الميكروبات والعولمة

بلا حدود25 أبريل، 2020
تحدثنا حول وباء كوفيد-19 مع جان باتو، أستاذ التاريخ الدولي الفخري في جامعة لوزان. بماذا ينبئنا عن الرأسمالية المأزومة الأزمات؟


مقارنة بعوامل الأزمة الأخرى، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، ما هو وزن وباء الكوفيد 19 اليوم؟
نسمع أن هذا الوباء كارثة طبيعية لا يمكن التنبؤ بها، وأنه ربما مكلف اجتماعيا، وسوف يتسبب في ركود عميق، ولكنه شر مؤقت. أولا وقبل كل شيء، إذا كان ظهور كفيد-19 بهذه الصفة كظاهرة عابرة، فإنه سيظل يسبب مئات الآلاف من القتلى. ربما سنخرج من الحجر في الأسابيع المقبلة؛ وسوف تستأنف الحياة “الطبيعية” في سبتمبر/أيلول؛ وسيتوفر لقاح خلال السنة المقبلة. ولكن هذا الوباء يؤكد بشكل مأساوي عودة الأوبئة المعدية الكبرى على نطاق عالمي، وهذا واقع نسيناه طيلة مائة عام، بعد الأنفلونزا الإسبانية في الفترة 1918-1918.
لماذا تعتقد أن عودة الأوبئة المعدية ممكنة اليوم؟
لأن التاريخ قد تميز بفترات أخرى من عدم التوازن بين المجتمعات البشرية والجراثيم الميكروبية إثر مراحل توسع قوي للقوى المنتجة والتبادل. وأدى انتشار الزراعة والثروة الحيوانية إلى أول صدمة ديموغرافية في منتصف الألفية الرابعة قبل الميلاد، ربما بسبب أول وباء كبير. ومنذ ذلك الحين، أضرت عودة الطاعون والجدري بالتقدم الرئيسي في الإنتاج والتجارة، لا سيما في القرون الأخيرة من الإمبراطوريات الكبرى (روما، في نهاية القرن الثاني، بيزنطية وبلاد فارس، منذ نهاية القرن السادس)، في نهاية العصور الوسطى، وفي بداية استعمار أمريكا. ومع التوسع والتصنيع الأوروبي، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، أصبح التيفوس والسل والكوليرا أكثر الأوبئة فتكات الجيوش والأساطيل والسجون وملاجئ المتسولين والمصانع والمدن الشاطئية وأحياء الطبقة العاملة. وقد تسببت الحمى الصفراء في تدمير القوات الاستعمارية.
ولكن الرأسمالية المنتصرة، منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهاية الربع الثالث من القرن العشرين، لم تؤد إلى الانحدار التاريخي للأمراض المعدية؟
سمح صعود الحركة العمالية المنظمة منذ نهاية القرن التاسع عشر، بإرغام الرأسمالية على فرض “تنظيم جزئي” (القوانين الاجتماعية، والعقود الجماعية، وما إلى ذلك)، بتحسين كبير في نوعية حياة الجماهير الشعبية (قنوات الماء الصالح للشرب، المجاري، الطرق، الغذاء الجيد، الصحة العامة والتعليم، التأمين الاجتماعي، الخ)، ولا سيما في بلدان الشمال. وقد ساعد ذلك على الحد من انتشار الأوبئة الميكروبية ومن حدتها.
كان الدمار الاستثنائي للإنفلونزا الإسبانية 1918-1918 ناتجاً عن تدهور هائل في ظروف المعيشة بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة. ولم يكن للتطعيم المنتظم وتسويق المضادات الحيوية، بعد الحرب العالمية الثانية، سوى دور ثانوي، وربما كان أكثر أهمية بالنسبة لبلدان الجنوب.
لماذا تؤدي الرأسمالية الحالية بلا هوادة إلى عودة الأوبئة المعدية الرئيسية على الرغم من التطور المذهل لمعرفتنا العلمية حول هذه الجراثيم وكيفية مكافحتها؟
تشير الأوبئة المعدية الحالية، سواء كانت مرتبطة بجراثيم قديمة أصبحت مقاومة للعلاج (السل)، أو جديدة نسبياً (الإيدز، وإنفلونزا الطيور، وتشيكونغونيا، وزيكا، وإيبولا، وسارس، وميرس، وكوفيد 19، إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
البؤس الجماعي الناتج عن تعميق أوجه التفاوت الاجتماعي والذي يضعف قطاعات هامة من المجتمع، وهذا ليس في الجنوب فحسب، وكذلك سياسات التقشف المطبقة على الصحة ووكل ما يتعلق بالمجال الاجتماعي؛
تدهور النظام الإيكولوجي العالمي جراء الاحترار العالمي، وتدمير التنوع البيولوجي والصناعات الغذائية الكبرى، مما يشجع إنتاجا سريعا للجراثيم طافرة؛
زيادة حركة السلع والأشخاص عالميا، وخاصة عن طريق الجو. وبالتالي فإن الأوبئة الميكروبية الجديدة ليست عنصراً طارئا، بل تشكل عاملاً أساسياً في الأزمة الحالية للرأسمالية المعولمة. يجب علينا تماما أن ندمج هذا المعيار في برامجنا الاشتراكية البيئية.
ترجمة فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة عن المصدر التالي: solidarites.ch/journal/366-2/microbes-et-mondialisation


شارك المقالة

اقرأ أيضا