ملاحظات على رد الرفيق سعيد الشاوي

نحيي عاليا الرفيق الشاوي سعيد على تفاعله مع رسالتنا المفتوحة. ونؤكد أن رغبتنا العميقة هي تحفيز نقاش صادق بين جميع النقابيات والنقابيين الديمقراطيين حول أسس التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل. كنا صادقين ومسؤولين فيما نقول، وحرصنا على أن تكون تعبيراتنا واضحة. لكن يبدو أن رفيقنا لم يستوعبها كما هي مفصلة، واستعمل منظارا غير صالحا ليكتشف أن رسالتنا تتضمن حقيقة مضمرة ويحكمها منطق الابتزاز. وبهذا ابتعد عن نقاش الجوهر ليحكم على نوايا خفية، وسكت عن مقترحاتنا العملية.

لماذا تعميم الرسالة المفتوحة؟

أولا، في ظل السياق الحالي لما بعد حركة 20 فبراير، وما تقوم به البيروقراطية النقابية من دور سياسي حاسم كأداة مساعدة للنظام على تمرير مخططاته التي تدمر مكاسب الشغيلة والفئات الشعبية، وتطهير النقابات من أي وجود كفاحي أو يساري، تمثل تجربة التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل مثالا واعدا قد يحفز توجهات نقابية ديمقراطية ضد التسلط البيروقراطي الذي يجثم على المنظمات النقابية منذ عقود، ويدفع نحو إعادة بناء الحركة النقابية المغربية على أسس كفاحية. وبالتالي، فنقاش التجربة ليس حكرا على مناضلات ومناضلي الاتحاد المغربي للشغل، بل يعني جميع النقابيات والنقابيين وأنصار قضايا الطبقة العاملة بشكل عام. ورسالتنا هي دعوة للنقاش الواسع لخيار التوجه الديمقراطي كخط كفاحي نسترشد به جميعا في ممارستنا النضالية اليومية.

ثانيا، أبانت مجريات مجلس التنسيق الوطني ليوم 19 يوليوز عن اختلافات جوهرية حول أسس التوجه الديمقراطي وأفقه الاستراتيجي تجلت في الأوراق المقدمة للمجلس، وخصوصا القانون الأساسي وتقديمه، وفي تدبير قيادة التوجه التي لم تفتح المجال للنقاش العميق وفرضت خلاصات متسرعة. كان اقتراح صيغة مجلس تنسيق وطني مفتوح يعني عمليا عدم اتخاذ أي قرارات حتى الاجتماع المقبل في شتنبر مادامت الشروط غير ناضجة وما دام أن جدول الأعمال المقدم لم يتحدث سوى عن مناقشة الآفاق التنظيمية للتوجه الديمقراطي. لكن قيادة التوجه حسمت الأمور بطريقة قسرية، دافعة بالتوجه نحو مسار غير متفق عليه بشكل جماعي. وليست رسالتنا المفتوحة سوى محاولة للتنبيه بأخطار هذه الخطوات، ودعوة إلى إعادة فتح النقاش حول مرتكزات التوجه وأهدافه.

ثالثا، خارج الاجتماعات التنظيمية التي لا تسمح بالنقاش العميق والمستفيض، ليس لدى التوجه الديمقراطي أي فضاء آخر للتعبير عن الآراء كلائحة التوزيع الإلكترونية أو نشرة الكترونية أو ورقية أو موقع الكتروني. وتفترض الخطوات النوعية الحالية التي تقدم عليها قيادة التوجه فتح نقاش جماعي علني وواسع.

أفق استراتيجي متناقض

إذا كانت المعركة ضد بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل هي “معركة طبقية بكل المقاييس” كما جاء في رد الرفيق الشاوي، فهي تستدعي التشهير بجميع جرائم البيروقراطية النقابية واصطفافها الكامل وراء النظام في السياق الحالي. فنحن نواجه قيادة بيروقراطية متراصة سياسيا، وليس فقط “توجها متنفذا واستئصاليا”. وبالتالي، لا نراهن على حسن نوايا بعض منها، أو على تناقضات بين أعضائها الرئيسيين قد نستغلها لصالحنا. إن تشهيرنا يستهدف الطلائع النقابية سواء داخل الاتحاد المغربي للشغل أو المنظمات النقابية الأخرى. ونروم من خلاله تحفيز توجهات ديمقراطية داخل الحركة النقابية ككل، وخلق شروط التنسيق الميداني لتشكيل جبهة نقابية واسعة لصد تعديات الدولة البورجوازية. أما حصر أفق التوجه في “تفاهم” مع البيروقراطية، والاستعداد لـحل التوجه كتنظيم، فيعني إرسال إشارات إيجابية إلى البيروقراطية أكثر مما نريد بناء توجه ديمقراطي على أسس طبقية مع الطلائع النقابية في ساحة المعارك. فالوحدة النقابية هي ممارسة نضالية يومية في قلب القواعد من أجل قلب موازين القوى لصالح الطبقة العاملة، وليس وحدة تنظيمية فوقية محكومة بقوانين ترتكز على سلطة الأجهزة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، وهنا يكمن التناقض الكبير، تسير قيادة التوجه الديمقراطي عمليا نحو بناء نقابة جديدة بشكل غير متفق عليه من خلال الاستعجال بفرض قانون أساسي والبدء في مسطرة إيداع الملف القانوني ومنح الصلاحية لثلاثي الأمانة، وفرضت علينا وتيرة مرتبطة بحساباتها مع البيروقراطية أكثر ما هي مرتبطة بهدف بناء خط نقابي كفاحي. وكانت رسالتنا تنبيها إلى خطورة هذه الخطوات المتسرعة حتى نتفق على الأسس الرئيسية. فنحن ندافع عن تشكيل توجهات نقابية ديمقراطية داخل جميع المنظمات النقابية القائمة بالمغرب، وننادي بالاستمرار في الاشتغال داخلها كلما توفرت الإمكانية وفق منظور عمالي طبقي. ومن البديهي أن تتعزز هذه التوجهات بتجميع ضحايا العسف البيروقراطي التي تجد نفسها مكرهة خارج النقابات، أو ببناء الوحدة النقابية المنشودة في حالة ما توفرت الشروط الطبقية الملائمة إن على الصعيد الذاتي أو الموضوعي.

إن الخيار الاستراتيجي للتوجه الديمقراطي يجب أن يخضع لنقاش عميق. فالوضع السياسي يتسم بالتراجع النضالي في ظل السياق التاريخي العام لما بعد حركة 20 فبراير، أي مد تراجعي عميق قد تطول، وباحتداد الهجوم البورجوازي بمساعدة البيروقراطيات النقابية. هذا علاوة على ضعف اليسار الجذري وعجزه عن الدفع بمبادرات نوعية تكسبه مصداقية وانغراس كبيرين في صفوف الشغيلة. ومن هذه الزاوية، فالتوجه الديمقراطي ليس عملية تنظيمية بقدر ما هو سيرورة إعادة بناء نقابية وسياسية شاملة. وهذا ما يدعو، من جهة، إلى التريث حتى نعطي لأنفسنا ما يكفي من الوقت لضمان شروط انطلاقة صحيحة نسبية على الأقل، فخطوات نقابية من هذا النوع ينبغي أن تقاس بدبيب النمل كما يقال لضمان صمودها واستمراريتها وتأثيرها الإيجابي المأمول . ومن جهة أخرى، إلى توسيع النقاش والمبادرات الوحدوية، وتنظيم حملات تشهيرية بالبيروقراطيات النقابية، والعمل على كسب الطلائع النقابية المبعثرة في الساحة النضالية كما تقاوم اليوم ليس فقط في الاتحاد المغربي للشغل بل في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وغيرها من التجارب النضالية الحقيقية بغض النظر عن النقابة التي تخاض فيها، وتجميعها في توجهات ديمقراطية. فنحن نريد بناء تجربة نقابية كفاحية طبقية تكون في حجم التعديات الكبيرة التي يشنها النظام بمساعدة البيروقراطيات النقابية. في حين ترهن قيادة التوجه هذا الأفق الاستراتيجي بالعودة إلى العمل في إطار الاتحاد المغربي للشغل بالصيغ المألوفة التي تتسم بالسكوت على الجرائم الكبيرة التي تقترفها البيروقراطية لضمان موقع داخل الأجهزة. ومن هنا مقترحاتنا لمجلس التنسيق الوطني بإعادة النظر بشكل شامل في مشروع القانون الأساسي للتوجه، وعقد مؤتمر وطني يتيح للقواعد فرصة للنقاش الواسع حول تقييم حقيقي لتجربة التوجه وتحديد خياراتها المستقبلية، وإصدار نشرة إلكترونية في أفق إصدار جريدة ورقية، وفرز لجنة تحضيرية لقيادة التوجه.

مبدأ الديمقراطية في منظمات النضال

ما وقع في مجلس التنسيق الوطني ليوم 19 يوليوز يتناقض بالملموس مع هدفنا في بناء توجه نقابي ديمقراطي حقيقي يقطع مع ماضي الاستبداد البيروقراطي. ففهمنا للديمقراطية داخل منظمات النضال لا يقتصر على مبدأ الانتخاب الى الأجهزة، وهي كثيرة ومتداخلة في القانون الأساسي الحالي للتوجه الديمقراطي وتحمل في طياتها خنقا للديمقراطية القاعدية. فالديمقراطية الداخلية تعني تنظيم الاختلاف بضمان حق التعبير عن الرأي المخالف في اجتماعات النقابة وأدبياتها ونشراتها. وحتى نضمن تمثيل جميع وجهات النظر المختلفة ولو كانت أقلية، علينا الاحتكام الى لوائح قائمة على أرضيات نقابية برنامجية واعتماد قاعدة النسبية على أساسها لتشكيل الأجهزة وتحمل المسؤوليات. وهذا يعني القطع مع تقليد “لجنة الترشيحات” التي تعني عمليا تفاهم أطراف سياسية وراء ظهر أكثرية نقابية غير منتمية.

لكن هذه الوصفات التنظيمية لا تكفي وحدها لضمان ديمقراطية فعلية. علينا مواصلة الجهد لبث الحيوية في الحياة الداخلية للمنظمة النقابية وخلق دينامية دائمة بمحاربة الميول الى السلبية والاتكالية وتفويض الصلاحيات داخل القواعد النقابية. وهو ما يعني تطوير الوعي العمالي عبر تكوينات ذي مضمون طبقي، وتوسيع حرية النقاش والتعبير الحر والعلني عن الخلافات، وتطوير إعلام عمالي طبقي حقيقي.

مناضلون في التوجه الديمقراطي

– الحمزاوي ميلود: الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي أكادير، hamzaouimiloud@yahoo.fr، 06 61 38 71 23

– أزيكي عمر: الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي أكادير، azikiomar2008@gmail.com، 06 61 17 30 39

– بوطيب محمد: الاتحاد النقابي للموظفين الرباط، ernestorifi@gmail.com، 06 06 09 21 70

– الدرقاوي أحمد: الجامعة الوطنية للتعليم طنجة، ،ed.derkaoui@yahoo.fr 06 62 04 56 41

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا