الحركة النقابية بالمغرب وسبل بناء يسار نقابي ديمقراطي كفاحي

الحركة النقابية بالمغرب. للتحميل

المقدمة

توجد الحركة النقابية المغربية في حالة من التردي تضع كافة مناضليها أمام سؤال: كيف وصلنا إلى هذ، وما السبيل لبناء النقابة العمالية على أسس تستعيد بها مبرر وجودها: الدفاع عن أفضل شروط العمل، والنضال من أجل بدیل مجتمع شامل خلو من الاستغلال والاضطهاد.

بالاقتصار على السنوات العشر الأخيرة، نعاین هول ما تعرضت له الطبقة العاملة من عدوان. استهدف حتى تماسكها الداخلي بتوسيع مساحة الهشاشة بتعميم عقود العمل المؤقت، والسمسرة في اليد العاملة بما يسمى “الوساطة في التشغيل”، واستهداف استقرار العمل في الوظيفة العمومية ذاتها، واستشراء البطالة والتسريحات وتعرضت مكاسب تاريخية للاجهاز في قانون الشغل المعدل باصدار “مدونة الشغل”  وجری تحطيم الطفيف من مكاسب نظام الصحة العمومية، وشن اکبر هجوم على الإضراب بتجريمه بالفصل 288  من القانون الجنائي الذي أدى إلى سجن مئات النقابيين بالقطاع الخاص. وتم تنظيم حملة تهيئ الرأي العام للإجهاز على حق الإضراب بجملة مشاريع قوانين بمبرر “تنظيم ممارسة هذا الحق”. وبعد أن قيدت الدولة حرية التنظيم الحزبي باشتراطات لا تسمح إلا للمسبحين بحمد النظام، اتجهت صوب حق التنظيم النقابي لتفرغه مما تبقى من محتواه بإعداد مشروع قانون خاص بالنقابات، سيجعلها مجالا مستباحا لتدخل الدولة بهذف تكييفها لاغراض تدبير نزاعات الشغل بما يخدم مصلحة الرأسماليين، أي مسخها إلى أدوات “سلم اجتماعي” وليس نضال طبقي.

وقد ترافق هذا الهجوم الشامل مع استدراج وإدماج متزايد للقيادات النقابية من طرف الدولة. جرى هذا بفتح أبواب عدد من المؤسسات واللجان لتمثيل النقابات بمنطق ” الحوار الاجتماعي” و”الشراكة الاجتماعية”. وهذا طبعا ما تجاوبت معه فئة “موظفيي النقابات”، أي تلك الشريحة العليا المنفصلة عن عالم الشغل، والكاسبة لامتيازات التحرر من شقاء الاستغلال (التفرغ النقابي)، والظافرة بمنافع مادية ومعنوية يتيحها وضع الوساطة بين العمل والرأسمال.

ساعدت هذه الشراكة الاجتماعية” بين قسم النقابات العمالية من جهة والبرجوازية ودولتها من جهة أخرى على انجاح تعديات عديدة على حقوق العمال ومكاسبهم. وطبعا لم يكن ذلك الا بالتنكيل بالمعارضة داخل النقابات، بخنق الأصوات المنتقدة لخط القيادات النقابية، وانتهاك حرية التعبير وكل قواعد الديمقراطية الداخلية، وأخيرا بطرد النقابيين الكفاحيين الديمقراطيين. ولا شك أن ما يجري في الاتحاد المغربي للشغل من تصفية حسابات من طرف اغلبية الجهاز ضد الأقلية غير المرغوب فيها طور نهائي في تدافع دام ما لا يقل عن عشرين سنة، تروم البيرقراطية به الغاء كل إمكانية تبلور معارضة نقابية بخط نضال كفاحي طبقي: خط يبني النقابة على اسس ديمقراطية، ديمقراطية في تسيير النقابة، أداة النضال، وفي تسيير النضال ذاته.

بعد المسار الذي انتهجته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل منذ انعطاف “التناوب التوافقي” وما طبعه من انشقاقات وانزلاق إضافي في تعميق دور معاون للدولة في تدبير المعضلة الاجتماعية، يشكل الإنعطاف التنظيمي الجاري في الاتحاد المغربي للشغل باستئصال غير المرغوب فيهم (من طرف النظام والطغمة البيروقراطية على السواء) علامة بارزة ثانية على عمق وأزمة الحركة النقابية المغربية وحدتها.

هذه الأزمة تضع مناضلي ومناضلات الطبقة العاملة أمام مسؤولية استجلاء سبل استعادة دور النقابة بما هي أداة نضال أولية للأجراء. وأول خطوة للنهوض بهذه المهمة هي فهم ما جری وما يجري.

 هذا الفهم هو ما سعت اليه جريدة المناضلة، مع ما تراه من منظورها الماركسي الثوري خطوطا عريضة لخط نقابي كفاحي وديمقراطي، فنتج ما نضعه بين يدي القارئ-ة، وأملنا أن يكون إصدار هذا الكتيب فرصة لنقاش واسع ومثمر بين كافة النقابيين.

المناضل-ة

 

إصدار جريدة المناضل-ة، مايو 2012.

شارك المقالة

اقرأ أيضا