نضالات طلبة الطب: النضال الوحدوي مفتاح النصر

الشباب و الطلبة15 يونيو، 2019

 

 

يشكل ملف طلبة/ ات الطب قمة جبل الجليد الظاهرة على سطح قطاع دمرته عقود من تطبيق الدولة سياسات نيوليبرالية قاسية (التقشف في النفقات الموجهة للقطاع، الأداء على الخدمات الاستشفائية، الاستثمار الخصوصي…).

لا يمكن عزل مطالب طلبة/ ات كلية الطب عن حالات الوفاة داخل أروقة المستشفيات، وإلقاء مواطنين مرضى في الشارع بسبب عجزهم عن أداء تكاليف الاستشفاء، وغيرها من مظاهر البؤس الصحي الذي تغص صفحات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات عنها.

ليس جديدا تسخير الدولة للقطاع العمومي من أجل تنمية القطاع الخاص، فقد فصلت قانون الشراكة قطاع عام- قطاع خاص لهذا الغرض بالذات. لهذا لا يصح حصر المشكل في استفادة طلبة كليات الطب الخاصة من المباريات الداخلية ومباريات الإقامة، فهذه الأخيرة ليست إلا تتويجا لسياسة خوصصة شاملة.

إن خريجي كليات الطب الخصوصية ليسوا أعداء خريجي كليات الطب العمومية. تريد الدولة تكريس هذا الواقع: زرع التنافس بين ضحايا سياستها في قطاع التعليم والصحة العموميين. إن خريجي كليات الطب العمومية جزء من أبناء الشعب الذين يجب أن توفر لهم إمكانية الاندماج المهني والتكويني في المجتمع، وإن كانت البنيات ضعيفة وقدرة الاستقطاب منعدمة ومناصب الشغل أقل، فيجب النضال متحدين (خريجي كليات الطب العومية والخصوصية) ضد سياسة تفرض التقشف على قطاع الصحة والتعليم.

يناضل طلبة/ات الطب من أجل ملف مطلبي يتضمن مطالبا بيداغوجية ومادية، وانخرطوا في مقاطعة مفتوحة للدروس منذ 3 أشهر، توجوها بمقاطعة امتحانات 10 يونيو، التي لاقت استجابة واسعة من طرف الطلاب/ات.

تتمثل أبرز المطالب التي يرفعها طلبة/ات الطب والصيدلة وطب الأسنان، مُمَثِّلين/ات في التنسيقية الوطنية لطلبة/ات الطب، في رفضِ إدماج طلبة الكليات الخاصة في المستشفيات الجامعية العمومية، خصوصاً، فيما يتعلق بالتدريبات الاستشفائية وخوض مباريات التخصص، علاوة على رفضهم إضافة سنة سادسة لدراسات طب الأسنان، وهما أكثر نقطتين مثيرتين للخلاف بين الحكومة والطلبة.

نقاط قوة وجب تصليبها…

اعتمد طلبة/ات الطب على نفس ما قام به زملاؤهم/هن وزميلاتهم/هن سنة 2015، من أساليب التسيير الديمقراطي الجماهيري لمعاركهم، فقد صوتت الجموعات العامة للطلبة/ات بنسب عالية على رفض الصيغة التي قدمت بها الوزارة نتائج الحوار الأخير مع تنسيقية طلبة الطب.

وشهدت المقاطعة تضامنا من أولياء الطلبة/ات، حيث جسد آباء وأمهات الطلبة/ات وقفات احتجاجية أمام كليات الطب صبيحة يوم الامتحان، تضامنا مع مقاطعة أبنائهم/هن وبناتهم/هن للامتحانات.

نالت معركة الطلبة/ات الأطباء/ات أيضا تضامن التنسيقية الوطنية للطلبة المهندسين التي أكدت عزمها الاستمرار في “الخطوات النضالية الرافضة للخوصصة”، وأعربت عن تضامنها “اللامشروط مع الطلبة الأطباء والصيادلة وحراكهم البطولي الذي يعتبر مطلب رفض الخوصصة أهم مطالبه، في ظل زحف القطاع الخاص على الجامعات العمومية”.

