نسوانية لأجل الــ 99% – بيان، أطروحة 8. وُلِـدت الرأسمالية من العنف العنصري والاستعماري. نسوانية الـ99% مناهضة للعنصرية وللامبريالية

النساء22 أكتوبر، 2019

بقلم، تشينسيا  أروتسا  Cinzia Arruzza * تيتي باتاشاريا  Tithi Bhattacharya**  نانسي فرايزر Nancy Fraser***

تكتسي “المسألة العرقية” اليوم، مثلما كان في أزمات أخرى خطيرة للرأسمالية، طابعا شائكا أكثر من أي وقت مضى، مؤديةً إلى توترات قوية. أصبحت الشعبوية اليمينية، القومية العرقية الشرسة، والتي يحركها غوغائيون يزعمون الدفاع عن الأغلبية المتضررة، تنضم بلا تحفظ إلى نزعة تفوق البيض، بعد أن كانت مكتفية بترويج رسائل نصف واعية “بسيطة”. وتُسهم الحكومات الوسطية بوعي وصراحة في تلك الميول العنصرية، إذ تغلق مداخل المهاجرين والمهاجرات، وتحتجز أطفالهم، وتحبسهم في معسكرات أو تتركهم يغرقون في البحار. وتواصل الشرطة، في تلك الأثناء، في البرازيل وفي الولايات المتحدة الأمريكية، قتل أشخاص غير بيض بلا عقاب فيما ترسلهم المحاكم بكثافة، ولحقب مديدة، ليتعفنوا في سجون خاصة تحولت إلى أعمال مدرة للربح.

 يحاول البعض الاعتراض على هذه الأوضاع المشينة. ويحتج ناشطون/ات ألمان/ات وبرازيليون/ات وأمريكيون/ات بكثافة على صنوف عنف الشرطة العنصرية، وعلى أنصار نزعة تفوق البيض. إنهم/هن يحاولون بهذا النحو إعطاء دلالة جديدة لكلمة “إلغاء”، بالمطالبة بإنهاء عمليات الحبس وبتفكيك الوكالة الأمريكية المكلفة بمراقبة الحدود ICE . بيد أن العديد من هذه الحركات المناوئة للعنصرية تقتصر على التنديد بالنظام الأخلاقي.  وبالموازاة، يختار البعض اللعب بالنار، على شاكلة تيارات اليسار الأوربي التي تقترح التحالف مع اليمين وتعترض هي ذاتها على الهجرة.  

في هذا السياق، يتعين أيضا على النسوانيات اختيار معسكرهن. لكن، حصيلة النسوانية، بخصوص المسألة العرقية، من منظور تاريخي، حصيلة متباينة، وهذا أقل ما يقال… فقد تعاطت  الأمريكيات نصيرات تصويت النساء البيض لمهاترات عنصرية صريحة بعد الحرب الأهلية، لمّا مُـنح حق التصويت للرجال السود دون النساء. ودافعت شخصيات كبيرة من النسوانية الانجليزية، حتى النصف الثاني من القرن العشرين، عن القانون الاستعماري في الهند على أسس “حضارية” وعنصرية، إذ  كن يعتبرنه لازما “للرقي بالنساء الملونات من وضعهن الدوني”. وحتى اليوم تُسوّغ نسوانيات أوربيات معترف بهن تدابير معادية للمسلمين/ات بمبررات شبيهة.

 وقد اكتسى تداخل النسوانية والعنصرية هذا أحيانا أشكال”أكثر حذقا”. إذ وضعت النسوانيات الليبراليات والجذريات، حتى عندما لم يكـنَّ عنصريات صراحة أو بقصد، تعريفا لـ”الميز الجنسي” و”الاشكاليات المرتبطة بالجندر” باعتماد وضع النساء البيض من الطبقة الوسطى نموذجا كونيا (زائفا). وبفصلهن الجندر عن العرق (والطبقة)، جعلن حاجة “النساء” إلى الإفلات من الدائرة المنزلية و”الذهاب إلى العمل” أولوية – كما لو كنا جميعا نساء منزل مقيمات بالضاحية ! وتبعا لنفس المنطق، اعتبرت ناشطات نسوانيات  بيض أمريكيات أن النساء السود لن يكنّ نسوانيات حقيقةً إلا إذا جعلن رابطةً أخويةً نسائيةً خياليةً، ما بعد عرقية أو غير عرقية، سابقةً على تضامن مع الرجال السود مناهض للعنصرية. وقد أفلحت النسوانيات ضحايا العنصرية، برفضهن طيلة عقود لاتخاذ موقف من هذا المأزق، في كشف ما تخفيه تلك الايعازات، التي باتت مرفوضة أكثر فأكثر من قبل نسوانيات من كل الاتجاهات.

