاق سراح قادتها – متزعمة حركة المطالبة بالاستقلال في سياق دولي ووطني مختلف.

لماذا إذن غيرت الحركة مضمون مطالبها من مجرد إصلاحات والعمل في إطار ما تضمنه معاهدة الحماية من مشروعية والمطالبة بتطبيقها، لتنتقل إلى مستوى المطالبة بإلغائها الكامل والمطالبة بالاستقلال.

المطالبة بالاستقلال:

عكس الأسطورة التي تحاول إظهار حزب الاستقلال والحركة التي أطلقها بما هو الطرف الوحيد الذي أعلن مطلب الاستقلال في وجه فرنسا، تم إعلان المطالبة بالاستقلال في وقت واحد تقريبا من طرف “الأحزاب الوطنية” بمنطقة الحماية الإسبانية 1942، ثم الحزب الشيوعي المغربي 1943، وأخيرا حزب الاستقلال 1944.

ما الذي دفع أحزاب “الحركة الوطنية” إلى الخروج عن نهج المطالب بالإصلاحات والانتقال إلى مطلب الاستقلال. يجد السؤال جوابه في الظروف الدولية والوطنية التي ميزت فترة بداية الأربعينات.

أ)- على المستوى العالمي

أوجز ألبير عياش الأحداث العالمية الأساسية غداة الحرب العالمية الثانية، في كتابه المغرب والاستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية، فيما يلي:

*محاولة هتلر وموسوليني التقرب من الدول الإسلامية. *تعبير روزفلت وتشرشل في ميثاق الأطلسي وميثاق الأمم المتحدة عن حق الشعوب في تقرير مصيرها *انتصار الجيوش السوفياتية بعد معركة ستالينغراد(12/1942ــ02/1943) كان له انعكاسات عميقة في المغرب.

إجمالا يمكن أن نقول إن الساحة الدولية في بداية الأربعينات تجاذبتها تيارات متناقضة حكمت ليس على الحركة الوطنية بالمغرب لوحدها أن تنادي بالاستقلال، بل حتمت على الدول الإمبريالية أن تراجع أسلوب تحكمها في البلدان المستعمرة، وهذه الظرفية اتسمت بـ:

* نمو حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار في كل بقاع العالم (شمال إفريقيا، الهند الصينية، الهند، استقلال سوريا ولبنان 1943…) مما خلق مناخا عالميا مناهضا ومعاديا للاستعمار.

* تعمق التناقضات بين الإمبرياليات المهيمنة إثر الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك انعقاد مؤتمر آنفا وصدور ميثاق الأطلسي 1943 الذي أقر حق الشعوب في تقرير المصير.

* تغير أشكال الاستعمار عالميا، من استعمار مباشر بتكاليفه المادية والبشرية إلى استعمار غير مباشر (جديد). وهذا ما أعطى عنه إرنست ماندل صورة معبرة في كتابه “النظرية الاقتصادية الماركسية “. فقد زعزعت الثورة الكولونيالية مقومات النظام الإمبريالي. واضطر رأسماليو البلدان الإمبريالية، بهدف إطالة أمد استغلالهم للبلدان المستعمرة، أن ينتقلوا أكثر فأكثر إلى الهيمنة غير المباشرة. وتحولت البلدان المستعمرة، الواحدة تلو الأخرى إلى بلدان نصف مستعمرة، أي حصلت على الاستقلال السياسي. وبوجه عام حافظت الإمبريالية في البلدان المستقلة حديثا على مواقعها الاقتصادية القديمة…”، وهذا بالضبط ما سيحصل مع المغرب سنة 1956.

هذا ما شجع “الحركة الوطنية” وحملها على تغيير مضمون مطالبها. فقد دعمت دخول المغرب في الحرب إلى جانب الحلفاء، أملا منها في الاستفادة من نتائجها: اعتراف فرنسا باستقلال المغرب. ومن نافل القول ان ليس من العيب استغلال الصعوبات التي تعاني من الإمبرياليات لتطوير حركة مناهضة الاستعمار، لكن ما يجب التركيز عليه أن “الحركة الوطنية المغربية” لم تكن لتطور نضالا جديا وحازما ضد الاستعمار ولا لتبلور منظورا كاملا للاستقلال، ونذكر هنا وقوف الحركة الوطنية إلى جانب الحلفاء في الحرب وسكوتها عن تجنيد 90 ألف مغربي ليقاتلوا في جبال إيطاليا، بينما واصلت فرنسا وباقي الإمبرياليات الغربية تركيز قوات كبيرة في مستعمراتها، بدلا من إرسالها لقتال القوات الألمانية أو اليابانية كاشفة هكذا أولوياتها الحقيقية.

ب)- على المستوى الوطني

كان لأزمة الاقتصاد العالمي لسنة 1929 أثر كبير في المجتمع المغربي، وساهمت في تنامي الاستياء الشعبي ضد سلطات الحماية. فالرخاء النسبي بعد الحربين كان له طابع ظرفي، والأزمة الاقتصادية أضعفت الاقتصاد المغربي الجديد والاقتصاد العالمي أيضا.

عانت البورجوازية الصغرى الحضرية والصناع من المزاحمة ومن ضياع الأسواق التقليدية وتقلص القدرة الشرائية عند زبائنها؛ التسريح أو خفض عدد عمال الأوراش الكبرى التي فتحت في فترة الازدهار بالإضافة إلى الأجور منخفضة. أما الفلاحون الذي نزعت أراضيهم من قبل فقد تدهورت أثمان منتجاتهم الزراعية بالإضافة إلى رداءة المحاصيل والأوبئة. وتعرض سكان الجبال للافقار نظرا لإدماجهم في اقتصاد السوق فلم يعد لديهم أي مصدر للعيش. كان لتجليات الأزمة هذه انعكاسات على التجارة التي عرفت كسادا واسعا.

أما بالنسبة للمثقفين فلهم مشاكلهم الخاصة، حيث تم استبعادهم من الإدارات التي كانوا يشغلونها من قبل. لكن الامر الأساسي في هذه الفترة هو؛ دخول فاعل جديد حلبة الصراع ضد الاستعمار؛ الطبقة العالمة التي ارتبط وجودها بالاقتصاد الاستعماري، ولعبت دورا كبيرا في تحول الحركة ودفعها إلى ذلك. فرغم التشريعات التي سنتها فرنسا لمنع العمال المغاربة من الانخراط في النقابات:

* عدم اعترافها بحق الانتماء النقابي للمغاربة غم وجود فرع الاتحاد العام للعمل C.G.T في المغرب.

* الحيلولة دون التقاء المناضلين النقابيين برجال الحركة الوطنية، وعرقلة التحاق العمال المغاربة بالنقابات الفرنسية رغم أشكال التضييق هذه دفعت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية العمال إلى دخول حلبة النضال ضد الاستعمار كفاعل جديد وقوي.

أعطى إضراب بعض عمال الدار البيضاء الانطلاقة للنضال العمالي، فاقتدى بهم عمال مناجم الفوسفاط في خريبكة واليوسفية وعمال مناجم الفحم في جرادة. وفي 1943 (وللسنوات هنا دلالتها الخاصة) تعزز النضال النقابي للعمال المغاربة بتأسيس “اتحاد النقابات الموحدة بالمغرب”. وخاض العمال المغاربة النضالين النقابي والوطني ضد المستعمر الذي استمر مع تأسيس جيش التحرير.

هناك ظواهر أخرى ميزت سنة 1943، فالبورجوازية الكبرى – التي كانت بعيدة لحدود هذه الفترة عن النضال الوطني- والتي اغتنت من بيع المخزونات الهامة التي ادخرتها قبل 1939 تضايقت من الإجراءات التمييزية التي أصبحت عرضة لها، وكانت تحد من توسعها وازدهارها كما بقيت سبل السلطة والإدارة موصدة دائما بوجهها. فبدأت تنحاز وتلتزم داخل الحركة الوطنية، طبعا من وجهة نظر مصالحها. كما أدت ممارسات السلطات الاستعمارية من مصادرة الحبوب وثقل الضرائب والمظالم التي تطبع التوزيع المقنن للمواد الغذائية والألبسة وعجرفة جهاز كامل من الموظفين المنتمين للفيف الفرنسي للمحاربين، أدى إلى تنامي مناوئة نظام الحماية في صفوف الشعب.

إن قيادة البرجوازية للنضال الوطني لم يكن غائبا عن تحليل الماركسيين الثوريين، فقد أكد تروتسكي “أن الثورة الديمقراطية أو التحرر الوطني قد تسمح للبورجوازية بتعميق وتوسيع إمكاناتها الاستغلالية”. لكن تروتسكي أضاف حدودا لهذه الإمكانية،” لكن تدخل البروليتاريا المستقل على المسرح الثوري يهددها بحرمانها من جميع الإمكانات”. ((تقييم وآفاق الثورة الصينية).

لقد كان وراء تغيير مضمون مطالب “الحركة الوطنية” إذن: تبدل الظرف العالمي (نتائج الحرب، وآثار أزمة 1929)، وظهور فاعل جديد على ساحة النضال الوطني (الطبقة العاملة) قد يتجذر وتتجاوز مطالبه المطالب التي ترسمها “الحركة الوطنية” للنضال الوطني. وهذا يؤكد حقيقة تاريخية أن البورجوازية أو ما يسمى “البورجوازية الوطنية” غير قادرة على تحقيق مهام التحرر الوطني في البلدان المستعمرة. ووحدها الطبقة العاملة بتطويرها قوى هذا التحرر تحت قيادتها تستطيع تحقيق هذه المهام في ارتباط مع مهام الثورة الاشتراكية.

المطالبة بالاستقلال في الشمال

أظهرت الأحزاب الوطنية في الشمال تعاطفها مع دول المحور علانية. وأصدرت قرار الوحدة بين الحزبين: ميثاق ديسمبر 1942 ، ونشرا بيانا مشتركا تضمن الدعوة إلى استقلال المغرب، وإلغاء نظام المناطق، و إقامة السيادة المغربية الداخلية والخارجية كاملة وإقامة نظام ملكي مسلم وطني برعاية الأسرة الملكية.

الحزب الشيوعي المغربي

أسس الحزب الشيوعي والحركة النقابية من طرف البروليتاريين والمثقفين الفرنسيين المهاجرين، وفي 1936 أسس بعض الشيوعيين في مدن المغرب الرئيسية مجموعات لم تكن بينها روابط تنظيمية (جريدتين “الوضوح” في البيضاء و”الأمل” في الرباط). وأعلنت هذه المجموعات تمسكها بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وأن المساندة الفعلية للحق في الاستقلال ستساهم في إضعاف “قوى الاستغلال” وتقوية “قوى التقدم” في البلدان المستعمرة والعالم.

ورغم أن الحزب الشيوعي المغربي أسس من طرف المثقفين الفرنسيين أساسا، فإنه كان مغربيا من حيث هدفه، بانتظار أن يكون مغربيا بأعضائه كما ظهر عام 1946. وقد عرض العدد الأول من جريدة “الوطن” برنامج الحزب في بداية 1943: *المطالبة بحق الأمة المغربية في التحكم بمصيرها بنفسها كباقي الأمم بالعالم.

* المطالبة بحق الأمة المغربية في الاختيار الحر للنظام الذي تريد العيش بظله.

*التطبيق الفوري للحريات الديمقراطية الأساسية وانعقاد مجلس تأسيسي تشريعي.

طالب الحزب الأمة المغربية – مع تشديده على جسامة نضال الأمم المتحدة ضد الهتلرية وأهميتها “لخير” و”لحرية” الشعب المغربي- بـتوثيق الروابط … والمصالح المشتركة والمطامح الديمقراطية المشتركة التي تجمعها بالشعب الفرنسي.

كان الاستقلال والدعوة للمجلس التأسيسي والاتحاد مع الشعب الفرنسي والنضال بجانب الأمم المتحدة … هي النقط الأساسية في البرنامج الشيوعي 1943، إلا ان ظروف الحرب العالمية، وعوامل أخرى مرتبطة بعلاقات الحزب الشيوعي المغربي بسياسة ستالين تجاه نضال المستعمرات الذي تخلى عن المنظور اللينيني كما فصلته مقررات الأممية الشيوعية في سنواتها الأربع الأولى، جعلت الحزب يتراجع عن المطالبة بالاستقلال، غير أنه لم تكد تمضي سنة واحدة حتى طرح حزب الاستقلال بقوة مطلب الاستقلال الوطني.

حزب الاستقلال: أزمة يناير – فبراير 1944

حتى قبل أن يتأسس حزب الاستقلال، حاول “الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية” أن يلتزم إلى جانب فرنسا في الحرب ضد دول المحور، عله يستفيد من نتائج الحرب. فقد أرسل الحزب الوطني عشية الحرب العالمية الثانية بعثة في 26 غشت 1939 لمقابلة المقيم العام للتأكيد على التضامن المغربي الفرنسي، ومساندة فرنسا أمام الخطر المحدق بها (كراسة حزب الاستقلال بعنوان “مغرب”).

