“مقاطعون” تكسب جولة ضد سنطرال، مزيدا من الإصرار لكسب المعركة

 

أخيرا اعترفت شركة سانطرال بمدى الخسائر الفادحة التي ألحقتها بها حملة المقاطعة، ولا بد أن طبيعة المنتوج القابل للتلف جعلها أكثر تضررا مقارنة بسيدي علي وإفريقيا.

انتقلت الشركة من تكتيك تخوين المقاطعين إلى الاعتذار وطلب التصالح بواسطة عروض التخفيض الرمضانية، لكن المقاطعة استمرت رافعة مطلب التخفيض الرسمي لثمن الحليب. ومن تكتيك الدفاع تحولت الشركة إلى الهجوم معلنة أن حجم الخسائر المادية أرغمتها على تخفيض %30 من كمية الحليب المجمعة من التعاونيات والكسابة، والتلويح بتسريح جزء من عمال الشركة.

بهذا اتخذت شركة سانطرال قرار الإضراب الاقتصادي ضد حملة المطالبة بتخفيض أسعار منتجاتها، ساعية بذلك لتخفيض كمية عرض الحليب في السوق لتعديل كفة قانون العرض والطلب لصالح الشركة. هكذا سيخلق التنافس بين المستهلكين سياقا اقتصاديا صالحا لرفع ثمن الحليب بدل تخفيضه كما تطالب بذلك حملة المقاطعة. تبتز الشركة المستهلكين، مترجمة على أرض الواقع تهديد الوزير الداودي في البرلمان، فإما أن تقبلوا أثماننا وإما حرمانكم من الحليب.

عندما يتضرر العمال “اقتصاديا” ويعلنون الإضراب تتدخل الدولة وتتهمهم بعرقلة حرية العمل وتطلق عليهم فصائلها المسلحة وتزج بهم في السجون (على سبيل المثال لا الحصر: تشريد نحو 700 عامل وعاملة من شركة ضحى للتصبير بأيت ملول-أكادير، وقرابة نفس العدد بشركة سيكوميك للنسيج بمكناس، وتشريد زهاء 2000 عامل من شركتي مغرب ستيل ولاسامير بالبيضاء). ولكن حينما يهدد المدير العام لشركة سانطرال بتشريد آلاف الأسر الفلاحية والعمالية بالتجويع، لأن جزء من أرباحه قد تقلص، لا تتدخل الدولة كأن حرية العمال في العمل وحرية الكسابة في بيع حليبهم، لا تقاس بحرية رب العمل في استغلالهم.

يدعي المدير العام أن حجم الأرباح المتأتية من بيع الحليب لا تغطي التكلفة، معتبرا ما تقوم به مؤسسته “خدمة عمومية”! لكنه يناقض نفسه باعتبار أن تعويض هذه “الأرباح يأتي من مشتقات الحليب”… لكن، لماذا هذا التجزيئ لمنتجات الشركة؟ إن ما يهم رب العمل هو حجم الأرباح ومعدلها، وليس ما يربحه من هذا المنتوج وما يخسره من الآخر. قد يستثمر رأسمالي في فروع عدة ولا علاقة بينها، وستكون هناك فروع تحقق معدلات أعلى من الربح وأخرى معدلات أدنى، لكن ما يهم هذا الرأسمالي هو معدل وحجم الربح العام لمجموع رأسماله المستثمر، وليس حاصل أجزائه المتنوعة.

يحتج مدير الشركة بانخفاض هامش الربح عن كل “باك حليب” ويقول بأنه لا يتعدى 15 سنتيما، وهذا تضليل آخر. فحجم الربح لا يحتسب انطلاقا من كل وحدة على حدة، بل من حجم المبيعات، قد يكون هامش الربح عن وحدة ياغورث أعلى من مثيلتها عن كل ليتر حليب، لكن هذا الأخير يستهلك على مستوى واسع، وبالتالي حجم الربح سيكون أعلى من مثيله عن كل وحدة ياغورث.

إن ادعاء أن بيع الحليب بثمن السوق الجاري “خدمة عمومية” يندرج ضمن “ترويج أخبار زائفة”، وهي التهمة التي يريد بواسطتها مدير الشركة مقاضاة المنخرطين في حملة مقاطعون، تطبيقا لتهديد مصطفى الخلفي. يشتكي المدير من حملات التشويه التي تشكك في جودة منتجات، لكن هل يتناسى المدير أن سانطرال هي من بدأت حملة التشويه، حينما اتهمت المقاطعين بـ”خيانة الوطن”، وأكدت ذلك باعتذارها ومطالبة الصفح.

إنها الحرب الطبقية، والحرب لا تلقي بالا لتأوهات الأخلاقيين البرجوازيين الحالمين المنافقة. فليدلنا مدير الشركة عن حرب واحدة لم تستعمل فيها حملات التشويه والتشويه المضاد. ألم تتهم الأحزاب الحكومية كادحي الريف بالانفصالية والعمالة للخارج، واعتذرت بعد أن أدى التشويه مهمته السياسية الآنية: ابتزاز موقف سياسي من حراك الريف. ليعلم الكادحون وطلائعهم السياسية أن ما يحدث حاليا [حراك الريف وجرادة، وحملة مقاطعون] ليس إلا تمرينا بسيطا للمواجهات الطبقية القادمة، وعليهم أن يستعدوا لها.

يتساءل المدير بحيرة: “نحن الوحيدون في القطاع الذين تستهدفهم المقاطعة، ولا ندري ما السبب”. وهو نفس السؤال الذي طرحه أرباب سيدي علي وإفريقيا. ويجيبهم أحد أعضاء طبقتهم ورئيس سابق لنقابتهم حسن الشامي: “لماذا استهداف تلك الماركات الثلاث بالخصوص؟ لأن الناس لديهم انطباع بأنهم يمارسون الضغط، وبالتالي يجب استهداف الفئات التي يقال إنها قوية، وقريبة من السلطة. إذ لو استهدفوا شركات مجهولة، فلن يتحقق الأثر المبحوث عنه”.

سانطرال شركة احتكارية كبيرة وقدرتها التنافسية الهائلة توفر لها فرصة فرض أسعارها الاحتكارية. المستهلك واع بأن الشركة الاحتكارية عندما ستضرر ستضطر لتخفيض أثمان البيع، وما على الشركات الأخرى إلا مواكبتها في الأمر. فليزد توتر المدير وكل أعضاء طبقته، فالكادحون يتعلمون تكتيكات الحرب الطبقية، ويحسنون طرائق مواجهتهم للرأسماليين ودولتهم.

تتخذ شركة سانطرال عمالها دروعا بشرية لمواجهة حملة مقاطعون، منذ البداية لوحت الشركة وأعضاء الحكومة بأن الحملة سيتضرر منها العمال الذين سيتعرضون للتسريح. يتغافل السادة الوزراء والناطقون باسم الشركة، أن الضرر الأكبر الذي يلحق العمال إنما يأتي من الشركة. قبل حملة المقاطعة تعددت نضالات شغيلة شركة سانطرال ضد التعديلات التي تريد الأخيرة إدخالها على علاقات الشغل لتعميم المرونة ووتائر اشتغال أكثر تشديدا… تريد الشركة استغلال أزمة تراجع مداخيلها إثر المقاطعة، لتنفيذ هذه الخطة. ويجب مواجهتها بالتضامن بين المستهلك والمنتج سواء كان عاملا أو فلاحا صغيرا، هذا التضامن الذي تريد الشركة تدميره مسبقا بحديثها عن “عمالها الذين تعرضوا لاعتداءات بالسلاح الأبيض”.

يقوم المدير العام لشركة سانطرال الراغب بالانتصار على حملة مقاطعون بتخفيض إنتاج شركته ويهدد حتى بإغلاق جزء منها وكأنها علبة تبغه لا مؤسسة ضرورية لحياة كل المجتمع. ويظهر هذا مدى تناقض الملكية الخاصة مع مصالح المجتمع، عكس ما تدافع عنه النظرية الليبرالية والنيوليبرالية، من أن رب العمل حين يسعى لخدمة مصلحته الخاصة فإن ذلك ينعكس إيجابا على المصلحة العامة.

بينت حملة مقاطعون بأن المستهلكين قادرين على التأثير في قطاع التبادل، فبإصرار مقاطعة منتوجات الشركات الثلاثة، تبين أن “المواطن/ المستهلك” قادر على أن يكون المتحكم في قوانين السوق وليس مالك وسائل الإنتاج والتبادل، وأن قوانين السوق ليست قوانين حديدية لا يمكن مواجهتها كما رسخت الأيديولوجية النيوليبرالية منذ عقود.

يرد هذا الواقع إلى واجهة النقاش مسألة حرية السوق المطلقة وقدرتها على تصحيح انحرافاتها، فبدون “جهاز” قادر على إقامة علاقات معدلة مع السوق، يتعاظم شطط هذه الأخيرة على حساب المنتج الصغير والعامل والمستهلك.

اعترف بذلك رئيس نقابة أرباب العمل المنتخب حديثا، صلاح الدين مزوار: “عندما نترك السوق سيد نفسه، ستكون هناك دائما مخاطر تأويلات يمكن لها أن تتجاوز الحقائق. ولهذا أكدنا على أن المؤسسات يجب عليها أن تتحمل مسؤولياتها في هذه القضية”. ويؤكد حسن الشامي، رئيس سابق لنقابة الباطرونا ضرورة مراقبة الأسواق مشيرا إلى ضرورة تفعيل “مجلس المنافسة”.

أليس هذا تراجعا إيديولوجيا خطيرا من الناطقين الرسميين باسم البرجوازية، تراجع أرغمهم عليه المدى الذي تهدد به المقاطعة مصالحهم، لكنه تراجع تكتيكي استعدادا للهجوم، وهو ما قام به المدير العام لشركة سانطرال، ولا يمكن للأخير القيام بهذا الإجراء دون “تشاور سياسي” أدخل إلى قلبه الطمأنينة حول مستقبل الشركة.

هذه الطمأنينة جعلت مدير الشركة يتكلم بحس استعماري متعال متحديا حملة المقاطعة قائلا: “نحن هنا منذ 70 عاما ولن نخرج اليوم. نحن هنا من أجل البقاء قرونا ومهما كانت الضربات سنقاومها”. ربما يجب تذكير هذا المدير أن هذا هو نفس ما كان يردده مسؤولو الإقامة العامة بالمغرب قبيل “الاستقلال”، لكنهم “رحلوا”. ولو أن رحيل الاستعمار كان بصفقة سياسية أبقت على مصالحه الاقتصادية لما كانت سانطرال مستثمرة بالمغرب حاليا.

لو انتظم العمال في نقابات مناضلة ونقلوا النضال من قطاع التبادل إلى قطاع الإنتاج لظهر السيد الحقيقي للمجتمع، وآنذاك ستبلغ أعمال التخريب الاقتصادي والإضراب من قبل أرباب العمل مدى غير مسبوق، وعلى الطبقة العاملة ونقاباتها وتياراتها السياسية الاستعداد جيدا لهذا الطور من الصراع.

تعتبر حملة المقاطعة وتداعياتها والهجوم المضاد لشركة سانطرال فرصة لحملة مطالب لن تحسن فقط مستوى معيشة الكادحين، ولكن أيضا سترفع وعيهم السياسي إلى مستوى مواجهة سلطة أرباب العمل الاقتصادية والسياسية، مرة أخرى من أجل:

– رفع السر التجاري عن هذه الشركات للتأكد من ادعاءاتها و”أخبارها الزائفة” حول حجم أرباحها وخسائرها.

– رقابة شعبية عمومية حول الشركات الحيوية والتي تلبي الحاجات الأساسية: الطاقة والغذاء، والنضال من أجل طابعها العمومي.

– تنظيم العمال داخل المصانع لفرض رقابة على أرباب الشركات ومنعهم من القيام بأعمال التخريب والإضراب الاقتصادي، ولكن أيضا ضد تسريحات العمال بمبرر ركود الأعمال وغيره.

بقلم، وائل المراكشي

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا