الجزائر: دستور جديد لنظام جديد

 

الانتفاضة الجزائرية التي اندلعت في آذار/مارس الماضي بعد اعلان عهدة بوتفليقة الخامسة، مستمرة رغم انسحاب الأخير. يجب القول إن مسألة تغيير النظام هي التي طرحها الحراك الشعبي، وليس مجرد تغيير أشخاص في الدوائر السياسية.

بعكس مراجعة دستورية قررها رئيس الدولة، وصاغتها مجموعة خبراء ثم اعتمدها البرلمان قبل التصديق عليها عبر استفتاء (المادة 208 من الدستور الحالي)، فإن الجمعية التأسيسية جمعية منتخبة أو معيّنة، لكن مهمتها صياغة وتحرير مشروع دستور سيعرض للاعتماد/المصادقة. لا يكمن الأهم في هذه الخاصية، ولكن في سيرورة الجمعية التأسيسية بالذات. تندرج الجمعية التأسيسية دوما في سياق خاص من تاريخ بلد (حرب استقلال، ثورة، انقلاب، حرب أهلية). تستلزم الثورة الشعبية الجارية نهاية النظام السياسي القائم. والحال أن الدستور الحالي يمثل الأساس القانوني الذي يقوم عليه النظام. ولإرساء نظام جديد، من الضروري والحالة هذه صياغة دستور جديد.

من سيصيغ الدستور الجديد؟

ستُصيغ هذا الدستور جمعية ذات سيادة ممثلة للتطلعات الديمقراطية والاجتماعية للقوى الاجتماعية التي تشكل محرك الثورة، أي الجماهير الشعبية، تلك المهتمة والمعبأة فعلا لترحيل النظام. تلك التي تعرضت للسحق والتنكيد والتفقير واجبرت على الفرار إلى المنفى، إلخ. إنها تشكل العمال/ات والعاطلون/ات والطلبة/ات والشباب والنساء والمتقاعدون/ات وبعض الفئات الليبرالية والحرفيون/ات والتجار/ات الذين سحقتهم الضرائب، وباختصار، فإن البسطاء هم من يكدحون لكن ما ينتجون من ثروة تستولي عليها أقلية أثرياء في السلطة أو محيطها.

كيف يمكن تفادي التجربتين التونسية والمصرية؟

كيف يمكن تفادي اغتصاب ثروة الشعب من قبل قوى برجوازية أو ليبرالية أو محافظة، تركب على الثورة الجارية وحتى انتشرت من جديد في صفوف الحراك الجماهيري؟ في تونس كما في مصر، تعرض رئيسا الدولتين للطرد، لكن بقيت السلطتان والنظامان. في تونس، فإن محمد   الغنوشي، رئيس الحكومة في عهد بن علي، هو من سعى إلى إعادة تنظيم السلطة قبل أن تطيحه التعبئة الشعبية. لكن ركنا من أركان النظام، الباجي قائد السبسي، الذي نظم انتخابات الجمعية التأسيسية في سياق كان فيه إسلاميو حزب النهضة القوة السياسية الأكثر تنظيماً. وبالتالي فإن الإسلاميين حصلوا على الأغلبية النسبية. ومع قوى برجوازية أخرى، صاغوا دستورًا لم يكن يعكس بتاتا مصالح الجماهير التي صنعت الثورة. وفي مصر، استولى الجيش على السلطة، وشجع الإسلاميين (الإخوان المسلمين) على استمالة استياء السكان، وانتهى ذلك بانتصار في الانتخابات التشريعية والرئاسية. عينت هاتان المؤسستان لاحقًا جمعية تأسيسية، صاغت دستورًا يعزز مراجع الشريعة الاسلامية.

في كلتا الحالتين، لم تكن هناك سيرورة جمعية تأسيسية، حيث استُبعدت الجماهير تمامًا. اقتصرت العملية على انتخابات تشريعية على الطراز الكلاسيكي، بقيادة الأحزاب البرجوازية بزي عصري أو جلباء. وكانت نتيجة السباقات: دستورين يندرجان في استمرارية النظامين الممقوتين واللذين أدارا ظهريهما لتطلعات الشعب ولذلك اندلعت الثورات.

علاقة بتعبئة الجماهير الشعبية

يتمثل الدرس المستخلص في ضرورة مواصلة الضغط حتى رحيل النظام. وتكمن المرحلة التالية بهذه المعركة في احباط خريطة الطريق التي تسعى هيئة أركان الجيش إلى فرضها علينا، أي الانتخابات الرئاسية في 4 تموز/يوليوز المقبل. وتتجلى آلية الثورة الجارية لترحيل هذا النظام في التعبئة العامة معززة بإضراب عام.

وبالموازاة، يجب علينا التنظيم ذاتيا لتعزيز الثورة ومواجهة محاولات القمع والاستعداد للطور التالي. وبمجرد حل المؤسسات الحالية، سيتعين تشكيل حكومة مؤقتة مُخْلصة تماما للثورة الجارية. ستشهد سيرورة الجمعية التأسيسية تكثيف نشاط التنظيم الذاتي والاعداد، الذي سيتوج بانتخاب ممثلين/ات يعبرون عن أمثل التطلعات الديمقراطية والاجتماعية للجماهير الشعبية. ينبغي ضمان دعاوة واسعة لأشغال الجمعية التأسيسية. أثناء النقاشات التحضيرية للجمعية التأسيسية، سيعطي المواطنون/ات محتوى صريحًا للشعارات والنداءات التي رفعوها في المسيرات وللتطلعات الديمقراطية والاجتماعية. تستلزم سيادة الشعب أيضًا فرض رقابة على الممثلين المنتخَبين وإمكانية عزلهم. وفي نهاية المطاف، يجب ارساء الديمقراطية ومنح السلطة لغالبية الشعب.

تحويل الأغلبية الاجتماعية إلى أغلبية سياسية

بناء على ذلك ينبغي النظر إلى الجمعية التأسيسية لا كحل توافقي لإنهاء أزمة النظام، لكن كأفق نضال الغالبية العظمى ضد أقلية أثرياء ونظامهم النيوليبرالي. إنها أفق تحول الأغلبية الاجتماعية إلى أغلبية سياسية. عليها أن تترجم إلى لغة قانونية التعبئة الحالية ضد الأوليغارشية والليبرالية والفساد ومن أجل تحقيق الإرادة الشعبية والسيادة الوطنية وحقوق المرأة والرقابة الشعبية والديمقراطية، وباختصار التطلعات الديمقراطية والاجتماعية للأغلبية الساحقة من الشعب. وقد تبرز ديناميتها التناقضات بين الطبقات. وبالتالي فإن الجمعية التأسيسية أفق قطيعة مع النظام النيوليبرالي الاستبدادي الذي قد يفتح الطريق أمام ثورة دائمة.

بقلم، الحسين ميس نتمورت،23 مايو 2019

   يمكن الإطلاع على صيغة للمقال أكثر طولا على الرابط التالي: https://www.pst-algerie.org/discussion-sur-la-constituante/

ترجمة جريدة المناضل-ة

  رابط المصدر: https://npa2009.org/arguments/international/algerie-une-nouvelle-constitution-pour-un-nouveau-systeme

شارك المقالة

اقرأ أيضا