المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني والطموحات العالمية لإدارة شي جين بينغ

بلا حدود16 يناير، 2018

«أمريكا أولا» – إن التراجع (النسبي) الذي أقدم عليه دونالد ترامب، بشأن التزامات واشنطن متعددة الأطراف، يسمح لشي جين بينغ بالسعي إلى تولي زعامة العولمة الرأسمالية. اعتمد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني علنا ورسميا خارطة طريق تهدف إلى ضمان سيادة الصين في العالم. مع ذلك شتان بين القول والفعل [1].

إن الالتزام في سنوات 1980 بتحقيق مرحلة انتقالية «ما بعد ماو»، في ظل قيادة دنغ شياو بينغ، أدى إلى بروز قوة رأسمالية جديدة. هكذا تغير جذريا وضع الصين في العالم. إنها قفزة كبيرة مذهلة إلى الأمام! وبالتالي أصبحت الصين:
ثاني أكبر اقتصاد في العالم (الأول وفق طرق حساب أخرى)، وأهم مركز تبادل تجاري للبضائع، وأهم مركز للإنتاج الصناعي، والبلد الذي يتلقى ثان أكبر مبلغ هام من الاستثمار الأجنبي المباشر –وهو نفسه خامس مساهم في الاستثمار الأجنبي المباشر، والبلد الذي يملك أكبر احتياطات من العملات الصعبة، والبلد الذي يتوفر على أكبر نسبة من سندات خزانة الولايات المتحدة الأمريكية، وأكبر مستهلك للطاقة وأكبر ملوث بالأرقام المطلقة، والبلد الذي يضم أكبر عدد من أصحاب الملايين والمليارات [2]

في عام 2015، تجاوزت صادرات الرساميل الواردات. وتساهم المقاولات متعددة الجنسيات القائمة بالبلد في هذا الرصيد الايجابي، لكن قسما كبيرا من هذه الصادرات ناتجة عن تكتلات تديرها الدولة، وتحرس هذه الأخيرة على التحكم بالقطاعات الاقتصادية التي تعتبر استراتيجية.
إن تأثير الصين الاقتصادي والديبلوماسي والسياسي يفوق تأثير الاتحاد الأوروبي؛ فهي تنسج شبكة كاملة من التحكم بالموارد وقنوات الاتصال (التي تعتمد عليها نظرا لحاجاتها الهائلة من المواد الغذائية والمعادن…)؛ وانتشارها العسكري العالمي جار على قدم وساق؛ وهي الآن حاضرة في جميع القطاعات الاقتصادية التي كانت حكرا تقليديا للدول الكبرى، من الفضاء إلى الطاقة النووية.

طبعا، تظل الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة. لا سبيل إلى مقارنة القدرات العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية والصين. ويبقى اعتماد الصين على التكنولوجيا العالية التي تنتجها الولايات المتحدة الأمريكية حاسما –طبعا تهدف بيكين إلى التحرر من هذه التبعية، لكن يبدو صعبا تحديد التطورات التي حققتها الصين في مجال الابتكارات.

لكن واشنطن عاجزة اليوم عن الاضطلاع بفعالية بدورها كقوة عظمى –ما يسمح لقوى ثانوية، وحتى اقليمية، بالدفاع عن مصالحها الخاصة.

ثنائية قطبية وتعددية قطبية غير المتماثلتين–السياق الجيوسياسي

مع نهاية المواجهة شرق-غرب ومع العولمة النيوليبرالية، دخل العالم مرحلة من عدم الاستقرار المزمن يتجلى في أشكال عديدة: حركات غير منتظمة للرساميل وأزمات مالية، وأزمة بيئية شاملة (ضمنها تغير المناخ)، وندرة الموارد وارتفاع عدد النزاعات للتحكم بها، وحروب لا يمكن التأكد من نتائجها، وتفكك النسيج الاجتماعي لعدد متزايد من البلدان، وأزمة شرعية الحكامة الرأسمالية…

إن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها غير قادرة على مواجهة استمرار انعدام الاستقرار هذا، لكنها لا تمتلك أي حليف في المستوى تعتمد عليه. وصل تأسيس الاتحاد الأوروبي طريقا مسدودا من ناحتي «أوروبا القوية» و«الفضاء التجاري». وعلى الساحة العالمية، يتألق خاصة بهامشيته وعجزه. وتمثل اليابان بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ورقة أهم، لكن في شمال شرق آسيا وحسب وشريطة أن تتمكن حكومة شينزو آبي من فرض إعادة عسكرة شاملة على سكان رافضين لأية نزعة تسليح.

تستطيع واشنطن ان تضطلع على نحو أقل فعالية بدورها كدركي دولي بقدر ما أن العولمة النيوليبرالية تضعف دور الاستقرار الذي كان بإمكان تدخل الدولة ان يؤديه سابقا. إن المطلوب من الدولة هو ضمان الحرية شبه الكاملة لحركة الرأسمال التي حصل عليها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وليس تأمين استقرار البلدان، حتى ولو كانت صديقة، أو مناطق داخلة في أزمة. إن الهدفين متناقضين في الواقع: تقتضي أي سياسة لتحقيق الاستقرار الحد من الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن الحركات المتوحشة للرساميل. لا يتوفر الرأسمال المعولم على مشروع كبير يربطه بالدول على نحو مماثل لما كان عليه الحال فيما مضى عند خلق الامبراطوريات الاستعمارية، واعادة اعمار أوروبا الغربية في مواجهة الاتحاد السوفييتي أو حماية مناطق النفوذ في مرحلة ما يسمى بالحرب الباردة (التي كانت ملتهبة في آسيا).
لا تتمتع الدولة الأقوى عسكريا في العالم بالحرية السياسية لتوطيد انتصاراتها باختيار النخب المحلية-وهذا في الواقع أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلها تخسر حروبا هي من حيث المبدأ مربوحة مسبقا.

في ظل هذه الظروف، كانت واشنطن عاجزة عن خنق إقلاع القوة الصينية الجديدة في المهد. وعلى مدى سنوات، أعلن باراك أوباما أن «محور» سياسة الولايات المتحدة الأمريكية سينتقل إلى منطقة آسيا والمحيط والهادئ، دون أن يكون قادرا على القيام بذلك، عالقا في فخ كما كان قد حدث له في مسارح عمليات أخرى (بدءا من الشرق الأوسط). أقدم دونالد ترامب على الانسحاب من «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، وترك بيكين حرة في تصرفاتها، قبل أن يستأنف الهجوم (مع تحقيق بعض النجاح) حول مسألة كوريا، لكن في الوقت الراهن على الميدان (السياسي) العسكري وحسب.

أصبح العالم على حد سواء ثنائي القطب ومتعدد القطب. على نحو غير متماثل، بالتأكيد، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال إلى حد بعيد القوة العظمى؛ لكن متعددة القطب على كل حال.

ثنائية قطب غير متماثلة. تفرض الصين نفسها بما هي القوة الرئيسية الصاعدة بوجه الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشكل القوة الرئيسية القائمة. إن مطامح إدارة شي جين بينغ غير محدودة –ولا تحدو واشنطن رغبة تقاسم مكانتها كقوة عظمى. يتجلى هذا النزاع في جميع المجالات ويؤدي حاليا إلى بناء أسس وضع العالم وسيستمر (ما لم تحدث إعادة توزيع الأوراق الجيوسياسية بشكل دال بمناسبة أزمة اقتصادية ومالية كبرى).

تعددية قطبية غير متماثلة. أدت العولمة الرأسمالية جزئيا إلى الغاء الحدود بين مناطق النفوذ السابقة. ونظرا إلى حدود القوة العظمى الأمريكية، وأشكال تصدع الاتحاد الأوروبي والمنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كانت روسيا قادرة على إعادة اتخاذ زمام المبادرة في مجالها القريب، في أوروبا الشرقية وسوريا في المقام الأول. إن قوى عديدة إقليمية (ومقاولاتها متعددة القوميات) قادرة على ممارسة لعبتها الخاصة، من مصر إلى الهند، ومن العربية السعودية إلى جنوب أفريقيا، ومن إيران إلى اليابان.

طموح استراتيجي تتطلع إليه دولة. بعد أن جرى تفكير عملية الانتقال إلى الرأسمالية في الصين (لما فيه مصلحتها) من قبل من هم في قمة البيروقراطية وعلى نحو متحكم به، كانت بيكين قادرة على البروز على مستوى العالم «على الطريقة القديمة»، عبر عمل الدولة والرأسمال (خاصة الرأسمال البيروقراطي) على نحو منسق ووثيق. وكما فيما مضى بالنسبة للإمبرياليات التقليدية، تَحَكَّم الطموح الاستراتيجي بسياسة توسع القيادة الصينية بدلا من «المردودية» قصيرة الأمد للاستثمارات.

هل باتت الصين إمبريالية في طريق التوطيد أو هل ما زالت امبريالية في طور التشكل؟ وفيما يتعلق بالقوة الثانية في العالم، أميل إلى الصيغة الأولى، لكن الأمر سيان. فلدى الصين أهداف وممارسات إمبريالية. تَمَثَّلَ الرهان الأول في بسط التحكم وبالتالي إرساء أسس قوة دائمة. التحكم بوسائل المواصلات عبر شراء الموانئ وشركات الملاحة البحرية والمطارات… والتحكم بالموارد الغذائية والمعدنية، عبر شراء مساحات كبيرة من الأراضي والمناجم… والتحكم بالتكنولوجيات، عبر شراء مقاولات التكنلوجيا الدقيقة، في أوروبا بوجه خاص. أو أيضا التحكم بالمؤسسات المالية متعددة الأطراف بأبسط طريقة: عبر خلق تلك الخاصة بها وعبر التمكن من إشراك حتى دول أوروبية فيها، على حساب واشنطن، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (BAII)، المنافس لبنك التنمية الآسيوي.

تناقض داخلي. تقوم الصين ببناء نفسها كقوة بديلة -«على الطريقة القديمة»، لكن عبر الاندماج في السوق العالمي كما هو، وعبر الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في ظل شروط صارمة، ثم إلى صندوق النقد الدولي حيث جرى إدراج اليوان في حزمة العملات النقدية المرجعية (حتى قبل استيفاء جميع المعايير الأولية). يعني أن القيادة الصينية لا تبني بديلا عن النظام السائد، لكن بديلا في داخله. وبالمقابل، يلقي تأثير هذا الوضع السائد بظلاله حتى وسط النظام وقد يؤدي مستقبلا إلى أزمة حقيقية في الحكامة.

تمثلت الورقة الرابحة لصين ما بعد ماو في قدرة دنغ شياو بينغ على تشكيل قيادة جماعية قادرة على توجيه الانتقال إلى الرأسمالية. وتتواجد البرجوازية البيروقراطية في صلب ذلك. وعبر العلاقات العائلية، ترتبط هذه الأخيرة بالبرجوازية الكبيرة الخاصة، ما قد يضمن توازن الجميع. وكان مثال ساطع حول علاقات «المحارم» هذه قد نشر في الصحيفة اليومية نيويورك تايمز يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر عام 2012 (خلال المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني) كاشفا عن ثروة هائلة لعائلة الوزير الأول ون جيا باو (الذي لا نعرف عنه في ذلك الوقت إن كان هو بالذات منظم هذا الاغتناء أو إن كان موقعه استغل وحسب من قبل أقاربه). إن ثروة شي جين بينغ وعائلته، التي كشفت عنها الصحيفة اليومية بلومبرج هي أيضا ضخمة: ما يناهز 300 مليون يورو من الاستثمارات في خدمات الاتصال بالهواتف المحمولة، وقطاع المعادن والعقارات… التي قد تسيرها أخته الكبرى، وزوجها وبنتهما.

لم يقاوم «روح الدولة» الاغراء. والفساد مستشر حاليا في كل مكان، وأصبح عنصرا أساسيا في النظام. ويضع أبناء كبار الموظفين سرا ثروات في الجنات الضريبية. وترسل شخصيات عائلتها للاستقرار في الخارج بممتلكاتها (في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا…) –وتحصل بعض العائلات على جنسية أجنبية. إن الاستثمارات التي تقوم بها تكتلات صينية في البلدان الغربية قد تستعمل إلى حد كبير لتنظيم تهريب الرساميل، إلى درجة أن بيكين قررت وضع حد لسياسية شراء المقاولات في مختلف البلدان.

تغيير النظام

في هذا السياق انعقد المؤتمر التاسع عشرللحزب الشيوعي الصيني. لقد اسْتَكْمَلَ صعود شي جين بينغ وأيد عملية تغيير نظام. وخلف الاستمرار الظاهر للمؤسسات، قد يشهد نظام الحزب الوحيد تحولا جذريا في أسسه الاجتماعية (كما حصل بين مرحلة ماو والمرحلة التي شهدت بداية إصلاحات دنغ شياو بينغ) أو بكل بساطة تحولا نوعيا في طرق اشتغاله –تحولات تعودنا تحليلها في البلدان الغربية، لكن على نحو أقل بكثير عندما يتعلق الأمر بما يسمى أنظمة «ما بعد الشيوعية».

تعايشت ثلاثة أنماط حكامة في الصين على مدى فترة طويلة: تلك الخاصة بالحزب والحكومة والجيش (الذي يحظى بوزن اقتصادي هام) –القوة الأكثر غموضا في الأجهزة الخاصة علاوة على ذلك. كانت هذه التركيبة تمنح النظام مرونة معينة وتوسع قدرته على التوفيق بين مختلف قطاعات البيروقراطية. وفي صلب الدولة، كان الحزب الشيوعي الصيني يتمتع باحتكار السلطة السياسية، لكن في هذا البلد العملاق يبقى كل شيء معقدا، وقد يختلف بشكل دال تنفيذ التوجهات وفق موازين القوى الاقليمية والمحلية وسط الحزب. وكانت مقاومات ديموقراطية واجتماعية قادرة على ايجاد فضاءات تعبير بفضل هذه التصدعات في نزعة التكتلية أو بفعل اختلافات وسط هيئات القيادة حتى أعلى مستوى.

يسعى شي جين بينغ ومؤيدوه إلى إغلاق هذه الفضاءات، وإقفال أبواب النظام عبر جعل الحزب سلطة التحكم «حتى في القرى النائية»، والعمل في وسطه على فرض قيادة مطلقة السيادة محصورة على فئة وجيل.

تتركز السلطة داخل الحزب في يد لجنة دائمة للجنة المركزية تضم سبعة أعضاء (25 عضوا في المكتب السياسي –أما بالنسبة للجنة المركزية، فتضم 207 أعضاء دائمين). كل هؤلاء الأعضاء السبعة اليوم رجال ولدوا في سنوات الخمسينات. وتتراوح أعمارهم بين 60 عاما و67 عاما وينتمون إلى خامس جيل من الأطر. وخلافا للممارسة، لم يحصل ادماج أي ممثل من ممثلي الجيل التالي؛ لم تبدأ مرحلة الخلافة. وما يلفت النظر أكثر أنه لا يمكن إعادة انتخاب سوى ثلاثة أعضاء من هذه اللجنة في مؤتمر عام 2022، إن جرى احترام القوانين المعمول بها. هكذا تظل مسألة ما بعد عام 2022 مفتوحة كليا، ما يناسب جيدا شي جين بينغ ومؤيديه.

كانت الفئة الملتفة حول شي جين بينغ أقلية في قيادة الحزب ولم يتمكن من فرض نفسها سوى باستغلال الصراعات القائمة بين الزمر التي أدت إلى القضاء على منافسين أقوياء مثل بوشيلاي، رئيس منطقة تشونغ تشينغ سابقا «الذي سقط» عام 2012 [3].

ولشرعنة تحكمه الخانق، خلق شي جين بينغ عالما روحانيا حقيقيا. أدخل مفهوما «إقطاعيا»، «سلالة الدم الأحمر» [4]: سيتقلد زمام السلطة شرعا فقط أبناء كبار القادة التاريخيين، «الأمراء الحمر»، وبذلك يجري إقصاء الأطر المتحدرة من أصول متواضعة. وعلى مدى ثلاثين عاما، اكتسب أعضاء هذا «الجيل» سلطة سياسية واقتصادية هائلة. ومن أجل توطيد مكانتهم يستعملون سلالتهم كمرتكز، بغض النظر عن الاختلافات السياسية.

يقوم شي جين بينغ بذلك دون أية قيود وشروط. وتشير الصحف إلى «جيناته الحمراء الفطرية» وبدأت تلقبه، قبل ثلاثة أشهر من انعقاد المؤتمر، بشكل غير مسبوق، بعبارة «نواة مركز الحزب». رفعه المؤتمر إلى منزلة ماو تسي تونغ ودنغ شياو بينغ، وأدرج «فكره» في ميثاق الحزب –شرف لم يكن يحظى به دنغ شياو بينغ سوى بعد وفاته. كل ذلك يكسبه ضمان تفوق ايديولوجي غير مسبوق منذ سنوات 1980.

منح المؤتمر الحزب سلطة مطلقة على المجتمع.

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، بلغت صراعات الزمر داخل الحزب درجة عنف ومستوى حدة غير مسبوقين في الصين منذ سنوات الثمانينات. وبفعل عمليات التطهير، ضمنت إدارة شي جين بينغ بوجه خاص تحكم فصيل بالجيش وجهاز الأمن.

أما بالنسبة للوزير الأول، ليك هتش يانغ، الذي يجسد الحكومة، فإنه فقد معظم سلطته، رغم أنه لا يزال عضو اللجنة الدائمة.

يجب طبعا على شي جين بينغ أن يتعامل مع فصائل لا تزال قوية في الحزب، لكنه يوطد شرعيته عبر اللعب تماما بورقة قومية القوة العظمى.

لكن كيف يمكن مع ذلك ضمان احتكار السلطة بيد فريق في القيادة منطو على نفسه سياسيا داخل حزب يضم 89 مليون عضو، وفي بلد ضخم ذي حقائق إقليمية بالغة التنوع؟ سيبرز النزاع دوما، وسيلزم القضاء عليه في بدايته؛ كما يستدعي منع كل تنظيم مستقل ودائم لمجتمع في أوج تطوره. إنها عملية هروب إلى أمام باستعمال القمع.
على هذا النحو ستجد القيادة الصينية نفسها بوجه تناقض أكبر. لا يمكنها إلا أن تكون غير مرنة. بسطت سيادتها عبر مهاجمة أقطاب الاستقلال السياسي أو الاجتماعي المحتملة وتحجيمها على كل الصعد… وإذا أبدت تساهلا، ستفتح أبواب لا حصر لها أمام مطالبات بالتأثر والانتقام. لكنها ستجد نفسها بوجه عوامل أزمة تفرض حكامة مرنة في المجال الاقتصادي (أزمة الديون وفيض الانتاج) وبالتالي الاجتماعي: إن التحكم الذي يمارسه الحزب لا يمكن للسكان تحمله إلا إذا ضمن استقرارا ونموا في مستوى المعيشة. وينطبق نفس الشيء على الصعيد الدولي. إن بيكين في حاجة بوجه خاص إلى إيجاد سبل استعادة زمام المبادرة في شمال المحيط الهادئ، حيث تتعزز هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة الأزمة الكورية.

ولكونه نظام حكامة شديد الصرامة مفروض من قبل شي جين بينغ ومؤيديه، فسيصبح هو بالذات عامل أزمة.

جيوسياسية الأزمة في شرق آسيا
نشهد تغيرا جزئيا في الوضع بمنطقة شرق آسيا، وهي من المناطق الأكثر عسكرة في العالم وتتميز بمواجهة حقيقية بين القوى الكبرى، بدءا من الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
نهج شي جين بينغ منعطفا هجوميا في هذه المنطقة، وتطالب القيادة الصينية بفرض سيادتها على كل منطقة بحر الصين تقريبا ضدا على حقوق جميع البلدان الواقعة على شاطئه –وانتقل شي جين بينغ إلى الفعل على نحو غير مسبوق.
بدأ باحتلال سبعة صخور كبيرة في أرخبيل سبراتلي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وشيد فيها محطات للأرصاد الجوية وعلم البحار. وكانت أربعة منها في المياه الدولية وثلاثة منها في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالفلبين. وفي ظل حكم شي جين بينغ، بدءا من عام 2013، جرى بناء جزر صناعية حقيقية فوق هذه الصخور الكبيرة. وجرت عسكرة الفضاء البحري بأن أقيمت فيها، حسب المواقع، معسكرات وثكنات وتحصينات ومدارج هبوط الطائرات ومدافع مضادة للطائرات وقاذفات صواريخ وطائرات بدون طيار ومستودعات الذخيرة والوقود وأسطول خفر السواحل…
هذه المرافق، المخفية أحيانا، معدة بشكل تضمن تغطية المنطقة بأكملها وتؤمن حمايتها من جميع الطرق القريبة. وتحلق دوريات جوية فوق المنطقة، ولا تبتعد عنها البحرية الصينية كثيرا بأي وجه، وكذلك قاعدة الغواصات النووية وقاذفات الصواريخ، في جزيرة مقاطعة هاينان.

وفي العام الماضي، كانت مدارج هبوط الطائرات الثلاثة القائمة على صخور سوبيو ميشييف وفييري كروس صالحة للاستعمال، وبإمكانها استيعاب 24 طائرة مقاتلة في كل جزيرة، أي 72 في المجموع. وعلى حد تعبير وانغ بينغ، من كلية فودان في شانغهاي، يشكل ذلك «إشارة إنذار إلى دونالد ترامب»، الذي كان ندد مؤخرا في تغريدة بـ «المُرَكَّبِ العسكري» الصيني في بحر الصين الجنوبي، حيث تتنافس الصين والبلدان الساحلية المجاورة لها في جنوب شرق آسيا على المطالبة بالأراضي. ستتمكن الصين عبر هذه الجزر من «التحكم ببحر الصين الجنوبي، وردع البلدان المعادية وتطوير أنشطتنا العسكرية» [5].
كان الرئيس أكينو، في الفلبين، قد ناشد محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي التي خلصت، يوم 12 تموز/يوليو عام 2016، إلى أن مطالبة بيكين بمعظم بحر الصين الجنوبي لا تقوم على «أي أساس قانوني» وأن أنشطتها في المنطقة كانت تنتهك حقوق الفلبين السيادية. لكن وقعت مفاجأة رائعة بالنسبة الصين، إذ أن الرئيس الجديد، رودريغو دوتيرتي، لم يرغب في التمسك بهذا الحكم اعتراضا على احتلال صخرة سكاربورو: حافظ رودريغو دوتيرتي على مسافة مذهلة بينه وبين واشنطن، لأنه كان يسعى إلى دعم جاره الكبير للحصول على استثمارات هامة بوجه خاص.
كان رودريغو دوتيرتي بالنسبة للقيادة الصينية ورقة رابحة. يمثل الأرخبيل الفلبيني في الواقع جزءا رئيسيا لجهاز الولايات المتحدة الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، ولا يوجد أي بلد في المنطقة تربطه علاقات تاريخية وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية كما الحال مع الفلبين، مستعمرتها سابقا –سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري. إن القطيعة غير التامة بين دوتيرتي وأوباما حطمت الجبهة التي قد تشكلها البلدان الساحلية المجاورة ضد بيكين على أساس حكم لاهاي.
تعزز نفوذ الصين سياسيا واقتصاديا في جنوب شرق آسيا وحظي نموذجها التنموي الرأسمالي الاستبدادي برضى الفئات الحاكمة في المنطقة.
بينما كانت السيادة الصينية تتعزز في بحر الصين الجنوبي، نهج شي جين بينغ سياسية عدوانية جدا في شمال شرق آسيا، واستنكر في هذه المنطقة «تأميم» طوكيو للأرخبيل الصغير المهجور في جزر سينكاكو (دياويو بالصينية) –استفزاز شنه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي. ودخل الطيران والبحرية الصينيين بانتظام المناطق التي تعتبر يابانية. أصدرت بيكين مرسوما في تشرين الثاني/أكتوبر عام 2013 ينص على أن المجال الجوي الصيني كان يمتد إلى الجزر الصغيرة المتنازع عليها. وبذلك كانت القيادة الصينية تختبر عزم واشنطن، الذي ظل سنوات عديد دون ردود فعل حاسمة.
جاء رد الفعل بعد انتخاب دونالد ترامب، عبر نهج قبضة حديدية ضد كمجونغ أون. استأنفت الولايات المتحدة الأمريكية الهجوم في المنطقة انطلاقا من المنطقة الشمالية الشرقية وحققت تقدما كبيرا بفعل حجم الموارد العسكرية المعبأة.
كوريا الجنوبية. كان ترامب يعاني من انتكاسة خطيرة خلال انتخابات يوم 9 أيار/مايو عام 2017 في كوريا الجنوبية، إذ أن اليمين المتطرف طرد من السلطة بعد تعبئة مواطنة ذات حجم بارز، وكان الرئيس الجديد، مونج ايإن، يدعو بإطراء إلى فتح نقاش مع بيونغ يانغ. لكنه اصطدم برفض قاطع من كمجون أون، ما أفقد مبادرته الدبلوماسية كل تأثير. وتخلى عن طموحاته جزئيا في ظل هذه الظروف، وبوجه دوامة الاستفزازات والاستفزازات المضادة النووية والعسكرية بين كمجونغ أون ودونالد ترامب.

اليابان. يسعى اليمين العسكري النزعة في السلطة إلى أن يحسم بشكل نهائي مع الغاء البند السلمي في الدستور، لكن معظم السكان يرفضون هذه المراجعة. وبغية اغتنام فرصة النزاع الكوري، دعا شينزو آبي رئيس وزراء اليابان إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها لضمان استمرار سلطته حتى عام 2021. وبدعم من أغلبيته البرلمانية الجديدة، أيد دونالد ترامب، وأكد على أن أي محاولة لفتح نقاش مع بيونغ يانغ ستكون عديمة الجدوى.

الفلبين. إن النزاع الذي اندلع في أيار/مايو الأخير في مراوي، بجزيرة مينداناو في الجنوب، بين الجيش الحكومي والحركات الاسلامية الجهادية، منح واشنطن فرصة تذكير دوتيرتي أن اتفاقات الدفاع بين البلدين كانت دوما سارية المفعول وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تقدم مساعدة عسكرية فريدة من نوعها (وكانت تربطها علاقات وثيقة مع الأركان العامة في الفلبين). وعلاوة على ذلك، كان الصدام مباشرا بين دوتيرتي وأوباما، بقدر ما قد يكون ترامب ودوتيرتي متواطئين –ولا يهم أن ما يفوق 13000 ضحية سقطوا في الحرب على المخدرات. أكدت الولايات المتحدة الأمريكية من جديد تواجدها في مستعمراتها السابقة، ولن تكون البلدان الأخرى قد فاتها ملاحظة ذلك.
في الوقت الراهن، تبدو الصين غير قادرة من جديد على اتخاذ زمام المبادرة حول المسألة الكورية؛ وهي تعاني من الوضع. وتأثيرها على نظام بيونغ يانغ قليل جدا، أو منعدم. وإذا ما انهار هذا الأخير، فقد ترى يوم ما جيوش الولايات المتحدة الأمريكية معسكرة على حدودها. أطلقت شخصيات صينية انذارا عبر وسائل الاعلام الدولية: فعلى حد تعبيرها، تكتسي كوريا الجنوبية أهمية كبيرة مستقبلا أكثر من كوريا الشمالية وعلى بيكين التفاوض مع واشنطن حول خطة تدخل في حالة ما أشعلت بيونغ يانغ أزمة مفتوحة. لكن، في مثل هذه المفاوضات، لا يد للقيادة الصينية. ويمكن لواشنطن أن تعتمد على شبكة صلبة من تحالفات بين دول وقواعد عسكرية، في حين أن بيكين غير قادرة على مواجهتها سوى باتفاقات ظرفية هشة مع روسيا أو مع بلدان دون وزن استراتيجي.
تحتفظ بيكين بورقة في شهر أيار/مايو: يصر ترامب اليوم على توقيف المبادلات التجارية والامدادات النفطية عبر الحدود الصينية الكورية، وهذا ما يمكن أن تفعله الصين وحدها عمليا- والذي من السهل رفضه، بالأقل استنادا لاعتبارات إنسانية؛ لكن تظل قوة الرفض هذه محدودة.
وتمتلك الصين قدرة قوية على المبادرة الدولية في مجالات أخرى ومواقع أخرى. لكنها بخصوص الملف الكوري تواجه خيارين سيئين: المراهنة كليا على مرونة نظام بيونغ يانغ، مهما كان رأيها في سياسته، أو أملها في تقديم الولايات المتحدة الأمريكية تنازلات تجاهه، بينما هي- الصين- في موقع ضعف. لا يبدو أن بيكين وجدت، حتى الآن، سبل فتح طريق ثالث…
نقطة تحول في توسع الصين عالميا
انعقد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني بينما تنفتح مرحلة جديدة في توسع القوة الصينية عالميا–مرحلة لا يزال نجاحها بعيدا عن التحقيق مسبقا.
إعادة تقييم العقيدة العسكرية. على المستوى العسكري، أجرت القيادة الصينية بالفعل تغييرا عميقا في النظرية السابقة، وقطعت في هذا المجال مع مرحلة ماو. في هذه الفترة، كانت الاستراتيجية أساسا دفاعية وكان التركيز على الجيش. كانت الرسالة الموجهة هي ما يلي: إذا غزوتم بلدنا القارة، فلن تخرجوا منه سالمين. وفي ظل حكم شي جين بينغ، يجري التركيز على طيران البحرية الذي بدونه لا يمكن أن تكون هناك قوة كبيرة.
وتجبر الأزمة الكورية بيكين على إجراء إعادة تقييم ثانية. إن مدى بطاريات الصواريخ المضادة للصواريخ (نظام ثاد-منظومة دفاع جوي صاروخي من نوع أرض-جو) التي أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية في كوريا الشمالية يغطي جزءا كبيرا من أراضي الصين، وتهدد بتعطيل مفعول الصواريخ النووية الموجودة. حتى ذلك الحين، كان الحزب الشيوعي الصيني يعتقد أن عددا صغيرا من الرؤوس النووية كاف لضمان «ردع الضعيف للقوي». أصبح من الواضح أن الحال لم يعد كذلك. في إطار منطق القوة، على الصين أن تمتلك عددا أكبر جدا من الرؤوس النووية وأسطولا من الغواصات الاستراتيجية قادرا على التحرك باستمرار في المحيطات دون اكتشافه، على غرار ما تتوفر عليه روسيا. إنه مكلف جدا، ويثير مشاكل تقنية عديدة ويستتبع تغيرا جذريا في سلسلة القيادة.
وعلاوة على ذلك، فإن أول حاملة طائرات لها، هي من صنع روسي، وقديمة، ولا يعرف حتى الآن أداء الثانية التي صنعت مؤخرا في الصين.
أقامت الصين أولى أسس تواجد عسكري عالمي: بناء قاعدة هامة في جيبوتي، وعقد اتفاقات تمكن أسطولها من الرسو في موانئ بلدان عديدة، ونظام مراقبة حتى في نصف الكرة الجنوبي (محطة تنصت في باتاغونيا)، ومشاركة في عمليات متعدد الأطراف (ضد القرصنة على سبيل المثال)، وتدخلات لإجلاء الرعايا الصينيين من بلدان في حالة حرب (اليمن)، الخ. ومن ناحية أخرى، لم تشارك بأي وجه في نزاع «ساخن» -متفادية بوجه خاص التدخل في المستنقع السوري العراقي ومستفيدة من ذلك لتوقيع اتفاقات اقتصادية مع جميع الدول الهامة بالمنطقة. لم تجتز سلسلة قيادتها ومعداتها ومستخدميها الاختبار الميداني العسير ولم تمتلك قواتها العسكرية التجربة التي راكمتها القوى المتحاربة (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وروسيا…).
والحالة هذه، لا يتعلق الأمر بتعزيز الجهاز العسكري الصيني كما هو وحسب، ولكن أيضا بالتمكن من تحديثه وتغييره. وينطبق نفس الشيء على ما يخص التوسع الاقتصادي. إن مشروع طرق الحرير الجديدة الذي قدمه شي جين بينغ طموح جدا –يعرف أيضا بالاسم الانجليزي المختصر أوبورOBOR: حزام (حزام واحد)، الطريق البحري نحو افريقيا والشرق الأوسط وطريق (طريق واحد)، والطريق البري نحو آسيا الوسطى وأوروبا. وما من أحد يعرف حتى الآن إلى أي مدى سينفذ هذا المشروع بالفعل (يمكن، من ناحية أخرى، توقع أنه سيكون مدمرا اجتماعيا وبيئيا).
نحو تدخل متزايد. وعكس الإمبرياليات التقليدية، كانت القوة الصينية جديدة في بلدان التوسع؛ لم تكن متورطة في تاريخ الاستعمار وما بعد الاستعمار، وفي المواجهات وسط النخب المحلية –وكان ذلك حجة من بين الحجج الرئيسية لتأكيد أنها كانت مختلفة، وأنها لم تكن إمبريالية. إن هذه المرحلة سائرة نحو الانتهاء. على الصين تأمين استثماراتها وتواجدها؛ لذلك فهي محكوم عليها بالتدخل فعلا.
وفي الآونة الأخيرة، أدت الظروف السياسية المتقلبة إلى إضعاف تنفيذ طريق الحرير في البلدان الآسيوية القريبة. وفي أعقاب تغير الحكومة في نيبال، التي أصبحت أكثر تأييدا للهند، جرى الغاء بناء سد كبير. وجرى وضع آخر موضع تساؤل بعد تعبئات السكان المحليين الذين أدركوا عدم امكانية استفادتهم منه إلى حد ما. وتسعى حكومة باكستان إلى التحكم بتمويل عمل ثالث، في حين أن تأثير الصين أكبر في البلد. كانت الصين في الواقع جشعة، إذ طالبت «بملكية السد والتحكم بصيانته، والحصول على حقوق سد آخر في حالة التخلف عن الدفع (رهن الحيازة)» [6].
لا يمكن للصين إلا أن تأخذ على محمل الجد مثل هذه المخاطر السياسية، الجلية في بلد على غرار زيمبابوي حيث يشكل أول شريك اقتصادي وحيث جرى للتو طرد الرئيس روبرت موغابي من السلطة. توجه رئيس أركان الجيش الزيمبابوى إلى بيكين للقاء كبار المسؤولين في الصين ووزير الدفاع قبل يومين وحسب من محاولة الانقلاب. من الصعب اعتبار ذلك مجرد صدفة [7].
تستثمر الصين بشكل كبير في البلدان التي تعاني كثيرا من انعدام أمن ومن أوضاع حرب. وهذه هي الحالة بوجه خاص في باكستان، مع «الممر» الاستراتيجي الذي يربط حدود جبال الهيمالايا بميناء المياه العميقة في مدينة كوادر على المحيط الهندي. ومن بين المزايا الأخرى، ستتحرر بيكين جزئيا من اعتمادها، فيما يخص نقل المحروقات، على مضيق ملقا. لكن ميناء كوادر يقع في بلوشستان، وهي منطقة نزاع عنيف بين الحكومة وحركات قومية. إن الجيش الباكستاني، بوجه أعم، عاجز عن حماية مصالح الصين، لأنه لا يستطيع حتى تأمين ثكناته في مدينة مثل كراتشي. إن القيادة بزعامة شي جين بينغ تدرك ذلك تماما. كيف سيكون ردها تجاه هذا الوضع؟ هل سيصبح التدخل عسكريا وليس سياسيا وحسب؟
ويشكل الفساد أيضا سلاحا للتدخل. وتستغله الصين بقيادة شي جين بينغ. المسألة عادية، لأن ذلك يمثل جزءا من حمضها النووي. ويتزايد الفساد على نحو ملحوظ في البلدان التي تستثمر فيها بشكل كبير.
الظلال التي تلقيها أزمة الرأسمالية. يرتبط التوسع الاقتصادي بمنطق القوة، لكنه يشكل أيضا في حالة الصين تدبيرا مضادا للأزمات بوجه المديونية وقدرة الإنتاج المفرطة في البلد نفسه: يوفر منافذ للصناعات التي تشهد فيض الانتاج (قطاع البناء والأشغال العمومية، وقطاع الاسمنت وقطاع الفولاذ…) والشغل لآلاف الصينيين، وتنهج بيكين عموما سياسية تشغيل مواطنيها في أوراشها الدولية. لكن من غير المؤكد أن الصين قادرة دوما على تفادي انفجار أزمة ملازمة للرأسمالية، وأنها ما زالت تمتلك وسائل مواجهتها بنفس الموارد كما في السابق. علاوة على ذلك، يتحقق قسم كبير من الاستثمارات الصينية، التي تحظى بضمان البنوك الصينية، في بلدان محفوفة بالمخاطر من الناحية السياسية، في أفريقيا بوجه خاص حيث بإمكان نظام في وضع ميؤوس منه أن يثير بسهولة انتفاضات معادية للصين وذلك حتى لا يضطر إلى تسديد ديونه… وهنا توجد مسألة حاسمة متعلقة بالمخاطر السياسية.
باتت الصين متواجدة اقتصاديا وماليا في العالم برمته ويمتد تأثيرها في بلدان جميع القارات – وتحظى خاصة بمكانة مهيمنة في أفريقيا (برز تعبير أفريقيا الصينية منطقيا، بعد تعبير أفريقيا الفرنسية). لكن، يبدو أن ظروف أزمة مالية عالمية جديدة بدأت تظهر. ما قد يكبح مسيرة سياسية شي جين بينغ.
لن يكون هناك سلام أبدي
بوجه أعم، ما فتئت شهية البيروقراطية تزداد مع الرأسمالية. إنها تحتكر قسما يتنامى باستمرارمن الثروة المنتجة في الصين التي يتوقف تطورها بالتالي على مزيد من الاستدانة –استدانة تحمل أزمات. يعزز شي جين بينغ توجها قمعيا وسط السلطة وثقافة الستالينية و«القرون الوسطى» (الامتيازات الناتجة عن الانتماء إلى «سلالة الدم الأحمر») -التي لا يبدو أن تدابير التحديث المطبقة بالفعل قادرة على مواجهتها.
لا يتمتع شي جين بينغ بشرعية تمكنه من ترسيخ ديكتاتورية مدى الحياة. وكما يشير أو لونغ يو[8]، لن يسود سلام أبدي داخل الحزب الشيوعي الصيني. والحال أن شي جين بينغ جمد آليات الخلافة. ومن المحتمل أن التغيير لن يفرض نفسه سوى تحت تأثير أزمة كبرى. إن المفارقة مذهلة بين سكان في تغير كامل وقمم بيروقراطية ورأسمالية منطويين حول أنفسهما–في حين أن المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني لم يضع حدا لوجود قوى رافضة للنظام المركزي وسط النظام بالذات.

الأحد 3 كانون الأول/ديسمبر 2017، بقلم بيار روسيه

تعريب جريدة المناضل-ة 

=============
إحالات[1] نسخة جرى إعادة صياغتها وتوسيعها انطلاقا من مقال مكتوب بمجلة فينتوسورViento Sur.[2] مقتبس من مقال أو لونغ يو (موقع أوروبا متضامنة بلا حدود مقال رقم 36227ESSF)
ESSF Money Makes the World Go Around – China today, power, poverty, inequality, the City and some leftists.[3] موقع أوروبا متضامنة بلا حدود ESSFمقال رقم (29634)، الصين: محاكمة بوشيلاي.[4] مقابلة مع أو لونغ يو، موقع أوروبا متضامنة بلا حدود ESSF (مقال عدد 42298)، المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني –تحديث من قبل بيروقراطية قديمة؟[5] برايسبي درولتي، جريدة لوموند يوم 16 كانون الأول/ديسمبر عام 2016، موجود في موقع أوروبا متضامنة بلا حدود ESSF (مقال عدد 39772)، القواعد العسكرية: بيكين تبرر عسكرة أرخبيل سبراتلي.[6]سيمونلي بلاتر، موقع أوروبا متضامنة بلا حدود ESSF (مقال عدد 42592)، تتزحلق بيكين على «طرق الحرير الجديدة» الخاص بها: مشاريع كبيرة توقفت في نيبالوباكستانوبورما…[7] سيباستيان لوبلزيتش، موقع أوروبا متضامنة بلا حدود ESSF(مقال عدد 42561)، هل تخلت الصين عن روبرت موغابي؟ كان رئيس أركان الجيش الزيمبابوى توجه إلى بيكين.[8] المرجع نفسه.

شارك المقالة

اقرأ أيضا