لن ننسى أبدا 11 أيلول 1973: جريمة، وفيلم عن فيكتور جارا

ثقافة و فن12 يناير، 2015

في 11 أيلول 1973 في سانتياغو عاصمة التشيلي، انقلب الجنرال أوغوستو بينوشيه، بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، على الحكومة الاشتراكية التي كان يترأسها سلفادور الليندي. قُصِفَ القصر الرئاسي. الليندي رفض الاستسلام ومن ثم أطلق النار على نفسه. عم الرعب طوال 17 عاما. في كل أنحاء البلاد، انتشر الجيش ودباباته في شوارع المدن وجالت الطوافات في سماء التشيلي. تحولت المناجم والفيلات والملاعب إلى مراكز اعتقال. نُفِّذَ التعذيب بطريقة منهجية، وقُتِلَ الآلاف من المعارضين.

أنا لا أغني لمجرد الغناء، أو لأن صوتي جميل، أغني لأن للغيتار شعور وعقل. من ضمن الضحايا التي سقطت، فيكتور جارا، المغني الشعبي الملتزم الأكثر شهرة في تلك الحقبة، والشخصية البارزة في التشيلي. السفير الثقافي للرئيس الليندي، تميزت نصوصه بالتحريض على الصراع الطبقي ورفض السياسات القمعية التي مارستها الحكومات في القارة الأميركية. وقد شغل مركز المدير الفني للفرقة (Quilapayun) الفرقة التي أدت أغنية (الشعب الموحد لا يهزم أبداً) والتي رددها كل الناس. مقتله العنيف جعل منه شهيدا، ورمزا للنضال في جميع أنحاء أميركا اللاتينية.

في التشيلي، هناك اليوم أكثر من 3000 ضحية سقطت بيد النظام الديكتاتوري من ضمنهم 1200 شخص ما زالوا مفقودين. لا تزال جثثهم مخبأة في مكان ما من صحراء أتاكاما هذا إذا لم يتم رميها من الطائرات في البحر. وإذا كان فيكتور جارا لا يعدّ من ضمن المفقودين ذلك لأنه دفن في المقبرة الرئيسية في سانتياغو، وذلك بفضل هيكتور هيريرا، الذي بين 16 و18 أيلول 1973، وداخل المشرحة المركزية، غافل انتباه الحراس ورتب عملية “إنقاذ” جثة فيكتور. هيكتور هيريرا هو الشخصية الرئيسية في الفيلم، هو الذي يعيدنا في الزمن، إلى الأيام التي شهدتها التشيلي في شهر أيلول 1973. في تلك السنة، كان يبلغ عمر هيكتور 23 سنة، موظفا عاديا، ونظرا إلى تخصصه في دراسة البصمات، أرسله الجيش للعمل في المشرحة. عندها وفي وسط كل ذلك الجحيم، وبين مئات الجثث المكدسة، وجد نفسه مذهولاً أمام جثمان فيكتور جارا. بعد يومين، نجح خمسة أشخاص، كلهم من الموظفين، حيث خاطروا بحياتهم لدفن المغني… لما يمثله. ولأنه هو. الموظفون الخمسة أقسموا على التزام الصمت. وهو اتفاق بقي مكتوما حتى اليوم. ولم يفشوه لأحد أبداً.

التحقيق في اغتيال فيتكور جارا لا يزال مفتوحا، والمحاكمة جارية حتى اليوم. فيكتور جارا هو حالة من 700 شكوى في التشيلي قدمت منذ عام 2000 باعتبارها جرائم ضد الإنسانية. عام 2009، وبناء على طلب عائلة جارا، وبعد 36 عاماً من الصمت، شَهِدَ هيكتور في المحكمة للمرة الأولى. فأضيفت هذه الشهادة إلى الملف ومن شأنها أن تطلق التحقيق من جديد. عام 2010 أخرجت جثة فيكتور لتشريحها ومن ثم أعيد دفنها في جنازة رسمية من العام نفسه، جسد فيكتور جارا، أصبح وسيلة اثبات، وإدانة لضباط يشتبه بتورطهم بقتله. في هذا الفيلم، هيكتور، اللاجئ السياسي السابق والذي يدير مطعما في نيم – فرنسا يعود اليوم إلى الأماكن الرئيسية لعملية الإنقاذ تلك ويحاول العثور على الموظفين الذين ساعدوه يومذاك. في التشيلي المنقسمة حتى اليوم بين المعارضين والمؤيدين لبينوشيه، والممزقة بين النضال والنسيان، يعيد هذا الفيلم كتابة التاريخ ويبرز للمشاهدين حالة العصيان تلك. في أيلول 2013، ستحيي التشيلي الذكرى الأربعين للانقلاب على الشرعية.

لا ننسى أبداً أولئك الذين استطاعوا في السابق وشكلوا لنا هذا المقدار من الثقة…

— كان والدي لاجئا سياسيا هاربا من التشيلي. زعيم نقابي، وعامل بناء، وصل إلى فرنسا في كانون الثاني 1974. أما أنا فولدْتُ في فرنسا عام 1975. والدتي فرنسية. ولطالما غنينا بحماسة، أنا ووالدي، كل أغاني فيكتور جارا، التي تشربتها خلال طفولتي.

هيكتور، صديق لوالدي، سلمني قصته، وأردت على الفور تسجيلها. في الاسبانية (grabar) لها معنيان: تسجيل (صوت، صورة، فيلم) وتسجيلها على الحجارة أو على الأخشاب، وبالنسبة لي ضرورة التسجيل تأتي دائما من الظروف التي عاشتها التشيلي عام 1973، الجرح الذي أتيت منه.

منذ بضعة سنوات، أنجزت فيديو قصير حول والدي في التشيلي عن سنوات الثلاثين في المنفى. في ذلك العام، انتهيت من إنجاز فيلم حول رحلة عمي الطويلة من فرنسا إلى التشيلي، المتهم بالإرهاب، والذي عاد إلى بلاده للمرة الأولى. فيشكل بالتالي هذا الفيلم الجزء الثالث من أعمالي حول التشيلي- 1973 ونتائج الانقلاب.

أسعى هنا إلى تعميق الأسئلة حول المسؤولية المواطنية. الرضوخ أو التمرد عندما يعم الخوف والتهديد… وهو سؤال يؤرقني وأجد صداه في الأحداث الجارية في العالم اليوم. هذا الفيلم، بالنسبة لي، يقع، ضمن سيرورة الاعتراف وديناميكية الانتقال الجارية. (إلفيرا دياز- مخرجة الفيلم)

دانيال بليتراش

شارك المقالة

اقرأ أيضا