تأسس حزب الاستقلال وكان بلافريج كاتبا عاما، وفي 11 يناير 1944 قدم الحزب الذي كان يأمل الحصول على الدعم الأمريكي، بيانا إلى السلطان والسلطات الفرنسية والحلفاء يطالب بـ :

*الاستقلال *دخول المغرب إلى المحفل الدولي * الإعهاد إلى السلطان بإصلاح المؤسسات السياسية.

كان عدد الموقعين 58. 4/3 من المثقفين الذين ينتمون في معظمهم إلى البورجوازية المتوسطة إلى جانبهم بعض التجار الأغنياء: 8 تجار وصناعيين، 5 فلاحين أو ملاكين عقاريين، 6 موظفين مخزنيين، 4 قضاة، 7 من أعضاء المهن الحرة، 10 علماء، 18 من سلك التعليم.

الخطوات التي قام بها الحزب لتحقيق هذا الهدف كما فصلها عبد الكريم غلاب في “الحركة الوطنية المغربية”:

أ- التنظيم الشعبي والوحدة الوطنية

تجنيد “الرأي العام” حول الفكرة وتكوين طلائع المناضلين والاتجاه إلى هيئتين * هيئة ثقافية هي جمعية قدماء تلاميذ ثانوية مولاي إدريس بفاس، اتجه إليها الحزب قصد الانضمام إليه والموافقة على فكرة المطالبة بالاستقلال. * هيئة سياسية: الحركة القومية، ولم يوقع زعيمها العريضة، بل أصدر تعليمات إلى أصدقاءه فقدموا عريضة أخرى.

ب- الاتصال بالملك

حينما استقر رأي الحزب على المطالبة بالاستقلال… عرضت الفكرة على الملك “فتحمس لها وقال: إن الوقت قد حان للمطالبة بالاستقلال.. وتقررت فكرة المطالبة بالاستقلال معه”. وعرض عليه بعد ذلك نص الوثيقة فوافق عليه.

ج- البحث عن التأييد الخارجي

سعى الحزب للحصول على تأييد الأمريكيين والإنجليز مع نزول الحلفاء في المغرب.

د- كيف قدمت الوثيقة

حررت العريضة وعرضت على الملك فوافق عليها وحدد موعد تقديمها في 11 يناير 1944، واتجهت الوفود الاستقلالية إلى القصر الملكي والإقامة العامة والمفوضية الأمريكية والإنجليزية.

صحبت الوثيقة برسالة خاصة بكل من الملك والإقامة العامة وسلطات الحلفاء، وكانت رسالة الملك تتضمن بعض الأفكار عن نوعية الاستقلال وأسلوب الحكم الذي يفكر فيه الحزب.

صيغة مطلب الاستقلال

في تطوان اتفق “حزب الإصلاح الوطني” و”حزب الوحدة المغربية” في 14 فبراير 1943 على صيغة ميثاق وطني عرف باسم “الجبهة القومية المغربية”، نادت من خلاله بإلغاء نظام الحماية المفروض في جميع أطراف المغرب.

في الجنوب حيث تأسس حزب الاستقلال (سليل الحزب الوطني) في يناير 1944، قدم وثيقة باسم “الحركة الوطنية” عرفت باسم “عريضة المطالبة بالاستقلال 11 يناير” طالب فيها بالاستقلال وبفسخ معاهدة الحماية. ورصدت الواقع الذي آلت إليه الأمور بعد 26 سنة من توقيع معاهدة الحماية: الحكم المباشر لسلطات الحماية، الاستحواذ على مقاليد الحكم وخيرات البلاد، تحطيم الوحدة المغربية ومنع المغاربة من المشاركة الفعلية في تسيير شؤون بلادهم..

إلى جانب أن هذا الرصد جاء متأخرا، منذ حلت الحماية وقامت ضدها هبات وطنية مختلفة، على الأقل إلى حدود 1934. لم يكن لدى “الحركة الوطنية” – رغم التحول في مضمون المطالب – منظور واضح للاستقلال، ويظهر هذا في الابهام الذي يكتنف الوثيقة المقدمة ، فلم تحدد لا طبيعة الاستقلال المنشود ولا المدة التي سيتحقق فيها، كما أغفلت أهم مقومات الدولة المستقلة، مثل السياسة الخارجية والجيش وغيرهما. كما تجلى ذلك في عدم الاهتمام بتسطير برنامج محدد بل بتعميم بورجوازي لما تعبر عنه الجماهير من طموحات: المطالبة بالاستقلال والإلحاح على الوحدة ونظام سياسي شوري.

العريضة تطلق حركة احتجاج واسعة

وزعت العريضة على نطاق واسع ولقيت نجاحا باهرا، حيث أطلقت وثيقة عنان النضال الشعبي – المديني حيث “تقبل الشعب الفكرة بكامل الترحيب والحماس، واندفع يؤيد العريضة بعرائض مماثلة.. وبلغ الحماس أشده، أما مسيرو الحزب فقد كانوا يدركون عاقبة الخطوة التي خطوها، ولذلك كانوا يتوقعون كل ما خبروه من عنف الاستعمار وبطشه، وهو ما انفجر فعلا” (عبد الكريم غلاب). وشهدت مناطق تغلغل حزب الاستقلال أعنف المواجهات مع السلطات الاستعمارية.

إذا كانت وثيقة الاستقلال هي التي فجرت المواجهات، إلا أنه يصعب فهم عنف واتساع الحركة المطالبة بالاستقلال بمعزل عما لاقته الجماهير الفقيرة من الفلاحين والعمال وسكان المدن من ظلم واستغلال خلال سنوات الحماية والحرب.

كيف استقبلت الفكرة

هجمت الإقامة العامة في 29 يناير على حزب الاستقلال واعتقل احمد بلافريج الأمين العام للحزب واليزيدي نائب الأمين العام،، واعتقل في نفس اليوم قادة الحزب في فاس ثم معظم موقعي عريضة الاستقلال وخاصة الذين برزوا في القيادة الاستقلالية… هكذا انطلقت المعركة ونترك أحد مؤرخي الحركة (غلاب) يروي الأحداث على لسانه:

* الرباط

عم الإضراب العام المدينة منذ شاع خبر اعتقال بلافريج واليزيدي، وعم التظاهر واتجهت الوفود من مختلف الأحياء وضواحي المدينة على المشور (مركز القصر الملكي)… حيث تجمع السكان مطالبين بالإفراج عن المعتقلين ولم يتفرق السكان حتى ظهور اليزيدي “ليؤكد للجماهير أنه أفرج عنه”.

ما أن تفرق السكان حتى طوق الجيش المدينة وأعلنت الأحكام العرفية تحت قيادة الجنرال لوكلير.. “وتجمع المتظاهرون في المسجد الأعظم”.. الذي حاصر الجيش أبوابه “وأخذوا يطلقون النار على الجمهور.. وسقط عدد من الشهداء.. استمر الإضراب ومحاصرة المدينة عدة أسابيع. وقد اعتقل عدد كبير من مسيري الحزب. وظل فرع الحزب يعمل في السر لإسعاف الضحايا والمعتقلين.

* ســلا

تحركت مجموعة “الفتح” التنظيم السري للحزب في مدينة سلا لتنظيم العمل لمواجهة تحديات الإدارة الفرنسية. وأضرب أساتذة المدارس.. ثم نظمت مظاهرة ضخمة ابتداء من المسجد الأعظم.. وثم إطلاق النار على المتظاهرين.

تحدت المظاهرة قوة الجيش واتجهت مجموعة من المتظاهرين بقيادة بوعبيد نحو الرباط، والمجموعة الثانية بقيادة الأستاذ محمد البقالي ظلت في باب الخباز.. عندها انطلق الرصاص.. وتساقط الشهداء.

احتل الجيش المدينة.. واقتحم أفراد الجيش المنازل وهتكوا الأعراض وسرقوا الدكاكين واعتقل عدد كبير من الاستقلاليين. وقد شارك في مظاهرات سلا أعضاء الحركة القومية واعتقل عدد منهم.

* فاس

باعتقال القادة الاستقلاليين، برزت التنظيمات الاستقلالية لتقود المظاهرات، وتوزع المنشورات، وتقوم بالدعاية لتجنيد الشعب وتنظيمه. بدأ العمل بالإضراب الشامل حيث “أغلقت المتاجر والمدارس والمعامل… وانطلقت مظاهرة هائلة استمرت طيلة يومي 29 و30 يناير.

لم تشأ الإدارة أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ما يجري بالبلاد من مظاهرات صاخبة.. فتسرب الجيش ليلا لاحتلال المدينة وتطويق القرويين، وحدثت مواجهة بين الأطفال والنساء والجنود.. “فهاج الشعب وتعالى الصياح وتقدم الاستقلاليون إلى المعمعة بالتكبير والتهليل”.

استمر الشعب في المقاومة وتنظيم المظاهرات في صمود واستماتة 15 يوما. كانت آخر مظاهرة هي التي نظمت في مسجد الرصيف، فما أن حان وقت صلاة الظهر حتى تواجد هناك جمع كبير ضم الشباب والكهول من الصناع والعمال والتجار والطلبة، وكان حينها المسجد مطوقا بالجنود بقيادة الجنرال سوفران وخليفته سالايني.

كانت الحصيلة ثقيلة بالنسبة للمغاربة: مئات القتلى، عدد كبير من الجرحى وآلاف الاعتقالات، إصدار المحاكم العرفية أحكاما بالإعدام والأعمال الشاقة وإغلاق عدد من المدارس (مؤسسة جسوس بالرباط التي أسسها بلافريج) والثانويات الإسلامية والثانوية البربرية بأزرو، وأقيل عدد من الموظفين وعزل وزيرين: العدل والتعليم، أما السلطان فقد التزم بمعاهدة الحماية.

حدثت هذه الوقائع في فترة كانت فيها الحرب ضارية في جميع الجبهات، وساد الخوف من هجوم ألماني على المغرب بمساعدة فرانكو الذي دفع بجيوشه سنة 1940 إلى احتلال طنجة.

أسلوب عمل الحركة

في الحقيقة، لم يخطر ببال حزب الاستقلال أن العريضة ستطلق حركة شعبية قوية، فقد كان أقصى ما يبتغيه هو مشاركة القصر وتعبئة الطبقات العليا وقطاعات من الطبقة المتوسطة للحصول على الاستقلال عن طريق التفاوض. اتسم أسلوب الحركة بالمهادنة وموقفها المتخاذل من نضال الشرائح الشعبية الأخرى، عند حدوث اضطرابات ومواجهات شرسة بين سلطات الحماية والمواطنين الذين تلقوا مطلب الاستقلال بالترحيب، حيث استعانت الإقامة العامة ببعض الشخصيات الحزبية (اليزيدي) لتهدئة الجماهير الغاضبة من مسلسل الاعتقالات التي أعقبت تقديم وثيقة الاستقلال.

في هذا الإطار سارعت قيادة حزب الاستقلال التي أحست بالخطر وصرحت في بيان 19 يناير”لم يكن هدفنا إثارة أو إطلاق حركة عصيان داخل البلاد، يمكن أن يكون من نتائجها عرقلة جهود الحلفاء في الحرب”، وطمأنت “فرنسا الحرة” بعدم “رغبة الوطنيين في عرقلة المجهود الحربي” وأنهم لا يريدون “تحقيق أهدافهم بالعنف”. كما طمأن الحزب، في شخص كاتبه العام أحمد بلافريج، فرنسا أن مصالحها لن تمس حتى وإن استقل المغرب، في رسالة 18 يناير إلى السلطان: “إن التعاون مع الفرنسيين وحماية مصالحهم ممكنان في إطار الاستقلال ولا يتعارضان”. ووصلت حدود التنازلات إلى حد دخول الحزب في مفاوضات من أجل حذف كلمة الاستقلال.

طبع سلوك البورجوازية السياسي هذا كل تجارب النضال التي وجدت بها قوى برجوازية، فهذا تروتسكي وهو يحلل موقف البورجوازية الصينية “من المؤكد أن البورجوازية لا تلتحق بمعسكر الثوار بطريق الصدفة أو بسبب الطيش و الخفة، ولكنها تفعل ذلك تحت تأثير ضغط مصالحها الطبقية. ثم يدفعها خوفها من الجماهير لأن تهجر الثورة، أو تبدي حيالها بجلاء حقدا..” (تقييم وآفاق الثورة الصينية).

