سوريا:  التضحية بالشعوب على مذبح القوى العظمى

 

 

يمثل سقوط شرق حلب  انعطافا كبيرا  في الانتفاضة  الشعبية السورية أتاح لنظام الأسد إعادة توطيد سلطته وللقوى العالمية والاقليمية فرض مصالحها السياسية الخاصة

لا ريب أن سقوط شرق حلب ما كان ممكنا بالكفية التي جرى بها لولا موافقة تركيا.  ظل الرئيس  التركي إردوغان صامتا  في تلك الحقبة المأساوية، فيما  كان وزيره الأول يصرح  ان لا  اعتراض لديه على  بقاء الاسد في اللحظة الراهنة

…  الواقع انهم ابرموا اتفاقا مع القادة الروس والايرانيين يمكن ايجازه على النحو التالي: حلب للأسد والمناطق الحدودية الشمالية لاردوغان.

يجدر التذكير أن بعض الألوية الاسلامية من الجيش السوري الحر، المستندة على الدعم السياسي والعسكري  للحكومة التركية، كانت غادرت جبهة حلب للمشاركة  في التدخل التركي في سوريا منذ متم شهر اغسطس، ضد داعش ولكن بوجه خاص ضد القوات الكوردية التابعة لحزب الوحدة الديمقراطية (المنظمة الاخت في سوريا  لحزب العمال الكوردستاني). فالاولوية لدى تركيا هي اتقاء اي حكم ذاتي او توسع  للقوات الكوردية التابعة لحزب الوحدة الديمقراطية على حدودها.

مساومات بالقمة ومظاهرات شعبية

 التقى وزراء الشؤون الخارجية و الدفاع لكل من إيران  وتركيا و روسيا  يوم 20 ديسمبر 2016 لمناقشة  مستقبل سوريا. صادقت القوى الثلاث، على اثر ذلك المؤتمر، على تصريح مشترك يرمي الى إنهاء النزاع، حيث التزمت بالعمل  على ارساء وقف اطلاق نار بمجموع البلد، على ان يكون الشاغل المشترك هو ” محاربة الارهاب”، وليس السير نحو  تغيير للنظام بدمشق. وقد حظي هذا التصريح بمساندة لاحقة من البلدان الغربية.

هكذا اعلن يوم 30 ديسمبر 2016 وقف اطلاق نار وطني (يقصي القوات الجهادية لكل من داعش و جبهة فتح الشام)، برعاية من روسيا وتركيا وايران. لكن نظام الاسد واصل قصف  بعض مناطق المعارضة، فيما واصلت قوات حزب الله هجومها العسكري في شمال غرب دمشق في وادي بردى. لهذه المنطقة اهمية استراتيجية اذ توجد بها اهم موارد ماء الشرب لخمسة مليون من سكان منطقة دمشق.  كما انها سبيل تمون كبرى يستعملها حزب الله بين لبنان ودمشق.

اعلنت قوى معارضة مسلحة عديدة تجميدها اي نقاش حول امكان مشاركتها في مفاوضات السلام التي تهيؤها موسكو  في كزاخستان، طالما  ينتهك النظام السوري وحلفاؤه  وقف اطلاق النار. وفي الآن ذاته شهدت المناطق المحررة، مستفيدة من الهدنة، مظاهرات شعبية كثيفة رافع شعارات ديمقراطية غير طائفية في الجمعتين الاخيرتين (31 ديسمبر و 6 يناير).

 التضحية بمصالح الشعب الكوردي

يوم 29 ديسمبر الاخير، نظم المسؤولون العسكريون الروس اجتماعا في القاعدة الجوية الروسية في حميميم في سورية مع مختلف ممثلي الحركات الكوردية، منها المكونين الرئيسين، حزب الوحدة الديمقراطية  والمجلس الوطني الكوردي. كان المقصود مناقشة العلاقات مستقبلا مع  نظام الأسد. وقد قدمت سلطات النظام قائمة شروط  لتأطير  العلاقات بين دمشق والنطاق الترابي الكوردي غير المعترف به من قبل نظام الاسد: دعم القوات الكورية لنظام الأسد في الانتخابات المقبلة، وتخليها عن مطلبها  الرئيس المتمثل في اقامة نظام فيدرالي في سوريا،  فيما يجب رفع العلم السوري على كل البنايات العامة في مناطق الاغلبية الكوردية  التي يتحكم بها حاليا حزب الاتحاد الديمقراطي. وبالمقابل يحجم النظام عن قمع الحركات الكوردية، و يقبل مناقشة بعض مطالبها… دون اي التزام.

اعلن قادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي، مستشعرين جري الرياح  لغير صالحهم، سحب كلمة روج آفا (معناه كردستان الغربية باللغة الكوردية) من الاسم الرسمي لفيدرالية شمال سوريا، وهذا عشية  المفاوضات.  كما راجت اخبار عن  انسحاب قوات حزب الوحدة الديمقراطية  مما كانت تتحكم به من الاحياء الكوردية في حلب، بعد انذار من دمشق.

مستقبل الشعوب المناضلة في سوريا (العرب، الكورد و آخرون) يزداد ظلاما رغم المقاومات الشعبية و الديمقراطية المستمرة ضد النظام  وضد الحركات الاسلامية الاصولية معا. وقد ابانت حالة سوريا من جديد تفاهة من يسعون الى اتفاقات استراتيجية مع قوة امبريالية و اقليمية، او يضعون ثقتهم  فيها لتحقيق تحرر الطبقات الشعبية.

 جوزيف ضاهر

 المصدر : Hebdo L’Anticapitaliste – 366 (12/01/2016)

 تعريب: المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا