بعد نجاح مسيرة البيضاء 29 يناير: ما السبيل ليستمر النضال ضد مخطط التعاقد؟

حج آلاف الأساتذة- ات، بدعم من تنسيقيات ونقابات قطاع التعليم، إلى الدار البيضاء للتأكيد على استمرار النضال ضد مخطط التعاقد.
واجهت الدولة برنامج التنسيقية النضالي بمألوف أشكال القمع، مرسلة استدعاءات بتهمة التحريض على ما يعتبره “دستورها حقا مكفولا”، مطوقةً المسيرة الاحتجاجية لمنعها من سلوك المسار المسطر لها، قامعةً المشاركين- ات فيها بالهراوات، معتقلة أساتذة جرى إطلاق سراحهم بعد اعتصام احتجاجي.
يشير نجاح المسيرة إلى أن الاستعداد النضالي لدى قواعد التنسيقية لا زال قائما، وقد أذكى نارَهُ انكشاف أكذوبة “المطابقة والمماثلة” حين رفضت الوزارة في جولة “الحوار” الأخيرة تمتيع شغيلة التعاقد المفروض بحق الترقية بالشهادة إسوة بالشغيلة المرسمة.
يطرح هذا الاستعداد النضالي المبهر التساؤل حول حقيقة نوايا قيادات النقابات النضالية، المصرة على منطق “الدعم والتضامن” بدل حفز النضال وتعبئة كل أقسام الشغيلة ضد تعديات الدولة: تكفيك الوظيفة العمومية، مخطط التعاقد، تكبيل حق الإضراب.
كما تسفه استماتةُ آلاف شغيلة التعاقد المفروض وإصرارُها على ممارسة حق الإضراب في الميدان، تفاهةَ تعويل قيادات النقابات على “الحوار الاجتماعي”. بهذا تنير هذه الشغيلة الشابة طريق النضال أمام کل أقسام الشغيلة المكتوية بنار هجمات الدولة: لا تعويل على حسن نية الدولة وحواراتها، فقط الإضراب والميدان كفيلان بتحقيق المطالب.
ماذا بعد نجاح مسيرة 29 يناير؟
يُطرَح، بحدة، أمام تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد سؤال آفاق النضال من أجل الإدماج وإسقاط مخطط التعاقد. ولا يمكن الإجابة على هذا السؤال دون استحضار ما تقوم به الدولة، ليس في قطاع التعليم فقط، بل مجمل هجماتها على الوظيفة العمومية.
تعمل الدولة على قدم وساق من أجل إخراج “النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” إلى النور، ليحل محل “النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية” القائم حاليا. ويدل اسم “مهن التربية والتكوين” على إصرار الدولة على إعادة هيكلة علاقات الشغل داخل القطاع بما يًطابق ما مررته لحدود الآن من هجمات وعلى رأسها “التوظيف بموجب عقود”. وسيجعل هذا النظام الأساسي من الدولة مجرد متدخل لتنظيم القطاع لا “مُشَغِّلَةً” لموظفيه، تماما كما هو شأن القانون المنظم لمهنيي قطاع النقل أو أي قطاع آخر.
إذا استطاعت الدولة المصادقة على هذا المشروع، فسيفقد “مطلب الإدماج” ذلك البعد الضامن لاستقرار الشغل. حيث سيضفي “نظام أساسي” على هذه الشاكلة المشروعية القانونية على التوظيف الجهوي” و”التوظيف بموجب عقود” إلى جانب کل أشکال فرط الاستغلال التي مررتها الدولة بموجب مذکرات مثل “الأستاذ الرئيس” وغير ذلک.
کما أن هذا الهجوم لن يقتصر على قطاع التعليم بل سيشمل کل قطاعات الوظيفة العمومية، وأکبر دليل هو مشروع نظام أساسي خاص بموظفي الجماعات المحلية ينص صراحة على “التوظيف بموجب عقود” تسعى وزارة الداخلية بدورها إلى المصادقة عليه.
تفرض وحدة جبهة الهجوم الذي يستهدف أقسام شغيلة مُقطَّعة الأوصال (تعدد نقابي، وتنسيقيات فئوية) ضرورة وحدة جبهة النضال. لکن يبدو حاليا أن وعي ضرورة الوحدة لا يترجم إلى مبادرات ميدانية تضع اللبنة الأساس لمجابهة موحدة تشمل کل جسم الشغيلة.
يبدو- لحدود الآن- أن حدة الهجوم على قطاع التعليم (التوظيف الواسع بموجب عقود: 85 ألف أستاذ- ة)، حكمت باقتصار المقاومة على المفروض عليهن- هم التعاقد. لکن تنزيل الهجوم سيجر الشغيلة باقي قطاعات الوظيفة العمومية للانخراط في المقاومة إلى جانب شغيلة التعاقد المفروض.
فما العمل، في انتظار التحاق باقي فيالق جيش الشغيلة بساحة الحرب ضد تفكيك الوظيفة العمومية ؟
تناضل التنسيقية الوطنية في سياق محلي غير ملائم من الناحية الذاتية: خفوت نضال الشغيلة، إصرار القيادات النقابية على دور الوساطة والحوار.
تفرض عدم ملاءمة السياق تفادي الانجرار- مرة أخرى- في خطوات تصعيدية تستنزف طاقة المفروض عليهن- هم التعاقد في مواجهات معزولة غير مجدية، لن يكون لها مفعول باستثناء تنفيس غضب القواعد من استمرار هشاشة التشغيل بموجب عقود.
علينا ألا ننسى أن التصعيد غير المحسوب تفضله الدولة وتستثيره، لأن خطواته تنتهي بهزيمة تترك طعم رماد في أفواه المشاركين فيه. استغلت الدولة مناخ تراجع معركة الموسم السابق للمصادقة على “قانون الإطار” وطرح “مشروع قانون الإضراب” للنقاش. وأي تصعيد في سياق غير ملائم، سينتهي بتراجع سيمهد الأرضية لتمرير “مشروع النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” والمصادقة على مشروع قانون الإضراب.
لذلک تقع مهمة عظيمة- ليس سهلة ولکنها ليست مستحيلة- على عاتق تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد، وهي المهمة التي تستنکف بيروقراطيات النقابات عن القيام بها: استنهاض مجمل جسم شغيلة الوظيفة العمومية في مقاومة موحدة ضد هجوم الدولة الموحد لتفكيك الوظيفة العمومية:
– ندوات إشعاعية وأشکال تواصل جماهيرية لمخاطبة مجمل الشغيلة بضرورة النضال الموحد وجدواه.
– علاقات مباشرة في أماکن العمل مع الشغيلة المرسمة لنقاش هجوم الدولة وأشکال مواجهته.
– توسيع دائرة النقاش لتشمل کافة المعنيين بالهجوم على التعليم والوظيفة العموميتين: طلبة، تلاميذ- ات وأسرهم- هن…
– الضغط، إلى جانب قواعد النقابات، على قياداتها لتنخرط- فعلا وليس قولا- في النضال ضد التعاقد: وأولى خطوات هذا النضال الفعلي هي إعلان الانسحاب من مهزلة “الحوار” وتعبئة فعلية لمواجهة نضالية ضد مشروع “النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” الذي تُعده الوزارة/ الدولة.
– حملة توزيع شعبية حقيقية لمناشير تستهدف أوسع الجماهير في الأسواق الشعبية وأمام الإدارات العمومية والجامعات: لتوضيح مخاطر الهجوم على الوظيفة العمومية والتعليم العمومي.
– الاستعداد لانتخابات لجان الأطر، بما هي محطة مفصلية. وسواء تعلق الأمر بالمشاركة أو المقاطعة فيجب أن تكون نتاج النقاش الديمقراطي الجماعي الذي يجب الشروع فيه منذ الآن.
طبعا هذه الخطوات لن تتحقق الآن وهنا، ولکنها الحل الوحيد لمعضلة عزلة النضالات القاتلة. والقفز عن هذه المهمة بمبرر استعجالية المطلب ونبذ الانتظارية لن تحقق المطلب، بل ستفش الاستعداد النضالي في مناوشات معزولة مهما بلغت قتاليتها واستماتتها.
لا يعني هذا، طبعا، تجميد نضال التنسيقية في انتظار تحقق الوحدة النضالية، فهذا بدوره سيدمر الاستعداد النضالي لدى المفروض عليهن – هم التعاقد. ولکن علينا أن نراعي خصوصية السياق النضالي كي لا نندفع في تصعيد يبدو لنا “غير مسبوق” ولکنه في الحقيقة “غير محسوب العواقب”.
علينا الاستمرار في النضال، ولکن في نفس الوقت إعداد الشروط لإطلاق دينامية نضالية وحدوية.
الاستمرار في الاحتجاج خارج أوقات العمل في الشارع ذو فعالية كبيرة، نظرا لدوره التعبوي لکل شرائح الشعب: المسيرات الوطنية ومسيرات الأقطاب، وأشکال الاحتجاج المحلية والإقليمية، ضرورية في انتظار نضوج شروط إضراب يشل القطاع ويلف كل الشغيلة.
بداية علينا تفادي تسطير برامج نضالية شهرية، وتسطير خطة نضالية متوسطة الأمد (حتى نهاية السنة مثلا)، تستحضر خصوصيات السياق النضالي، المشار إليها أعلاه.
لنكن أكيدين- ات أن إسقاط التعاقد قادم لا محالة، سواء في الموسم المقبل أم في المواسم التي تليه. لکن علينا الوعي بأن هذه المعرکة طويلة النفس بما يستوجب معركة شعبية حقيقية، لا تقتصر على شغيلة التعاقد المفروض.
ينتصر أخيرا من يتقن المواجهة: التنظيم، والوعي، والنضال الموحد ضمانات الانتصار.

بقلم، شادية الشريف

شارك المقالة

اقرأ أيضا