إذا كان مستساغا أن حزب الاستقلال – نظرا لطبيعته الطبقية- قد سلك نهج المهادنة أمام انطلاق هذه الدينامية الشعبية، فإنه لم يكن مستساغا ان ينهج الحزب الشيوعي نفس النهج، إن لم يكن قد توغل فيه أكثر من حزب الاستقلال نفسه. ففي هكذا وضع، اعتبر الحزب الشيوعي المغربي، أن مجهود الحرب وسحق القوى الهتلرية، عليهما أن يصبحا هدف الساعة. وأنه لا يستطيع ان يشارك في الحركة التي أعلنها البيان. لقد عارض الحزب الشيوعي المغربي، إلى هذا الحد أو ذاك، فكرة الاستقلال، فوقف بالنتيجة ضد الحزب الذي أعلنه مطلبا عاما ، وضد الحركة الجماهيرية التي أطلقتها.

اندرجت سياسة الحزب الشيوعي المغربي ضمن إملاءات موسكو، التي دخلت الحرب ضد دول المحور إلى جانب الحلفاء، رافعة شعار دعم الدول الديمقراطية في حربها ضد قوى الرجعية (النازية)، وأدى ذلك عمليا إلى إعاقة وحتى الوقوف ضد حركات التحرر الوطني في البلدان المستعمرة من طرف دول الحلفاء، وحتى اتهامها بأنها “انتفاضات فاشية” وانبرى فرع الحزب الشيوعي الفرنسي بالجزائر للدفاع عن “الجزائر الفرنسية”.. في الحقيقة، لم تكن سياسة دعم الحلفاء في الحرب، التي تم تبريرها بالنضال ضد الفاشية، تجد تفسيرا في الواقع، إلا في تحالفات الاتحاد السوفياتي العالمية مع الدول الكبرى الغربية. وقد قاد ذلك إلى التخلي عن النضال لأجل استقلال الغالبية الكبرى من المستعمرات في العالم، وبالتالي القبول بالقمع الإمبريالي لحركات التحرر الوطني.

نتائج حركة المطالبة بالاستقلال

خرجت الحركة الوطنية ضعيفة من الأزمة، وتراجع عملها على المستوى الداخلي، ولكن مع تكثيف العمل على الواجهة الدولية بتوسيع الدعاية الخارجية للمطلب الجديد، خصوصا بعد نهاية الحرب وانفراج الوضع السياسي الداخلي (تحرير الزعماء المنفيين والموقوفين، السماح بظهور الصحافة الوطنية..). لقد ارتعبت الحركة الوطنية من النضال الميداني بعد أن ظهرت مخاطره وأظهر مآزق الحركة، فانتقل مركز الثقل إلى الخارج، وبصورة رئيسية الشرق العربي، مصر، ثم إلى فرنسا وأمريكا ومنظمة الأمم المتحدة فيما بعد.

إلا أن الطبقة العاملة، استفادت من جو النضال الذي أطلقته الحركة وأثرت دائما بصورة أقوى في النضال الوطني، وإن تعرضت بشكل دائم للكبح من طرف الحزب الشيوعي المغربي، ثم حزب الاستقلال بعد أن وجه مناضليه للانخراط في النقابات.

خلاصـــــة

استمر نضال المغاربة بعد ذلك لمدة عقد من الزمن من أجل نيل الاستقلال، ولكن وقوع هذا النضال تحت قيادة قوى سياسية بورجوازية حد من استكمال تحرر البلاد من السيطرة الإمبريالية. لقد تم إيقاف نضال الشعب المغربي ضد الاستعمار، في البدء بالخداع (مشاورات إيكس- لي – بان)، وفي الأخير بقوة الحديد والنار(تصفية جيش التحرير، وقمع انتفاضة الريف…).

إن السيطرة الإمبريالية لا زالت مستمرة وإن كانت بأشكال أخرى (المديونية الخارجية، اتفاقيات شراكة وتبادل حر..). لذلك فإن النضال الذي تم إيقافه سنة 1956 يجب استئنافه، دون أن يعني ذلك ان نفس أساليب النضال هي المطروحة. وكما يقول إرنست ماندل في مؤلفه “النظرية الاقتصادية الماركسية”؛ ” إن القضاء على هذه السيطرة هي الشرط الأول لفتح الطريق نحو التقدم، وهذه المهمة لها الأولوية حتى على الخلاص من الطبقات المسيطرة، وإن كانت المسألتان مترابطتين في غالب الأحيان”.

بقلم: مجيد أيور

شارك المقالة

اقرأ أيضا