 تنظر نسوانيات الـ99% بنفاذ بصيرة إلى هذا التاريخ المخزي، ويلتزمن بالقطع النهائي معه. إننا ندرك أن لا شيء مما يستحق اسم “تحرر النساء” قابل للتحقق في مجتمع عنصري وامبريالي. ونؤكد أيضا أن جذر المشكل قائم في الرأسمالية، التي تلازمها العنصرية والامبريالية. لم يكن هذا النظام الاجتماعي الذي يتباهى بتشجيع “العمل الحر” و”القائم على عقد” ليرى النور إلا بأعمال نهب المستعمرات، و”تحويل أفريقيا إلى نوع من مصايد تجارية لاقتناص الجلود السوداء”(1) ، وبالاستعباد في “العالم الجديد” وبنزع ملكية الشعوب الأهلية. وبعيدا عن أي توقف بعد إقلاع الرأسمالية، واصل نزعُ ملكية الشعوب ضحية العنصرية وغير الحرة أو التابعة إتاحةَ استغلال “العمل الحر”. اتخذ التمييز بين “العمال والعاملات” المستغلين بحرية و”الآخرين” منزوعي الملكية والمخضعين للتبعية أشكالَ مختلفة عبر تاريخ الرأسمالية- أثناء  العبودية والاستعمار والابارتهايد وقسمة العمل الدولية- وتشوَّش أحيانا. لكن استغلال الأشخاص ضحايا العنصرية أتاح للرأسمال، عبر كل هذا التاريخ وحتى اليوم، استثمار أرباحه بمصادرة الموارد الطبيعية وقوة عمل الرجال والنساء، دون اكتراث بتجديدهما أو إعادة إنتاجهما. ولأسباب منظومية خلقت الرأسمالية دوما طبقات من كائنات بشرية ضحية العنصرية، حيث الأشخاص والعمل مُسْتَرخَصان ومُخْضَعان لنزع الملكية. لا يمكن لنسوانية مناهضة حقيقةً للعنصرية وللامبريالية إلا أن تكون أيضا معادية للرأسمالية

هذا صحيح أكثر من أي وقت مضى، حيث تعاظم بشكل مهول واشتد نزع الملكية العنصري باستعمال رافعة الديون.. ففي بلدان الجنوب “ما بعد الاستعماري”، يؤدي الاستحواذ على الأراضي من قبل مقاولات كبيرة تتغذى من الديون إلى ترحيل شعوب أهلية عديدة- ويدفعها أحيانا إلى الانتحار. وفي الآن ذاته، تؤدي “إعادة هيكلة” الديون السيادية إلى تفجير النسبة بين الفوائد والنتاج الداخلي الإجمالي، ما يُجبر  دولا يُفترض أنها مستقلة على تقليص نفقاتها العامة، ويحكم على أجيال العمال والعاملات القادمة بتخصيص قسم متزايد من عملهم/هن لسداد ما تفرضُ مؤسسات القرض الكبيرة. على هذا النحو، يستمر نزع الملكية العنصري، في تَمَفْـصُل مع زيادة في الاستغلال بفعل ترحيل العديد من المصانع إلى بلدان الجنوب. 

كما يتبع هذا الاضطهاد وتيرةً جامحةً في بلدان الشمال. وفيما تحل فرصُ العمل ضعيفةُ الأجر والهشةُ في القطاع الثالث تدريجيا مكان عمل الشغيلة المنظمين نقابيا في الصناعات، تسقط الأجور تحت الحد الأدنى الضروري لحياة لائقة، لاسيما في مجالات حيث يمثل الأشخاص ضحايا العنصرية أكثريةً. وغالبا أيضا ما تُقترح عليهم، وهم تحت إكراه قبول مناصب عمل عديدة والاقتراض على دخلهم المستقبلي للعيش، قروضُ رهنية بالغة المخاطرة. كما تتراجع الحماية الاجتماعية، إذ باتت الخدمات التي كانت تتيحها الدولة تقع باطراد على كاهل الأسر والجماعات- وتنيخ بثقلها على النساء المهاجرات في المقام الأول. 

وعلى غرار هذا، أصبحت عائدات الضريبة المخصصة سابقا للبنيات التحتية العامة موجهةً لسداد الديون، ما يؤدي إلى عواقب مُفجعة جدا على المجموعات ضحية العنصرية- المعرضة للميز المجالي وللحرمان من الإعانات العمومية للمدارس والمستشفيات والسكن والنقل والتموين بالهواء والماء غير الملوَّثين. و تقوم الرأسمالية المالية، بكل مكان بالعالم، بنزع كثيف لملكية السكان على أسس عرقية. 

 كما أن لتنظيم العالم الهرمي هذا عواقب جندرية. فملايين النساء المهاجرات والسود مستخدمات اليوم كخادمات بيوت ومكلفات بأنشطة الرعاية. و يتعرضن في الآن ذاته، غالبا بلا أوراق ثبوتية وبعيدا عن أسرهن، للاستغلال ولنزع الملكية- مجبرات على العمل في شروط هشة، ومحرومات من حقوقهن وضحايا لشتى صنوف التعسف. يتيح اضطهادهن المصنوع بـ” الأغلال العالمية للرعاية”(2) للنساء ذوات الامتيازات العيش في ظروف حسنة، وتفادي قسم من العمل المنزلي وممارسة مهن ذات قيمة. ويمكن لهاته، باسم الدفاع عن حقوق النساء، مساندة حملات سياسية تروم سجن رجال سود بجريرة الاغتصاب، واضطهاد المهاجرين والمسلمين والمطالبة بتماثل النساء السود والمسلمات مع الثقافة السائدة. يا لها من سخرية !

إن العنصرية والامبريالية والوطنية العرقية تسهم في الواقع في بُغض النساء المعمم وفي التحكم في جسد كل النساء. ولأن صنوف الميز هاته تصيبنا جميعا، نحن النساء، يجب أن نحاربها بكل ما أوتينا. لكن التصريحات المجردة  بصدد “الأخوة النسائية” العالمية تؤتي نتائج عكسية، إذ أنها تشيع، انطلاقا من مبدأ وجود هذه الأخوة التي يتعين بناؤها عبر سيرورة سياسية، انطباعا بوجود تجانس. والواقع أنه حتى إن كنا نعاني جميعا من اضطهاد بُغض النساء في المجتمع الرأسمالي، فإن معاناتنا تكتسي أشكال متباينة. وليست الروابط بين صنوف الاضطهاد تلك مرئية مباشرة دائما، إذ يجب كشفها سياسيا عبر جهود منظمة لبناء التضامن. بهذه الكيفية، دون سواها، وبالنضال ضمن تنوعنا ومن خلاله، يمكن أن نحصل جميعا على ما نحتاج من مقدرة/سلطة كي نأمل تغيير المجتمع .

ترجمة: جريدة المناضل-ة 

===========  

  1. كارل ماركس، الرأسمال، الكتاب الأول، الجزء الثامن، الفصل 31. 

2- يمكن تعريف “الأغلال العالمية للرعاية” global care chains  بما هي مجموع العلاقات القائمة على الرعاية التي تنتشر عالميا.  

  • تشينسيا  أروتسا  Cinzia Arruzza : أستاذة فلسفة في New School for social Research  في نيويورك. لها مؤلفات عديدة تستكشف العلاقات بين الاشتراكية والنسوانية.

**  تيتي باتاشاريا  Tithi Bhattacharya:  أستاذة ومديرة برنامج Global Studies  في جامعة بوردو Purdue [انديانا]. تقيم مؤلفاتها تقاطعا بين النظرية الماركسية ومسائل الجندر.

*** نانسي فرايزر  Nancy Fraser: أستاذة الفلسفة والسياسة في  New School for social Research بنيويورك. لها مؤلفات عديدة، وهي إحدى الممثلات الرئيسة للنظرية النقدية  في العالم الناطق بالانجليزية . 

شارك المقالة

اقرأ أيضا