الإضراب الأخير لتنسيقية حملة الشهادات في ضوء دروس المعركة السابقة لتنسيقية المفروض عليهن التعاقد

تتسم حركات النضال بالمغرب ببناء تجاربها الخاصة فوق أنقاض تجارب سابقاتها، فهي لا تستفيد من دروس الماضي ولا تستخلص عِبَرَ إخفاقاته. أدى تكرار نفس الأخطاء وتوقع نتائج مختلفة إلى مراكمة الهزائم، في حين أن الدولة تتقدم في تنزيل هجماتها، مستفيدة من أخطائنا وعثراتنا ومستعملة خبرتها المكتسبة في مواجهة النضالات الجارية واستباق احتجاجات محتملة.

خاضت تنسيقية موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات إضرابا قابلا للتمديد ابتداء من 2 ديسمبر 2019 تحت شعار “معركة اللاعودة إما الترقية أو الترقية”، مددته أسبوعا اخر وتخللته أشكال احتجاج ميدانية جرى قمعها.

يفرض علينا الواجب النضالي تجاه تنسيقية حاملي الشهادات وغيرها من حركات النضال أن نضع بين أيديها تجربة معركتنا السابقة بدروسها وعبرها. فالتضامن المطلق واللامشروط مع السكوت عن مكامن الخطأ يعد تملقا لا يليق بالمنخرطات- ين في النضال، بل بمن يريد استعمال تلك النضالات لغاياته الخاصة دون العمل على تطويرها: وهذا لا يليق بالمناضل- ة العمالي- ة.

انخرطت تنسيقية المفروض عليهن/هم التعاقد، في سياق غير ملائم، في إضراب قابل للتمديد، رافعة شعار “التصعيد”، ومستسهلة إسقاط مخطط التعاقد ومعتقدة أنها قادرة- لوحدها- على تحقيق مطلب الإدماج، ومستهينة بالخصم.

بدل أن تتفادى تنسيقية حاملي الشهادات الأخطاء التي وقعنا فيها الموسم الماضي، أعادت إنتاجها حرفيا في إضرابها الأخير وهذه أهمها.

* وهم تبسيط المطلب:

طبعت هذه السمة أغلب تدوينات حاملي الشواهد وحتى تصريحاتهم الصحفية من قبيل القول: “متأكدون، بأن ملف حاملي الشهادات بسيط جدا، ولا يحتاج لأي تدخل من الحكومة ككل، بقدر ما يحتاج الى عزيمة وجرأة الوزير المعني. أما الحكومة ورئيسها لا اعتقد أبدا سيكون لهم أي اعتراض على تسوية الملف لأنه بكل بساطة ليست له أي تكلفة وأي عبء على ميزانية الدولة”. [تصريح الأستاذ عبد الوهاب السحيمي عضو المجلس الوطني لتنسيقية حاملي الشهادات].

يعكس هذا التصريح الاعتقاد السائد بأن تقزيم الملف المطلبي سيغري الدولة بتعجيل حله، وهو اعتقاد خاطئ تماما. فالترقية تفرض تمتیع المناصب المالیة بزیادة في قیمتها الإسمیة، ما یتیح رفعا فعلیا للقدرة الشرائیة للشغیلة، وهو ما یتعارض تمام مع “الحرص” على التوازنات المالية الذي يعتبر بندا دستوريا، كما أن الاستجابة للمطلب تحت ضغط النضال سيحفز فئات أخرى حاملة لذات المطلب وسيقوي ثقتها في جدوى النضال وهو ما تخشاه الدولة.

كما أن هذا التبسيط قائم على وهم امتلاك الوزير لسلطة حقيقية يكفيه أن يستعملها “بكل عزيمة وجرأة”، لكن ما حدث مؤخرا في مجلس المستشارين يؤكد العكس، حين التجأت الحكومة إلى الفصل 77 من الدستور، لإسقاط قرار صادق عليه المجلس يهم إعفاء المتقاعدين من الضريبة على الدخل.

* الاستهانة بقوة الخصم:

عادة، تقع حركات النضال في فخ الاستهانة بالدولة وخبرتها في مواجهة الاحتجاجات، حيث يجري اختصار جهاز الدولة في شخص مسؤولين نتصيد عثراتهم وأخطائهم للتدليل على عدم درايتهم بالملف وعشوائية تسيير القطاع وارتجالية تدبيره. نعتقد أننا، بتصيد هذه العثرات والأخطاء، في موقف قوة ونضع بذلك الوزارة في موقف ضعف.

ينطوي هذا المنظور على بعد سيكولوجي يقوم على اعتقاد راسخ بأننا أحكمنا الخناق على الدولة بفعل نباهتنا وانتباهنا إلى ثغرات تصريحات مسؤوليها.

أدت تنسيقية المفروض عليهن/هم ثمن هذا الخطأ في معركة الموسم السابق، وها هي تنسيقية حاملي الشهادات تعيده في إضرابها الأخير ويتجلى ذلك في الترويج لعناوين صحفية تظهر الوزارة في موقف ضعف من قبيل: “ملف الترقية بالشهادات وتغيير الإطار يقض مضجع الوزير أمزازي”. [موقع cap24.tv].

يكمن الخطأ الجوهري لهذا المنظور في رد رفض الوزارة الاستجابة للمطلب إلى عدم دراية الوزير بالملف وعشوائية تدبيره للقطاع، في حين أن الأمر يتعلق بسياسة قائمة على التقشف وتقليص كتلة الأجور والقضاء على الطابع العمومي للخدمات الاجتماعية، ما يبرئ السياسة العامة للدولة ويرسخ وهما بأن تعويض وزير عديم الكفاءة بوزير كفؤ سيحسن أحوال القطاع ويستجيب للمطالب.

* خطأ التصعيد والخطوات غير المسبوقة:

هناك تقليد سائد في حركات النضال يعتقد أن خوض احتجاجات غير مسبوقة سيدفع الدولة إلى الاستجابة للمطلب، في حين أن تصعيد النضال بطريقة لا تستحضر ملاءمة السياق تضع هذه الحركات في مأزق لا تحسد عليه.

خاضت تنسيقية حاملي الشهادات إضرابا قابلا للتمديد ابتداء من 2 دجنبر 2019 تحت شعار “معركة اللاعودة إما الترقية أو الترقية” وضمنت بيانها الداعي للإضراب الصيغة التالية: “خوض إضراب وطني لمدة أسبوع قابل للتمديد ابتداء من يوم الاثنين 2 دجنبر مع أشكال نضالية غير مسبوقة متمركزة بالرباط سيعلن عنها في حينها”.

كل هذا كان في سياق غير ملائم أهم سماته: انشغال البيروقراطيات النقابية وغرقها في جلسات الحوار وامتناعها عن نضال ميداني فعلي، إضافة إلى انكفاء نضالي داخل تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد مقارنة بالموسم السابق.

مشكل هذه الخطوات القَصَوِيَّة التصعيدية أنها تخفت بنفس السرعة التي تندلع بها، حيث تستطيع إجراءات الدولة التي تستفيد من عزلة هذه النضالات ردها على أعقابها. فبعد أيام معدودات من إعلان تفعيل مسطرة ترك الوظيفة اضطرت تنسيقية حاملي الشهادات إلى تعليق الإضراب. وبدل أن تحقق الخطوات غير المسبوقة مطالبها، يخلف تراجعها السريع آثارا نفسية سلبية على معنويات القواعد واستعدادها النضالي. وهو ما لاحظناه جليا بعد تعليق تنسيقية المفروض عليهن التعاقد إضرابَها المديد نهاية أبريل 2019.

أثبتت التجربة أن الدولة تفضل أشكال النضال غير المسبوقة وخطوات اللاعودة، لا وبل تستثيرها. فالدولة تستعمل هزيمة هذا النوع من أشكال النضال لتحقيق غايتين:

* ترسيخ لا جدوى النضال في وعي الكادحين وأن الدولة لا تخضع أبدا للضغط.

* تستغلها لامتحان فعالية أجهزتها واكتساب مزيدِ الخبرةِ في التعامل مع حركات الاحتجاج.

* الفئوية: خطر عزلة النضالات

طبعت الفئوية نضالات شغيلة الوظيفة العمومية، وبشكل خاص نضالات شغيلة التعليم، فكل فئة تناضل بمعزل عن الفئات الأخرى معتقدة أن ذلك هو الطريق الأسهل لتحقيق المطلب، في حين أن العكس هو الصحيح.

فبدل السير على خطى الموسم السابق وأهمها إضراب 3 يناير الوحدوي والذي أجمع الكل على أنه كان ناجحا، بدأت نضالات شغيلة التعليم هذا الموسم بخطوات نضالية معزولة:

* تنسيقية المفروض عليهن/هم التعاقد 24 و25 أكتوبر.

* تنسيقية حاملي الشهادات 30 شتنبر و1 أكتوبر.

ورغم تزامن إضراب المفروض عليهن/هم التعاقد يومي 3 و4 ديسمبر مع إضراب حاملي الشهادات من 2 إلى 9 دجنبر إلا أنه لم يكن يعبر عن نضال مشترك بين التنسيقيتين بل مجرد صدفة: انعدام التنسيق في التقرير والتنفيذ.

إن أحد الأسباب الجوهرية لعدم تحقيق الإضراب الأخير لشعاره “الترقية أو الترقية” هو العزلة النضالية وغياب تضامن باقي الشغيلة. وها هي تنسيقية أخرى قيد النشوء وهي تنسيقية المقصيات- ين خارج السلم، تسير على نفس خطى العقلية الفئوية والنفور من أي تنسيق مع بقية تنسيقيات شغيلة التعليم.

إن مصير معاركنا المعزولة يفرض التأكيد مجددا على أن السبيل الوحيد لتحقيق المطالب، بما فيها التي نعتقد أنها غير مكلفة للدولة، ضرورة تنسيق الجهود النضالية ووحدتها.

نتمنى أن يثير مصير معركتنا الأخيرة [إضرابات تنسيقيتي المفروض عليهن- هم التعاقد وحاملي الشهادات] نقاشا ديمقراطيا وجماعيا صريحا.

وتطوير نضالاتنا من وراء القصد.

بقلم، بشرى الكفول، مناضلة التنسيقية الوطنية للأساتذة- ات المفروض عليهن- هم التعاقد

شارك المقالة

اقرأ أيضا