استقلالية البنك المركزي ونظام الصرف المرن، مخططات صندوق النقد الدولي لوضع البلد في قلب العاصفة

المكتبة19 يناير، 2018

بدأ حكام المغرب مؤخرا سيرورة التحول إلى نظام الصرف المرن، وهي السيرورة التي تعتبر التتمة المنطقية لما تم الشروع فيه منذ زمن بعيد من سياسات نيولبرالية، بل تشكل احدى ذراها الأكثر خطورة.
لمتابعة هذه السيرورة، نشرت جمعية أطاك المغرب بموقعها الالكتروني، على حلقات، دراسة للرفيق مرجاني عبد القادر حول الموضوع لأجل فهم ما يجري وأبعاده وانعكاساته على مستقبل البلد وأوضاع كادحيه.
نعيد نشرها على موقع جريدة المناضل-ة تعميما للفائدة
=======================
استقلالية البنك المركزي ونظام الصرف المرن، مخططات صندوق النقد الدولي لوضع البلد في قلب العاصفة
اختار المتحكمون في القرارات السياسية والاقتصادية بالمغرب الاتجاه نحو منح بنك المغرب الاستقلالية الكاملة التي بدأ التأسيس لها منذ تطبيق القانون 03-76 سنة 2006[i]. وقد توجت هذه السيرورة، أولا، بتوسيع مجال تدخل بنك المغرب ليشمل مساهمته في اتقاء المخاطر النظامية (أي المخاطر التي تهدد النظام البنكي ككل) وتقوية الاستقرار المالي مع تثبيت مهمته الأساسية المتمثلة في استهداف التضخم، وثانيا، بالبدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل المرور لنظام الصرف المرن الذي سيبتدئ العمل به في النصف الثاني من سنة 2017.
فما هي السياقات المتحكمة في هكذا خيارات؟ وما هي انعكاساتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي؟
استقلالية البنك المركزي: دعامة للأسواق المالية وحلقة أخرى لاستكمال المخططات الليبرالية المفروضة من طرف صندوق النقد الدولي
السياق العالمي والتأسيس النظري لاستقلالية البنوك المركزية:
منذ الأزمة الاقتصادية الرأسمالية لمنتصف السبعينات، تجندت السياسات الاقتصادية الليبرالية من أجل أن تتصدى للتضخم الذي تسارع خلال الفترة الممتدة بين أواخر الستينيات ومنتصف السبعينات من القرن الماضي في ظل ركود اقتصادي كبير على المستوى العالمي. خلال هذه الفترة، كان التضخم يخدم مصالح من يملكون أصولا حقيقية، فمن جهة، تنخفض قيمة مديونية الشركات الصناعية المنتجة للسلع وترتفع قيمة ممتلكات من يقتنون العقارات. لكن من جهة أخرى كان التضخم يضر بمصالح الشركات المالية وكل ما له صلة بالرأسمال المالي، حيث تتدنى قيمة أصول الدائنين، خصوصا البنوك، المكونة أساسا من القروض، كما تنخفض في المقابل قيمة الأرصدة النقدية التي تظهر في جهة الخصوم من قائمة ميزانيتها.
في ظل هذا الوضع سطع نجم الاقتصاديين النقديين بما يخدم مصلحة البنوك والدوائر المالية. في مواجهتهم للكينزية، و بتمويل و دعم من الرأسماليين و حكوماتهم الراغبين في إيجاد مخرج للأزمة يحافظ على سير الاقتصاد الرأسمالي، اجتهدوا في الدفاع عن رفض السياسات المالية التوسعية للحكومات، التي تعمل على ضخ مزيد من النقد لدعم الطلب، الشيء الذي لن يساهم من وجهة نظر هؤلاء الاقتصاديين، وعلى المدى البعيد، إلا في الرفع من التضخم مع عودة معدل البطالة إلى ما يسمونه “مستواها الطبيعي”، بعد حفز دينامية اقتصادية على المدى القصير سرعان ما ستتلاشى، نظرا لعرقلة السياسات الحكومية لدور السوق في تحديد الأسعار بحرية وفق مبدأ العرض و الطلب. وكتطوير للمنظور النقدي، أخذ الكلاسيكيون الجدد بعين الاعتبار توقعات الفاعلين الاقتصاديين الذين، حسب افتراضهم، يعلمون جيدا سير الاقتصاد الرأسمالي ومبادئ النظرية النقدية. فبمجرد إعلان السلطات الحاكمة عن سياسة نقدية توسعية لتقليص البطالة، سيتوقع المستثمرون والأجراء ارتفاع مستوى التضخم بعد مدة سنة أو سنتين، وبشكل استباقي سيحتمون من الانعكاسات السلبية لهذا الارتفاع. فالشركات الصناعية سترفع من الأسعار، والمدخرون سيطالبون بمردودية أكبر والنقابات ستطالب بالرفع من الأجور. في هذه الحالة، لن يكون للدولة أي حظ في التأثير على مستوى البطالة لا على المدى الطويل أو القصير. أما إعلان السلطات النقدية عن تسخير أدواتها لتحديد نسبة مستقرة للتضخم يُدمجها الفاعلون الاقتصاديون في توقعاتهم عند تسطير استراتيجياتهم، واتخاذها بعد ذلك قرار تطبيق سياسة نقدية توسعية بشكل مفاجئ ودون إعلان واضح، لن يكون سوى خديعة توهم الشركات بأن ارتفاع الأسعار يأتي من نمو حقيقي للطلب على منتوجاتهم، مما يدفعهم لزيادة العرض الذي لن يأتيهم بالربح المتوخى. عند انكشاف الوهم والعودة إلى المستويات السابقة للبطالة في ظل مستوى أعلى للأسعار، ستنعدم مصداقية السياسات النقدية وستلجأ الشركات مستقبلا لرفع الأسعار وسترتفع معدلات الفائدة كإجراءات استباقية حتى وإن لم يكن في نية الحكومات أن تعلن عن سياسة نقدية توسعية[ii].
انطلاقا من هذا التحليل، يوصي الليبراليون بضرورة لَي يد الحكومات ومنعها من التقرير في السياسات النقدية التي من المفروض أن تصبح في يد البنوك المركزية المتحررة من وصاية الحكومات والتي ستعتكف على مهمة محددة وهي استهداف التضخم[iii]، حفاظا على مصالح المستثمرين الماليين والبنوك ودعما لدينامية الأسواق المالية، ولو على حساب التقليص من هامش خلق انتعاش اقتصادي للتخفيض من معدل البطالة. فالبنك المركزي لن يصبح أداة للتدخل الماكر واقتصادي وإنما أداة لتطمين الأوساط المالية وتحفيز اقتصاد الدين.
تناسلت عدة دراسات وبحوث تثبت جاهدة العلاقة الإيجابية بين استقلالية البنك المركزي والحفاظ على مستوى معين من استقرار الأسعار، فشكلت الأساس النظري لتطبيق استقلالية البنوك المركزية التي بدأ تعميمها منذ سنة 1990، والتأسيس لما يسمى سياسة القواعد التي يجب أن تحل محل السياسات المتقلبة والظرفية. سياسة القواعد تعني الالتزام بقاعدة معينة، كنمو كتلة النقد[iv] بنسبة محددة سلفا يُمنع تجاوزها تحت أي ظرف أو الالتزام بقاعدة تنحو باستمرار بمعدل التضخم نحو المعدل المستهدف من طرف البنك المركزي (الهدف المعلن في إطار نظام استهداف التضخم). لن تقتصر القواعد فقط على ما يخص السياسة النقدية بل ستشمل أيضا سياسة ميزانية الدولة. فالوضع الجديد للبنك المركزي يستدعي سن سياسات تقشف قاسية كما سيتم توضيحه لاحقا في هذا النص.
لهذه التوجهات، من جهة، انعكاسات على النفقات العمومية وعلى المديونية العمومية بما يزيد من تدهور الوضعية الاجتماعية للأجراء ومن تدني مستوى الخدمات العمومية، ومن جهة أخرى انعكاسات على طريقة تمويل الاقتصاد الذي يصبح أكثر عرضة للأزمات المالية.
انعكاسات استقلالية بنك المغرب على المديونية العامة وسياسة ميزانية الدولة:
سنة 2006، أُعطي لبنك المغرب وضعا جديدا تضمنه القانون 76-03، والذي يهدف رسميا إلى تعزيز استقلالية البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية. وتنص المادة 27 من القانون أنه “لا يجوز للبنك تقديم تمويل للدولة، أو القيام بدور الضامن لالتزاماتها “.
في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2007 والركود الذي تلاها، لا سيما في أوروبا، قلصت البنوك المغربية من حجم إقراضها بسبب أزمة القطاعات المتضررة من الأزمة. لذلك قام بنك المغرب بضخ السيولة بشكل متزايد لتمكين البنوك من مواصلة الإقراض. استخدمت هذه الاموال لشراء سندات الخزينة بمعدل متوسط قدره 3.5٪، لتسدد لبنك المغرب معدل 3.25٪ بعد شهر أو ثلاث أشهر[v]. جني نسبة 0.25٪ دون مخاطرة مع العلم أن الدولة بحاجة متزايدة للسيولة، بسبب عجز الميزانية، هدية للبنوك يقابلها التضييق على النفقات العمومية وحرمان المغاربة من الخدمات العمومية لتسديد الديون. فالدولة مجبرة على دفع أسعار فائدة مرتفعة عما كانت ستدفعه لو تم تمويلها مباشرة من البنك المركزي. وبالتالي فالمادة 27 من هذا النظام الأساسي لبنك المغرب تعد عبئا حقيقيا على ميزانية الدولة. منع الدولة من الالتجاء الى البنك المركزي لتمويل نفقاتها، يفتح المجال للأسواق المالية والبنوك للاستثمار في الدين العمومي مما يرفع من كلفة خدمة الدين. يتم تخفيض الضرائب على الشركات ويتم إعفاء المستثمرين منها، ولكي يتم تقليص عجز الميزانية يتم اللجوء للأغنياء -الأقل خضوعا للضريبة- للاستدانة وتمكينهم من مراكمة الأرباح على شكل فوائد.
لا يتسع الحيز في هذا النص لمناقشة سلطة الحكومة المغربية للتقرير في سياسة ميزانية الدولة أو إلى شكل الرقابة على بنك المغرب و طبيعة البرلمان المغربي الذي من المفترض أن تخول له مساءلة البنك المركزي أو التطرق إلى من له صلاحية تعيين والي البنك، وهي كلها مسائل يجيب عنها الفصلين 48 و 49 من الدستور المغربي لسنة 2011، لكن يجب التأكيد على أن استقلالية البنك المركزي صاحَبها فرض قواعد على سياسة ميزانية الدولة يجب التقيد بها، و تضمنها القانون التنظيمي للمالية لسنة 2015[vi] جوهرها الالتزام بالتقشف الذي سيأطر كل قوانين المالية مستقبلا. إحدى هذه القواعد تنص عليها المادة 20 من القانون التنظيمي للمالية وتسمى ب “القاعدة الذهبية”، يُعرفها صندوق النقد الدولي في دليل شفافية المالية العامة (2007)[vii] كالتالي: “يجب ألا يتجاوز الدين العمومي الاستثمارات العمومية في توافق مع مستوى محدود ومرخص به لعجز الميزانية”. جاء في تصريح لوزير الاقتصاد والمالية سنة 2015 ” القاعدة الذهبية تفرض العقلانية في تدبير الدين العمومي. إنها تهدف إلى منع الحكومة مستقبلا من فتح صنابير المالية بغاية تحقيق أهداف بعيدة عن الاستثمار المنتج”[viii]. وباعتبار نفقات المدرسين والممرضين نفقات جارية والصحة والتعليم خدمات يجب أن تخضع لميكانزمات السوق، والمعدات اللازمة لسير القطاعات العمومية مستثنية من نفقات الاستثمار[ix] لن يكون ممكنا توجيه مزيد من الموارد للنهوض بالحاجات الأساسية للساكنة إذا ما تبين أن هذا الإنفاق سيُمول بدين. أما الاستثمار المنتج فسيكون في أغلبيته موجها لتهيئ الأرضية المناسبة للاستثمار الخاص. جوهر هذه القواعد باختصاركما يلي: تقديم إعفاءات وتخفيضات ضريبية للمستثمرين الخواص، الاستدانة بالالتجاء للأسواق المالية والبنوك من أجل توفير البنى التحتية اللازمة لضمان مردودية عالية للرأسمال والتضييق على موارد تمويل القطاع العام.
تهدف السلطات المغربية إلى الحد تدريجيا من العجز في الميزانية ليبلغ 3٪ من الناتج المحلي الخام. ومنذ عام 2013، تعمل على ضبط أوضاع المالية العامة إطاعة لتوجيهات صندوق النقد الدولي الذي يشير إلى أن “تعزيز المالية العامة ينبغي أن يأتي أساسا من خفض الإنفاق لأن نسبة عائدات الضرائب / الناتج المحلي الخام تعد من بين أعلى المعدلات في المنطقة “[x]. هذه المؤسسة توصي بان لا تتجاوز كتلة الأجور ٪11 من الناتج الداخلي الخام مما يفسر الحد من العدد الصافي للوظائف، واعتماد العقدة من أجل التشغيل في الوظيفة العمومية لما توفره من مرونة في التحكم في الأجور.
نهج سياسة التقشف والتمادي في تقديم الهدايا الضريبية مقابل تقليص معدل نمو النفقات العمومية ساهم في عرقلة النمو. وهذه كانت واحدة من الأسباب الرئيسية التي دفعت البنك المركزي لاتخاذ قرار تخفيض سعر الفائدة مرتين في سبتمبر وديسمبر عام 2014، إلى 2.5٪، وهو أدنى مستوى وصل له منذ عام 1995. ليعود ويقرر تخفيضه إلى 2.25٪، شهر مارس 2016. فكلفة تمويل البنوك انخفضت دون أي انعكاس على حجم القروض البنكية ومعدلات فائدتها أو على الدينامية الاقتصادية.
دعم الأسواق المالية والبنوك، تقديم هدايا ضريبية للأغنياء، خوصصة الخدمات العمومية، تقليص المداخيل الجمركية نتيجة اتفاقيات التبادل الحر، السماح بالتجاء رؤوس الأموال للجنات الضريبية، مقابل، تخفيض كتلة الأجور، تفكيك منظومة دعم المواد الأساسية، الإجهاز على منظومة الحماية الاجتماعية وفتحها امام الاستثمارات الخاصة، هذه هي نتائج السياسة النقدية وسياسة ميزانية الدولة الليبراليتين.
دور البنك المركزي فيما يسمى بالإشراف الماكرو تحوطي
يعلن بنك المغرب عن نيته السير في اتجاه احترام توجيهات “بال 3″، التي تتحكم فيها البنوك الخاصة العملاقة. جديد هذه التوجيهات، اعتماد عدة إجراءات للاتقاء من المخاطر النظامية، أي المخاطر التي تهدد النظام البنكي ككل تفاديا لما يمكن أن يترتب من كوارث جراء تكرار الجرائم التي ارتكبتها البنوك والتي ساهمت في انفجار الأزمة المالية لسنة 2007، هذه الأزمة التي كادت ان تودي بانهيار النظام المالي العالمي لولا هرع الدول إلى استخدام المالية العامة إنقاذا للبنوك. كان هذا الإنقاذ سببا مباشرا في انفجار المديونية العامة لكافة هذه البلدان.
أدى نزع التقنين عن الأسواق المالية والتمادي في سياسة تحرير الاقتصاد إلى تمتيع مدراء البنوك والمضاربون بالمجال الكافي لابتكار أساليب المقامرة والحيل المتجددة للتلاعب بالمحاسبة وحجم الديون قصد الرفع من معدل المردودية وإرضاء للمستثمرين والمساهمين الكبار. تكشف كل أزمة عن حجم الجرائم المالية وانعكاساتها الكارثية على المقترضين والمساهمين الصغار وعلى النظام المالي ككل. وفي كل مرة تسارع الحكومات إلى إنقاذ البنوك بأموال الميزانيات العمومية و يتجند الساسة و الخبراء الليبراليون إلى إثارة الضجيج حول ضرورة إعادة النظر في أساليب و نماذج حكامة البنوك و شكل الرقابة عليها و ضرورة تجديد أساليب و معايير إدارتها للمخاطر و تقييدها بمستوى معين من كفاية الرأسمال و كفاية السيولة، إلا أنه بعد الانتهاء من المشاورات و اللقاءات يكون حجم ما تقرر لا يناسب البث حجم الكارثة و لا يقدم كجديد ما يمكن له أن يعيد ضبط النظام المالي و يكون الهدف استغلال الفرصة لإعادة الثقة في المنظومة اللبرالية. في هذا السياق، وجراء انعكاسات الأزمة المالية التي امتدت إلى كل مكونات المنظومة المالية، بدأ الترويج إلى ما يسمى السياسة الاحترازية الكلية أو الإشراف الماكرو تحوطي والتي يتم تنزيلها عبر تأسيس لدوائر الاستقرار المالي على مستوى البنوك المركزية التي يراد لها أن تعمل على تحديد، تحليل، مراقبة وضبط المخاطر النظامية، وتعزيز قدرة الجهاز المالي على تحمل المخاطر والصدمات المالية. فحسب القائمين على شؤون السياسات النقدية، الاستقرار على المستوى الفردي لكل مؤسسة من مؤسسات الجهاز المصرفي ليس كافياً لتحقيق الاستقرار المالي بسبب وجود ما يُسمى بالمخاطر النظامية والتي تؤثر سلباً على استدامة الخدمات المالية الرئيسية كنمو الائتمان على نحو كبير بما لا يتناسب والنشاط الاقتصادي، تكَون الفقاعات التي تخص الأصول، تعاظم حجم مديونية الأفراد والحكومات وكذلك الاعتماد على مصادر أموال غير مستقرة. وبذلك، سيكون ملزما على البنك المركزي أن يتنبأ بمدى قدرة البنوك على استيعاب الصدمات باستخدام اختبارات الأوضاع الضاغطة، وأن يعزز قدرتها على مواجهة المخاطر والصدمات وأن يساعدها على استيعاب الاثار المترتبة عن تحقيق المخاطر. وإن تعذر تحقيق هذه الأهداف وحلت الكارثة، فالبنك المركزي جاهز لإنقاذها عبر شراء أسهمها.
لإتمام دوره في الحفاظ على الاستقرار المالي، سيُعطى لبنك المغرب الحق في ضمان الانقاذ المصرفي في حالة التعرض لأزمة نظامية، حيث أن القانون البنكي الجديد، الذي يثني عليه صندوق النقد الدولي في كل مناسبة، يخول لبنك المغرب شراء حصص في مؤسسات الائتمان في سياق تدبير المخاطر النظامية وحل الأزمات المصرفية. ووفقا لوالي بنك المغرب، الذي سبق له أن تولّى مسؤولية وزارة المالية عندما تبنّى المغرب برنامج التقويم الهيكلي في الثمانينات من القرن الماضي: ” إذا استعاد البنك توازنه، سوف تعاد الأسهم المقتنية بموجب القانون إلى المساهمين”[i].
إذا كان هناك دركي حريص على محاصرة التضخم الذي يضر بمصالح البنوك – عبر الانتقال إلى نظام استهداف التضخم- وفي نفس الوقت يصبح إطفائي عند نشوب أزمة ومنقذا أخيرا عند وصول البنوك إلى حد الانهيار فإن هذه الأخيرة ستخاطر أكثر عند تقديمها لقروض التي يمكن أن تصبح فيما بعد أصولا سامة ستكلف المنقذ كثيرا عند محاولته سحبها من موازنات البنوك.
النقد ليس فقط وسيلة لتسهيل عملية تبادل البضائع، فالسيطرة عليه من طرف المستثمرين المالين وأرباب الشركات الصناعية يجعله رأسمالا يتيح شراء قوة العمل التي ستنتج فيما بعد فائض القيمة الذي سيتحول إلى ربح عند بيع البضائع، ضمن سيرورة مستمرة لمواصلة سيرورة تراكم الرأسمال. هذا التراكم يلزمه باستمرار، قروض تخلقها البنوك التي تتوقع حجم الإنتاج والأرباح التي سيستحوذ عليها الرأسمال.
رغم أن النقد وسيلة للسيطرة الطبقية إلا أنه ملك عام. فهو مفروض على الجميع داخل مجال مشترك يُجانس فيه النقد بين أشغال مختلفة ويُمَكن من تبادل منتجاتها. لذلك، وبالإضافة إلى أدواره الاقتصادية، يعتبر أداة ضبط اجتماعي لا قيمة له أولا، دون مشروعية سياسية تعطيه إمكانية أن يكون قدرة شرائية فورية أو مستقبلية، وثانيا، دون الشغل الذي يخلق الثروات المنتجة.
النقد لم يعد ملكا عاما واستقلالية البنك المركزي تعني شبه خوصصته لأن خلق النقد سيصبح أكثر بيد البنوك الخاصة ولأن التحكم في الكتلة النقدية عند توسع الأسواق المالية وتنامي المنتجات المالية سيصبح حكرا على الرأسمال.
نظام الصرف المرن: ضرورة لفتح الباب أمام الرساميل الأجنبية وسياسة أخرى لدعم المضاربة
نظام سعر الصرف المرن والسياسة النقدية في ظل تحرير سوق الرساميل:
اعتمد النظام النقدي الدولي، بعد مؤتمر بروتن وودز سنة 1944، نظام الصرف الثابت، حيث شكل الدولار الذي كان مرتبطا بالذهب حسب قيمة تعادلية ثابتة، المحور الأساسي للنظام. فالدولار هو العملة الوحيدة القابلة للتحويل إلى ذهب وجميع العملات الأخرى لها سعر صرف ثابت اتجاهه. في هذه المرحلة، وُضعت قيود على تنقل الرساميل وكان صندوق النقد الدولي المسؤول عن ضبط النظام.
عند انهيار هذا النظام سنة 1971، اعتمدت عدة دول نظام الصرف المرن رغم تأسيس بعضها، لسنوات معينة، تكتلات تحد من تقلبات سعر الصرف.
بعد سنة 1980، تعددت أنظمة الصرف، من الأكثر تباثا إلى التعويم “الخالص”. إبان هذه الفترة، كانت السياسات النقدية تتجه إلى اتخاذ استقرار الأسعار كهدف لها لتفادي ارتفاع معدل التضخم ولتفادي توقع هذا الارتفاع من طرف الفاعلين الاقتصاديين. لتحقيق هذا الهدف، تم اعتماد ما يسمى “سياسة الركائز الإسمية” التي تعني تثبيت متغير اقتصادي، كمعدل الصرف، للوصول إلى هدف وسيط – مثلا، الإعلان مسبقا عن قاعدة لاحتساب سعر الصرف – يضمن استقرار الأسعار على المدى الطويل. فأرباب الشركات يُدمجون توقعاتهم لمستوى الأسعار عند وضع استراتيجيتهم الاستثمارية.
يؤثر هبوط سعر صرف العملة المحلية على مستوى الأسعار حيث ينخفض الطلب على السلع المحلية ويُقلص من هامش ربح المقاولة. كما يؤدي هذا الهبوط إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة مما يرفع من كلفة الإنتاج. لتطمين الأسواق وتفادي صعود منحنى التضخم، عملت البنوك المركزية على اعتماد قاعدة سعر الصرف الثابت قصد التأثير على التوقعات التضخمية وإتاحة الفرصة للرأسمال من أجل تحديد أسعار البيع والأجور بما يتوافق وتوقعاته للربح.
مع بداية سنوات التسعينيات التي شهدت توسع الأسواق المالية وتنامي تدفقات رؤوس الأموال، أصبحت ظروف الإبقاء على نظام سعر الصرف الثابت أكثر صعوبة. فالبلدان التي تعتمد هذا النظام “كمصدر استقرار اسمي” للسياسة النقدية أضحت عرضة لضغط متزايد قصد المرور إلى نظام الصرف المعَوم.
التخلي عن سعر الصرف الثابت ك “ركيزة إسمية” وصعوبة التحكم في كتلة النقد كنتيجة لتنامي مستمر لمنتجات مالية جديدة، دفع بالبنوك المركزية إلى استهداف التضخم الذي يُلزمها بتحقيق معدل تضخم منخفض عبر استخدام الأدوات النقدية المتوفرة لها. فاتجاه خيارات حكام عدة بلدان نحو فتح حساب رأس المال والسماح للرساميل الأجنبية بالتدفق دون قيود، كانت نتائجه التخلي عن سعر الصرف الثابت والاتجاه إلى استقلالية السياسة النقدية. في هذا السياق، يؤكد صندوق النقد الدولي أن الإطار النقدي المغربي يجب أن يتطور بشكل يتيح التحول إلى سعر صرف أكثر مرونة. فاعتماد ركيزة إسمية، مثلا على شكل نظام لاستهداف التضخم مكان سعر الصرف، من شأنه أن يضمن الاستقلال النقدي ويساعد على الحفاظ على جرعة إجراءات أكثر ملاءمة، مرافقة بحساب رأس المال أكثر انفتاحا[i] .
وعليه، إن اختار بلد نامي تطبيق السياسات الليبرالية للمؤسسات والمنظمات العالمية خدمة لمصالح الرأسمال الأجنبي، وجب عليه تحرير عملته. شكلت عدة دراسات لاقتصاديين ليبراليين رافضين لعرقلة تنقل الرساميل، السند لإثبات حتمية تعويم العملة. كانت أعمال روبرت مندل أهمها، هذا الاقتصادي اشتغل عند صندوق النقد الدولي بين سنة 1961 و1966. فبالنسبة له، يستحيل على بلد أن يسمح بتدفق الرساميل مع إبقائه على نظام سعر صرف ثابت وسياسة نقدية تخدم أهدافه الداخلية (الثلاثية المستحيلة).
تغظ هذه الرؤية الليبرالية الطرف عن طبيعة الرساميل المتدفقة نحو البلدان النامية التي لا هدف لها سوى المضاربة لجني أرباح على المدى القصير، فهي رساميل تبحث عن مردودية عالية، سرعان ما تتبخر عند ظهور أية فرصة أخرى أفضل في بلد اخر. تكون هذه التدفقات مرتبطة أكثر بطبيعة المحفظات الاستثمارية للمستثمرين الأجانب وبالسياسات النقدية للبلدان المتقدمة، كما أن عملات البلدان النامية سرعان ما يتم التخلص منها للبحث عن العملات القوية عند ظهور شكوك حول أزمة تلوح في الأفق. إن تبعية اقتصاديات هذه البلدان لمراكز قرار الرأسمال العالمي وخضوعها للسوق العالمية ودورها في قسمة العمل الدولية، المفروض عليها من طرف المؤسسات المالية العالمية، يجعلها ساحة لاغتنام الفرص من طرف الرساميل الطائرة.
تتسبب الطبيعة الغير مستقرة لهذه الرساميل في تغيرات حادة وغير متوقعة لسعر الصرف. ستقضي حدة التذبذبات على آمال السياسة النقدية في تحقيق معدل التضخم المستهدف سلفا مما يزيد من حدة تفاقم الأزمة. في بلد خاضع لتقلبات السوق الدولية، تؤدي المغادرة المكثفة للرساميل إلى تدهور سعر الصرف وارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع سعر البضائع ومدخلات الإنتاج المستوردة.
عند توقع أزمة صرف، سيسعى المتعاملون مع البنوك، تحسبا لانخفاض قيمة العملة المحلية، للتخلص من هذه الأخيرة واقتناء العملات الأجنبية، كما سيعمل زبائنها على سحب إيداعاتهم من العملة القوية، فتنتج عن ذلك هستيريا سحب الودائع من البنوك مما سيقهقر من قيمة العملة المحلية. يمكن للبنك المركزي أن يبيع احتياطاته من العملات الأجنبية لشراء العملة المحلية وعندما يتضح أنه لا يملك الاحتياطي الكافي وأنه يتعذر الالتزام بتمويل المستوردات والدين، تتفجر الأزمة.
سيضعف تدهور قيمة العملة وضعية البنوك والشركات التي لها خصوم كبيرة بالعملة الأجنبية ويضعف قدرة عملائها المستدينين بالعملة الأجنبية على الوفاء بالتزاماتهم. فإذا قام البنك المركزي بمحاولة انقاذ بعض البنوك من خلال تقديم مزيد من القروض، ستتفاقم مديونية هذه البنوك وتصبح على حافة الإفلاس.
لتفادي مثل هذا الوضع، سيعمل البنك المركزي على رفع سعر الفائدة لتثبيط هروب رؤوس الأموال والحد من تدهور العملة المحلية وللحد من التضخم. سيؤدي هذا الإجراء، أولا، إلى ارتفاع تكلفة الاستثمار نظرا لارتفاع كلفة القروض، وسيُعوض أرباب المقاولات عن ذلك بالضغط على الأجور والزيادة في ساعات العمل، وسيساعدهم في ذلك المرونة التي هيأتها قوانين الشغل، أو سيعملون على الرفع من أسعار البيع مما سيبطل مفعول الرفع من سعر الفائدة، وبالتالي تفقد المقاولات تنافسيتها. وفي جميع الحالات لا مفر من الانكماش الاقتصادي.
من جانب اخر، امتناع المستثمرين عن الاقتراض، سيجعل البنوك تلتجأ إلى إقراض الدولة، بمعدلات فائدة مرتفعة، وهو ما يعني زيادة حجم الدين العام وخدمته وبالنسبة للموازنة، زيادة العجز، بسبب ارتفاع عبء خدمة هذا الدين.
في أواسط سنوات 1990، عصف تحرير تنقل الرساميل باقتصاديات عدة بلدان كالمكسيك (1994)، البلدان الأسيوية (1997)، روسيا (1998)، البرازيل وكولومبيا (1999) وتركيا (2000/2001). كانت هذه البلدان تشترك في اعتمادها أنظمة صرف وسطية، وقد تلقت ضربة قاسية بفرار مكثف للرساميل، مصحوب بنزيف في احتياطات النقد الأجنبي وبارتفاع كبير لمعدلات الفائدة مما أدى إلى إضعاف النظام البنكي وإلى ركود اقتصادي.
تستغل المؤسسات المالية العالمية كل أزمة لتمليَ مزيدا من السياسات الليبرالية، متسترة عن الخراب الذي يحدثه الرأسمال في سعيه وراء تنمية أرباحه. فقد اعتبرت أنظمة الصرف الوسطية، أي وجود هامش لتدخل السلطات النقدية في توجيه سعر الصرف، سببا مباشرا لاندلاع أزمات التسعينيات ليتم الترويج لضرورة التأسيس لأنظمة الصرف المرن حفاظا على حرية حركة الرساميل.
لم يكن بوسع اقتصاديات البلدان التي اجتاحتها الأزمة أن تبقى صامدة في وجه هجمات الرساميل بغض النظر عن شكل أنظمة الصرف التي كانت معتمدة. فالميزانية العمومية لروسيا والبرازيل كانت تعاني من عجز كبير والنظام البنكي للبلدان الأسيوية كان هشا ولا خبرة له في تدبير ودرء مخاطر الصرف.
في المقابل، كان الولوج المكثف للرساميل إلى بعض البلدان – وليس الخروج كما في الحالات السابقة – بمثابة دافع اضطراري لتحرير عملتها، كما كان عليه الحال في الشيلي (1999) وبولندا (2000).
ففي بولندا، التي كانت تتبع نظام صرف وسطي، التجأت السلطات النقدية بعد تدفق كبير للرساميل إلى التعقيم[ii] كوسيلة للحد من ارتفاع حجم النقد المحلي عند سحب العملة الأجنبية من السوق تفاديا لفائض من السيولة البنكية والذي يمكن أن يساهم في تسارع التضخم. إلا أن هذا التعقيم قد أدى إلى ارتفاع معدلات الفائدة على الأصول المقوَمة بالنقد المحلي مما أثار شهية الرساميل الأجنبية التي استمرت في التدفق (نفس الوضع شهدته جمهورية التشيك بين سنتي 1995 و1997). لم يكن من مخرج للسلطات النقدية ببولندا سوى التخلي عن هامش تحكمها في سعر الصرف وتركه للسوق، ليرتفع بعد ذلك سعر الزلوتي، مؤثِرا بشكل سلبي على تنافسية المنتجات المصنعة محليا[iii].
كل بلد يختار حكامه تبني اقتصاد السوق وسياسات فتح الأبواب أمام تدفق الرساميل، في الوقت الذي يرزح فيه البلد تحت وطأة الدائنين ويعتمد فيه الاقتصاد على صادرات ذات قيمة مضافة ضعيفة، مضطر في الأخير إلى تعويم عملته سواء مر هذا التعويم عبر بوابة أزمة نظام سعر صرف كان قائما (ثابت أو وسطي) أو عبر مراحل تمتد لسنوات. في كلتا الحالتين يتم القبول بما سيترتب عن هذا التعويم من تردي للأوضاع الاجتماعية للأجراء والفقراء والقبول بوضع غير مستقر ومهدد باستمرار بتقلبات مفاجئة وأزمات ستدفع كلفتها الشعوب.
المرور إلى نظام سعر الصرف المرن بالمغرب ضرورة يفرضها مسلسل تطبيق السياسات الليبرالية المسطرة من طرف صندوق النقد الدولي
منذ بدايات الثمانينيات من القرن الماضي، سنوات إخضاع المغرب لسياسات التقويم الهيكلي، والبلد يسير نحو مزيد من تحرير الاقتصاد. بالتوازي مع تطبيق التوجهات الليبرالية، يرتب رأسماليو البلد أعمالهم ويعيدون وضع استراتيجيتهم الاستثمارية بما يخدم تنمية أرباحهم وثرواتهم مع الاستمرار في منح الرأسمال الأجنبي مزايا متعددة وإزالة جل العقبات أمام تدفق الرساميل والبضائع. في المقابل، كلما خطا المغرب خطوة في اتجاه تبني اقتصاد السوق، كلما تم سحق حق الأغلبية التي لا تملك سوى قوة العمل، والإجهاز على حقها في الشغل والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية، وعلى حقها في التنظيم والدفاع عن مصالحها.
تسارع في سنوات التسعينيات مسلسل تحرير المنظومة المالية والاقتصادية للمغرب.
سنة 1993، مع انضمام المغرب إلى المادة الثامنة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي، تم رفع القيود عن أداء المدفوعات والتحويلات المتعلقة بالمعاملات الدولية الجارية. سنة 1995، تم الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، سنة 1996 تم التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وتأسيس سوق الصرف الذي شهد مزيدا من اللبرلة سنتي 2005 و2007، بعد ذلك تم تمتيع بنك المغرب بالاستقلالية مع صدور قانون 2006، بالإضافة إلى التوقيع على مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر مع عدة دول (الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، مصر، الأردن، تونس…). هذا المسار رافقه التخفيف من الرقابة على الصرف من أجل المعاملات الجارية وحساب رأس المال.
في أوائل عام 2001، تم الحفاظ على مبدأ ترسيخ الدرهم بسلة من العملات لكن مع إجراء تعديل على الترجيحات بإعطاء الأهمية أكثر لليورو على حساب الدولار كانعكاس لتبعية المغرب لسوق الاتحاد الأوروبي. ومنذ ذلك الحين، لا يزال المغرب يعتمد نظام تثبيت اسمي لسعر الصرف بسلة عملات وفي كثير من الأحيان يتدخل البنك المركزي للحفاظ على سعر الصرف داخل حدود مثبتة حول تسعيرة الدرهم المركزية.
في عام 2006، كُشف النقاب من قبل بنك المغرب على نظام تسعير الدرهم، فقد أعلن أن هذا النظام مرتبط بسلة عملات تتكون من اليورو والدولار بأوزان 80٪ و20 ٪ على التوالي كانعكاس لترسيخ شبه كلي لسعر الدرهم بالأورو. سنة 2011، يشير صندوق النقد الدولي إلى أن “السلطات النقدية المغربية لديها الوسائل والقدرة للمرور إلى نظام استهداف التضخم وإلى سعر صرف أكثر مرونة”[i] . بعد سلسلة من الارتفاعات المتوالية لقيمة الدولار مقابل تراجع قيمة اليورو، أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية والبنك المركزي في بيان مشترك، شهر أبريل سنة 2015، أنه تقرر تحيين ترجيحات العملات المكونة لسلة تسعير الدرهم لكي تعكس البنية الحالية للمبادلات الخارجية للبلاد. حيث تم تحديد الترجيحات الجديدة في 60 في المائة بالنسبة لليورو و40 بالمائة بالنسبة للدولار الأمريكي مقابل 80 و20 في المائة على التوالي سابقا. ويعتبر القرار الجديد خطوة نحو إضفاء مزيد من المرونة على تعاملات صرف العملات الأجنبية في السوق المالية المغربية في أفق الانتقال إلى نظام الصرف المرن الذي ستبتدئ مرحلته الأولى في النصف الثاني من سنة 2017، حيث سيسبح الدرهم في مجال تتسع المساحة بين حديه شيئا فشيئا إلى أن يتم تحريره. فالمغرب يعمل من اجل التحول إلى سوق إقليمي للتمويلات الدولية الموجهة نحو أفريقيا وجنوب البحر المتوسط بالاعتماد على المركز المالي الدولي في الدار البيضاء. هذا المسار يتخذه القائمون على شؤون المغرب بتنسيق ومباركة صندوق النقد الدولي وبتشاور مستمر مع رأسماليو البلد وعلى رأسهم البنوك، من أجل تكييف استراتيجياتهم الاستثمارية ضمانا لتقوية موقعهم عند تبني النظام الجديد – مثلا عن طريق بيع حصة من أسهمها لبنوك لها تجربة في المضاربة بالأسواق المالية – وضمان موقع لهم في الأسواق الإفريقية عند تدفق الرساميل الأجنبية. فالأطماع كلها موجهة للبلدان الإفريقية التي تسجل معدلات نمو مهمة كروواندا، وإثيوبيا، وتنزانيا، والسينغال والكوت ديفوار. يعرض صندوق النقد الدولي مساعدته لتعزيز قدرات التنبؤ والتحليل لسياسات البنك المركزي في إطار نظام سياسة نقدية جديدة، وعرض تقديمه الدعم من أجل حل المسائل الإجرائية التي قد يطرحها نظام سعر صرف أكثر مرونة [ii].
كل المؤشرات تدل على أن تعويم الدرهم من شأنه أن يُعرض اقتصاد البلد إلى أزمات يصعب تصور مداها حاليا، لكن الأكيد أن تحميل كلفتها للشغيلة والأجراء عموما هو ما يتم الإعداد له. السعي إلى تخفيض عجز الموازنة بتصفية صندوق المقاصة، تفكيك الوظيفة العمومية عبر إدخال المرونة والهشاشة، تخفيض كتلة الأجور، تخريب أنظمة الحماية الاجتماعية ورسملتها والدفع بمسلسل لبرلة الخدمات العمومية، كلها إجراءات لسياسة موازنة تتوافق مع تحرير الدرهم وفتح أسواق الرساميل.
تكمن مصادر الأزمات المقبلة، أولا، في اتكال المغرب على الأسواق العالمية لتلبية حاجاته من السلع الأساسية كسلع التجهيز، القمح والأدوية. فقد بلغ عجز الميزان التجاري سنة 2016، 106.7 مليار درهم بزيادة 29.2 مليار درهم بالمقارنة مع سنة 2015 رغم انخفاض فاتورة المنتجات الطاقية ب 11.9 مليار الدرهم[iii]. وتكمن ثانيا، في ارتفاع حجم الدين العمومي الذي بلغ سنة 2015، 82.2 في المئة من الناتج الداخلي الخام. فالمنحى التصاعدي للدين العمومي الخارجي الذي بلغ 301 مليار درهم نهاية سنة 2015 مقابل 122 مليار سنة 2007، ليمثل 30.6 في المئة من الناتج الداخلي الخام، سيجعل خدمة هذا الدين في ارتفاع مستمر وكل هبوط في قيمة الدرهم سيرفع من تكلفة خدمة الدين العام، ومن ثم سيرتفع عجز الموازنة. أما رفع معدل الفائدة كإجراء لمواجهة التضخم، فسيرفع من كلفة الدين الداخلي العمومي الذي بلغ 509 مليار درهم سنة 2015 ممثلا نسبة 63% من الدين العمومي الإجمالي وسيبطؤ النمو. نفس الوضع ستعرفه مديونية القطاع الخاص الذي لا مناص من التجائه للاقتراض حتى يتمكن من مباشرة استثماراته. فحسب تقرير 2015 لمعهد ماكينزي للدراسات، حول استدانة عدة دول في العالم، يُعتبر المغرب بلد أكثر مديونية، قياسا بناتجه الخام، من مصر وجنوب إفريقيا، حيث يتبوأ المرتبة الـ 29 في لائحة ضمت 49 بلد. فقد ورد في التقرير ارتفاع الديون العامة للبلد إلى 136 في المئة من الناتج الداخلي الخام – ارتفاع بأكثر من 20 نقطة بين سنتي 2007 و2014- مقسمة إلى ديون الخزينة (62% ،63.5% حسب تقارير وزارة الاقتصاد والمالية) ديون الشركات (51%) وقروض الأفراد (23%)، وقد مثلت ديون القطاع المالي 15 في المئة من الناتج الداخلي الخام[iv]. وكمصدر ثالث لأزمة صرف مقبلة، نذكر ضعف احتياطي النقد الأجنبي بالمغرب، المتذبذب نتيجة عدم استقرار مداخيل السياحة وتحويلات مغاربة الخارج. لن يكون بمقدور هذا الاحتياطي امتصاص صدمات تطيح بقيمة العملة المحلية، خصوصا أن النسبة الكبيرة للمعاملات في أسواق الصرف العالمية عبارة عن مضاربات في العملة ليس لها أية علاقة بالاقتصاد الحقيقي، ويمكن لصناديق التحوط[v] التي تملك دراية كبيرة بالمقامرة في أسواق المال أن يساهموا في تسريع تدني قيمة الدرهم على حساب اقتصاد البلد، في حين سيتَعسر على البلد أن يستدين أكثر نتيجة مطالبة الأسواق المالية بسعر فائدة أكبر يأخذ بعين الاعتبار المخاطر المتنامية الناتجة عن تراجع المؤشرات الاقتصادية. أما المصدر الرابع، فيتجلى في ضعف السوق المالية المغربية التي لم تتمرس بعد على المقامرة وألاعيب المضاربة. فبغاية التحوط من مخاطر تقلبات سعر الصرف سيتنامى التعامل بالمشتقات والعقود الآجلة التي سيتم تحرير تداولها. بعد الأزمات المالية العديدة التي عرفتها عدة دول، لا اختلاف اليوم حول مدى خطورة هذه المنتوجات المالية.
في خضم دفاعه عن خيار تحرير الدرهم، يقدم بنك المغرب بعض الحجج التي يراد لها أن تكون مقنعة لإثبات إمكانية إنجاز هذا الخيار دون تعريض البلد إلى المآسي التي شهدتها مصر نتيجة تحرير الجنيه. من بين هذه الحجج نذكر، أولا، ضعف نسبة التضخم بالمغرب بالمقارنة على ما كانت عليه بمصر قبل تعويم عملتها، ثانيا، توفر المغرب على احتياطي ملائم من النقد الأجنبي، وثالثا، اضطرار مصر إلى تطبيق نظام سعر الصرف المرن بشكل مفاجئ وتحت ضغط تردي الوضع الاقتصادي بخلاف المغرب الذي ينظم عملية الانتقال بهدوء. دون العودة إلى المصادر الأربعة التي تم استعراضها سابقا، يمكن باختصار تقديم بعض التوضيحات نبين من خلالها أن حجج البنك المركزي موجهة للاستهلاك الإعلامي في ظل غياب أي تعبئة يساهم فيها اقتصاديون مغاربة رافضون لتحرير الدرهم قصد تنوير الرأي العام بمخاطر التعويم.
أولا، لقد أضرت الأزمة المالية العالمية بشكل كبير بصادرات مصر ولم يكن لقرارات التخفيض التدريجي لسعر العملة، أواخر سنة 2012، أي تأثير على تنافسية الإنتاج المصري. خنق صعود الثورة المضادة الاقتصاد المصري، ولم تفلح أموال الخليج في إعادة التوازن لاحتياطات مصر من النقد الأجنبي. في بداية سنة 2016، تم تخفيض الجنيه بشكل قوي وكان ذلك إشارة واضحة إلى اتجاه مصر نحو التعويم.
القرارات الحكومية المتتالية المتمثلة في الزيادة في أسعار الكهرباء وعدة خدمات أخرى، الزيادة في نسب الضريبة على القيمة المضافة والتخفيضات المتوالية لقيمة العملة، كلها كان لها الأثر الواضح في ارتفاع نسبة التضخم. لكن قرار التعويم يوم 3 نوفمبر 2016 كان عاملا أساسيا في ارتفاع هذه النسبة من 14 في المئة إلى 24.3 في المئة شهر دجنبر لتصل إلى 29.6 في المئة شهر يناير 2017 حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة بمصر، وليس هناك ما يثبت أن قرار التعويم بالمغرب سيأخذ منحى آخر وإن كان ذلك يمكن أن يحدث بوتيرة أقل. لقد تراوحت نسبة ارتفاع أسعار عدة مواد بمصر عشية التعويم بين 7.1 في المئة و87.5 في المئة. وكمحاولة لكبح جماح ارتفاع معدل التضخم بمصر، عمل البنك المركزي على رفع سعر الفائدة ب 300 نقطة مما فاقم من المديونية العمومية ومن عجز الميزانية. هذا الإجراء رفع أيضا من كلفة الإقراض الذي بلغ سعر فائدته 15.75 في المئة[vi].
كانت أزمة صناعة الدواء خير دليل على عواقب تحرير سعر صرف العملة في بلد يسد نسبة كبيرة من حاجياته من الدواء عن طريق الاستيراد. فقد شهدت الأسواق اختفاء كاملا لأدوية حيوية نتيجة توقف الشركات عن توريدها إلى الصيدليات والمستشفيات إلى أن يتم الإقرار بالزيادة في أسعارها. وقد وافقت وزارة الصحة المصرية على زيادة أسعار 25 في المئة من مجمل الأصناف المتداولة في السوق ووصلت هذه الزيادة إلى حدود 50 في المئة في سعر بعض الأدوية[vii].
في المغرب، ، تكشف بنية مشتريات الدواء عن دخول أدوية باهظة الثمن إلى السوق، تمثل قيمتها 2.7 مليار درهم، أي ما نسبته 55.3% من إجمالي المشتريات، يتعلق الأمر بأدوية موجهة لعلاج أمراض السرطان والاستعمال الآني، لتبلغ نسبة ما يتم استيراده من لقاحات وأدوية أمراض مزمنة 70 % من قيمة فاتورة الدواء المغربية، و تجدر الإشارة، أن الواردات تطورت بشكل مهم ضمن اتفاقيات التبادل الحر، خصوصا مع الاتحاد الأوربي، إذ انتقلت قيمتها من مليار درهم في 2000 إلى 4.4 مليار درهم برسم سنة 2014، فيما لم تتجاوز الواردات في اتجاه الاتحاد، سقف 700 مليون درهم، والوضع نفسه بالنسبة إلى الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية[viii]. هذه الأرقام تبين مدى تبعية المغرب إلى الخارج لسد احتياجات المرضى من الدواء، ومدى انعكاس أي انخفاض لسعر الدرهم على أسعار الدواء المستورد التي سيشكل ارتفاعها تعميقا لأزمة قطاع الصحة العمومية بالمغرب.
ثانيا، سيجتاز المغرب قبل التعويم “الخالص” للدرهم، مرحلة انتقالية سيتم فيها توسيع هامش تغير سعر الدرهم. هذه المرحلة ستكون محفوفة بالمخاطر ويمكن أن يتعرض فيها الدرهم لهجمات المضاربين مما سيدفع بالسلطات النقدية للمرور لمرحلة التعويم بشكل قسري. حاليا، وفي خضم الإعداد لخطة تحرير الدرهم، لم يتم بعد الإعلان عن المدة التي ستخصص للفترة الانتقالية، فالانتقال المنظم، كما يسميه البنك المركزي، يلزمه تحديد مسبق للفترة الزمنية اللازمة قبل المرور للتعويم “الخالص”.
دروس التجربة التركية تنبئ بجم الدمار الذي تخلفه السياسات الليبرالية. منذ شهر يناير لسنة 2000، بدأت تركيا في تطبيق برنامج “الاستقرار باستخدام الصرف” المخطط من طرف صندوق النقد الدولي. كانت الأهداف المسطرة تتمثل في التأسيس للمصداقية اللازمة لطمأنه المستثمرين الأجانب وللمرونة التي تحتاج إليها السلطات النقدية التركية لتدبير سياسة الصرف في بيئة تطبعها حرية تنقل الرساميل. كانت تتجلى إحدى مميزات هذا البرنامج في اعتماد إجراءات تعقيم الرساميل الوافدة، واستخدام احتياطات النقد الأجنبي بالإضافة إلى تعديل معدل الفائدة بشكل يومي ليحاذيَ معدل السوق النقدية. ما كان مخططا له هو انخفاض سعر الصرف بمعدل ثابت طيلة سنة 2000 في إطار ربط الليرة بسلة عملات مكونة من الدولار واليورو، وإتاحة المجال للبنك المركزي من أجل تنفيذ البرنامج الذي سيتوج بتعويم العملة دون اندلاع أزمة. إلا أن البرنامج الذي كان من المتوقع أن يمتد لمدة 18 أشهر، لم يدم لأكثر من سنة، وكان لفشله انعكاسات بحجم الكارثة. لقد رافق هذا البرنامج سياسة موازنة وسياسة نقدية انكماشيتين، حيث لم يعد متاحا للبنك المركزي بالزيادة في السيولة إلا عن طريق دخول الرساميل. نظرا لتدهور أساسيات الاقتصاد وارتفاع المديونية العمومية والخاصة مع ما رافق ذلك من اختلالات في النظام البنكي، تنامت شكوك المستثمرين في إمكانية استمرار صمود برنامج “الاستقرار” ليبتدئ بعد ذلك سباق خروج الرساميل. عمت حالة من شح السيولة وارتفاع جنوني لمعدلات الفائدة. انطلق نهاية أكتوبر لسنة 2000 مسلسل انهيار البنوك التي هب البنك المركزي إلى إنقاذها وفي شهر فبراير سنة 2001 انقض المضاربون على العملة التركية ولم يفلح البنك المركزي في الدفاع عن قيمتها باستعمال احتياطات النقد الأجنبي المتوفرة. يوم 22 فبراير 2001، أعلن عن تعويم العملة. تراجعت قيمة هذه الأخيرة، في يوم واحد، بنسبة 35 في المئة مقابل الدولار لتفقد 70 في المئة من قيمتها خلال شهرين. ارتفاع التضخم إلى نسبة 52.5 في المئة، تجاوز معدلات الفائدة لنسبة 4000 في المئة، انهيار مئات الشركات وفقدان عشرات الالاف من مناصب الشغل، كانت إحدى نتائج تبني وهم الانتقال السلس للتعويم المخطط له من طرف صندوق النقد الدولي[ix].
بلغ احتياطي النقد الأجنبي بالمغرب شهر يناير 2017، حوالي 25 مليار دولار، أي ما يكافئ حوالي سبعة أشهر ونصف من الواردات. يعلن صندوق النقد الدولي أن أربعة أشهر من الواردات تعد صمام أمان للبلد. هذه التقديرات مبنية على توقعات لا يمكن الاعتماد عليها مهما تعددت نماذج محاكات سيناريوهات الصدمات. فمثلا، سنة 1998، وبعد تعرض عملة البيزو لعدة هجمات، لم يفلح البنك المركزي الكولومبي في الدفاع عن عملته رغم طرحه لما يناهز 400 مليار دولار من النقد الأجنبي[x].
ثالثا، يعتبر اعتماد نظام سعر الصرف المرن في البلدان التابعة انعكاسا لعجزها عن تقوية عملتها نتيجة تخليها عن مهمة بناء اقتصاد مستقل عن الدوائر الإمبريالية وخضوعها لشروط الرساميل المحلية والأجنبية. فتعويم العملة هو نتيجة لنهج السياسات الليبرالية سواء اتخذ قرار التعويم عند تفجر أزمة نظام سعر صرف كان قائما أو عبر سلك سبيل التدرج. يتم في كلتا الحالتين الاستسلام لما سيترتب عن هذا التعويم من تردي للأوضاع الاجتماعية للفئات الشعبية وخلق وضع مهدد باستمرار بتقلبات مفاجئة وأزمات اقتصادية.
لا يمكن الإقرار أن المغرب سيشهد تكرارا لتجربة مصر، لكن لا يعني ذلك التستر على الانعكاسات السلبية لتعويم العملة على الأوضاع الاجتماعية للبلد، كما أن الترويج لقدرة المغرب على إنجاح الانتقال لنظام سعر الصرف المرن وتثبيته لا يثير بالمطلق النقاش حول الفئات التي ستتحمل كلفة التعويم.

يعد النقد رهانا داخل العلاقات الاجتماعية، لذلك ينبغي مراقبة خلق النقود ووضعها في خدمة سياسة اقتصادية واجتماعية توفر الخدمات العمومية والحاجات الأساسية للجميع ولا ينبغي ضخها في القنوات المالية الرأسمالية. أهداف سياسة الموازنة يجب أن تتمحور حول توزيع الثروة المُنتجة، بالشكل الذي يُقطَع فيه الطريق على الرأسمال للاستحواذ عليها.
تضريب الرأسمال والثروة وتطبيق ضريبة تصاعدية على الدخل، أدوات من شأنها أن تمتص عجز الموازنة. النفقات العمومية يجب أن تضمن الانتقال لسياسة اقتصادية إيكولوجية واجتماعية جديدة يتم التداول والتقرير فيها بشكل ديموقراطي، وسيساعد على بلوغ أهدافها، التأسيس لنظام اقتراض، يفرض أولا على الأغنياء، الذين يستفيدون من الوضع الحالي، تمويل الموازنة عبر إقراض الدولة بسعر فائدة منعدم وغير مرتبط بمعدل التضخم وثانيا يسمح للبنك المركزي، الذي يجب أن يخضع للرقابة العمومية، بتمويل الدولة بشكل مباشر. استرجاع الشركات التي تمت خوصصتها، التضييق على تهريب الأموال وإلغاء تسديد الديون الخارجية اللاشرعية ووقف سياسة التبادل الحر، كلها تدابير من شأنها أن توقف نزيف تدهور رصيد البلد من النقد الأجنبي وتُحَصن سيادته على ثرواته.
========================================[i] – القانون المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب صدر في الجريدة الرسمية عدد 5397 بتاريخ 20 فبراير 2006. http://www.sgg.gov.ma/arabe/Legislations/BulletinsOfficiels.aspx[ii] -لا يتسع المجال هنا لمناقشة هذا التحليل والذي بينت العديد من الدراسات، سواء المنتمية منها إلى النظرية الكينزية أو المنتسبة إلى النظرية الماركسية، مدى هشاشته وضعف فرضياته. كان الهدف من تقديم هذه الفقرة إلقاء نظرة سريعة على حجج الليبراليين الداعمة لاستقلالية البنوك المركزية. البطالة والتضخم من الأمراض الملازمة للرأسمالية، وأصل الداء يكمن في تناقضات نظام اقتصادي أساسه الاستغلال والحفاظ على مستويات مرتفعة للربح، هذه التناقضات التي دائما ما تفضي إلى أزمات دورية يتحمل كلفتها الأجراء والفقراء.[iii]– المقصود بالتضخم ارتفاع مجمل الأسعار بشكل متسلسل. ويؤدي التضخم إلى انخفاض في قيمة النقد. لا تحارب السياسات النقدية اللبرالية التضخم إنقاذا للقدرة الشرائية للأجراء، بل للحفاظ على قيمة الرأسمال المالي الذي يملكه الدائنون. في ظل ارتفاع التركيب العضوي للرأسمال العضوي بين أواخر الستينيات ومنتصف السبعينات بالبلدان الرأسمالية وارتفاع الأجور، لم يكن ارتفاع الإنتاجية كافيا للحفاظ على معدلات الربح، من هنا تأتي ضرورة وأهمية التضخم للرأسمال الذي سعى إلى إعادة استرجاع نسبة ارتفاع الأجور المنتزعة والحفاظ على أرباحه عبر ارتفاع الأسعار. فالتضخم لا يترجم سوى تناقضات التشكيلة الاجتماعية والتي يعد التقاسم النهائي للإنتاج الاجتماعي رهانها المركزي.
لحساب معدل التضخم، تستخدم البنوك المركزية مؤشر أسعار المستهلك وهو رقم يدل على زيادة أو انخفاض الأسعار من فترة زمنية لأخرى. يتم حساب المؤشر عادة بمقارنة أسعار مجموعة محددة من السلع والخدمات التي تشتريها الأسر بأسعار نفس السلع والخدمات في سنة مرجعية.
يقصد باستهداف التضخم، الإعلان بشكل رسمي عن هدف كمي واضح للتضخم يتم تحقيقه على المدى المتوسط، ويصبح البنك المركزي مسؤولا عن تحقيق هذا الهدف باستخدام ادواته -معدلات الفائدة- بكل حرية وبدون التقيد بتحقيق أهداف ماكر واقتصادية أخرى. في هذه الحالة، تصبح توقعات التضخم هدفا وسطيا تعمل السياسة النقدية على التقليص من الفجوة بينه وبين التضخم المستهدف.[iv]– تضم الكتلة النقدية أو كمية النقد المتداول في الاقتصاد وسائل الدفع المتداولة لدى الأفراد والمتعاملين الاقتصاديين المقيمين خلال فترة معينة، وتشمل جميع النقود الورقية والمعدنية الصادرة من البنك المركزي والنقود المساعدة والودائع، والتي تجتمع فيما يعرف بالمجمعات أو مستويات الكتلة النقدية وتعرف المجمعات النقدية بأنها مؤشرات إحصائية لكمية النقود المتداولة وترتب حسب معيار درجة السيولة.[v]– http://lavieeco.com/news/debat-chroniques/faut-il-reviser-le-statut-de-bank-al-maghrib-21933.html[vi] – http://www.sgg.gov.ma/Portals/1/lois/Loi-organique_130.13_Ar.pdf?ver=2015-08-07-123214-333[vii] FMI, « Manuel sur la transparence des finances publiques », II, 2.1, 2.1.2, article 127, 2007.[viii]http://lnt.ma/blog/afifa-dassouli/m-mohamed-boussaid-ministre-de-leconomie-et-des-finances-dici-2020-toutes-les-reformes-des-finances-publiques-seront-entrees-en-vigueur/[ix] المادة 17 من القانون التنظيمي للمالية.[x] Rapport du FMI No. 15/43, « consultations de 2014 au titre de l’article iv », février 2015[i] « Des superpouvoirs pour la banque centrale ». Article publié le 1 mars 2015 sur : www.leseco.ma[i] Consultations de 2013 au titre de l’article IV du statut de l’FMI, Rapport du FMI No. 14/65, Mars 2014.[ii]-التعقيم النقدي سياسة يتبعها البنك المركزي لتلافي تأثيرات التدفقات المالية الأجنبية على عرض النقود. يؤد شراء البنك المركزي للنقد الأجنبي إلى توسع القاعدة النقدية المحلية ليتم بعد ذلك تعقيم هذه العملية عن طريق بيع البنك المركزي لأذون الخزينة لخفض المكونات المحلية للقاعدة النقدية أو رفع معدلات الاحتياطي الإلزامي. ستعيد هذه الأدوات التعقيميية القاعدة النقدية إلى مستواها الأولي.[iii] Gharbi H., 2005 : « La gestion des taux de change dans les pays émergents. La leçon des expériences récentes », Revue de l’OFCE 95, pp279-326[i]FMI, les déclarations de fin de mission. Maroc–Conclusions préliminaires des consultations de 2011 au titre de l’Article IV[ii] Consultations de 2013 au titre de l’article IV du statut de l’FMI, Rapport du FMI No. 14/65, Mars 2014.[iii]Office des changes, indicateurs mensuels des échanges extérieurs, année 2016.[iv]McKinsey Global Institute. Debt and (not much) Deleveraging. February 2015, pp 4, 18, 106.[v] تستثمر صناديق التحوط في مجموعة واسعة من الأصول لتوليد أعلى عائد ممكن بالمخاطرة أكثر مما هو متوقع من الاستثمارات العادية، تقترض هذه الصناديق لتضارب في الأسواق المالية وتتحكم في أصول تتجاوز بكثير مساهمات وثروات مالكيها.[vi]إبراهيم الغيطاني، “سياسات متكاملة: مسارات الخروج من أزمة “التضخم” في مصر”، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 21 فبراير, 2017. https://futureuae.com[vii] مقال صدر يوم 13/01/2017 بموقع المدن بعنوان “أزمة دواء تعصف بالمصريين بعد زيادة الأسعار”. http://www.almodon.com[viii] تعليق لعبد المجيد بلعيش، مدير عام الجمعية المغربية لصناعة الأدوية لجيدة الصباح http://assabah.ma/99915.html[ix] لمزيد من الاطلاع على الأزمة التركية يمكن مراجعة:
ARI A., et DAGTEKIN., 2007 : « Les indicateurs d’alerte de la crise financière de 2000-2001 en Turquie : un modèle de prévision de crise jumelle » ، Région et Développement n° 26, pp35-50.
HERICOURT J., et REYNAUD J., 2006 : « La crise monétaire turque de 2000/2001 : analyse de l’échec du plan de stabilisation par le change du FMI » ، Cahiers de la Maison des Sciences Economiques, 2006.09[x] Gharbi H., 2005 : « La gestion des taux de change dans les pays émergents. La leçon des expériences récentes », Revue de l’OFCE 95, pp279-326.

شارك المقالة

اقرأ أيضا