استثمارات المغرب في إفريقيا: دور صغير في استراتيجية الرأسمال الإمبريالي

سياسة29 يناير، 2017

 

 

تنافس إمبريالي على القارة

تعتبر إفريقيا من أغنى قارات العالم من حيث حجم الموارد الطبيعة، والمواد الخام الثمينة، وتتوفر على %10 من الاحتياطات العالمية من النفط، و%8 من احتياطات الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أنها تنتج %80 من بلاتين العالم، وأكثر من %40 من ماسه، و%20 من الذهب والكوبالت، دون إغفال سوقها الاستهلاكية الواسعة.

يجري التنافس أيضا على إمكاناتها الزراعية الكبرى الكامنة لكن غير المستثمرة، فالقارة تضم %60 من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستعملة، وتستعمل أقل النسب من الأسمدة الكيماوية.

يضاف إلى هذا سوق الإنشاءات الأساسية الهائلة (بنية تحتية إنتاجية وتجهيزات) تأخرت دول القارة في إنشائها بسبب الحروب والحروب الأهلية والتدخلات الإمبريالية، وهي مجالات تسيل لعاب أصحاب الرساميل الباحثين عن الاستثمار خاصة في ظرفية اقتصادية مطبوعة بانكماش عالمي كبير.

وفي سياق أزمة اقتصادية عالمية مطبوعة بمعدلات نمو منخفضة وحتى سلبية بالمراكز الإمبريالية حافظت إفريقيا 2013 على معدل نمو حوالي %4.8 وأداء عال مقارنة بالاقتصاد العالمي (%3).

يظهر هذا نمو القارة الإفريقية مقارنة بالاضطراب العالمي والجهوي، ففي أفريقيا جنوب الصحراء، بلغ النمو نسبة %5 سنة 2013، ووصل %5.8 سنة 2014.

تقع هذه القارة في تقاطع التنافس العالمي بين قوى إمبريالية تقليدية [الولايات المتحدة، الاتحاد الأوربي] وأخرى جديدة [الصين بالدرجة الأولى]، تمكنت الصين من إزاحة الإمبريالية الأوربية والأمريكية تجاريا واستثماريا من المراتب الأولى:

باتت الصين الشريك الرئيسي لدول إفريقيا جنوب الصحراء متجاوزة فرنسا التي كانت حصتها تضاعف حصة الصين سنة 2000. بلغت حصة الصين %17 من إجمالي واردات إفريقيا جنوب الصحراء سنة 2013 مقابل %4.6 فقط سنة 2000، وتضاعفت صادراتها بعشرين مرة تقريبا، منتقلة من 3.6 مليار دولار سنة 2000 إلى 70 مليار دولار سنة 2013.

في حين “تراجعت حصص بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا والمملكة المتحدة (%4.4 و%3.1 على التوالي سنة 2013 مقابل %7.1 و%6.4 سنة 2000)، إضافة إلى الواردات القادمة من الولايات المتحدة واليابان والتي أصبحت لا تمثل سوى %5.8 و%2.8 على التوالي سنة 2013 بعد أن كانت حصتهما %7,4 و%4.8 سنة 2000)”. [مجلة المالية الصادرة عن وزارة المالية عدد 28- غشت 2015].

المغرب: دور صغير في إستراتيجية الرأسمال العالمي

هذا هو السياق الذي تندرج فيها الاستثمارات المغربية في إفريقيا جنوب الصحراء، فبغض النظر عن الدعاية الكثيفة لوسائل الإعلام الرسمية والليبرالية التي تصور ذلك فتحا جديدا لإفريقيا، إلا أن ما يقوم به المغرب حاليا ليس إلا جزءا من إستراتيجية الرأسمال الإمبريالي الغربي في القارة.

فـ”القوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا قلقة على مصالحها في إفريقيا، على مواردها الطبيعية ومستهلكيها المليار. تسعى فرنسا للحفاظ على احتكارها لنهب الخيرات بالقارة، خاصة تلك التي تقع في دائرة تأثيرها”.

“من أجل استعادة الأسواق المفقودة والتكيف مع هذا المعطى الجديد، طلب وزير المالية الفرنسي تقريرا لوزير الخارجية السابق هيبرت فيردين. قدم في ديسمبر 2013، هذه الوثيقة المعنونة “شراكة من أجل المستقبل” تتضمن 15 اقتراحا من أجل دينامية اقتصادية جديدة بين إفريقيا وفرنسا ومجموعة من الأفكار الليبرالية المتطرفة. تحث هذه الوثيقة الاتحاد الأوربي من أجل مضاعفة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع إفريقيا، وتتمنى أن يقوم المغرب بدور الوسيط/ مقاول من باطن، جزئيا، للسياسة التجارية الفرنسية بإفريقيا”. [الاستثمارات المغربية في أفريقيا جنوب الصحراء، صلاح المعيزي، موقع الشبكة العالمية لإلغاء ديون العالم الثالث، 25 يونيو 2014].

فهمت روسيا والصين التلميح، ونظمت سنة 2014 مؤتمرا في المغرب من أجل اكتشاف فرص غزو إفريقيا انطلاقا من المغرب، وهذا الأخير في موقع يسمح له باللعب على حبال هذا التنافس لقطف أكبر قدر من الثمار، مع تفضيل دائم للإمبريالية الفرنسية والأمريكية.

وفي هذا السياق تكثفت الزيارات الملكية نحو إفريقيا لغايات استثمارية مباشرة بعد الزيارة الملكية للولايات المتحدة الأمريكية سنة 2013، فقد “أكد الرئيس [أوباما] والملك أهمية المغرب باعتباره قاعدة للانطلاق بالنسبة لشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء في مجالات التجارة والاستثمار… واتفق البلدان على استكشاف مبادرات للنهوض بالتنمية البشرية والاستقرار من خلال ضمان الأمن الغذائي والولوج للطاقة والنهوض بالتجارة على أساس اتفاقية التبادل الحر”.[نص البيان المشترك بين الولايات المتحدة والمملكة المغربية، 22 نونبر 2013].

يسعى المغرب في الحقيقة إلى كسب موقع متواضع في حرب الكبار هذه؛ موقع بوابة الرأسمال الإمبريالي نحو إفريقيا، وهو ما تخفيه وسائل الإعلام الموجه لتدويخ الكادحين، بينما تقوله صراحة الوثائق الرسمية:

“يطمح المغرب، الذي يقع في مفترق طرق الأسواق العالمية، إلى أن يصبح منصة إقليمية نحو إفريقيا… وبفضل مختلف اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب مع العديد من الدول (الاتحاد الأوربي، الولايات المتحد، الدول المتوسطية)، يشكل المغرب لكافة شركائه التجاريين ومستثمريه منفذا لسوق من مليار مستهلك و55 دولة تمثل حوالي %60 من الناتج الداخلي الخام العالمي”. [مجلة المالية الصادرة عن وزارة المالية عدد 28- غشت 2015]

وقد جرى خلق المركز المالي الدار البيضاء بهدف “جلب الرساميل الأجنبية والعمل على إعادة استثمارها في القارة الإفريقية وذلك من أجل مواكبة مرحلة النمو التي تعيشها. ومن أجل بلوغ هذا الهدف، تم العمل على توفير جميع الظروف الملائمة للمستثمرين حتى يتسنى لهم الحصول على مردود أمثل لاستثماراتهم في شمال وغرب ووسط إفريقيا”. [مجلة المالية…].

بهذا الدور المغلف بخطاب ديماغوجي حول “التضامن الإفريقي الإفريقي”، سيقوم المغرب بدور ناقل التوجهات النيوليبرالية التي تفرضها مؤسسات الرأسمال العالمي من بنك عالمي وصندوق نقد دولي ومنظمة تجارة عالمية، فتفرض خوصصة القطاع العام الإفريقي وتنهب ثرواته لصالح شركات متعددة جنسيات، ولكن بلبوس استثمار بلد إفريقي.

يسعى النظام المغربي للاستفادة من ميزاته السياسية والاقتصادية مقارنة بجيرانه الشمال إفريقيين؛ استقرار سياسي في محيط من الاضطراب والتفكك، ونظام سياسي مستقر ومتحكم في الوضع في وسعه تطبيق جميع الوصفات الليبرالية، وتوفير أرضية ملائمة للاستثمارات الأجنبية، وقطاع خاص حقق تراكمات رأسمالية كبيرة بسبب السلم الاجتماعي والتوافق الطبقي الذي تتبناه البيروقراطيات النقابية.

مصالح خاصة

لا يعني اندراج الاستثمارات الرأسمالية المغربية في إستراتيجية الرأسمال العالمي غياب مصالحها الخاصة، فالرأسمال الكبير بالمغرب أصبح متضايقا من أزمة اقتصاد جاره الشمالي الاتحاد الأوربي الذي يشكل شريكه الرئيسي [التضييق على صادرات المغرب]، لذلك توجه للبحث عن أسواق بديلة لصادراته واستثماراته، خاصة أن الأسواق العالمية الكبرى (جنوب وشرق آسيا وأمريكا) بعيدة وتتطلب رؤوس أموال أضخم لا يستطيع الرأسمال المغربي توفيرها.

يبحث الرأسمال المغربي عن مجالات للتثمير خارج حدوده، وقد عدمت النزاعات السياسية إمكانية ذلك في سوق مغاربية موحدة، لذلك تمثل إفريقيا أحسن مجال لرأسمال من حجم الرأسمال المغربي.

تسعى الملكية أيضا وراء غايات سياسية خاصة بها، ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بقضية الصحراء الغربية لخلق رأي عام رسمي إفريقي مؤيد لموقف النظام المغربي من النزاع وطرحه حول الحكم الذاتي في المفاوضات المرعية أمميا.

كما تبحث الملكية عن قطف ثمار اندراجها في الإستراتيجية الإمبريالية في القارة والمنطقة: محاربة الإرهاب، وضبط أمواج الهجرة السرية

حدود ومخاطر

تعترض عدة صعوبات هذه المطامح التي تراود النظام المغربي وأهمها بالدرجة الأولى متعلق بتعمق الأزمة الاقتصادية العالمية التي تلقي بظلالها على اقتصادات المراكز الإمبريالية، فاقتصاد القارة رغم نسبة نموه يعكس نفس الموقع في القسمة الدولية للعمل، هذا النمو المحفز بتصدير الموارد الطبيعية للسوق العالمية محكوم دائما بصدمات وتغيرات أسعار هذه المواد في السوق العالمية.

تربط أغلال التبعية الاقتصاد الأفريقي بالدول الإمبريالية التي كانت تستعمر القارة في الماضي القريب، بما يخضع اقتصاديات القارة لمتطلبات نمو هذه الدول. وأي انكماش في السوق العالمية قد يؤدي إلى انخفاض هذا النمو الذي يجتذب الاستثمارات العالمية التي يسعى المغرب ليكون منصة انطلاقها نحو إفريقيا.

كما أن جزء من النمو الاقتصادي الإفريقي كان مجرورا بطلب الاقتصاد الصيني على المواد الأولية، وسيجري كبح هذا النمو مع أزمة الصين الاقتصادية، كما وقع مع دول أمريكا الجنوبية.

ويشكل ارتباط الاستثمارات الاقتصادية المغربية في إفريقيا بإستراتيجية الرأسمال العالمي، مشكلا حقيقيا لطموح النظام المغربي. فاللاستقرار الاقتصادي بالسوق الأوروبية وما تستبعه من توترات سياسية حادة (صعود اليمين المتطرف، انسحاب دول من الاتحاد الأوروبي) وما يقع حاليا داخل الولايات المتحدة الأمريكية من التداعيات السياسية للأزمة الاقتصادية (صعود ترامب)، كل هذا يجعل التعويل على الرأسمال العالمي رهانا غير مأمون العواقب.

إلى جانب المعيقات الاقتصادية هناك العراقيل السياسية وهي مخاطر جدية في قارة مطبوعة بالحروب الأهلية والانقلابات المحفزة إمبرياليا؛ “شهدت إفريقيا الكثير من التطورات الجديرة بالإعجاب خلال الأعوام الأخيرة، لكنها لا تزال القارة الأقل تقدما في العالم. فالمخاطر واسعة النطاق لا تزال قائمة، كما أن حماسة المستثمرين تضعفها المخاوف الدائمة. والأكثر وضوحا من ذلك هو الخطر السياسي الواضح في بعض البلدان. فقد أدى الربيع العربي إلى بعض التغييرات في الحكومات، لكن لم يحل محلها بعد نظام جديد مستقر. وربما كان العقد الماضي جيدا، ولكن هذا لا يضمن عقدا جيدا في المستقبل”. [“نظرة على إفريقيا، تطلعات المؤسسات الاستثمارية حتى 2016″، “شركة أبو ظبي للاستثمار” و”وحدة المعلومات في إيكونوميست”].

لا تنمية مع الحفاظ على التبعية للإمبريالية

إن انعتاق إفريقيا من الفقر وتحقيق انطلاقة اقتصادية تستجيب لحاجيات شعوبها وتحافظ على مواردها الطبيعية من النضوب وعلى بيئتها من التدهور الشامل، لا يمكن أن يتحقق بربط القارة بمزيد من قيود الرأسمال الإمبريالي، أو بجعل دولة إفريقية ورأسمال إفريقي وسيطا بين القارة والدول الإمبريالية.

إن قطع أواصر التبعية بشكل نهائي وجدي مع الرأسمال الإمبريالي ورفض الخضوع لأوامر مؤسساته وإلغاء كلي لديون القارة التي استنزفت ثرواتها، تشكل الشرط الذي لا غنى عنه لانعتاقها من المجاعة والبؤس والحروب الأهلية.

يستدعي هذا تضامنا إفريقيا- إفريقيا، وعلاقات جنوب- جنوب حقيقية، وليس منافقة كالتي يرعاها النظام المغربي حاليا، الذي يسعى للعب دور “الكومبرادور” القديم بين المجتمعات المحلية والرأسمال الاستعماري مع انتزاع عمولته التي ليست بالقليلة على كل حال.

لا يمكن للأنظمة القائمة حاليا في القارة أن تكون ركيزة هذا التضامن، ويستحيل على البرجوازية الحاكمة في القارة أن تكون أساس انطلاقة اقتصادية حقيقية، فكلاهما يحافظ على موقع القارة في قسمة العمل الدولية، وراضيان بهذا الموقع، ما داما مستفيدين من ذلك.

فقط وحدة حقيقية للطبقات العاملة في إفريقيا، فقط يسار ثوري على صعيد القارة يستطيعان إطلاق ديناميات ثورية، لتحقيق ما لم تستطع حركات التحرر الوطني في أوساط القرن العشرين تحقيقه، بفعل التدخلات الإمبريالية وتواطؤ الأنظمة الإفريقية وضمنها الملكية المغربية طبعا.

لنكمل مشروع توماس سانكارا وباتريس لومومبا والمهدي بن بركة.

وائل المراكشي

شارك المقالة

اقرأ أيضا