ترامب والصين والعالم

بلا حدود3 أكتوبر، 2018

 

 

أعلن ترامب الحرب التجارية على الصين. فماذا يريد؟

 فيما يلي مقابلة مع سدريك دوران Cédric Durand، الباحث في الاقتصاد والأستاذ المحاضر بجامعة باريس.

  • هل بوسعك تقديم الخطوط العريضة للحرب التجارية التي يشنها ترامب ضد الصين، وكذا ضد كندا وتركيا والاتحاد الأوربي؟ هل يمكن قول إن هكذا هجوما غيرُ مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية؟
  • تقع الحمائية في صلب المشروع السياسي الذي قاد ترامب إلى البيت الأبيض. فعلى امتداد الحملة الانتخابية، كان شعاره “استعادة عظمة أمريكا” يرن مع شعار “أمريكا أولا” الذي يجد تصريفه الملموس، أولا، في أجندة معادية للمهاجرين. والجانب الثاني عداء صريح للتبادل الحر الملازم لإرادة معلنة في حماية فرص العمل والصناعة من منافسة دولية مندد بها بصفتها غير شريفة. وقام ترامب، طبقا لوعوده، منذ 23 يناير/كانون الثاني 2017، أي بعد ثلاثة أيام من انتخابه، بسحب الولايات المتحدة الأمريكية من معاهدة الشراكة العابرة للمحيط الهادي الموقعة في السنة السابقة من طرف 13 بلدا، بحجة أن تلك المعاهدة ستضعف اقتصاد البلد وسيادته. كما شرع بسرعة فائقة في إعادة تفاوض حول معاهدة التبادل الحر لأمريكا الشمالية أفضت إلى مساومة مع المكسيك.

تستعيد المعاهدة الجديدة جزئيا مطالب للنقابات الأمريكية: يجب من الآن فصاعدا أن تأتي نسبة 40% إلى 45% من القيمة المضافة من منتجات صناعة السيارات من مصانع يحصل عمالها على 16 دولار في الساعة بالأقل، ويجب إنتاج 75% منها في أمريكا الشمالية. من المفترض أن تؤدي هذه التدابير إلى ارتفاع الأجور في القطاع بالمكسيك وتساعد على الحفاظ على فرص العمل في الولايات المتحدة الأمريكية. ويتمثل عنصر هام آخر في تقليص حقوق الشركات متعددة الجنسية في اللجوء إلى مساطر تحكيم للاعتراض على سياسات الحكومات التي قد تخالف مصالحها. ما عدا القطاعات العاملة مباشرة مع الدولة، من اتصالات وطاقة وبنيات تحتية، لم يعد بوسع  الشركات الكبرى استعمال تلك المقتضيات.

باختصار أغاضت التدابير المتخذة أوساط الأعمال وتشير إلى انعطاف جلي جدا قياسا بالمعاهدات التجارية الملائمة من جانب واحد للشركات متعددة الجنسية والموقعة منذ سنوات 1990.

 في أثناء أولى سنوات ولاية ترامب، لم يكن واضحا ما ستكون نقطة التوازن بين مواقف الرئيس ومواقف أوساط الأعمال المؤيدة للتبادل الحر. وقد وضح العام 2018 الأمور. استقال غاري كوهن، مسير غولدمان ساكس من المجلس الاقتصادي الوطني؛ وغادر، ريكس تليرسن، الرئيس المدير العام لإكسون موبل، وظائفه ككاتب دولة. تركت هذه المغادرات المجال فسيحا لشخصيات مؤيدة صراحة للحمائية. أولها، بيتر ناڤارو الذي كسب شهرة بنشر أهجيات معادية للصين مثل “قتلته الصين”، ويشرف على المجلس الوطني للتجارة المستحدث مؤخرا. ويشرف ثانيها، ويلبر روس، الملياردير المختص في تصفية المقاولات الصناعية والمنجمية المواجهة صعوبات، على أمانة التجارة. ويشرحان، في مذكرة حملة صاغاها معا، أن ما حل بالولايات المتحدة من إضعاف صناعتها ناتج عن المعاهدات التجارية الملائمة للأعمال الضخمة لكن غير الملائمة لعمال قطاع الصناعة التحويلية.  سبق لروبرت لايهايزر ممثل الولايات المتحدة للشؤون التجارية أن عمل في إدارة ريغن، ولا يكف عن تأكيد أن اللجوء إلى الحماية الجمركية اليوم بوجه الصين كما في السابق ضد اليابان وسيلة دفاع عن المصالح الاقتصادية الأمريكية.

ترمي الزيادات المعلنة في حقوق الجمرك منذ شهر  يناير/كانون الثاني العام 2018 إلى ثني شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وإلى تعديل اتجاه قواعد التجارة الدولية وتقليص عجز ميزان المنتجات والخدمات. وقد جرى اتخاذ طرازين من التدابير: يتعلق الأول بمنتجات خاصة مثل الألواح الشمسية وآلات الغسيل والألمنيوم والصلب ومنتجات قطاع السيارات؛ ويستهدف الثاني بلدا بعينه، الصين في هذه الحالة، مع حقوق جمرك بنسبة 25% على قائمة أولى لمنتجات صناعية وسيطة منذ 6 يوليو/تموز، جرى توسيعها يوم 23 أغسطس/آب لتشمل مواد استهلاك مثل دراجات نارية مع جملة تدابير معدة للأيام المقبلة. واتخذت البلدان التي طالتها القرارات الأمريكية أحادية الجانب تدابير ثأرية معادلة، لكن استعمال لفظ الحرب التجارية لوصف التصعيد الجاري مبرر في حالة الصين بوجه خاص. وردا على شكاوى هذا البلد ضد الولايات المتحدة الأمريكية لدى المنظمة العالمية للتجارة، عبر الرئيس ترامب عن إمكان النظر في مغادرة هذه المنظمة، ما سيمثل قطيعة حقيقية في التنظيم المعاصر للسوق العالمية.

  • ما هي أهداف الهجوم الأمريكي على الصين، وهل يمكن بلوغها؟
  • لا شك أن هدف الرئيس الأمريكي الاستراتيجي هو أن يعرقل قدر المستطاع تطور الصين الاقتصادي المعتبر، عن حق، تحديا للهيمنة الأمريكية على الصعيد العالمي. ولا ريب أن بلوغ هذا الهدف متعذر على المدى الطويل. لكن لا يُستبعدُ أن تحصل حكومة ترامب على تنازلات لا يستهان بها تتيح تعزيز موقع المقاولات الأمريكية، لاسيما عبر تطبيق أشد صرامة لحقوق الملكية الفكرية. بجميع الأحوال، يجب عدم إغفال تداخل اقتصاد البلدين تداخلا وثيقا، لا سيما أن الوجه الآخر للوردات من الصين هو أرباح المقاولات الأمريكية الكبرى المحققة بفضل الاستيراد بأثمان بخسة واستغلال العمل الصيني من قبل فروعها. ومن جهة أخرى عبرت منظمات أرباب عمل أمريكية عديدة، مثل الجمعية الأمريكية للتجهيزات الصناعية ومجلس صناعات تكنولوجيا الإعلام، واتحاد التجارة وقطاعات زراعة عديدة، عن اعتراضها علنا على التصعيد الحمائي الجاري.
  • ما تأثير سياسة الحرب التجارية لترامب المحتمل على الاتحاد الأوربي؟
  • لحد الآن يظل الاتحاد الأوربي جبهة واحدة. هذه المنظمة هي الأكثر ليبرالية على الإطلاق، ويمثل التزامها بالتبادل الحر وبحرية تنقل الرساميل جزءا من المبادئ المؤسسة لها. بيد أن ألمانيا، التي تفوز بفائض تجاري كبير (زهاء 9% من الناتج الداخلي الإجمالي)، ستخسر أكثر من سواها من البلدان الأعضاء نتيجة تجدد النزعة الحمائية. عندما يندد ماكرون بـ”صنمية” الألمان بصدد الفوائض، إنما ينضم في الجوهر إلى ترامب عندما يستهدف مسؤولية البلدان ذات الفوائض عن اختلال التوازنات الدولية.
  • هل يمكن لهذه الحرب التجارية أن تُسرع انحسارا اقتصاديا جديدا على الصعيد العالمي؟
  • لا تشمل حقوق الجمرك، لحد الآن، سوى أقل من 4% من التجارة العالمية، ما سيجعل الأثر على صعيد الاقتصاد الإجمالي عديم الأهمية. بيد أن ثمة تصدعات، مالية بوجه خاص، بالغة الأهمية في الاقتصاد العالمي… وليس ثمة من بوسعه ضمان ألا يؤدي مزيد من اللا يقين الناتج عن التوترات التجارية إلى إطلاق أزمة جديدة.
  • بأي قدر تنبئ سياسة ترامب بحقبة جديدة، حيث قد تتقدم المواجهات بين الكتل الامبريالية، بخاصة بين الولايات المتحدة والصين، على إجماع التبادل الحر السائد على صعيد الكوكب؟
  • إنها مسألة مستعصية جدا على التوضيح. كما قلنا تقف معظم أوساط الأعمال بالولايات المتحدة وفي العالم ضد تجدد النزعة الحمائية بسبب تنامي تداخل العمليات في مختلف البلدان. وهم متمسكون بوجه خاص بوضع منحهم حرية تفعيل تام لتنافس مختلف التشريعات على الصعيد الاجتماعي والبيئي والجبائي. لكن الشركات متعددة الجنسية، تواجه بنحو متزايد، بفعل صعود عدم الاستقرار السياسي في البلدان الغربية، صعوبة في فوز برامجها بالانتخابات.

إننا لا نزال في الموجة الصدمية لأزمة 2008 وإعادة الترتيب السياسية جارية. وفي هذه الشروط، قد تبدو لهم النزعة الوطنية الموالية لأوساط الأعمال لدى يمين متجذر أفضل من تجدد يسار يدعو إلى تغيير اجتماعي بدأ الظهور على جانبي المحيط الأطلسي. ثمة فور انطلاق دينامية وطنية إمكان مواجهة، رغم أننا اليوم بعيدون عن مواجهة مباشرة بين قوى عظمى.

المصدر: Solidarites، N° 333 (06/09/2018) p. 11

تعريب، جريدة المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا