الانتخابات بإسبانيا، وماذا لو تمكنا أخيرا من تجاوز النظام؟

بلا حدود23 مايو، 2016

بقلم إرنستو م.دياث

الإثنين 16 ماي 2016

   اننا في لحظة سياسية متسمة بعنصرين أساسيين :جزر نضالي للتعبئات الاجتماعية ودورة انتخابية تتجه نحو التعقد. لذلك ورغم أنه من اللازم الاستمرار في بدل الجهود في إحياء التعبئات الاجتماعية والانغراس الشعبي، فمن البديهي آنيا أن تطغى التحليلات الانتخابية.

خرجنا على الصعيد الانتخابي من تفاوض انتخابي مفلس اتسم بتوترات و محادثات و قطائع… ومن جهتنا كبوديموس شهدنا ما هو سيئ و ما هو افضل ،شهدنا أن لبوديموس القدرة على  التتميز من داخل البرلمان عن كل من الحزب الشعبي PP وحزب العمال الاشتراكي الاسباني PSOE و لكن وبالمقابل رأينا بوديموس مشرعنة ، ولو بشكل خطابيا ومجازيا، ل PSOEكقوة تغيير.

انتهى مسلسل التفاوض دون اتفاق و انتقلنا إلى انتخابات جديدة و اتضح بجلاء من خلال السابقة أنه لتجاوز أحزاب النظام (انتخابيا) ليست قدرات بوديموس و ملتقيات القوى المهمشة من الدولة لوحدها كافية.في هذا السياق جاء الاتفاق التكتيكي مع قوى أخرى  و على رأسها اليسار الموحد IU ،مع نقاش توسيع التحالف لتشمل قوى أخرى (منتخبي البلديات ، حركات ومنظمات اجتماعية) التي باستطاعتها المساهمة في تحسين النتائج الانتخابية، و تجاوز PSOE وتغيير المشهد السياسي.

التلاقي مع اليسار الموحد IU و إمكانيات التجاوز

خرجنا لتونا من المحادثات، اتضح اننا أمام جبهة مختلفة تماما عنا.وأسفرت انتخاباتنا الداخلية عن تفضيل التحالف مع اليسار الموحد على الالتقاء ب PSOE.

التصويت الفعال ضد PP! انه أبرز عنصر يميز الحملة،عنصر يمكن من منازعة PSOE على ناخبيه.لنفتح بذلك سيناريو جديد للاكتشاف،بامكانيات لكن مع مخاطر مفترضة في مواجهتنا،وهذا بمثابة مرحلة تجريب جديدة من الممكن أن نخطأ فيها في اختيار الحليف.أو أن تربكنا النتائج الانتخابية ونضطر للحكم دون مقومات التغيير.

الاتفاق البرنامجي

نتموقع بانشراح في أفضل السيناريوهات: بحيث لن نتجاوز فقط PSOE ولكن أيضا يظل التحالف أول قوة سياسية، و هنا تبدأ المشاكل.

ان الاتفاق البرنامجي مع اليسار الموحد ليس اتفاقا انتخابيا،بل يتجاوزه لاتفاق مشترك لتشكيل حكومة في حالة استطعنا ذلك[1]،و وثيقة ال50 جوابا مهمة في نقاط عديدة رغم محدوديتها و تناقضاتها في نقاط أخرى.

  • تم التطرق كتابيا لمشكل العجز، و مع ذلك لم يتم تحديد التدقيق و لو بشكل افتراضي. ما ترتب عنه تعامل مرن وبأجندة ممتدة مع مشكل العجز.
  • تم التطرق بوضوح لرفع التقشف عن قطاعي الصحة و التعليم، لكن من الصعب القيام بأي شيء دون ذكر موانع ذلك وخاصة دون الحديث عن الموارد الضريبية البديلة. إذ من الصعب اقناع اللجنة الأوربية بأن تقبل بتوجيه الامكانيات الضريبية نحو الخدمات الاجتماعية و ليس نحو سداد الديون.
  • تحدثت الوثيقة عن الرفع الفوري للأجور إلى 800 أورو في أفق 900 أورو مع نهاية الولاية، من اللازم الوفاء بذلك، لكن من الجدير الانتباه للنمو المتصاعد لاحتياجات الفئات الشعبية .مما يحتم بلا شك رفعا أفضل للأجور.
  • لم تغفل الوثيقة مشكل اعادة تقويم الديون العائلية المسببة للعديد من المشاكل في احيائنا الشعبية بالبلاد.
  • وعدت ببنك عمومي من أجل ارساء صناعات جديدة. لكن ما ستكون موارد هذا البنك الجديد ؟ هل سيعتمد على موارد Mare Nostrum و Bankia؟ أليس كافيا تأميم بنكي أوسع لتحويل اقتصادي حقيقي؟
  • أعاد التحالف فتح الموضوع الترابي، مركزا على إقليم كاتالونيا . حيث تم الاعتماد على استطلاع للدولة يقر بحق التقرير، لكن دون الاشارة صراحة لحق الاستقلال.
  • خصص فقرة للإصلاح الدستوري دون الحديث عن شكل السيرورة الاصلاحية الدستورية، إن مسارا جذريا قاعديا للتغيير الدستوري هو الكفيل بفتح باب التقرير الجماهيري في كل شيء و بالتالي نقاش علاقات الملكية القائمة.

لنضع البرنامج جانبا، إن ما ينقص هو المزيد من الصراع الطبقي

بغض النظر عن كون الاتفاق مع (IU) منخفض المستوى مقارنة مع تحدياتنا السياسية المركزية، إلا أنه من الممكن جدا في ظل هذه الظرفية الاقتصادية أن يتسبب هذا البرنامج في صدام مع الطبقات السائدة، فنحن نتواجد في ظرفية تمثل بالنسبة للرأسمال مرحلة الخروج من الأزمة حيث لن يقدم الرأسماليون أية تنازلات ،وليس هناك ادنى هامش للصفقات. اننا نتموقع في مشهد اقتصادي دولي متشابك ستطغى فيه متطلبات النيوليبرالبة على الطاولة. كما أن الشغل الشاغل للرأسمالية هو فرض أقصى حدود البرنامج النيوليبرالي ،ما يضيق حتى هامش الاصلاحات.

و نظرا لك ما سبق، فإن برنامجنا هذا سيخلق صراعا، و سيعيد المشكل الرئيسي للطاولة، إنه صراع الطبقات. وهنا الفراغ الاكبر في البرنامج، إذ كيف سنواجه الصراعات التي ستترتب عن محاولاتنا الإجابة الملموسة على الإشكالات.

قد يكون هذا السؤال تجريديا بالنسبة للبعض،و قد يبدو للبعض الآخر أفكارا إقتصادية مسبقة لا وجود لها،لكن بإمكاننا تبيان ما قلناه إنطلاقا من المرور على بعض النقاط البرنامجية التي ذكرناها أعلاه.

و لنبدأ برفع الأجور، الموضوع الأكثر استعجالية، إن فرض حد أدنى للأجر بين 800 و 900 يورو يستوجب رفعا مقداره مئات اليوروهات في جداول أجور ملايين الأشخاص، ما يعني في الحال صراعا مع آلاف الشركات. و هنا نعلم أن لا احد من الباطرونات سيستقبل هذا القرار بالورود. فكيف إذن سنواجه مقاوماتهم او ابتزازاتهم؟ هل عبر اللجوء فقط للمساطر القضائية؟ لتعميم مثل هذه الزيادة لا بد من تغيير موازين القوى في المراكز العمالية، ما يستوجب أيضا حركة شعبية موازية، ويتطلب الأمر كذلك نضالا ضد الهشاشة.

إعادة هيكلة الديون العائليةالتي تم التفكير فيها لإرساء “نظام الفرصة الثانية التي ستقوم بالتحرير الفعلي من الديون الثقيلة”[2] سيتم رفضه من طرف الأبناك الخاصة،التي شردت أكثر من نصف مليون شخص[3] والتي لن تتنازل دون مقاومة عن الرسوم العقارية،و هنا لا بديل عن تنظيم كل المتضررين من الثقل العقاري.

أما الموضوع الترابي أو التغيير الدستوري فيشكلان نقطتي قطيعة من داخل الإدارة،وهما نقطتين ستحاول القوى الأخرى تعبئة كل امكانياتها من اجل الحفاظ عليهما ثابتتين كما هما،والحالة هاته لن يتحقق أي شيء في هذا الشأن دون تنظيم ذاتي لأنصار تلك الأهداف (الاستقلال و التغيير الدستوري).

نأتي الآن إلى الموضوع الأكثر أهمية ،هل فعلا بمقدورنا الاعتقاد بأن أي نقاش بخصوص الميزانيات العامة او تخفيض العجز لن يفتح أي جبهة صراع مع اللجنة الاوربية؟إن الحالة اليونانية بهذا الصدد لم تكن مجرد تراجيديا بالنسبة لمسار التغيير.بل يجب أن تكون قبل كل شيء درسا تستخلصه بعجالة منظمات من قبيل بوديموس أو الحزب العمالي لكوربين .يجب العمل منذ الدقيقة الأولى من أجل خطة بديلة تمكن من مخرج بديل للتقشف الذي سيفرض علينا،بمعنى آخر إما التقشف أو الإنقسام.

ستطفو ديناميات مقاومة عديدة لمقترحات التغيير ،لذلك من اللازم تبلور جبهة لمواجهة ما سيتولد كجبهة تاريخية لإدامة الموضع القائم.

خلاصة القول:ماذا سيقع ان تحقق التجاوز؟لا بد من العمل لتلك اللحظة،وماذا بعد ذلك؟ماذا لو لجؤوا إلى الديموقراطية المسيحية؟ماذا لو حولت الانتخابات بابلو إلى ألليندي جديد؟[4]  وماذا لو تحولت الصراعات إلى وحدة شعبية جديدة؟(مثلما كان في الشيلي مع ألليندي)

تحديات و مهام امام الحركة المناهضة للتقشف

صرح غرامشي أن بوسعنا فقط توقع الصراع.كما قال أنه من غير الممكن توقع أشكاله أو حتى وقته.لذلك فالمهمة الأكثر ملحاحية هي المضي في الإعداد لذلك الأفق من الصراع بكل سيناريو ممكن.

وهو سيناريو يصعب كثيرا تحقيقه في الانتخابات القادمة،فحكومة شعبية مفترضة ومعادية للتقشف لا تعني انخفاضا في الصراع،بل و كما شاهدنا في اليونان، قفزة نوعية في الصرع السياسي.ومواجهة هذا السيناريو بقوى التغيير المنغرسة شعبيا في ظل ظرفية الانعدام الحالي للتعبئات يضعنا في مأزق علينا الإفلات منه.

أما بخصوص ما يمكن فرضه من داخل البرلمان ، لا بد من أن توازيه تعبئات شعبية لكبح التقشفات التي ستسعى اللجنة الأوربية أن تفرضها.

إن الإجابة ممكنة على كل هذه التحديات أثناء الفترة الانتخابية، لكن من الواجب طرح هذا التحدي للنقاش،و استحضاره دائما في الأذهان لأن مهمة ما بعد 27 يوليو و التي تنتظر حركة مناهضة التقشف هي الانغراس في كل حي وشارع ،إبان كل صراع.لأن التحدي الاكبر هو التحول لمرجع يومي للفئات الشعبية، والمهمة ستكون شيئا من قبيل “بناء الانغراس الشعبي”

إرنيستو م.دياث، مستشار بوديموس و عضو مناهضي الرأسمالية.

التعريب من الإسبانية :جريدة المناضل-ة

[1]-هذا ما ورد في ديباجة وثيقة التحالف ، حيث تم التشديد على الدخول للانتخابات ببرنامجين مختلفين.

[2]– الاقتراح السابع في البرنامج.

[3] – طيلة الفترة ما بين 2007 و 2013

[4]– قد يكون في ذلك مبالغة.

شارك المقالة

اقرأ أيضا