كما انخرط أساتذة كليات الطب والصيدلة في معركة التضامن مع طلبة/ات الطب، حيث صوتوا في جمع عام استثنائي لمناقشة “مستجدات وتطورات الحركة الاحتجاجية التي يخوضها طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان”، بنسبة 87 في المائة، لصالح تأجيل الامتحانات، إلى حين تجاوز كل المشاكل العالقة حاليا بين الطبلة ووزارتي التربية الوطنية والصحة، داعين الجميع إلى الاستمرار في مجهوداتهم لإنقاذ السنة الجامعية، ومعلنين إبقاء الجمع العام مفتوحا، تحسبا لتطورات ومستجدات الملف.

لا زال التضامن ناقصا، خاصة من جانب الجسم النقابي، الذي اقتصر بعضه على بيانات ومطالبة الوزارتين بفتح “حوار جدي” من أجل الاستجابة لمطالب طلبة/ ات الطب.

… نقاط ضعف وجب تفاديها

المعارك التي لا تستفيد من أخطاء سابقاتها مآلها الزوال. لم تنس بعد الطريقة التي استطاعت بها الدولة إطفاء معركة بطولية أخرى: معركة “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”.

تعتبر معركة طلبة/ات الطب معركة دفاعية من أجل تحصين مكاسب سابقة، وليس نضالا هجوميا لانتزاع مكاسب جديدة. هذا ما أكده أنس حسونة، رئيس مجلس طلبة الطب بالدار البيضاء: “نحن- في هذه اللحظة- لا نطالب بمكاسب جديدة، نطالب فقط بالحفاظ على مكاسبنا السابقة”.

لذلك فالانخراط في معركة حاسمة ونهائية من أجل انتزاع جميع المطالب (الآن وهنا) قد يدخل المعركة في مآزق كبيرة، خصوصا مع عزلة نضالات طلبة/ات الطب عن باقي نضالات ضحايا سياسة الدولة النيوليبرالية.

رغم جذرية أشكال النضال، إلا أن الخطاب السائد لدى طلبة/ات الطب (كما كان عند تنسيقيات شغيلة التعليم)، هو الإيمان بإمكانية الاستجابة للمطالب بواسطة “حوار جدي ومسؤول”، ويردون المشكل إلى مجرد غياب “الإرادة السياسية” لدى الدولة وتعنتها.

لكن الدولة تستعمل الحوار في وقته المناسب بالضبط، يوم تريد إيهام الشعب بأنه هي من يعرض “الإرادة الحسنة”، وتنسب إلى حركات النضال تهم التعنت وخدمة “أجندات جهات” وتسييس المطلب.

علينا ألا نسقط في هذا الفخ. عادة ما تلجأ حركات النضال إلى نفي هذه الاتهامات، معتقدة أن ذلك سيجعل الدولة تستجيب. لذلك نرى حركات النضال تجتهد لنفي الطبيعة “السياسية للمطلب”: “نحن لدينا مطالب خبزوية”، هذا ما صرح به أنس حسونة، رئيس مجلس طلبة الطب بالدار البيضاء.

إن الطابع السياسي للمطالب الاجتماعية ينبع من كون الوضع الذي تناضل ضده حركات الاحتجاج يجد تفسيره في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تطبقها الدولة، سياسات تستلهم روح الهجوم النيوليبرالي (الأداء مقابل الخدمة، الخوصصة، تقليص الميزانية…). لذلك يعد وصف المطالب بالخبزوية ونفي الطابع “السياسي” عنها، إغفالا لجوهر القضية. ويؤدي هذا إلى صعوبة تجميع ضحايا السياسات النيوليبرالية في جبهة متحدة ضد الدولة منفذة هذه السياسات.

ينتج عن هذا نقطة ضعف أخرى تسقط حركات الاحتجاج في فخاخها، وهي القبول بالوساطات التي تدعي الحرص على “القطاع وتجنب الاحتقان”. لم يمر بعد أكثر من شهرين على فخ الوساطة الذي أسهم في إطفاء دينامية النضال الذي أطلقته تنسيقية المفروض عليهم/هن التعاقد، وها هي تتكرر مرة أخرى معركة طلبة/ات الطب، حيث ثمنوا مبادرات الوساطة الرامية إلى حل الأزمة التي يعيشها قطاع التكوين الطبي، “والتي أكدت جميعها على مشروعية الملف المطلبي للطلبة الأطباء”.

الدولة: قمع ومناورة

لا تستجيب الدولة للمطالب لأن خفض سقف المطالب وإبداء النية الحسنة ولجان الوساطة، أقنعها بذلك. الدولة تذعن وتنتزع منها المطالب انتزاعا. منطق الدولة صارم: تطبيق برامج صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية يفرض التعامل مع ما تثيره هذه البرامج من استياء واحتجاج، من أجل هزمه ما يهيئ الأرضية لمزيد من تطبيق هذه البرامج.

ناضل طلبة/ات الطب لمدة 3 أشهر، كانت الدولة حينها متفرغة لهزم معركة تنسيقية المفروض عليهم/هن التعاقد. وقد استفادت من دروس هذه المعركة، وهي تطبقها حاليا بحذافيرها لإطفاء نضال طلبة/ات الطب.

تجاهل وقمع محسوب وانتقائي، يليه اعتراف الدولة بمشروعية مطالب الحركة وإبداء الاستعداد لحل المشكل بالطرق “الحضارية” أي الحوار. وبشكل مواز تصيب ضرباتها الزجرية أقرب المعنيين بنضال الفئة المحتجة. فكما قامت بعقاب الهيأة التربوية والمفتشين ليسهل عليها هزم معركة المفروض عليهم/هن التعاقد، ها هي تقوم بإعفاء الأساتذة الجامعيين الذين تضامنوا مع نضالات طلبة/ات الطب. الهدف واضح: إفقاد أي مقاطعة لمفعولها، فما دام الأساتذة أعلنوا مقاطعتهم لإجراء الامتحانات، فإن طلبة/ات الطب سيكونون أكثر حماسا للانخراط في هذه المقاطعة.

بعد الحوار تقوم الدولة بنشر وجهة نظرها على نطاق واسع، وتتهم الطرف الآخر بأنه هو من لم يحترم نتائج الحوار، وبالتالي فهي معنية بإنقاذ الموسم الدراسي من تعنت طرف لا يريد حلا متوافقا عليه. لهذا أعلنت الوزارة أن مدة الامتحان ممددة حتى 25 يونيو، وهي طريقة لقضم قاعدة المقاطعين/ات والنيل من معنوياتهم/هن، تحت طائلة الرسوب والفصل لمن استكمل السنوات القانونية.

النضال الوحدوي مفتاح النصر

تستفيد الدولة أولا وقبل كل شيء من العزلة التي تعانيها نضالات فئات الشعب، التي تندفع تباعا ولكن بشكل منفرد للاحتجاج ضد ما يلحقها بالضبط من أوجه الهجوم النيوليبرالي.

ناضلت شغيلة التعليم منفردة وبشكل معزول عن بعضها البعض، ونفس الشيء بالنسبة لنضالات الممرضين والمتصرفين، والآن طلبة/ات كليات الطب.

إن هذه العزلة هي النقطة القاتلة للنضال الاجتماعي. هناك وعي متزايد بخطر هذه العزلة، وقد رأيناه في تضامن الطلبة/ات المهندسين/ات وأساتذة/ات التعليم العالي (الطب) مع نضال طلبة/ات الطب. كما صدرت بيانات تضامنية (تنسيقية المفروض عليهم/هن التعاقد، التوجه الديمقراطي (التعليم العالي)، النقابة الوطنية للصحة- كدش…). لكن ما لم يتحول هذا التضامن إلى فعل نضالي موحد ميدانيا، سيبقى في حدود إبداء التعاطف المبدئي.

تواجه تنسيقيات ونقابات شغيلة التعليم والطلبة/ات المهندسين/ات وطلبة/ات الطب نفس السياسة النيوليبرالية التي تنفذها الدولة في قطاع التعليم العمومي: إنه عدو واحد، وبالتالي لا معنى لتشتت النضالات.

بقلم، شادية الشريف

شارك المقالة

اقرأ أيضا